المصدر: Al-Jazeera
من المقرر أن تعقد في 7 آذار/مارس المقبل قمة استثنائية للاتحاد الأوروبي وتركيا لتنسيق الاستجابة لاستمرار تدفّق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا. يأتي هذا في أعقاب مؤتمر دولي للمانحين عقد في لندن قبل أربعة أسابيع تعهّد بتقديم ما يزيد عن 11 مليار دولار لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في الفترة بين 2016 و2020، معظمها من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. هناك حاجة ماسّة لهذه الالتزامات السياسية والمالية، ولكن لا ينبغي لها أن تحجب إخفاقات الماضي أو العقبات التي تنتظرنا. فمن الواضح أن خطة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن اللاجئين التي تمت الموافقة عليها في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لم تسفر عن نتائج ملموسة. كما اتسع النقص في تمويل نداءات الأمم المتحدة السابقة لسوريا نسبياً، من 30 في المئة من التعهّدات في العام 2012 إلى 43 في المئة في العام 2015، الأمر الذي جعل المانحين يخفقون في الوصول إلى أهدافهم حتى وهم يعطون أكثر.
الحلقةالمفرغة
ينبغي على مجتمع المانحين الدوليين النأي بنفسه عن نمط "إطفاء الحرائق" الآنية، والانتقال إلى التفكير بصورة استراتيجية عن الاتجاهات والاحتياجات والاستجابات طويلة الأمد.ذلك أن تسيير الدوريات في بحر إيجة لمنع تدفّق اللاجئين الذين يعبرون من تركيا ودفع الأموال لتركيا لاستيعاب المزيد من اللاجئين يشتري الوقت، لكن ليس بوسعه أن يفعل ما هو أكثر من الحدّ من المشكلة جزئياً. الأهم من ذلك هو أنه لا يعالج التحدّيات الخاصة التي تواجه كلاً من الأردن ولبنان، اللذان يستضيفان أعداداً أقلّ من اللاجئين من تركيا، ولكنهما يتحمّلان عبئاً أكبر بكثير بالمقارنة مع عدد سكانهما وناتجهما المحلي الإجمالي وميزانيتهما.
وهنا تبدو أوجه القصور في إطار "الطوارئ" المعتاد للمساعدات الإنسانية أكثر وضوحاً، وخطر التسبّب في الاعتماد المزمن على المعونات بين اللاجئين أكثر حدّة.
بيد أن ثمّة حلقة مفرغة ثانية وخطيرة تظهر حتى عندما تبدأ الجهات الدولية المانحة الرئيسة في الإقرار بوجود أوجه قصور في نهجها الموحّد. إذ يرى الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، أنه يتعيّن على تركيا ولبنان والأردن إضفاء الطابع الرسمي على فرص عمل اللاجئين السوريين والسماح بتوسع هائل في توفير التعليم لأبنائهم وذلك بغية الحدّ من تدفّقهم إلى أوروبا في السنوات المقبلة.
إلا أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ هذه المطالب سياسياً واجتماعياً في تركيا، في ظل حكومتها التي تؤيد اللاجئين صراحة، وإدارتها المركزية والمحلية الفعّالة، وعدد سكانها واقتصادها الكبير. بيد أن الأمر يبدو أكثر صعوبة بكثير في الأردن ولبنان، حيث لا تثق الحكومات المضيفة والسكان على نحو متزايد بأي شيء يمكن أن يرسّخ وجود اللاجئين السوريين بحيث يصبح دائماً، أو يشجّع على قدوم المزيد من اللاجئين.
الحاجة إلى مقاربة أذكى
بدلاً من ذلك، ثمّة حاجة لوضع إطار جديد للمساعدات الدولية يركّز على تحقيق التنمية المستدامة وتغيير الهياكل الحافزة للاجئين والبلدان المضيفة. وهذا يتطلّب وجود ثلاثة عناصر فعّالة:
أولاً، الاعتراف الصريح بأن جيران سورية سيستمرون في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين لسنوات قادمة، حتى لو تم تحقيق السلام غداً، وبالتالي هناك حاجة إلى نهج مختلف. وكما قال المستثمر والمحسن جورج سوروس مؤخراً، فإن الاستمرار في "الرعاية والإعالة" يبقي اللاجئين من دون دعم كافٍ والآثار السلبية على المجتمعات المضيفة من دون معالجة.
ثانياً، هناك ضرورة لزيادة الالتزامات المالية. فقد وضع مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن يوم 4 شباط/فبراير نصب عينيه هدف تغيير حياة اللاجئين والمجتمعات المضيفة عبر التركيز على التعليم والفرص الاقتصادية. وإدراكاً منه لحقيقة أن ذلك يتطلّب مستويات أعلى بكثير من الإنفاق الأولي، دعا سوروس أيضاً إلى " زيادة التمويل" للاستثمار الأولي في برامج التوظيف والصحة والتعليم.
ولكي تكون هذه المساعدة أكثر فعّالية، يجب على المانحين أن يكفّوا عن الميل إلى الاعتماد على عدد قليل من الأشكال والقنوات النمطية لتصميم وتمويل وتقديم المساعدة. ومهما يكن تمويل أي برنامج فردي سخياً، فهو لن يكن كافياً لوحده. ولذلك فإن العنصر الثالث من الاستجابة الأكثر فعّالية على المدى الطويل يتمثّل في وضع حزمة "ذكية" من البرامج والمبادرات المصمّمة خصيصاً للتعامل حسب الديناميات المؤسّسية والاقتصادية والاجتماعية و ديناميات السوق للحكومات والمجتمعات المضيفة.
من شأن وجود نهج ذكي أن يوازن ضغط المانحين على الحكومات المضيفة لإضفاء الطابع الرسمي على مشاركة اللاجئين السوريين في أسواق العمل في بلدانها مع مساعدتها على إنشاء صناديق خاصة لهم في إطار نظم الضمان الاجتماعي الوطنية. ذلك أن تمكين اللاجئين من المساهمة في هذه البرامج سيشجعهم على التسجيل للحصول على عمل نظامي، الأمر الذي سيكون أكثر إنصافاً للمواطنين الذين يشكون من أنهم يتأذوا بسبب استعداد اللاجئين للقبول بأجر أقلّ (غير خاضع للضريبة). وبالمثل، يمكن للمانحين أن يساعدوا الحكومات المضيفة عن طريق تسهيل تسجيل آلاف المتاجر الصغيرة غير الرسمية التي أنشأها اللاجئون وتخدمهم وجعل ذلك أكثر جاذبية، وهو ما يحتمل أن يدرّ دخلاً أكبر من الرسوم والإيرادات الضريبية للبلدان المضيفة ويعوّض بعض تكلفة توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
إعادة تصميم النهج جماعياً
ثمّة جانب آخر من المقاربة الذكية يتمثّل في وجوب أن تحقّق الجهات المانحة توازناً أكثر استهدافاً في مساعداتها الفنية و علاقاتها التمويلية مع الحكومات المضيفة من جانب، ومع السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني من جانب آخر، التي غالباً ما تكون "أول المستجيبين" للاجئين، ويمكنهما دمج احتياجاتهم مع احتياجات المجتمعات المحلية بصورة أفضل. ويمكن للبلديات أن تتعاون لتوفير توليد الكهرباء ومعالجة المياه وحلول للتخلّص من النفايات الصلبة على المستوى المحلي عندما تعجز النظم الوطنية عن ذلك، وبذلك تكون في وضع أفضل لتحصيل رسوم الاستخدام واسترداد التكاليف بعد مساعدتها من خلال توفير الاستثمارات الأولية بالبنى التحتية اللازمة.
ويمكن كذلك تحفيز وزارات التربية والتعليم ومساعدتها على التعاون مع منظمات المجتمع المدني التي تهدف إلى إحداث تحسينات نوعية في مجال محو الأمية وتعليم الحساب أو في الرياضيات والعلوم الطبيعية واللغات الأجنبية ومهارات الكمبيوتر بين طلاب المدارس الابتدائية، وذلك بغية توسيع نطاق اختصاصها ليشمل اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
في كل الأحوال، لم يعد الإطار الإنساني التقليدي لمساعدة اللاجئين قابلاً للاستمرار. ولذا ينبغي أن يكون هناك إطار جديد يركّز على التنمية المتكاملة للاجئين والبلدان المضيفة على حدّ سواء، ويشمل أطراً زمنية أطول وبرامج أكثر ذكاءً. ومع انعقاد القمة العالمية الإنسانية الأولى في إسطنبول في أيار/مايو، هناك فرصة للبدء في إعادة تصميم الإطار الإنساني بصورة جماعية.