نشاط

هل يتمكّن العرب من إصلاح قطاعاتهم الأمنية؟

١٩ ديسمبر ٢٠١٢
بيروت
 
على مدى عقود، استخدمت مختلف الأنظمة الاستبدادية الأجهزة الأمنية لتعزيز حكمها وسحق المعارضة الداخلية. بيد أن تمكّنها من الحفاظ على سلطتها كان باهظ الثمن. فالقطاعات الأمنية في العديد من الدول العربية باتت مكروهة بشدّة. وفي أعقاب انتفاضات الربيع العربي، تجد الحكومات المنتخبة ديموقراطياً نفسها في مواجهة المهمّة الصعبة المتمثّلة في إصلاح المؤسسات الأمنية، والتي من دونها ستجهد من أجل الحصول على شرعية سياسية ذات ديمومة.

استضاف مركز كارنيغي للشرق الأوسط محمد لزهر العكرمي، الوزيرالمكلّف  بالاصلاح في وزارة الداخلية التونسية بعد الانتفاضة، وجوزيف ووكر-كزنز، رئيس مكتب السفارة البريطانية في بنغازي، والعقيد محمد محفوظ، الرئيس السابق لإدارة العلاقات العامة في وزارة الداخلية المصرية، واللواء أمين صليبا، الرئيس السابق لهيئة الأركان في قوى الأمن الداخلي اللبنانية، لمناقشة إصلاح القطاع الأمني. أشرف على الجلسة يزيد صايغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

حالة مصر

  • العقبات الإستراتيجية: حدّد محفوظ أربع فئات من التحدّيات الإستراتيجية التي تعترض سبيل إصلاح القطاع الأمني في مصر، وهي التحدّيات الوظيفية والهيكلية والإدارية والتشريعية. قال محفوظ إنه يتعيّن على مصر، في المقام الأول، إعادة تعريف قطاع الأمن ودوره في المجتمع والحدّ من صلاحياته التي توسّعت لتطال الشؤون المدنية. أضاف أنه فضلاً عن ذلك، يجب على مصر التصدّي للمواقف الإدارية الناجمة عن وجود دولة بوليسية ووضع إطار قانوني جديد يحوّل قطاع الأمن إلى أداة بيد الشعب لا بيد النظام.
     
  • العقبات التكتيكية: كما حدّد محفوظ أربعة تحدّيات تكتيكية تواجه مصر وتتمثّل في المساءلة، والنزعة العسكرية، والقيادة، والاندماج المدني. وقال إنه يجب، أولاً، إدخال الرقابة القضائية لأنها تمثّل عنصراً أساسياً في أي نظام قانوني عادل. وعلاوة على ذلك، لا بدّ من إلغاء ثقافة العسكرة في صفوف قوات الأمن، لأن المدنيين ينظرون الآن إلى الأجهزة الأمنية على أنها عدو للشعب، ولأن ضعف التدريب يزيد من حدّة المشكلة ويمنع رجال الأمن من التعامل بشكل صحيح مع المدنيين. وأشار إلى أن قيادة الأجهزة الأمنية يجب أن تتبنّى دوراً سياسياً لتحسين العلاقات العامة، ويجب دمج مسؤولي القطاع الأمني في الحياة المدنية من خلال المشاركة السياسية. 

حالة لبنان

أشار صليبا إلى أن لبنان لا يتعامل مع القوى الثورية نفسها التي اجتاحت معظم أنحاء المنطقة. وحدّد عوامل عدة في قطاع الأمن في لبنان تعمل لصالح البلاد، بما في ذلك تحسّن التدريب الذي يمكّنه من التعامل مع الأعمال الإجرامية اليومية، وحقيقة أن مسؤولي الأمن غير متورّطين في قمع الحريات الشخصية.

  • التدخّل السياسي: قال صليبا إن إزالة الصبغة السياسية عن قطاع الأمن أمر ضروري للقيام بعملية إصلاح ذي مغزى في لبنان. ففي نهاية المطاف، يتم تخصيص المناصب الأمنية الرفيعة بتصويت أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء.
     
