هذه مقاطع من تعليق د. عبد المنعم أبو الفتوح على ورقة الحركات الإسلامية و العملية الديموقراطية:  اكتشاف المناطق الرمادية (ورقة مؤسسة كارنغي رقم 67، مارس 2006).

 

 قرأت بإمعان دراستكم المكثفة حول النقاط الست التي  لم يتمكن الدارسين و الباحثون في الغرب من معرفة الرؤية الكاملة لخطاب الإسلام الإصلاحي حولها. مصطلح (الإسلام الإصلاحي) هو التوصيف الدقيق لنشاط الحركة الإسلامية الذي يضيق عن توصيفه مصطلح (الإسلام السياسي) فهو يحصر هذا النشاط في الممارسة السياسية  فقط.. فنشاط الحركة الإسلامية اجتماعي وتربوي وثقافي وتعليمي و تنموي.

ومن المهم ابتداء أن نوضح أن الإخوان المسلمين هيئة إسلامية وليست مجرد جمعية دينية وأيضا ليست حزبا سياسيا بالمعنى الاصطلاحي للحزب السياسي..وهناك حديث عميق يدور داخل الجماعة عن تحولها كلية إلى حزب وتقوم بدورها الإصلاحي من خلاله أو أن يتفرع عنها حزب سياسي لا صلة له بالعمل الدعوى والاجتماعي الذي تقوم به الجماعة دون اقتراب من العمل السياسي  فذاك يقوم به الحزب مع تحديد واضح لدور كل منهما . وقد أكسبتنا التجارب رؤية واضحة ودقيقة للتمييز بين ما هو ودعوي وبين ما هو سياسي  وما بدا خلطا وتداخلا سببه التضييق و الحصار والملاحقة والقمع الذي تمارسه الدولة .

 

سأتناول في هذه الورقة النقاط الست الواردة في التقرير  بالتوضيح ..

 

1)الشريعة الإسلامية  : يمثل قانون العقوبات في الشريعة الإسلامية ما نسبته 10 بالمائة تقريبا من أحكام الشريعة .. و مع ذلك فقد استحوذت على كل اهتمام المحللين والمتابعين لموضوع ( الشريعة) مما يعطى انطباعا بأن هذا القانون هو كل الشريعة... والدارس المتعمق لهذه القوانين يجد أنها عقوبات رادعة أكثر بكثير من كونها عقوبات تنفيذية.. وكلما ازدادت قوة الردع في القانون ازدادت قيمته في حفظ تماسك المجتمع و صونه وإصلاح المجرم المحتمل..و الأصل في الإسلام أن كل شيء مباح إلا ما حرم بنص قطعي الدلالة والمحرمات معلومة و محددة .

 

2)العنف :  العنف فضلا عن أنه يتناقض مع مبادئنا و مناهجنا فهو أيضا ضد مصلحتنا ومصلحة أوطاننا .. وفهمنا الصحيح للإسلام يجعلنا نثق كل الثقة بالطبيعة الإنسانية وبقدرة الإسلام على التفاعل الخلاق مع هذه الطبيعة في أجواء الحرية والتنافس الديموقراطي الذي يحترم التنوع و التعدد و الاختلاف في السعي نحو بناء مجتمعات جديدة وأعتقد أن الحديث الآن حول صلة مشروع الإسلام الإصلاحي  بالعنف أصبح غير ذى موضوع .. والفارق بين المقاومة للباغي والغاصب والمحتل وبين الترويع و التفزيع و سفك الدماء البريئة واضح للجميع .. والمطلوب حقيقة من الغرب تاريخيا وفعليا أن يتطهر هو من العنف وإعلاء قيمة ( التسامح).

 

3)التعددية السياسية : التسليم بالتعددية بين البشر تسليم بحق الاختلاف... وبالتالي فالتعددية في فهم الأفكار ووسائل تحقيقها في حياة الناس أمر طبيعي و منطقي.. فاليسار يقدم رؤى في العدل الاجتماعي  جديرة بالتواجد في ساحة العمل السياسي .. والليبرالية تقدم رؤى عن الحريات جديرة بالتواجد السياسي  وكل هذه الأفكار يسعها المجتمع طالما لا تتعارض مع القيم العليا في دستور التوافق و الإجماع الذي يمثل مرجعا للجميع . وقد أصبحت التعددية وحق أصحاب الرأي الواحد في الاجتماع والتنظيم من أكبر الضرورات في عصرنا هذا الذي توغلت فيه الدولة الحديثة و تضخمت أجهزتها وأدواتها القمعية نتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل وأصبح معه الفرد المعارض في غاية الضعف إذا ما عارض الدولة واختلف معها .. أما في حالة الحزب أو الجمعية أو أي تكتل فإن مجابهة الدولة تصبح ممكنة ويتحقق التوازن الذي يضبط حركة الحياة السياسية والاجتماعية.. 

 

4) الحقوق السياسية والمدنية :   حتى الآن  تظل الديموقراطية هي أنجح وسيلة لتحقيق حقوق الإنسان ومشروع الإسلام الإصلاحي يعتبر الديموقراطية تعايش سلميا بين كل فئات المجتمع وتبادل السلطة فيه سلميا ودستوريا و المساواة بين الناس في تطبيق القانون أو في ممارسة الحقوق والحريات .. والحرية في حد ذاتها قيمة إسلامية ملزمة .....

 

5) حقوق المرأة :  يؤكد الإسلام على الحق الكامل للمرأة في إدارة شؤون الأسرة مع زوجها (عن تراض وتشاور) كما يذكر القرآن الكريم  .. وفى الحياة العامة.. للمرأة كل الحق في المشاركة في توجيه حركة المجتمع وسياسة الدولة .. ولها كل الحق في تولى كل المناصب ..في تولي الرئاسة مثلها مثل الرجل .. ولعلنا نتذكر أن المرأة لم تنل حق التصويت في الانتخابات العامة في فرنسا  إلا في عام 1945 بعد ما أظهرته من شجاعة وقوة في مواجهة الاحتلال الألماني ..  !!! ومشروع الإسلام الإصلاحي  يحمل للمرأة  دورا كبيرا في النهضة .. (المرأة الإنسان) التي هي نصف المجتمع و تربي النصف الأخر .. المرأة الطبيبة والمعلمة والمهندسة .. و حجاب المرأة في الإسلام يدور وفق مفهوم الاحتشام فهو لا يغطى عقلها ولا شخصيتها ولا إنسانيتها ...

 

6) الأقليات الدينية :   تعد حرية الاعتقاد أول حق من حقوق الإنسان و المبدأ الإسلامي الذي يحكم ذلك هو(لا إكراه في الدين ).  وتعد المواطنة في مشروع الإسلام الإصلاحي أساس للوجود في المجتمع  بغض النظر عن الدين أو اللون أو المذهب ... والجزية والذمية و ما إلى ذلك من مصطلحات تاريخية  حل محلها مفهوم ( ديموقراطية المواطنة في دولة العدل والقانون)..  .

 

عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين.