أطلق البابا فرانسيس على الفساد تعبير "غرغرينا الناس"، وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن الفساد "حافز على التطرف" لأنه "يدمر الإيمان بالسلطة الشرعية"، هذا في حين صنّف رئيس الوزراء البريطاني الفساد أنه "من أعتى أعداء التقدم في زمننا".

الفساد، ببساطة، هو استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية. وكما يُقر القادة بشكل مطّرد، فإن الفساد يُهدد التنمية والكرامة الإنسانية والأمن الدولي. وستتوفّر في مؤتمر مكافحة الفساد الذي سينعقد في لندن في 12 أيار/مايو لقادة العالم- مع ممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني- فرصة ثمينة للتعامل مع هذه الحقيقة .

وليام بيرنز
وليام ج. بيرنز هو رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. عمل سابقاً نائباً لوزير الخارجية الأميركي.
More >

إن الفساد مُدان في كل الثقافات وعلى مر التاريخ، وهو قديم قِدَمَ الحكومات. لكن على غرار جرائم أخرى، أصبح معقّدا بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية، مع تأثيرات مدمّرة على رفاهية وكرامة أعداد لاتحصى من المواطنين الأبرياء.

بادىء ذي بدء، يشل الفساد آفاق التنمية. فعندما ينتشر، على سبيل المثال، الإحتيال في مجالِ المشتريات العامة، أو تتم سرقة حقوق ملكية الموارد الطبيعية من المصدر، أو يتم احتكار القطاع الخاص من قِبَل شبكة ضيقة من الأقارب، يصبح السكان عاجزين عن تحقيق إمكاناتهم .

لكن للفساد مضاعفات أخرى أقل وضوحاً. فحين يعي المواطنون أن قادتهم يُثرون أنفسهم على حساب الشعب، يُحبَطون ويَحنقون بشكل متزايد- وهذا قد يؤدي أحياناً إلى اضطرابات أهلية وصراع عنيف.

والحال أن العديد من الأزمات الأمنية العالمية الراهنة تضرب جذورها في هذه العملية الديناميكية. فالسخط من السلوك المتعجرف لضابط شرطة فاسد، ساعد في دفع بائع فاكهة تونسي إلى إضرام النار في نفسه العام 2010، ما أدى إلى إندلاع الثورات في العالم العربي. وطالب المحتجون بإعتقال وزراء محددين ومحاكمتهم، وإستعادة الأصول المنهوبة؛ وهي المطالب التي كانت نادرا ماتتحقق .

وفي البلدان التي عادة ما يتباهى فيها المسؤولون الحكوميون بثرائهم وبالقدرة على الإفلات من العقاب، تستغل الحركات المتطرفة- بما في ذلك طالبان وبوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية- غضب المواطنين. وطبقا لهذه الجماعات، الطريقة الوحيدة لإستعادة النزاهة العامة تكمن في التطبيق الصارم لقواعد السلوك الشخصي. ومع عدم توفّر بديل يُعتد به، وعدم وجود مجال للمطالب السلمية، فإن مثل هذه المحاججة أصبحت مُقنعة بشكل مُطّرد.

من الواضح أنه يجب مكافحة الفساد. لكن الأقل وضوحاً، هو كيفية تنفيذ ذلك. ففي عالم من المطالب المتنافسة، يبدو أن الحكومات الفاسدة تخدم أغراضا حيوية، فإحداها تنشر الجنود لمحاربة الإرهاب، وأخرى توفّر موارد طاقة حيوية أو القدرة على الوصول إلى المواد الخام. وعليه يتوجّب على القادة في نهاية المطاف التعامل مع مقايضات صعبة.

كي نحدد المقاربة الأفضل في كل حالة على حدة، يتوجب على الحكومات تحليل المشكلة بشكل أكثر فعالية. وهذا يعني تحسين جمع المعلومات الإستخبارية والبيانات. وكما جادلت الخبيرة الإمنية ساره تشايس في كتاب ضد الفساد، وهو مجلّد يضم المقالات التي ستنشرها الحكومة البريطانية خلال القمة، فإن الفساد اليوم بات ممارسة منظّمة، وهو نتاج عمل شبكات معقّدة تشبه الجريمة المنظّمة (حيث تتواصل غالباً العناصر الفاسدة في إطار هذه الشبكات) ويتعيّن على الحكومات دراسة تلك النشاطات وتداعياتها،  بالطريقة نفسها التي تدرس فيها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود.

