جهاز الأمن الجزائري أقوى من أي وقتٍ مضى على الرغم من التغييرات

مع أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أقال عدداً من الجنرالات رفيعي المستوى، إلا أن جهاز الأمن الجزائري لايزال مستقرّاً.

نشرت من قبل
وورلد بوليتيكس ريفيو
 on ١٧ سبتمبر ٢٠١٥

المصدر: وورلد بوليتيكس ريفيو

في 13 أيلول/سبتمبر، أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن إنهاء مهام الفريق محمّد "توفيق" مدين، مدير جهاز المخابرات المعروف بدائرة الاستعلام والأمن (DRS)، بعد أيام من إقالة عددٍ من الجنرالات رفيعي المستوى الذين عملوا تحت إمرة مدين، وبعد أسابيع من اعتقال مسؤول سابق في جهاز المخابرات. وقد أعلن مكتب بوتفليقة أن قرار إحالة مدين إلى التقاعد اتُّخذ "وفقاً للدستور". لكن هذا التفسير يغفل عن ذكر القرار المفاجئ الذي قضى بإقالة الجنرال توفيق (كما يُسمّى في الجزائر على نطاق واسع)، الذي كان مدير جهاز المخابرات في الجزائر طيلة 25 عاماً.

سرعان ماتحوّلت دائرة الاستعلام والأمن التي أُنشئت تحت اسم وزارة الذخائر والاتصالات العامة في أيلول/سبتمبر 1958 خلال حرب التحرير الجزائرية، إلى قوّة الأمن الداخلي الأساسية في البلاد، ولاسيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها رئيس الأركان الطاهر زبيري في العام 1967 ضد هواري بومدين. تسلّلت دائرة الاستعلام والأمن، عبر شبكاتها، إلى المؤتمرات والنقاشات العامة والخدمة المدنية والشرطة وحتى إلى جبهة التحرير الوطني الحاكمة. وأدّت دوراً أساسياً في استلحاق النخب وقمع المعارضين للنظام. كما أدّى مدين، الذي ترأس هذه المؤسسة لمدة ربع قرن، دوراً فاعلاً في صفوف مجموعة عُرفت باسم Janvieristes (نسبةً إلى شهر كانون الثاني/يناير)، وهي تتألّف من الجنرالات الذين ألغوا الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في أوائل العام 1992، لتجنّب فوز ساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي حزب سياسي إسلامي، ما أدّى إلى اندلاع حرب أهلية دامت عقداً من الزمن.

لايمكن إنكار أن مدين كان يُعتبر الرجل القوي في الجزائر والقوة الداعمة لحكم بوتفليقة. لكن "رب دزاير" (رب الجزائر) كما سمّى نفسه، لم يكن له ظهور علني أبداً قبل يوم السبت، حين بثّت قناة تلفزيونية محلية شريط فيديو ظهر فيه متحدّثاً إلى مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى. وتشير إقالته إلى حدوث تحوّلات كبرى داخل هياكل السلطة الغامضة في الجزائر، والتي أظهرت بوادر مفاجِئة عن اضطرابات عامة في السنوات الأخيرة، فيما تلوح في الأفق معركة خلافة بوتفليقة.

تعرّضت دائرة الاستعلام والأمن وجنرالاتها المسنّون إلى انتقادات شديدة بعد الردّ القاسي على الهجوم الإرهابي على منشأة عين أميناس للغاز في شهر كانون الثاني/يناير 2013. إذ تمثّل ردّ بوتفليقة في تنحية وإقالة وإحالة عددٍ من مسؤولي دائرة الاستعلام والأمن إلى التقاعد. ففي كانون الثاني/يناير 2014، أُقيل اللواء مهنى جبار من منصبه، وهو اليد اليمنى لمدين ورئيس المديرية المركزية لأمن القوات المسلحة. كما تم اعتقال عبد القادر آيت عرابي (المعروف بالجنرال حسّان)، المسؤول السابق في جهاز المخابرات الذي كان مكلّفاً بمكافحة الإرهاب ومكافحة التجسّس، وأُحيل إلى المحكمة العسكرية في شباط/فبراير 2014 بتهمة عصيان الأوامر. وأُنهيت مهامّه ثم أُطلق سراحه. لكن في أواخر الشهر الماضي، اعتُقل آيت عرابي مجدّداً، واحتُجز في سجن البليدة العسكري جنوب الجزائر العاصمة بتهمة حيازة مخزون من الأسلحة وتشكيل مجموعة مسلحة.