  • زيادة الإعانات الاجتماعية للحدّ من الفساد: دعا صليبا إلى معالجة مسألة مستوى الأجور الضعيف لقوى الأمن، بحجّة أن ضمان احتياجاتهم الأساسية يثني الضباط عن الانغماس في الفساد. وقد أشار، على سبيل المثال، إلى أن المستشفيات في لبنان لاتوفّر الرعاية لقوى الأمن بسبب تركة من الفواتير غير المسدّدة لهذه المشافي، مايجعل الضباط أكثر عرضة إلى المحسوبية.
     
  • الموازنة الديمغرافية: ناقش صليبا التركيبة السكانية لقطاع الأمن في لبنان، مشدّداً على ضرورة أن يكون هناك تمثيل عادل لجميع الطوائف. ومع ذلك، لا ينبغي لهذا أن يحول بين ضباط الأمن وبين تقديم المصلحة الوطنية على الولاء الطائفي خلال فترات الخدمة الفعلية.

حالة تونس

 قال العكرمي إنه يجب أن تتحوّل وزارة الداخلية التونسية من كيان منبوذ ومرهوب الجانب إلى هيئة محترمة تخدم وتحمي المواطنين. وفي هذا السياق اقترح حلّين اثنين:

  • الشفافية: شدّد العكرمي على ضرورة أن يتم تحديد هوية جميع قوات الأمن بوضوح من خلال الزي الموحّد لتحسين الشفافية. وأكّد أيضاً على ضرورة وضع جهاز الأمن في تونس تحت الرقابة الخارجية من جانب هيئات متخصّصة.
     
  • الرقابة الداخلية: ناقش العكرمي الحاجة إلى وجود هيئات داخلية قادرة على الإشراف على مختلف احتياجات الأجهزة الأمنية والاستجابة لها. ويمكن للهيئات الداخلية الجديدة أن تساعد أيضاً على حماية المصالح الأمنية للقوى المختلفة ورفع الروح المعنوية للضباط.

وأبرز العكرمي الحاجة إلى تقدير عمل قوات الأمن في ضمان السلامة المحلية. ووصف كيف أنه شاهد أفراد قوى الأمن وهم يؤدّون وظائفهم في ظل ظروف صعبة، بما في ذلك الاعتداء الجسدي، ويعرّضون أنفسهم إلى الخطر في كثير من الأحيان بدافع  من الإحساس بالواجب الوطني والمهني.

حالة ليبيا

ركّز ووكر-كزنز على الكيفية التي أتاحت فيها إزالة الديكتاتوريات تكوين فهم جديد للمؤسّسات القائمة. وتحدّث بالتفصيل كيف أن مجموعات المصالح الراسخة في ليبيا تتنافس مع الإسلاميين الصاعدين من خلال العملية السياسية.  وقال إن كلا الطرفين يتنافسان من أجل السيطرة على جهاز أمن الدولة. فالثوار يريدون تطهير قوات الأمن، في حين يحاول أعداء الثورة إعادة دمج أفراد الأمن والهياكل القائمة. وبغض النظر عن النتيجة، فقد حدّد ووكر-كزنز قضيتين تحتاجان إلى معالجة:

  • أمن الحدود: أوضح أن الحدود مفتوحة والناس يتنقلون بحرّية في ليبيا، بمقاصد وأهداف شرّيرة، في كثير من الأحيان، مثل التشدّد الإيديولوجي أو عمليات التهريب الإجرامي. وتواجه الجماعات الثورية الناشئة صعوبة في السيطرة على حدود ليبيا الطويلة وغير المُسيطر عليها أمنيا. ولعل ما يفاقم المشكلة تدخّل دول أخرى في المنطقة في العملية الانتقالية في ليبيا.
     
  • غياب الرؤية: شدّد ووكر-كزنز على الحاجة إلى رؤية متماسكة لمستقبل ليبيا، قائلاً إن على جماعات المصالح الراسخة والإسلاميين وضع خريطة طريق واضحة المعالم يمكن أن تقود البلاد إلى الأمام.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
event speakers

محمد الأزهر العكرمي

محمد محفوظ

أمين صليبا

يزيد صايغ

زميل أول, مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

يزيد صايغ زميل أول في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، تركّز أبحاثه على الأدوار السياسية والاقتصادية المقارَنة للقوات المسلحة العربية، والتداعيات التي تخلّفها الحرب على الدول والمجتمعات، والجوانب السياسية لعملية إعادة البناء وتحوّل قطاع الأمن وفي المراحل الانتقالية التي تشهدها الدول العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج الأنظمة السلطوية.

جوزف واكر كوزنز