كيف تأثر أسعار النفط على الأنظمة المالية

تفرض الأسواق إلى حدٍّ كبير شكل العلاقة التي ستجمع بين الشركات النفطية والدول المضيفة لها، في ظل سعي الحكومات إلى الحصول على "حصص عادلة" من عائدات النفط.

نشرت من قبل
المركز اللبناني للدراسات
 on ٢٩ يونيو ٢٠١٦

المصدر: المركز اللبناني للدراسات

تملي الأسواق إلى حد كبير طبيعة العلاقة بين شركات النفط الدولية والدول المضيفة، مع محاولة الحكومات ضمان حصولها على ’حصة عادلة‘ من عائدات النفط. ولكن مع عدم وجود تعريف واضح لما هو حصة عادلة، لا سيما في ظل التغييرات في أسعار النفط، يبقى تحديد الحصة العادلة رهن المراجعة المستمرة. ويؤدي ذلك إلى تأثير البندول، حيث ظروف السوق المتغيرة تضع إما الحكومات أو الشركات في مواقع القوة في المفاوضات. في ما يتعلق بوضع السياسات من قبل الحكومة اللبنانية، تشير هذه الديناميات إلى ضرورة أخذ ظروف السوق الحالية في الاعتبار عند إطلاق جولة التراخيص الأولى في البلاد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن على الحكومة الانتظار إلى أن تعود أسعار النفط إلى المستويات التي كانت عليها قبل العام ٢٠١4 ،الأمر الذي قد يأخذ بعض الوقت ليتحقق. كما ينبغي على النظام المالي أن يكون متوازناً وقادراً على المنافسة دولياً. 

مقّدمة

نـادراً مـا تـكـون الـعـلاقـة بـيـن الـحـكـومـات الـمضيـفـة والشركـات – وهـمـا الـجـهتان ان في قطاع النفظ والغاز – ثابتة. فهي تتفاوت بين الحلو ّت ان الرئيسي ّت المعني والمّر بحسب عوامل عدة، أبرزها سعر النفط، الذي ُيعتبر الدافع الأكثر بداهة وراء تعديل النظام المالي الخا ّص بالمرحلة الأولى )التنقيب والاستخراج(، والذي يحكم تلك العلاقة. وبحسب ستيفنز وآخرين )٢٠١3 ،)أعاد أكثر من ثلاثين بلداً النظر في عقوده النفطية أو عمد إلى مراجعة أنظمته المالية بكاملها بين العامين ١999 و٢٠١٠ ،وهي فترة شهدت تغييرات كبيرة في أسعار النفط.

ببساطة، تريد الحكومات في المقام الأ ّول ح ّصة عادلة من إيرادات استثمار موارد النفط والغاز، بالإضافة إلى تعّهدات من المستثمرين بالاستثمار في تطويره. وفي ك ّل أنحاء العالم، يترسخ مفهوم الح ّصة ّ و التنقيب عن مورد محلي العادلة في أهداف الحكومات ـقـة بـالقطاع، علماً بأّن ّ الـمـتـعـل الـنـظـام الـمـالي هـو الـوسيلة التي تضمن هذه الح ّصة. على سبيل المثال، يقضي هدف بـ ‘الحصول ّة الحكومة البريطاني ّة، وذلك من خلال على ح ّصة عادلة من صافي دخل تلك الموارد من أجل الأم الضرائب في الدرجة الأولى‘. وفي ليبيريا، تهدف الحكومة من خلال النظام المالي إلى ‘توفير حوافز للمستثمرين المسؤولين إلى جانب توفير مردود عادل ومنصف‘ للبلاد.

