لم يتمكّن نظام بشار الأسد، على امتداد أكثر من عام، من حشد جنوده في كل مناطق النزاع في البلاد. لقد حاولت حملات القصف الاستراتيجية التعويض عن هذه الإمكانات العسكرية الآخذة في التضاؤل، وخلال الشهر المنصرم، انضمت روسيا إلى الأسد في هذه الجهود. لقد استهدفت معظم الهجمات الجوية الروسية الثوّار المدعومين من الولايات المتحدة وتركيا والخليج، ومن يعيشون تحت سيطرتهم في شمال سورية ووسطها. تؤكّد الأدلة الأولى الاتهامات بأن تنظيم الدولة الإسلامية ليس سوى هدف ثانوي في التدخّل الخارجي الأحدث للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالهدف الأساسي هو تأمين جرعة زخم للديكتاتور السوري الذي يفقد سيطرته أكثر فأكثر، وذلك عبر استعادة الأراضي التي خسرها النظام على مقربة من معاقله الرئيسة. كما أن الهجوم العسكري يهدف، بحسب التقارير عن الزيارة الأخيرة التي قام بها الأسد إلى موسكو، إلى جعل نظام الأسد يظهر في صورة القوة الحاكمة الأكثر قابلية للحياة في سورية قبل الشروع في التفاوض حول حل سياسي.

يزيد التدخل العسكري الروسي من حدّة التداعيات الكارثية للتكتيك الذي يستخدمه النظام بقصف المدنيين الذي يعيشون تحت سيطرة المعارضة. منذ اشتداد الحرب الأهلية في العام 2012، سعت الحكومة السورية باستمرار إلى جعل الحياة اليومية في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، معاناةً لا تُطاق. من التكتيكات الأساسية في ترسانتها الاستراتيجية إحباط أية محاولات قد تقوم بها مجموعات المعارضة المسلّحة لإنشاء أنظمة حكم بديلة. فقد استهدفت الحكومة السورية مراراً وتكراراً الأسواق والمستشفيات والمدارس والمجالس البلدية الحديثة العهد التي تديرها مجموعات أهلية محلية أو ثوار مسلّحون، وذلك بواسطة القصف الجوي و"براميل الموت" السيئة الذكر - وهي عبارة عن قنابل أسطوانية الشكل مشحونة بالزيت والمتفجّرات والشظايا - مايتسبّب بمقتل أعداد كبيرة من المدنيين وإثارة الذعر في نفوس الآخرين، وبالتالي تدمير النسيج المجتمعي في المناطق الواقعة خارج سيطرة نظام الأسد.

وقد زادت الهجمات الجوية الروسية الأخيرة من حدّة الأوضاع. فعلى الرغم من أن الكرملين يميل إلى مهاجمة الأهداف العسكرية للثوار "المعتدلين"، إلا أن الطائرات الحربية الروسية استخدمت مراراً وتكراراً القنابل العنقودية والمتفجرات غير الموجّهة التي تتطاير شظاياها في مساحات شاسعة من الأراضي مع عصفات دموية تفتقر إلى الدقة مايهدّد حياة المدنيين. والنتيجة هي أنه حتى عندما تستهدف الطائرات الروسية المواقع العسكرية، غالباً ماتتساقط القذائف على المدنيين والمناطق السكنية بدلاً من ضرب المواقع العسكرية. تشير التقارير إلى أنه منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري، سقطت صواريخ على سبعة مستشفيات أو مرافق طبية في الأراضي الخاضعة لسيطرة الثوار في محافظات حماه وإدلب وحلب. يعتقد عمال الإغاثة على الأرض أن الطائرات الروسية تستهدف عمداً المنشآت الطبية. تأتي عمليات القصف هذه في أعقاب اثني عشر هجوماً شنّها النظام على المنشآت الطبية في آب/أغسطس الماضي. يعتبر أحد المتحدثين باسم المعارضة أن هذا الأمر يندرج في إطار استراتيجية الأسد لزيادة الضغوط على مجموعات المعارضة عبر إرغام من يعيشون في ظل حكمها على الهروب. فالهدف من هذه الهجمات هو توليد انطباع بأن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة هي الوحيدة الكفيلة بتأمين الاستقرار الذي ينشده المدنيون، بما يُعزّز الحظوظ التي تتيح للأسد أن يبقى جزءاً ضرورياً من أي حل سياسي في المستقبل.

