أزمات لبنان تحجب حَدَثْ المحكمة الدولية

يترقّب كثيرون بشغف جلسة الاستماع الأولى للمحكمة الخاصة بلبنان في 16 كانون الثاني/يناير الجاري، لكنّ احتمال أن تؤثّر هذه الجلسة تأثيراً بالغاً على الديناميكية السياسية اللبنانية متدنٍّ.

نشرت من قبل
العربية
 on ١٦ يناير ٢٠١٤

المصدر: العربية

يترقّب كثيرون بشغف جلسة الاستماع الأولى للمحكمة الخاصة بلبنان في 16 كانون الثاني/يناير الجاري، وليس أقلّهم تحالف قوى 14 آذار اللبناني الذي سعى إلى إنشاء المحكمة. لكنّ احتمال أن تؤثّر هذه الجلسة تأثيراً بالغاً على الديناميكية السياسية اللبنانية متدنٍّ.

بعد مرور تسع سنوات على اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ألقت قضايا ثلاث بظلّها على هذه الجلسة، وهي: الفراغ السياسي الناجم عن غياب الحكومة منذ آذار/مارس 2013؛ وتفاقم المخاوف الأمنية، ومسار مؤتمر جنيف- 2 المزمع عقده في 22 كانون الثاني/يناير الجاري.

استقطاب حاد

وترتبط هذه القضايا الثلاث ارتباطاً وثيقاً بالاستقطاب الحاد في المشهد السياسي اللبناني الراهن. فالابتهاج إزاء انسحاب القوات السورية من لبنان في أعقاب اغتيال الحريري، خلّف مكانه استياءً من تورّط حزب الله في الصراع السوري. إذ يرى خصوم حزب الله أنّ السيطرة السورية المباشرة على الشؤون اللبنانية قد استُبدلت بالسيطرة غير المباشرة، حين فرض حليف النظام السوري حزب الله نفسه عسكريّاً وسياسيّاً من خلال انخراطه في الأزمة السورية. أمّا حزب الله وحلفاؤه فيرون أنّ المشاركة في الصراع السوري أمرٌ لا مفر منه، ويمكن أن ينعكس مكاسبَ سياسية في الداخل اللبناني.

;ترك هذا الاستقطاب العميق لبنان من دون حكومة للمرة الثانية منذ اغتيال الحريري. فبعد إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في العام 2011 بسبب استقالة وزراء تحالف 8 آذار، والاستعاضة عنها بحكومة تهيمن عليها قوى 8 آذار، استقالت هذه الحكومة بدورها في العام 2013. ويوضّح هذا الأمر التباينات المتزايدة بين الجماعات السياسية المتخاصمة، ويؤكّد على هشاشة الاتفاقات التي يتمّ التوصّل إليها بوساطة دولية بهدف حل الأزمات بين اللبنانيين، مثل اتفاق الدوحة في العام 2008.

الرجوع إلى الوراء

تمت الإطلالة على هذا الاتفاق آنذاك على أنّه وسيلة للخروج من الأزمة السياسية الحادة التي شهدت استخدام حزب الله سلاحه في الداخل في أيار/مايو 2008، في محاولةٍ للتأثير على سياسة الحكومة. وليس مستغرباً أن يعود لبنان بعد ذلك الحين إلى مناخ الاستقطاب، ذلك أنّ الاتفاق لم ينجح إلّا في جمع الخصوم السياسيين معاً فترةً قصيرة، من دون أن يقدّم رؤية مستدامة وطويلة الأمد من شأنها أن تؤثر إيجاباً على المشهد السياسي اللبناني.

إنّ المحادثات الراهنة بين السياسيين اللبنانيين لمحاولة التوصّل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة الجديدة، تذكّر بأنّ التطورات السياسية اللبنانية أشبه بحلقة مفرغة: ففي العام 2008، استُخدم السلاح كتكتيك لتخويف العامّة من أجل فرض قرار سياسي معيّن، فشكّلت المحادثات التي أعقبت ذلك في الدوحة انفراجاً لاقى ترحيباً في صفوف العامّة التي أتعبها الوضع القائم. والأمر نفسه يتكرّر اليوم، إذ إنّ التفجيرات والاغتيالات تخدم الغرض نفسه، بعد أن شهدت البلاد في العام الماضي سلسلة هجمات عنيفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخصومات السياسية. ومن المرجّح أن تؤول المحادثات الجديدة إلى تشكيل حكومة تهدّئ البلاد فترةً محدّدة، من دون أن تتضمّن آفاقاً مستدامة في المستقبل.

تذكير مرير

فكما حدث في العام 2008، لايندرج تحقيق الاستدامة ضمن أولويّات المواطنين اللبنانيين القصوى اليوم. فاغتيال الوزير السابق محمد شطح في 27 كانون الأول/ديسمبر الفائت، وتفجير السيارة المفخخة في ضاحية بيروت الجنوبية في 2 كانون الثاني/يناير الجاري، فضلاً عن سلسلة الاشتباكات العنيفة في طرابلس، والبقاع، وصيدا، أدّت كلّها إلى خلق حالة من الذعر بين السكان. وطغت المخاوف والهموم الملحّة حول الأمن والاستقرار على النقاشات والخيارات السياسية، ولاسيّما في ظل غياب الحكومة. وبالتالي، مهما كان شكل الحكومة الجديدة، فإنّ تأليفها سيُعتبر انفراجاً.

لقد استأثرت تحدّيات المشهد السياسي اللبناني الداخلي وعلاقته مع الجهات الفاعلة الإقليمية باهتمام الرأي العام، بعيداً عن جلسة استماع المحكمة الخاصّة بلبنان. وكان اغتيال شطح في الأسابيع القليلة قبل جلسة الاستماع بمثابة تذكير مرير باستمرار الأزمة التي بدأت في العام 2005 وأضعفت قادة 14 آذار. وكان أحد العوامل التي بدأت تفقد ثقة الكثيرين من مؤيدي المحكمة الخاصّة بلبنان هو عدم إلقاء القبض على المتهمين في اغتيال الحريري. إضافةً إلى ذلك، بما أنّ الأزمة السياسية في لبنان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع السوري، طغى موعد مؤتمر جنيف- 2 الذي يلوح في الأفق ومعه التكهنات حول منحى التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران وتأثيره المحتمل على حلفائهما اللبنانيين، على موعد انعقاد جلسة المحكمة الخاصة بلبنان في جدول الأعمال العام.

ثم أن آمال الحشود التي دفعت "انتفاضة الاستقلال" قدماً في العام 2005  خابت على مدى السنوات التسع الماضية. فإجراءات المحكمة الخاصة بلبنان بطيئة جدّاً، ولم تثمر أي نتائج قاطعة حتى الآن، ناهيك عن أنّ سيادة لبنان على النحو الذي نادت بها "انتفاضة الاستقلال" مهدّدة من جرّاء تدخّل لبنان العميق في الأزمة السورية، وأيضاً من جراء تكرار استخدام حلقة العنف كأداة سياسية مجدّداً. وهكذا، حجّمت أزمات لبنان الأكثر إلحاحاً جلسة استماع المحكمة المحكمة الخاصة بلبنان، بغضّ النظر عن الأدلة التي ستكشف عنها هذه الجلسة في 16 كانون الثاني/يناير الجاري.

نشرت هذه المقالة أصلاً بالانجليزية في موقع العربية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.