يبدو أن السعودية أفلتت، في الظاهر، من موجة الانتفاضات العربية. إلا أن الالتباس لايزال يحيط بمسارها السياسي واستقرارها المستقبلي. ليست المملكة محصّنة من الضغوط المتزايدة، والمخاوف بشأن الأجور والبطالة، وصولاً إلى تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي والتعصّب المذهبي وأسعار النفط. فهل تؤشّر الردود الحكومية في مواجهة هذه الضغوط، إلى تغيير وشيك أم أنها دليل على قوّة الدولة؟
يناقش خمسة خبراء في الشأن السعودي، آفاق المملكة للحفاظ على الاستقرار. ويقدّم كل منهم نظرة مختلفة حول مجموعة من المسائل الداخلية والمقاربات الحكومية.
ندعوكم إلى الانضمام إلى النقاش ومشاركتنا آراءكم في قسم التعليقات.
المنطقة الشرقية مؤشّر عن الوضع في المملكة
فريدريك ويري
فريدريك ويري، باحث في برنامج الشرق الأوسط في مركز كارنيغي للسلام الدولي ومؤلف "السياسة المذهبية في الخليج: من حرب العراق إلى الانتفاضات العربية". بعد عامَين على انطلاقة الانتفاضات العربية، ساهم خطر الفوضى الإقليمية في حماية آل سعود من المعارضة التي تعتمل في الداخل. فقد لجأت الأسرة الحاكمة إلى الاستراتيجية المعهودة التي أثبتت نجاحها على مر الزمن، وقدّمت نفسها بحنكة في موقع الحصن المنيع في وجه شبح الفتنة المذهبية والحرب الأهلية اللتين يتسبّب بهما التغيير السياسي السريع والخارج عن السيطرة. لقد توسّعت دائرة التشنّجات المذهبية الإقليمية - بدفع من الأئمة السنّة ووسائل الإعلام المملوكة من الدولة - ما أدّى إلى تعطيل التعاون والتنسيق بين النشطاء السنّة والشيعة في المملكة، الأمر الذي يصب في مصلحة النظام الملَكي. وفي موازاة ذلك، أُطلِقت حملة من الإعانات الطائلة والإصلاحات المدوزنة بعناية شديدة بهدف استرضاء الجيل الشاب الذي يزداد تململاً. إحدى المسائل الأساسية المطروحة على المملكة الآن هي إذا كانت المكاسب التي تؤمّنها هذه الاستراتيجية، والآخذة في التناقص، كافية على ضوء تفشّي الاستياء الذي يمكن أن يتحوّل، في مرحلة ما، إلى أزمة أكثر خطورة. يتنامى الشعور لدى النشطاء والإصلاحيين في مختلف أنحاء البلاد، بأن الحوار الوطني وانتخابات المجالس البلدية لم تكن سوى إصلاحات فارغة لم تحقّق أي تغيير سياسي أو اقتصادي فعلي. وفي مواجهة النظام الذي يقدّم نفسه بأنه حارس الحوار بين المذاهب والمناطق المختلفة في المملكة، وجد هؤلاء النشطاء الشباب فسحات جديدة في شبكات التواصل الاجتماعي وتوصّلوا إلى قواسم مشتركة في ما بينهم. لكن حتى الآن، لم يسفر هذا النشاط عن قيام حركة شعبية أو قوة سياسية متماسكة. إلا أن شرائح مختلفة في المجتمع السعودي تتقاسم عدداً من المظالم المشتركة أبزرها الأجور المتدنّية، والبطالة، وإهمال البنى التحتية على مستوى البلديات والمحافظات، ولعل الأهم بينها، التحركات المتواصلة احتجاجاً على سجن المعارضين السياسيين. وفوق هذا كلّه، ربما بدأت علامات الإنهاك تظهر على السلطة العائلية وسلطة رجال الدين اللتين كانتا تشكّلان سابقاً أداة السيطرة الاجتماعية. وتشكّل المنطقة الشرقية على وجه الخصوص مختبراً حقيقياً لهذه الديناميات، إذ تشهد منذ العام 2011 احتجاجات مستمرة نادراً ما يؤتى على ذكرها في وسائل الإعلام. صحيح أن للمنطقة مظالمها الخاصة المرتبطة بالتمييز المذهبي ضد مواطنيها الشيعة، لكن النشطاء في مناطق أخرى من البلاد يرجّعون صدى الكثير من المطالب التي يرفعها المحتجّون في المنطقة الشرقية، ولو بأصوات أكثر خفوتاً. وتتمثّل هذه المطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين، ومنح صلاحيات أكبر للمجالس البلدية المنتخبة، وبناء سلطة قضائية مستقلة، ووضع دستور للبلاد، وإجراء إصلاحات اقتصادية. وفي هذا السياق، لايجب النظر إلى المنطقة الشرقية بأنها منطقة معزولة يسود التململ بين أبنائها، بل إنها تقدّم مؤشّراً عن صحّة البلاد ككل.
الوضع مستقر حتى الآن
ف. غريغوري غوز
ف. غريغوري غوز، أستاذ علوم سياسية في جامعة فرمونت وباحث غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة. على الرغم من أن النظام السعودي أظهر مؤخراً قدرته على الصمود في وجه الأزمة التي تعصف بالمنطقة، وتحديداً الربيع العربي، تُطرَح علامات استفهام حول الاستقرار السعودي. وإذا كانت السعودية الدولة العربية الكبرى الأقل تأثراً بانتفاضات الأعوام القليلة الماضية، فذلك يعود إلى سببين أساسيين. الأول هو امتلاكها مبالغ طائلة في المصارف. وحدها ليبيا في مجموعة الدول التي تُعتبَر من المصدّرين الكبار للنفط، واجهت أزمة هزّت نظامها في العام 2011، والتدخّل الأجنبي هو الذي أدّى إلى سقوط النظام الليبي. بما أن السعوديين (وسواهم من مصدّري النفط)، أفادوا من ارتفاع أسعار النفط على امتداد عشر سنوات، فقد حصلوا على التمويل اللازم لدولة الرعاية. وبهدف تذكير الجميع بأن الأمور تسير على خير ما يرام، تعهّد الملك عبدالله بإنفاق 130 مليار دولار على المساعدات الحكومية مثل مخصّصات التعليم، وإعانات البطالة، وزيادة الأجور، والمساكن المخصّصة لذوي الأجر المتدنّية - حتى فيما كانت التظاهرات تكتسب زخماً في مختلف أنحاء المنطقة. لاشك في أن هذا الالتزام ألقى بعبء على الاحتياطيات المالية السعودية (التي تبلغ نحو 700 مليار دولار)، لكنه لم يؤدِّ إلى استنزافها. أما السبب الثاني وراء استقرار النظام السعودي فيتمثّل في وجود انقسامات شديدة في المجتمع السعودي، على أسس مذهبية ومناطقية وأيديولوجية. لقد تمكّنت مجموعات مختلفة في مصر وتونس من وضع اختلافاتها جانباً والتوحّد ضد الحكّام الديكتاتوريين، لأن هويتها المشتركة قوية نسبياً، ما أتاح تأجيل المعارك على السلطة إلى وقت لاحق في هذَين البلدَين، والتي بدأنا نشهدها حالياً. أما في السعودية، فمحاور المعارضة المحتملة تفتقر إلى مستويات التواصل والثقة الضرورية لرصّ الصفوف في وجه النظام. ما الذي يمكن أن يغيّر مشهد الاستقرار السعودي؟ مما لاشك فيه أنه من شأن تراجع دراماتيكي ومتواصل في أسعار النفط أن يتسبّب بأزمة مالية في المملكة، ويؤدّي إلى تقويض الأساس الريعي الذي يستند إليه النظام. وكذلك يمكن أن يؤدّي انقسام فعلي في الأسرة الحاكمة، عندما تنتقل السلطة إلى الجيل المقبل من الأمراء، إلى زعزعة النظام. إذا حصل السيناريوان في الوقت نفسه، فإن حظوظ النظام بالبقاء ستتراجع إلى حد كبير.