لمخططات القصف التي يعتمدها النظام تأثير سياسي وعسكري ملموس. فقد حاولت مجموعات الثوار، بهدف إثبات شرعيتها وكسب التأييد المدني لحكمها، إنشاء خدمات عامة شبيهة بتلك التي تؤمّنها الحكومة. وقد شكّل هذا الأمر أداة أساسية أتاحت للقوات الثورية الأكثر نجاحاً، بما في ذلك المجموعات المعتدلة إنما أيضاً جبهة النصرة والدولة الإسلامية، اكتساب شرعية شعبية. لقد دأب نظام الأسد على السعي إلى قلب مفاعيل هذه التطورات في أماكن مثل حلب وإدلب ودرعا، لاسيما من حلال حملات القصف الجوي. وتسبّبت هذه الجهود بتدمير البنى التحتية للخدمات العامة التي أنشأتها مجموعات المعارضة. وجرى باستمرار تعطيل قدرة مجموعات الثوار على تلبية احتياجات المدنيين الخاضعين لسيطرتها. في غياب بديل مشروع وفعّال، يستطيع نظام الأسد أن يثبت نفسه، بكل ثقة، بأنه السلطة السياسية الوحيدة القادرة على ضبط الأمن وتأمين حد أدنى من الحكم.

توجّه القنابل العنقودية والبراميل المتفجّرة تحذيراً لالبس فيه إلى البلدات والأحياء التي لاتزال محتارة في اختيار ولاءاتها. تؤدّي هذه الجهود، مقرونةً بالحصار والإغلاق، إلى تقويض قاعدة الدعم للثوار، فتساهم عن طريق العنف في إسكات عدد كبير من الأشخاص الذين يرغبون في دعم قضية الثوار. وقد أصبح ذلك واضحاً على وجه الخصوص في وقت سابق هذا الشهر عندما ألقت طائرات النظام مناشير، وتلقّى المدنيون رسائل نصّية في البلدات التي تسيطر عليها المعارضة شمال حمص بعد سلسلة من عمليات القصف الروسي في المنطقة. حاولت الرسائل إقناع أبناء البلدات بمغادرة الأراضي الخاضعة لسيطرة الثوار، مشيرة صراحةً إلى هشاشة حكم المعارضة. عبر تدمير إمكانات مجموعات الثوار المعتدلة المتبقيّة، في مجالَي الحكم والشؤون العسكرية، سوف تتسبّب الجهود العسكرية الروسية بتفاقم النزف المستمر للمقاتلين المتمرّسين والمدنيين نحو مزيد من المجموعات المتشدّدة والتي تحظى بقدر كبير من التمويل. الهدف هو أن يضعوا السوريين أمام خيارَين لاثالث لهما: إما نظام الأسد وإما الجهاديون، مايضع مزيداً من العراقيل التي تحول دون تمكّن الولايات المتحدة من تنفيذ مهمتها بدعم القوى المعتدلة.

قد يساهم تدخّل بوتين في جعل الميزان العسكري للحرب يميل لصالح نظام الأسد. بيد أن تأثيره على المدنيين وقدرة المعارضة على الحكم مهم بالدرجة نفسها، وسيتبيّن في نهاية المطاف أنه أشدّ كارثية إلى حد كبير. فالتقارير تشير إلى أن عشرات آلاف المدنيين يغادرون المناطق التي تتعرّض للقصف الروسي. قد يفرّون إلى الخارج أو إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث رسّخ الأسد سيطرته على المساعدات الغذائية الدولية الطارئة، واستخدم قروضاً إيرانية لتأمين الاحتياجات الأساسية. عبر ترويع المدنيين وإحباط المحاولات التي تبذلها مجموعات الثوّار لفرض حكمها على المستوى المحلي، يساعد التدخل العسكري الروسي الأسد على إظهار حكومته بأنها القوة الحيوية الوحيدة القادرة على حكم البلاد. إذا نجحت جهودهم، سوف تؤدّي حملة القصف الأخيرة إلى إحداث تغيير جوهري في آفاق النزاع السوري. فمن شأن دعم بوتين المتجدّد للأسد أن يضمن قدرتهما على فرض شروطهما المفضّلة في أي حل سياسي محتمل.

خوسيه سيرو مارتينيز طالب دكتوراه في كلية السياسة والدراسات الدولية في جامعة كامبريدج. برنت إنغ محلل للشؤون السورية مقيم في عمان.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.