ما من تعريف واضح لمفهوم الح ّصة ا ّم العادلة، وقل ا ُتجمع الحكومة والصناعة معً لفترة طويلة على ما إذا كان النظام المالي عاد ًلا أو غير عادل

ّ تحقيق هذا الهدف، من ناحية الممارسة، نادراً ما يكون بهذه البساطة؛ فما لكن من تعريف واضح لمفهوم الح ّصة العادلة، وقّلما ُتجمع الحكومة والصناعة معاً ات ّ لفترة طويلة على ما إذا كان النظام المالي عادلاً أو غير عادل. وتؤّدي دينامي تعريف الح ّصة العادلة. ففيما قد يكون ّ في تقّلب أسعار النفط إلى تغيير مستمر مقبولاً أن تبلغ نسبة ربح الحكومة – مجموع العائدات الحكومّية من صافي أو ٦٠ ٪عندما يكون سعر النفط ٦٠ّ ن – 5٠ ٪الخا ّصة بمشروع معي ّة التد ّفقات النقدي دولاراً للبرميل الواحد، يختلف الوضع على الأرجح عندما يرتفع سعر النفط إلى أكثر من ١٠٠ دولار للبرميل الواحد. وبالتالي، فإن هذه المسألة مثيرة للجدل، وإن تقريباً مسألة الح ّصة العادلة. ّ الحكومات تراجع بشكل مستمر تقريباً مسألة الح ّصة العادلة.

يهدف ملخص السياسة هذا إلى شرح هذه المفاهيم، أولاً من خلال مراجعة التغييرات في سياسة الحكومة في مقابل التغييرات في سوق النفط. ومن ثم سوف يستكشف الدورة التي من خلالها اثبطت الدول الاستثمار الخاص وثم حاولت إغراء شركات النفط للاستثمار، وذلك وفقاً لسعر النفط. ثم يناقش الملخص العوامل الإضافية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار إضافًة إلى أسعار النفط. ينتهي الملخص مع الآثار المترتبة على لبنان، وتحديداً فيما يتعلق بجولة التراخيص الأولى في البلاد وكيف ينبغي على الحكومة تصميم نظامها المالي آخذة بعين الاعتبار الحالة الراهنة لسوق النفط. 

إّتجاه بارز

أّدت أسعــار الــنـفـط الـمـرتـفـعـة، في أغـلب الأحـيـان، إلـى ارتـفـاع الضرائب وإعـادة التفاوض في العقود وتشديد الأنظمة، وفي الحالات القصوى، إلى الاستملاك والتأميم نظراً إلى مطالبة الحكومات المضيفة بح ّصة أكبر من ربحّية الصناعة ات ملحوظة في البلدان التي لا ّر المتزايدة الملحوظة. وغالباً ما تكون هذه التطو يضمن فيها النظام المالي تلقائياً الريوع الإضافّية الناجمة عن ارتفاع الأسعار.

أّدت أسعار النفط المرتفعة، في أغلب الأحيان، إلى ارتفاع الضرائب وإعادة التفاوض في العقود وتشديد الأنظمة، وفي الحالات القصوى، إلى الاستملاك والتأميم 

من ٢٠٠٢ إلى ٢٠٠8 ،س ّجلت أسعار النفط ارتفاعاً م ّطرداً، حيث ارتفع سعر البرميل الواحد من ٢٦ دولاراً إلى ١٠٠ دولار )انظر الرسم (. في موازاة ذلك، ّ ١ البياني إعتمدت الحكومات في أنغولا والأرجنتين والصين والإكوادور والــهــنــد وكــازاخستـان ولـيـبـيـا ونـيـجـيـريـا والـولايـات المّتحدة )ألاسكا(، نظاماً مالياً أكثر صرامة في قطاع النفط والغاز بح ّجة أّنها لا تحصل على ّة القطاع المتزايدة. وبحسب صحيفة ‘ذي إيكونوميست‘ ح ّصة عادلة من ربحي (٢٠٠7 ،)شّكل الارتفاع في أسعار النفط والغاز آنذاك تح ّو ًلا في ميزان الق ّوة الذي انتقل من الشركات إلى الحكومات المضيفة. ووصفت شركة ‘وود ّ العالمي ماكنزي‘ الاستشارّية )٢٠٠8 )هذه التط ّورات بـ ‘العاصفة المالّية‘.