النفط والوظائف والاستقرار في المدى الطويل
ستيفن هرتوغ
ستيفن هرتوغ، محاضر في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومؤلف "الأمراء والسماسرة والبيروقراطيون". لا ثورة من دون أزمة اقتصادية-اجتماعية عميقة. والسعودية لم تشهد مثل هذه الأزمة بعد. فبفضل عائداتها النفطية الضخمة، واحتياطياتها المالية الأضخم في الخارج، تستطيع تأمين ما يكفي من الوظائف للشباب الباحثين عن عمل - والذين يشكّلون شريحة أساسية من السكّان - في القطاع العام، بما يساهم في نزع فتيل أي غضب ثوري واسع النطاق. تتوقّف استمرارية هذه الخطة على حسابات بسيطة: أسعار النفط ومستويات الإنتاج من جهة، وتكاليف سياسة التوظيف الداخلي والإعانات الحكومية من جهة ثانية. فهذه التكاليف تزداد بسرعة، وغالب الظن أنها ستستمرّ في الارتفاع، ولو بوتيرة أكثر تروياً، بسبب النمو المتواصل في أعداد السكّان الذين بلغوا سن العمل. لكن حتى لو تبنّينا افتراضات متشائمة عن أسعار النفط، لن ينفد المال في الممكلة قبل 12 عاماً على الأقل. في الوقت الحالي، لاتزال السعودية تملك فوائض كبيرة نظراً إلى أن سعر النفط التعادلي يبلغ نحو 80 دولاراً للبرميل الواحد، أي أقل بكثير من الأسعار الحالية. في حين أن آفاق المملكة في المدى المتوسط تثير حسد الدول غير النفطية في المنطقة، فإن الآفاق البعيدة الأمد ضبابية لابل قد تكون قاتمة. ففي إطار طفرة الإنفاق التي تشهدها البلاد منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح النشاط الاقتصادي أكثر اعتماداً على موازنة الدولة. لاتتعدّى حصة رواتب القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي العشرة في المئة، مقارنةً بـ40-50 في المئة في الاقتصادات الناضجة، ما يحول دون توليد الطلب المكتفي ذاتياً. يشغل الرعايا الأجانب الجزء الأكبر من الوظائف في القطاع الخاص. وفي العام 2011، كان أقل من 400 ألف أجنبي من أصل أربعة ملايين عامل أجنبي في القطاع الخاص، يتقاضون راتباً يزيد عن ثلاثة آلاف ريال سعودي (800 دولار أميركي). وهكذا نظراً إلى تدنّي مستويات الأجور في القطاع الخاص، لايفكّر السعوديون حتى في التقدّم بطلبات توظيف في الشركات الخاصة، إلا في حالات محدودة جداً مرتبطة بمناصب معيّنة، لا سيما التنافس ضد المهاجرين الذين يبحثون عن عمل والتفوّق عليهم. ساهمت الجهود التي بذلتها الحكومة مؤخراً لإرغام أصحاب العمل على توظيف عدد أكبر من المواطنين السعوديين، في زيادة أعداد المواطنين العاملين في القطاع الخاص، لكن هذه المنظومة الجديدة لتوزيع الحصص معقّدة وتصعب مراقبتها؛ فقد ابتكر أصحاب العمل وسائل متعدّدة للتهرّب منها. فما دام نظام الهجرة المفتوحة يفرض على المواطنين التنافس مع العمّال الآسيويين الذين يقبلون برواتب شديدة التدنّي، ستكون لدى الشركات حوافز قوية لتفضيل الأجانب، ما يؤدّي إلى تقويض آلية استحداث الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص، والتي تُعتبَر ضرورية من أجل الاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، أدّت الاستعانة باليد العاملة المنخفضة الكلفة إلى ركود أو تراجع في الإنتاجية، ما عطّل سعي المملكة إلى بناء "اقتصاد المعرفة" ما بعد النفطي. سوف تُضطرّ السعودية، في المدى الطويل، إلى الخضوع لتحوّل مؤلم للتخلّص من فائض التوظيف في القطاع العام، ومن الاعتماد على اليد العاملة المهاجرة. وسوف يتسبّب هذا التحوّل بالمعاناة للمواطنين والشركات على السواء في المدى القصير. قد تكون الأوضاع جيدة الآن، ولاداعي بالتالي إلى فرض مثل هذه المعاناة في الوقت الحالي. لكن عندما تبلغ موارد الدولة المالية حدودها القصوى، سيكون التحوّل القسري الذي يصب في اتجاه التخلّي عن الاعتماد على الدولة، فجائياً وعنيفاً. هذه المعطيات لاتقود حكماً إلى اندلاع ثورة، لكنها تحمل في طياتها بذور اضطرابات خطيرة يمكن أن تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار لأول مرة منذ عقود.
تحول سياسي يلوح في الأفق
كريستوفر دافيدسون
كريستوفر دافيدسون، محاضر عن السياسة الشرق أوسطية في جامعة دورهام، ومؤلّف "ما بعد الشيوخ".
إحدى الحملات التي تلقى الرواج الأكبر حالياً عبر موقع "تويتر"، تحت عنوان "الراتب ما يكفي الحاجة"، تتركّز بالكامل تقريباً في السعودية، وتتم كل التبادلات عبرها باللغة العربية. فهي تتلقّى مئات التغريدات في الثانية، أي الملايين في الأسبوع، ما يتسبّب بقلق شديد لدى دوائر النخبة، كما أنها تختصر من نواحٍ عدّة المشاكل المتعدّدة التي يواجهها النظام السعودي حالياً. وقد استقطب حجم النقاش ومضمونه وحدّته، انتباه الإعلام الدولي. وانطلاقاً من الأحاديث التي يتم تبادلها ويتذمّر المشاركون فيها من تفاقم اللامساواة في توزيع الثروات في المملكة، فضلاً عن تزايد الفقر والفساد والبطالة، يتبيّن أن العقد الاجتماعي الذي أقامته السعودية مع مواطنيها يتداعى الآن في العلن.
ولعل الأهم هو أن الحملة تُظهر أن القوى التحديثية الجديدة النافذة - أي في هذه الحالة تكنولوجيات الاتصالات المعولمة التي لاتستطيع الدولة تطويعها أو السيطرة عليها - تمارس تأثيراً كبيراً جداً على مجتمع متململ وتقليدي يملك الآن واحداً من أكبر معدّلات استخدام الحزمة العريضة والهواتف الذكية في العالم. بالفعل، يفوق عدد التغريدات للفرد الواحد في السعودية حالياً العدد في الولايات المتحدة. كما أن السعوديين القادرين على الوصول إلى المنصات الإعلامية الجديدة التي باتت تتيح وأخيراً التعبير عن الآراء بحرية من دون قيود، والذين تشجّعوا بفعل الانتفاضات الحاشدة والاحتجاجات ضد الحكّام السلطويين في الدول المجاورة، يشهدون بلاشك تعبئة في صفوفهم على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم المذهبية. حتى إن أعضاء في الأسرة الحاكمة ينقسمون عنها، ويتحدّث بعضهم عن "الأزمة التي تلوح في الأفق" فيما ينشر آخرون رسائل "انشقاق" مفتوحة.
الواضح أيضاً هو أن برنامج الإنفاق العام الضخم الذي أطلقته المملكة على خلفية الربيع العربي - والذي تصل قيمته الآن إلى مئات مليارات الدولارات التي تُنفَق على الإعانات الحكومية والرعاية الاجتماعية والمخططات الوظيفية في القطاع العام - لايمارس التأثير المرجو. وقد كان الهدف منه نشر الهدوء في البلاد وشراء الولاء السياسي للمواطنين بانتظار انتهاء العاصفة، أملاً في أن تكون انتفاضات 2011 مجرد محطة عابرة، وأن تتمكّن السعودية من خلال ضخ الأموال، من "إدارة" مفاعيل الثورات الحالية - لاسيما في سوريا ومصر - حتى لو اقتضى ذلك رفع سعر النفط التعادلي، وزيادة اعتماد المملكة على الطلب العالمي على النفط، والذي بلغ مستويات خطيرة. لكن الواقع هو أن المنطقة تشهد حالياً تبدّلاً جوهرياً في المنظومة السياسية، ولايزال في بداياته من نواحٍ عدّة. فشرائح واسعة من الشباب تعبّر عن استيائها من السياسة السلطوية غير الشفافة وسوء إدارة الموارد الطبيعية. وليس هناك من تفسير أكاديمي منطقي يستوجب بقاء السعودية بمنأى عن هذا التحول.