يجب على البلدان المانحة، التي تتوفر لديها تلك التقييمات، هيكلة المساعدات بطريقة تقلّص من مخاطر الفساد. فالمساعدات العسكرية أو التنموية ليست بعيدة عن السياسة، ويتعيّن تطويع البرامج لضمان ألا يتم الإستيلاء على الأموال من قبل النُخب الناهبة. وهذا يعني أنه لم يعد ممكناً إلقاء عبء جهود مكافحة الفساد على اختصاصيين لايمتلكون موارد كافية. كما يجب أن يكون لتلك الجهود دوراً مركزياً في التخطيط لمبادرات التنمية الرئيسة أو في بيع أنظمة أسلحة مُكلفة. يجب أن تفهم الحكومات المُتلقية بأن التمويل سينقطع إذا واصلت تبديده أو نهبه.

يتعيّن في واقع الأمر أن يحدّد الفساد ومضاعفاته الطريقة التي يتعامل بموجبها المسؤولون الغربيون مع نظرائهم في العالم النامي. فالوزارات التي أمضينا حياتنا المهنية في خدمتها – وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية- تولي أهمية كبيرة لبناء العلاقات. والدبلوماسيون يعتمدون على تلك العلاقات - من أجل ترقية المصالح القومية لبلادهم. والعلاقات المهنية بين الضباط العسكريين تكون أحياناً القنوات الوحيدة التي تصمد في وجه العواصف السياسية. لكن يجب على الدبلوماسيين والقادة العسكريين أن يكونوا على أهبة الاستعداد للتراجع خطوة إلى الوراء متى يكون ذلك ملائماً، والإفادة من النفوذ المتوفّر، حتى لو كان هناك خطر إغضاب نظرائهم.

لكن، وكما كشفت مؤخراً التقارير عن المُموّنين التابعين لشركات وهمية، أو عن الرشوة عن طريق الوسطاء، فإن حيّزاً كبيراً من النفوذ الحقيقي يكمن في الداخل، أي في القطاعات المالية والعقارية المحلية، وفي شركات العلاقات العامة والمحاماة والتي تُلمّع صور الفاسدين، وفي الجامعات التي تعلّم أولاد المسؤولين الفاسدين وتسعى إلى الحصول على تبرعاتهم. إن تطبيق القانون الأميركي الخاص بالمنظمات الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز، والذي استهدف تجريم مسؤولي الفيفا (الهيئة الدولية المشرفة على نشاط كرة القدم) يُظهر كيف أن التركيز على مزودي الخدمات الغربيين، يمكن أن يحد من الفساد بين المسؤولين الأجانب.

وثمة أداة مهمة أخرى في الحرب على الفساد هي الإبتكار التقني، الذي يمكن أن يُقلّل من فرص بروز السلوك المُخطىء والذي يمكّن المواطنين من التبليغ عن الممارسات غير القانونية ويعزّز الشفافية والمساءلة لدى الحكومات. لقد تم إحراز تقدّم في العديد من المجالات. من التسجيل الإلكتروني للناخبين، إلى دفع الرواتب إلكترونياً للموظفين الحكوميين. وفي حين أن التقنية ليست العلاج الشافي لجميع الإمراض، إلا أنه حين تتم مزاوجتها بالإصلاحات الحكيمة في السياسة العامة فقد تشكّل مساهمة ذات جدوى في الكفاح من أجل الحكم الرشيد.

لن تكون أي من تلك الإقتراحات سهلة التنفيذ. بيد أنه في خضم التعاطي مع العديد من الأزمات التي يعاني منها العالم حالياً، سيكون أمراً حيوياً التركيز الجاد على  مكافحة الفساد. إن أملنا هو أن يُعلي المؤتمر المُقبل في لندن من شأن وحدة الهدف والإلتزام بالعمل المطلوب بإلحاح.

نُشر هذا المقال أساساً باللغة الإنكليزية على موقع  Project Syndicate.