    

إخـتـلـفت ردود الـفـعـل في الـبـلـدان الـمـنـتـجـة لـلـنـفـط مـن زيـادة مـبـاشرة في ّة، إلى فرض ضرائب جديدة وزيادة ح ّصة شركات النفط الوطني ّة، المعد ّلات الضريبي وإلى مصادرة الأصول. وتقع هذه التدابير كّلها تحت مظّلة ’سياسات الموارد ذات النزعة الوطنية‘ – أي السياسات الهادفة إلى تأمين المزيد من الاستفادة من بتأميم الموارد ُقصد الموارد الطبيعية لصالح الدولة – وإن بدرجات متفاوتة. وي ا من ّ ا من خلال الممارسة المباشرة الإستنسابية للسلطة، وإم ّ إم ّة، تدّخلات حكومي ّ، نظرّياً من أجل زيادة منفعة الأ ّمة جمعاء.

يخضع تأميم الموارد إلى تقلبات دورية. فعندما تنخفض أسعار النفط، تميل الشركات إلى اللجوء مجدداً إلى الدول التي سعت إلى عدم تشجيع الاستثمارات الخا ّصة

ّك مورد طبيعي خلال تمل على سبيل المثال، لجأت الحكومة البريطانّية إلى زيادة نسبة إحدى أدوات )SCT – )من ١٠ ٪إلى ٢٠ ٪عام ٢٠٠٦ ،وإلى ّة الضريبة الإضافي ّة – الضرائب النفطي 3٢ ٪عــام٢٠١١ .وفي الــجــزائــر، أصدرت الــحـكـومـة عـام ٢٠٠٦ قـانـونـاً جـديداً حول المحروقات قضى بفرض ضريبة استثنائية جديدة على الأرباح بنسبة 5٠ ٪عندما تصل أسعار النفط إلى 3٠ دولاراً للبرميل الواحد، وحّددت نسبة مشاركة شركة ا ّة في م ’سوناطراك‘ بـحد أدنى هو 5١ .٪وأصدرت الجزائر أيضاً قواعد إضافي يتعّلق بالاستثمارات الأجنبّية في العامين ٢٠٠9 و٢٠١٠، فرضت بموجبها قيوداً أكبر على الواردات والاستثمارات ــة. وفي حـالـة مـن ّ الأجــنــبــي الــحــالات الــقصوى، قــامت الحكومة الفنزويلية عام ٢٠٠7 باستبدال جميع الشروط المتوافق عليها بعقود جديدة، وفرضت حصول شركتها الوطنية ’PDVSA ‘على حصة أغلبية الأسهم بحيث السابق ّ بلغت حصتها ٦٠ ٪من حقوق المساهمين فيها. وأرغم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الشركات المستثمرة على قبول هذا العرض أو المغادرة. ولجأت شركات مثل ’إكسون موبيل‘ إلى محكمة التحكيم الدولّية لتسوية هذه المسألة.

سياسة دورّية

بحسب كلارك وكمينز )٢٠١٢ ،)تخضع سياسات الموارد ذات النزعة الوطنية إلى تقلبات دورية. فعندما تنخفض أسعار النفط، تميل الشركات إلى اللجوء مجدداً إلى الدول التي سعت إلى عدم تشجيع الاستثمارات الخا ّصة.

ّد الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط أثناء الأزمة المالّية عام ٢٠٠8– وقد ول مع ما رافقه من قيود على التمويل – ردود فعل مختلفة في بعض البلدان المنتجة للنفط، كما رفع آمال الشركات في حصولها على شروط أفضل. وقال ّ سياسات ّ المدير التنفيذي السابق لشركة ’بي دجي‘، فرانك تشابمان، عام ٢٠٠9 إن ّ ’الحكومات تحتاج إلى الموارد ذات النزعة الوطنية تشهد تراجعاً، مشيراً إلى أن ّ هناك نقصاً في ّ وقت مضى الاستثمارات اليوم أكثر من أي ... فهي تعرف أن رأس المال في العالم أجمع، وتعرف أّنها تتنافس مع بلدان أخرى على رأس المال، وتعرف أيضاً القيمة التي يوليها المستثمرون للاستقرار وحرمة العقود‘ )ورد ّق بشروطها ٢٠٠9 ،33 .)وبالفعل، أظهرت بعض البلدان ليونة أكبر في ما يتعل يخضع تأميم الموارد إلى تقلبات دورية. فعندما تنخفض أسعار النفط، تميل الشركات إلى اللجوء مجدداً إلى الدول التي سعت إلى عدم تشجيع الاستثمارات الخا ّصة كيف تأثر أسعار النفط على الأنظمة المالية 5 ّى في فنزويلا، بدأ المسؤولون باستدراج العروض من شركات نفط ّة المالي . وحت غربّية، واعدين إّياها بالنفاذ إلى بعض من أكبر احتياطّيات النفط في العالم.

