ربما تتحسن حظوظ الإخوان المسلمين في الأردن بعد ثلاث سنوات عجاف شهدت أسوأ نتائج انتخابية سجّلتها الجماعة في تاريخها وترافقت مع تقارير عن تراجع نفوذها وعن تواصل قمعها من جانب الحكومة. ففي الآونة الأخيرة تحسنت العلاقة بين النظام الأردني وبين الإخوان المسلمين الذين يشكّلون أكبر مجموعة معارضة في البلاد، بعدما كانت قد تدهورت هذه العلاقة بطريقة غير مسبوقة. وجاء هذا التطور مخالفاً لتوقعات العديد من المراقبين، ومن  بينهم كاتب هذا المقال.
انتُخِب همام سعيد، المعروف بتشدده، مرشداً عاماً للجماعة في مايو/ أيار 2008، مما دفع كثيرين إلى توقّع نشوب مواجهة محتدمة بين النظام والمعارضة. فعلى سبيل المثال، كتب المحللان ماثيو لفيت وديفيد شنكر أن التغيير في القيادة يشير إلى أنه "لم يعد في الإمكان اعتبار الإخوان المسلمين "موالين للمملكة". لكن في ظل قيادة همام سعيد، اتخذت الأحداث منحى غير متوقع. فمنذ انتخابه، خفف من حدة لهجته، وشدّد على الأولويات الداخلية، وبذل جهوداً للتوصل إلى تفاهمات مع حكومة رئيس الوزراء نادر الذهبي حول مسائل خلافية أساسية.
كانت مسألة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) من الأمور التي حصل فيها تقارب بين الإسلاميين والنظام. فبعد تسع سنوات من الانقطاع في العلاقات، فتح الأردن حواراً مع حماس إدراكاً منه لتأثير الحركة المتزايد وموقعها القوي في غزة. ومن خلال روابطهم الوثيقة مع حماس، أدّى الإخوان المسلمون في الأردن وجناحهم السياسي جبهة العمل الإسلامي دوراً أساسياً في تسهيل استئناف الاتصالات بين النظام الأردني وحماس.
مجال الالتقاء الثاني هو الروابط مع خصوم الولايات المتحدة الآخرين مثل إيران وروسيا. فقد اجتمع الملك الأردني عبدالله – المعروف بأنه من الحكام الأكثر موالاة للغرب في المنطقة – بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ثلاث مرات في الأشهر الثمانية الماضية، وتمحورت نقاشاتهما أساساً حول المساعدة والتعاون العسكريين، بما في ذلك الإنتاج المشترك لقاذفات قنابل متعددة العيارات. وقد أحيت هذه الخطوات الأمل لدى الإسلاميين بأن الأردن بدأ يتخلص من قبضة واشنطن.
من جهتهم، يستمد الإسلاميون درجة من التفاؤل من تحسن علاقاتهم مع النظام. حتى أمين عام جبهة العمل الإسلامي، زكي بني إرشيد، وهو من أشد معارضي الحكومة، قال في أغسطس/ آب إن الأردن ربما يدخل "حقبة سياسية جديدة". وبالتزامن مع تحسن العلاقات بين الإسلاميين والنظام، تحسنت أيضاً العلاقات بين الفصائل الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين وبين جبهة العمل الإسلامي بعد تسعة أشهر من الانقسامات الداخلية التي شلّت الحركة وهدّدت بتفكيكها. في مطلع أغسطس/ آب، توصّل من يُعرَفون بالصقور والحمائم إلى اتفاق أرضى الطرفين، على الأقل موقتاً. والاتفاق هو نتيجة جولة صعبة وطويلة من المفاوضات الداخلية حول مجموعة متنوعة من المسائل الخلافية بما في ذلك محاكمة بني أرشيد التي تنظر فيها محكمة داخلية في جبهة العمل الإسلامي بتهمة القضاء على حظوظ حزبه في الانتخابات النيابية لعام 2007. لكن ربما أرجأ هذا الاتفاق الاقتتال الداخلي من دون أن يضع حداً له، إذ لا تزال هناك فصائل داخل جماعة الإخوان المسلمين تدافع عن آراء مختلفة جوهرياً حول المقاربة الواجب اتباعها في بيئة اقتصادية وسياسية ما زالت تطرح تحديات.
ليس واضحاً إذا كانت الجهود التي يبذلها النظام الأردني لإجراء إعادة تموضع إستراتيجية،  مع أخذ ما يوصف بأنه تراجع للنفوذ الأميركي في المنطقة في الاعتبار، ويمكن أن تبشّر بمزيد من الانفتاح والإصلاحات السياسية. ففي الأعوام الثلاثة الماضية، فسّرت الحكومة الأردنية الصمت الأميركي حيال موضوع الإصلاحات بأنه ضوء أخضر للانقضاض بقوة على الإسلاميين. لكن إذا كان النظام لا يزال يرى حاجة إلى التواصل مع حماس، فسيكون عليه توسيع المساحة السياسية المتاحة أمام المعارضة الإسلامية والحفاظ على علاقة فعالة معها ومفيدة للطرفين.
بالطبع، كانت ثمة موجات تفاؤل من قبل ثبت لاحقاً أنها لم تكن في محلها. ففي كل مرة كان النظام يتقرب فيها من الإخوان المسلمين في السابق، كما حصل قبل الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، ما يلبث أن يتراجع بسرعة ويعود من جديد إلى السياسات المناهضة للإسلاميين. والإسلاميون على الأرجح لن يقعوا في فخ الخداع من جديد. فعلى الرغم من التفاؤل الذي أعرب عنه بني أرشيد وسواه، يرى معظم الإسلاميين إلى هذه التطورات على أنها مجرد جولة أخرى من المناورة التكتيكية. والحال أن النظام الأردني لا يتصرف بالضرورة انطلاقاً من حسن النية بل من مصلحته الخاصة. وهذا ما تفعله أيضاً المعارضة الإسلامية.

شادي حميد مدير الأبحاث في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، وباحث في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد.