كريستوفر دافيدسون، محاضر عن السياسة الشرق أوسطية في جامعة دورهام، ومؤلّف "ما بعد الشيوخ".

إحدى الحملات التي تلقى الرواج الأكبر حالياً عبر موقع "تويتر"، تحت عنوان "الراتب ما يكفي الحاجة"، تتركّز بالكامل تقريباً في السعودية، وتتم كل التبادلات عبرها باللغة العربية. فهي تتلقّى مئات التغريدات في الثانية، أي الملايين في الأسبوع، ما يتسبّب بقلق شديد لدى دوائر النخبة، كما أنها تختصر من نواحٍ عدّة المشاكل المتعدّدة التي يواجهها النظام السعودي حالياً. وقد استقطب حجم النقاش ومضمونه وحدّته، انتباه الإعلام الدولي. وانطلاقاً من الأحاديث التي يتم تبادلها ويتذمّر المشاركون فيها من تفاقم اللامساواة في توزيع الثروات في المملكة، فضلاً عن تزايد الفقر والفساد والبطالة، يتبيّن أن العقد الاجتماعي الذي أقامته السعودية مع مواطنيها يتداعى الآن في العلن.

ولعل الأهم هو أن الحملة تُظهر أن القوى التحديثية الجديدة النافذة - أي في هذه الحالة تكنولوجيات الاتصالات المعولمة التي لاتستطيع الدولة تطويعها أو السيطرة عليها - تمارس تأثيراً كبيراً جداً على مجتمع متململ وتقليدي يملك الآن واحداً من أكبر معدّلات استخدام الحزمة العريضة والهواتف الذكية في العالم. بالفعل، يفوق عدد التغريدات للفرد الواحد في السعودية حالياً العدد في الولايات المتحدة. كما أن السعوديين القادرين على الوصول إلى المنصات الإعلامية الجديدة التي باتت تتيح وأخيراً التعبير عن الآراء بحرية من دون قيود، والذين تشجّعوا بفعل الانتفاضات الحاشدة والاحتجاجات ضد الحكّام السلطويين في الدول المجاورة، يشهدون بلاشك تعبئة في صفوفهم على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم المذهبية. حتى إن أعضاء في الأسرة الحاكمة ينقسمون عنها، ويتحدّث بعضهم عن "الأزمة التي تلوح في الأفق" فيما ينشر آخرون رسائل "انشقاق" مفتوحة.

الواضح أيضاً هو أن برنامج الإنفاق العام الضخم الذي أطلقته المملكة على خلفية الربيع العربي - والذي تصل قيمته الآن إلى مئات مليارات الدولارات التي تُنفَق على الإعانات الحكومية والرعاية الاجتماعية والمخططات الوظيفية في القطاع العام - لايمارس التأثير المرجو. وقد كان الهدف منه نشر الهدوء في البلاد وشراء الولاء السياسي للمواطنين بانتظار انتهاء العاصفة، أملاً في أن تكون انتفاضات 2011 مجرد محطة عابرة، وأن تتمكّن السعودية من خلال ضخ الأموال، من "إدارة" مفاعيل الثورات الحالية - لاسيما في سوريا ومصر - حتى لو اقتضى ذلك رفع سعر النفط التعادلي، وزيادة اعتماد المملكة على الطلب العالمي على النفط، والذي بلغ مستويات خطيرة. لكن الواقع هو أن المنطقة تشهد حالياً تبدّلاً جوهرياً في المنظومة السياسية، ولايزال في بداياته من نواحٍ عدّة. فشرائح واسعة من الشباب تعبّر عن استيائها من السياسة السلطوية غير الشفافة وسوء إدارة الموارد الطبيعية. وليس هناك من تفسير أكاديمي منطقي يستوجب بقاء السعودية بمنأى عن هذا التحول.