ّ أمل الصناعة في الحصول على شروط أفضل تلاشى بسرعة. فمع لكن أسعار النفط عام ٢٠١٠ وارتفاعها المستمر، نشرت صحيفة ’فاينانشل ّ ن تحس تايمز‘ عام ٢٠١٢ مقالاً بعنوان ’٢٠١٢ :عام تأميم الموارد؟‘، متساءلة ما إذا كان ٢٠١٢ العام التي ستسعى فيه الحكومات المضيفة إلى جني أرباح أكبر من قطاع آنذاك، كريستينا ّة النفط والغاز. وما أثار هذه المسألة كان قرار الرئيسة الأرجنتيني ّة التي تملكها شركة فرنانديز دي كيرشنر، بتأميم شركة ’واي بي أف‘ )YPF )النفطي رة قــرارهــا هـذا بأّنـه انـتصار لـ‘سيـادة الـطاقة‘ (’ذي ّ ــة، مــبــر ّ ’ربسول‘ الاسبــانــي إيكونوميست‘ ٢٠١3.)

 ّومنذ صيف ٢٠١4 ،دخلت سوق النفط العالمي تراجعت فيها أسعار النفط من ١٠٠ دولار للبرميل الواحد إلى أق ّل من 4٠ دولار للبرميل الواحد. وأّدى ذلك مجّدداً إلى طرح علامات استفهام حول احتمال دخول سياسة النفط المالّية مرحلة من التساهل. وبحسب ’إرنست أند يونغ‘ )٢٠١5،) ’في العقد الماضي، وخصوصاً في السنوات الخمس الماضية، قامت حكومات البلدان المصّدرة حول العالم باعتماد أنظمة مالية أو بتعديل أنظمتها المالية تدريجياً للاستفادة من أسعار النفط المرتفعة. وقد كشف الانخفاض الدراماتيكي في أسعار النفط نقاط الضعف في العديد من تلك الهيكلّيات الضريبّية، وهو ما دفع السلطات المعنّية إلى التركيز على إعادة النظر فيها‘. 

تأرجح البندول

يضطلع مستوى الأسعار بدور رئيسي في تحديد قدرة الأطراف التفاوضية. عادة عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، تكون الغلبة للحكومة. وعندما تسلك الأسعار الاّتـجـاه الـمـعـاكس، تميل كّفة الــمـيـزان إلـى جـهـة الشركـات. ّ رّد الفعل على علماً بذلك، إن تــراجــع الأسعــار لــيس واضحـاً بقدر تأثير ارتفاع الأسعار، بل هو أبطأ وأقل انتظاماً. بشكـل عـام، في الـفـتـرات التي تشهد تراجعاً في أسعار النفط، تكون فرص زيادة الضرائب محدودة؛ وقد تكون هناك ضرورة لعكس اتجاه زيادة الضرائب الانتهازية لضمان وجود نظام مالي ّة . غير أن البلد قد يحتاج إلى سنوات عّدة لعكس اّتجاه السياسات المالي ّ تنافسي بهدف جذب استثمارات جديدة (نخلة ٢٠١٠).

عاد ًة، عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، تكون الغلبة للحكومة. وعندما تسلك الأسعار الاّتجاه المعاكس، تميل ك ّفة الميزان إلى جهة الشركات

