مكافحة الإرهاب والحفاظ على الحريات في تونس

قد تفرض الأعمال الإرهابية في تونس تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمعة، وعرقلة الانتقال السياسي في تونس، التي تُمثّل حتى الآن قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي.

نشرت من قبل
ذا مارك نيوز
 on ١٤ أغسطس ٢٠١٤

المصدر: ذا مارك نيوز

باشرت الجمعية الوطنية التأسيسية في تونس الأسبوع الماضي بمناقشة قانون جديد لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. وبالرغم من أنّ هذا القانون يشكّل تقدماً نوعياً مقارنةً بالقانون الذي كان قائماً في عهد بن علي، غير أنّه يحمل في طياته إمكانية العودة إلى قمع الحريات الأساسية وإلى أحكام شديدة القسوة.

يدور الجدل حول هذا القانون في أعقاب وقوع هجمات إرهابية متزايدة في البلاد، ضدّ أفراد الجيش والقوى الأمنية بشكلٍ أساسي. وقد فاقمت الأخبار المتتالية عن تفكيك خلايا إرهابية في المنطقة المتاخمة للعاصمة تونس الشعور بالخطر الكامن، وساهمت في إثارة القلق العام والإلحاح الشعبي على ضرورة التصديق على القانون الجديد.

قد تفرض الأعمال الإرهابية المحتملة في المدن الرئيسة، بما في ذلك السيارات المفخّخة والاغتيالات المستهدِفة، مثل اغتيالَي شكري بلعيد (شباط/فبراير 2013) ومحمد براهمي (تموز/يوليو 2013)، تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمعة، وعرقلة الانتقال السياسي في تونس، التي تُمثّل حتى الآن قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي.

تتفاقم هذه المخاوف بسبب التطورات في البلدان المجاورة وفي سائر العالم العربي. فقد زاد تفكّك ليبيا وانحدارها الواضح نحو الحرب الأهلية، إضافةً إلى الفراغ الأمني في أعقاب انتفاضة تونس، من المخاوف حول صعود الحركات الجهادية والإتجار غير المشروع بالأسلحة عبر حدود دولية هشّة ومَساميّة. ويشير تركّز الهجمات في جبل شامبي على طول الحدود التونسية-الجزائرية إلى احتمال أن يكون المتطرّفون الجزائريّون أيضاً قد انخرطوا في القتال.

ومن منظور إقليمي، ثمة خوف عميق من شبكات المقاتلين التونسيين في الخارج، وارتباطهم المحتمل بالشبكات الإرهابية في سورية والعراق. وقد أثار إعلان أبو عياض التونسي، زعيم تنظيم أنصار الشريعة المُحظَّر مؤخّراً، الذي يقيم في طرابلس على الأرجح، ولاءه للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بعد إعلانها الخلافة الإسلامية، المزيد من القلق إزاء توغّلها المحتمل داخل الأراضي التونسية.

وكان رئيس الحكومة التونسية المكلّف، مهدي جمعة، قد عبّر عن هذه المخاوف في 17 تموز/يوليو، في ظلّ أكبر هجوم شهده جبل شامبي حتى الآن، والذي أسفر عن مقتل 14 جنديّاً وإصابة 20 آخرين، حين وصف حرب تونس على الإرهاب بأنها حرب ذات امتدادات إقليمية.

لكن الإرهاب ليس الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يعيق الانتقال السياسي في تونس. فالمناخ التشريعي الأوسع وضمان الحقوق الأساسية عرضة إلى الخطر أيضاً.

في حين يشكّل هذا القانون تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بقانون العام 2003 الذي استخدمه نظام بن علي لإسكات جميع أشكال المعارضة السياسية، ثمة مخاوف من احتمال أن يُستخدَم القانون المُقترَح لتقويض حرية الاجتماع وحرية الكلام والحقّ في المشاركة السياسية.

يبدي الناشطون التونسيون والمنظمات الدولية، مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، قلقاً من أن يُستغل التعريف الفضفاض والغامض للإرهاب في القانون المُقترَح – والذي وصفته النائب في حزب النهضة كلثوم بدر الدين بأنه "خيار مقصود" – كأداة للقمع السياسي واضطهاد المعارضة السياسية باعتبارها إرهاباً.

وفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش حول هذه المسألة، يمكن لبعض أحكام القانون أن تمنح "القضاة سلطات مفرطة في العمل بإجراءات استثنائية، وتُقيِّد قدرة المحامي على الدفاع بطريقة فعالة. إضافة إلى ذلك، لايضمن مشروع القانون وجود رقابة قضائية كافية على تدخل الشرطة في خصوصيات الأشخاص أثناء عمليات مكافحة الإرهاب". ومع الوقت يمكن لهذه الأحكام أن تفسح المجال أمام تسييس الإجراءات القانونية في ظلّ أوضاع استثنائية.

فضلاً عن ذلك، يمكن أن يُستخدَم القانون، عبر إدراج أنشطة قد تؤدّي إلى تعطيل الحياة العامة، مثل قطع الطرق أو أعمال العنف الطفيفة، لتجريم المعارضة السياسية أو الاقتصادية المشروعة. بعبارة أخرى، يمكن أن تُجرَّم الاحتجاجات المدنية حتى على القضايا غير السياسية استناداً إلى هذا القانون. وهذا الأمر يثير قلق الكثيرين نظراً إلى التحدّيات الاجتماعية-الاقتصادية الحادّة التي تواجهها تونس في الوقت الراهن، وإمكانية الاحتجاج على ما آلت اليه الأمور أو على سياسات غير شعبية قد تتبناها الحكومة لمعالجة هذه التحديات.

في السياق نفسه، إن تعليق عمل مايقارب الـ150 منظمةً مؤخّراً لارتباطها المزعوم بأنشطة إرهابية، يقوّض الحريات الأساسية التي يضمنها الدستور، بما في ذلك حرية تكوين الجمعيات. ولم تُحترم الإجراءات القضائية التي يضمنها القانون في هذه العملية.

يقف زعماء تونس السياسيون صفّاً واحداً في "الحرب على الإرهاب" التي تخوضها البلاد، ويساوون بين هذه الحرب وعملية انتقال تونس إلى الديمقراطية. فقد شدّد كلٌّ من جمعة والرئيس التونسي المنصف المرزوقي، في خطاباتهما مؤخّراً، على الحاجة إلى إعادة النظر في الأولويات والتركيز على إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي التي وضعت في المنزلة نفسها مع مكافحة الإرهاب. وألمحا إلى أن ذلك قد يتطلّب إعادة النظر في ميزانية الدولة لزيادة الدعم للجيش والأجهزة الأمنية. كما أعرب راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، بدوره عن تنديده بالأنشطة الإرهابية في خطابات متلاحقة له قبل الهجمات الأخيرة وبعدها.

قامت هذه الجبهة الموحّدة على الرغم من التسييس المتواصل للأمن القومي في ظلّ تبادل مختلف الأحزاب السياسية الاتهامات حول المسؤولية عن هذه الهجمات لتسجيل النقاط قبل الانتخابات المقبلة.

صحيح أنه لابدّ من مواجهة الأنشطة الإرهابية وضبط الحدود لإرساء الأمن والاستقرار وتحقيق النمو في تونس، إلا أن انتقالاً ديمقراطياً سليماً يتطلّب أكثر من قانون مكافحة الإرهاب المُقترَح. يستدعي الانتقال السليم إلى الديمقراطية إجماعاً حول القضايا الأساسية، بما في ذلك القيام باستثمارات مكثفة وتطبيق برامج تنموية في المناطق التونسية الحدودية، والاتفاق على عدم تسييس إدارة قطاع الأمن في البلاد، وحماية استقلال القضاء. ففي غياب الإشراف الضروري، قد تعيق مكافحة الإرهاب الانتقالَ الديمقراطي في تونس، وتفسح المجال أمام عودة الدولة الأمنية بحلّة جديدة.

تم نشر هذا المقال أصلاً بالانجليزية في ذا مارك نيوز.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.