الإصلاح حسب وتيرة النظام
فهد ناظر
فهد ناظر، محلل سياسي لدى شركة JTC، و محلل سياسي سابق لدى سفارة المملكة السعودية العربية في الولايات المتحدة.
يسود اعتقاد في أوساط بعض المراقبين بأن السعودية تعيش في زمن آخر، معتبرين أن مؤسساتها السياسية والاجتماعية هي من مخلّفات عصر ولّى، وأنها لاتعكس المطالب أو الوقائع أو الحساسيات التي تميّز دولة "حديثة".
بيد أن من يتابعون التطوّرات عن كثب في المملكة منذ فترة طويلة - لاسيما منذ انتهاء حرب الخليج الأولى - يرون أن الخطوات المتردّدة التي اتّخذتها الحكومة باتجاه الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي تعكس مستوى معيّناً من الوعي لدى القادة السعوديين بشأن ما تشهده التركيبة الديمغرافية والثقافة السياسية من تغيير في المملكة. وتشير هذه الخطوات أيضاً إلى أن القادة أكثر تفّهماً مما قد يُخيَّل إلى البعض، للضغوط القادمة من الخارج، لاسيما منذ اجتاح "الربيع العربي" المنطقة.
أما النقّاد فيرون أن هذه الخطوات هي مجرد إجراءات شكلية تهدف في شكل أساسي إلى استرضاء المعلّقين الغربيين الذين باتوا يجرؤون - منذ الكشف بأن غالبية خاطفي الطائرات في 11 أيلول/سبتمبر كانت من السعوديين - على التطرّق إلى أمور كانت تصنَّف سابقاً في دائرة المسائل الداخلية البحتة، وصولاً إلى ما يتم تدريسه في المدارس السعودية. لكن عند التمعّن في هذه المبادرات والتفكير في آثارها في المدى الطويل، تصبح النظرة إليها أقل رفضاً وتهكّمية.
من الإصلاحات التي تستحق التوقّف عندها، إطلاق "الحوارات الوطنية" الدورية التي تجمع السعوديين من مختلف الأطياف السياسية والدينية لمناقشة التحدّيات المطروحة على المملكة، وتوسيع مجلس الشورى (الذي يضم حالياً 30 امرأة)، وإجراء انتخابات المجالس البلدية على مستوى البلاد، والتي أتاحت للسعوديين خوض تجربة الديمقراطية لأول مرة. ليست هذه الخطوات دليلاً على تصلّب سياسي حاد، كما ادّعى البعض.
في العام 2011، قام الملك عبدالله بمجازفة مدروسة أخرى عبر الإعلان عن منح النساء حق المشاركة والترشّح في الجولة المقبلة من الانتخابات في العام 2014. وعلى غرار ردود الفعل التي أثارها مشروع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، الذي أولاه العاهل السعودي عناية خاصة ويهدف إلى إعداد السعوديين للتنافس في الاقتصاد العالمي، أغضبت المبادرات الآيلة إلى تمكين النساء السعوديات، العناصر المحافظين الذين لايزالون ينظرون إلى معظم الإصلاحات بأنها تتعارض في طبيعتها مع التعاليم والأعراف الإسلامية التي تأسّست عليها البلاد.
بيد أن عدداً كبيراً من المراقبين توقّف عند حملة القمع الأخيرة التي طالت النشطاء المطالبين بالإصلاح. ففي حين أن القادة السعوديين قد لايكونون مناوئين للإصلاح بقدر ما يعتقد بعض النقّاد، يبدو أنهم يفضّلون تطبيقه بحسب وتيرتهم وشروطهم الخاصة.