 وقد دفع تراجع أسعار النفط منذ منتصف العام ٢٠١4 بعض الحكومات إلى سلوك الاّتجاه المعاكس، خصوصاً في البلدان التي جاهدت لزيادة الإنتاج وجذب الحّد من نفاذ شركات ّة و الاستثمارات و/أو سارعت إلى تشديد شروطها المالي الفترات التي تشهد ارتفاعاً في ّة في اتها النفطي ّ إلى احتياطي ّة النفط الأجنبي عاد ًة، عندما تكون أسعار النفط مرتفعة، تكون الغلبة للحكومة. وعندما تسلك الأسعار الاّتجاه المعاكس، تميل ك ّفة الميزان إلى جهة الشركات ٦ ملخص سياسة عامة أسعار النفط. فأسعار النفط المنخفضة تؤّدي إلى تفاقم الوضع المتردي أص ًلا، وتدفع الحكومات القلقة إلى تطبيق تدابير صارمة للحؤول دون تدهور أكبر للوضع. فقد خّفضت كازاخستان مؤخراً الضريبة على صادرات النفط، وج ّمدت البرازيل رفع نسبة الإتاوات ّة عدم رت مقاطعة ألبرتا الكندي ّ ا قر ّة جديدة، فيم إتاوة نفطي للاستثمارات الجديدة ّة (’ذي إيكونوميست‘ ٢٠١٦ ،)واعتمدت كولومبيا حوافز مالي (كيلاس ٢٠١5.) 

وفي بحر الشمال – حيث بلغ الإنتاج أوجه في فترة من الفترات والذي يشهد تراجعاً م ّطرداً منذ فترة وحيث التكاليف مرتفعة – يتجّلى تأثير أسعار النفط بوضوح كبير. ففي العامين ٢٠١5 و٢٠١٦ ،أعلنت الحكومة البريطانّية تدابير عّدة في محاولة بما في ذلك تخفيض دائم في إحدى الأدوات ّة، للتعويض عن تراجع الربحي الضريبة على إيرادات البترول من 35 ٪إلى ٠ – ٪وتخفيض ّة – وهي الضريبي السياسة المعتمدة ّ عن الضريبة الاضافية من ٢٠ ٪إلى ١٠ ،٪وهو انعطاف جذري قبل عشر سنوات.

في الإطار نفسه، اقترحت الحكومة النرويجّية في ميزانّيتها للعام ٢٠١٦، تخفيض الضريبة على دخل الشركات ٢ ٪إلى ٢5 .٪ألا أنه بغية الحفاظ على ـة بـالـنسبـة إلـى النرويج، أعلنت ّ استـقـرار الـنـظـام الـمـالي، وهـو أمـر بـالـغ الأهـمـي الحكومة زيادة معدل الضريبة الخا ّصة على النفط المقابلة ٢ ٪إلى 53 .٪وما يثير الاهتمام هو أ ّن المملكة المّتحدة والنرويج اعتمدتا سياستين مختلفتين على الرغم مـن تشاركـهـمـا الـبـحـر نـفسه، حـيث أعـادت الـمـمـلـكـة الـمـّتـحدة النظر في نظامها ا، فيما حافظت النرويج ّة فيه ات النفطي ّ اراً وتكراراً منذ استهلال العملي ّ مر الضريبي على نظامها الضريبي الذي ُيعتبر من أكثر الأنظمة استقراراً في العالم.

رّد فعل عكسي

لا تعني هذه التغييرات، بالضرورة، أ ّن الشركات ستشهد ’سباقاً نحو القاع‘. فقد قّررت بعض البلدان عدم تليين شروطها المالّية، بل يسلك بعضها حّتى ً في البلدان التي تعارض بشكل واضح الاّتجاه المعاكس. هذا ما يحصل عادة تعاطف، وقد يقع ّ الخاصة للنفط، ما يعني أ ّن الشركات لا تحظى عاد ًة بأي ّة الملكي ّة. وفي البلدان التي تعتمد عليها اللوم في ما يتعّلق بتقّلص الأموال العام حكوماتها بشكل كبير على عائدات النفط والغاز وتشعر بالتالي بنقص في السيولة عندما تكون أسعار النفط منخفضة، قد تكون هناك حاجة إلى زيادة المعّدلات )كيلاس ٢٠١5 .)وُتعتبر روسيا من الأمثلة على ذلك. ففي كانون الثاني ّة الضريبي ّة ٢٠١٦ ،أعلنت الحكومة المفتقرة إلى السيولة النقدّية، إلغاء الامتيازات الضريبي التي تستفيد حقول كثيرة منها.