حصلت مناورات أخرى أيضاً. ففي العام 2013، حُلَّت الشرطة القضائية في دائرة الاستعلام والأمن التي كانت قد أنشئت بموجب مرسوم رئاسي في العام 2008 للتحقيق في الفضائح المالية. وفي العام نفسه، تم وضع المديرية المركزية لأمن القوات المسلحة ومديرية الاتصال تحت سلطة رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح. ومؤخّراً في شهر تموز/يوليو، قام بوتفليقة باستبدال ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى في أجهزة الجيش مكلّفين بالأمن الداخلي وأمنه الشخصي وهم: قائد مديرية الأمن الداخلي علي بن داود، وقائد الحرس الجمهوري أحمد مولاي ملياني، وقائد الأمن الرئاسي جمال كحال مجدوب.

تدور تكهّنات كثيرة في صفوف الرأي العام الجزائري والمراقبين الخارجيين حول طبيعة علاقة بوتفليقة بدائرة الاستعلام والأمن. وقد رأى عددٌ من المراقبين هذه التغييرات على أنها عمليات "تطهير" لجهاز الأمن وفصلٌ من الحرب الباردة الدائرة بين الجيش ومجموعة المقرّبين من بوتفليقة - وترتدي هذه التغييرات أهمّية خاصة على ضوء تردّي الوضع الصحي لبوتفليقة، والغموض حول خلفه. صحيح أن ثمة توترات تشوب العلاقة بين فصيل من الجيش والنظام السياسي. لكن وعلى الرغم من العداوات، يستطيع الجيش أن يتصرّف بشكل متماسك لمصلحته الخاصة. مثلاً، مع أن مدين انتقد قرار بوتفليقة الترشّح لولاية رئاسية رابعة، إلا أنه قدّم هو وأتباعه في نهاية المطاف الدعم للرئيس من أجل إعطاء الجيش مزيداً من الوقت للتحضير لخلافة بوتفليقة.

لكن المفاجئ أن إقالة مدين لن تغيّر وضع الجيش وجهاز الأمن الجزائري اللذين يُعتبران أقوى من أي وقت مضى. فقد خاضت دائرة الاستعلام والأمن هذا النوع من إعادة الهيكلة من قبل، من دون أن تؤثّر عمليات الإقالة وإنهاء المهام السابقة على نواة قوّتها. كما أن قيادة الجيش الوطني الشعبي وقوّته لم تتغيّرا. وينبغي تذكّر أن كل مافعله بوتفليقة هو ببساطة استبدال مسؤول متفانٍ في دائرة الاستعلام والأمن بمسؤول آخر: فخلف مدين، اللواء عثمان بشير، الملقَّب بـ"طرطاق"، هو تلميذ مدين وابن المؤسسة العسكرية الجزائرية، إذ انضم إلى الجيش في العام 1970. وخلال العشرية السوداء في التسعينيات، تولّى إدارة مركز التحقيق العسكري وأصبح في العام الماضي المستشار الأمني الخاص لبوتفليقة.

نظراً إلى الظروف الإقليمية وتفاقم عدم الاستقرار في الدول المجاورة مثل ليبيا وتونس ومالي والنيجر، فالسلطات الجزائرية لن تخاطر بإضعاف دائرة الاستعلام والأمن في الوقت الراهن. بدلاً من ذلك، تعكس إعادة الهيكلة إقراراً من جانب الجيش، بما في ذلك فروعه الأمنية، بأن عليه التحضير لخلف بوتفليقة من خلال إيصال جيل جديد إلى السلطة. فالعمر هو عاملٌ أساسي: إذ يبلغ مدين سن الـ76 ويبلغ قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، سن الـ75 وسيكون على الأرجح الشخص التالي الذي سيغادر منصبه. لكن هذه التغييرات لم تبدّل واقع أن الجيش الجزائري لايزال يشكّل قوة سياسية وأنه سيبقى لاعباً بارزاً في المشهد السياسي الجزائري.

في نهاية المطاف، تعتمد زيادة السلطة المدنية في الجزائر على ما إذا سيتواصل نفوذ دائرة الاستعلام والأمن على السياسة والاقتصاد والمجتمع في البلاد. مع ذلك، لايزال من المبكر معرفة ما إذا ستشكّل التطورات الأخيرة خطوات أولية نحو الانتقال إلى دولة مدنية.

نُشر هذا المقال أساساً على موقع وورلد بوليتيكس ريفيو.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.