تشديد النظام الضريب ّي في الفترات التي ا في أسعار النفط، سياسة تشهد تراجعً قليلة التب ّصر ترّكز على زيادة الإيرادات قصيرة الأمد إلى أقصى حّد، لكّنها قد  تأتي بنتائج عكسية

وُيعتبر تشديد النظام الضريبي في الفترات التي تشهد تراجعاً في أسعار وُيعتبر تشديد النظام الضريبي النفط،، سياسة قليلة التب ّصر ترّكز على زيادة الإيرادات قصيرة الأمد إلى أقصى حّد، لكّنها قد تأتي بنتائج عكسّية، وهذا ما يحصل في أغلب الأحيان. فقد يتبلور تأثير هذه التغييرات على الإنتاج والاستثمار في مرحلة لاحقة، حيث أّنه غالباً ما يكون هناك تفاوت زمن ّي بين تغيير الشروط المالّية وتأثيرها على الأمد الأطول.

عندما تعود أسعار النفط إلى سابق عهدها، من المستبعد أن وبالتالي، حت تستفيد البلدان التي لم تش ّجع الاستثمارات الخا ّصة من إزدهار الاستثمارات الذي يرافق عادة الإرتفاع في أسعار النفط. وقد ُتجَبر هذه الحكومات أيضاً على تليين موقفها وتقديم تنازلات، حّتى في الفترات التي تكون أسعار النفط فيها مرتفعة. على سبيل المثال، إضطرت الجزائر، نتيجة سياستها المالّية غير المغرية في ـلـى الـرغـم مـن أسعـار النفط ّ ع الـعـقـد الـمـاضي، إلـى تـلـيـيـن نـظـامـهـا الضريـبي انون المحروقات وقّدمت ّة ق المرتفعة. ففي العام ٢٠١3 ،راجعت الحكومة الجزائري ّة إضافّية لتشجيع الأنشطة المرتبطة بالنفط والغاز الصخرّيين وأنواع حوافز ضريبي النفط والغاز، بالإضافة إلى الأنشطة التي تشمل الحقول ّة من أخرى غير تقليدي ات في المناطق التي لم يتم فيها التنقيب، بما في ذلك ّ ب الصغيرة، والترس الحقول في في عرض البحر،  والحقول ذات الجيولوجيا المعّقدة و/أو تلك التي تفتقر إلى البنية التحتية.

وبحسب كيلاس (٢٠١5 ،)يكون تأثير تغييرات السياسة المالّية واضحاً بشكل ّة الإنفاق كبير في مجال التنقيب، الذي هو ’المجال الأكثر استنسابّية في عملي في الشركات، وأول ما يتم فيه تقليص الإنفاق في أوقات الشّدة – وهو أيضاً الـــمـــجـــال الــذي يــكــون فــيــه ـة ّ ـة الشروط الـمـالـي ّ لــتــنــافسي ّ ذلك الـتأثـيـر الأكـبر‘. ويصح بشكل خا ّص إذا شملت عقود الإنـتـاج آلـيـات الـتـثبيت، وهي آلـيـات تـّتـخـذ أشكـاًلا مـخـتلفة، إبقاء ّ هو لك ّن هدفها الرئيسي ـة عـلـى حـالـهـا ّ الشروط الـمـالـي طيلة مّدة المشروع وضمان عدم تغيير الشروط المالّية أثناء دورة حياة المشروع. ّ آليات التثبيت في العقود تصون الأسس التي اتخذت بموجبها وبالتالي، فإن قرارات المستثمر(منصور ونخلة ٢٠١٦).

الفترات التي تكون فيها أسعار النفط منخفضة ّة في إ ّن تشديد الشروط المالي ّقة ّة على الشركات لكي تعيد النظر في بعض خططها المتعل يضع ضغوطاً إضافي ّى التراجع في أسعار النفط منذ صيف ّى إلغائها. لقد أد ّة وحت بالنفقات الرأسمالي ّة لـ ٦8 مشروعاً قائماً حالياً في مجال النفط ٢٠١4 إلى تخفيض التكاليف الرأسمالي والغاز في العالم بما يزيد عن 38٠ مليار دولار )أوسيك ٢٠١٦ .)ففي ظرف مماثل، المحدودة. ّة اردها المالي ّق بتخصيص مو ا يتعل ّة في م تصبح الشركات أكثر انتقائي في هـذا الإطـار، تـمـنـح أسعـار الـنـفـط الـمـنـخـفضة الشركـات الـنـفـطـّيـة قـدرة أكبر للتفاوض.

عوامل إضافي

ينبغي طبعاً التعامل مع أي تعميم بحذر. فمع أ ّن سعر النفط هو الدافع الرئيس ّي وراء تغيير مواقف الحكومات، إلا أّنه ينبغي النظر إليه إلى جانب عوامل أخرى. على سبيل المثال، إ ّن البلد الذي تكون فيه احتمالات نجاع عملّيات التنقيب مرتفعة ويتمّتع بقاعدة احتياطّية كبيرة، هو في موقف أقوى من البلد الذي يبقى )أو غيابها( سيشّجع ّ ة ـيـه مـرتـفـعـاً. وإّن تـوافـر الـبـنـية التحتي ّ ف الـخـطـر الـجـيـولـوجي ّع قبرص تقريباً بأي ّة بنية تحتي ّ المستثمرين )أو يثبت عزيمتهم(. مث ًلا، لا تتمت لاستثمار الاكتشافات الحالّية والمحتملة. وبالتالي، يبقى مستوى التنقيب متواضعاً في مياه الجزيرة مقارنة بمصر حيث استمرت وتيرة التنقيب مرتفعة نسبياً.في مياه الجزيرة مقارنة بمصر حيث استمرت وتيرة التنقيب مرتفعة نسبياً.

إ ّن البلد الذي تكون فيها احتمالات نجاع عملّيات التنقيب مرتفعة ويتمّتع بقاعدة  احتياطة كبيرة، هو في موقف أقوى من البلد الذي يبقى الخطر الجيولوجي فيه مرتفعاً

ً

بالإضافة إلى ذلك، إ ّن ق ّوة شركة النفط الوطنية ووضعها المالي يحّددان أيضاً ما إذا كانت الحكومة سترحب أكثر بالمستثمرين. أجرت الحكومة المكسيكية إصلاح كبير في مجال الطاقة في كانون الأول ٢٠١3  قضى بتغيير الدستور الذي ح ّظر طيلة 75 سنة الاستثمارات الخا ّصة في قطاع النفط منذ أن أ ّمم الرئيس زارو كارديناس ّ لا المكسيكي هـــذه الصنــاعــة عــام ١938. وضعت عـــمـــلـــّيــة الإصلاح الـجـديـدة حـّداً لاحـتـكار شركة النفط التابعة للدولة والغارقة في الــــديــــون ’بيتروليوس مكسيكانوس‘ )’بيمكس‘(، والتي كانت تملك الح ّق الحصر ّي للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما وتكريرهما ومعالجتهما.

ينبغي أيضاً النظر إلى تركيبة النظام المالي الخا ّص بالنفط. فالأنظمة القائمة ّرة، بما في ذلك تقّلبات ّ مع الظروف المتغي ً بشكل تلقائي على الربح تتكّيف عادة المشاريع، ّة بحسب ربحي ّر ّنها تتغي ّة لأ الأنظمة تقدمي ّ ى هذه أسعار النفط. وتسم خلافاً للأنظمة القائمة على الإيرادات بشكل كبير. بالإضافة إلى أنه، بموجب أكانت عبارة عن اّتفاق لتشارك الإنتاج أو أكثر في حال اّتفاق ّة – الترتيبات التعاقدي خدمة – تكون الحكومة معّرضة أكثر لخطر تقّلب أسعار النفط مقارنة بأنظمة ا الشركات وحدها خطر الأسعار بكامله. ّ ل فيه الامتيازات التي تتحم يستخدم العراق مث ًلا اّتفاقات خدمة يحصل المتعاقد بموجبها على رسم ثابت على البراميل المنَتجة – رسم الخدمة – وقيمته دولاران اثنان للبرميل كحّد أقصى، بغ ّض النظر عن سعر النفط، وذلك للعقود المو ّقعة خلال المناقصتين الأولتين في العامين ٢٠٠9 و٢٠١٠ .وتعتبر الحكومة هذا النوع من العقود سيفاً ذا حّدين. فمن جهة، تضمن هذه العقود للحكومة ح ّصة من قيمة المشروع تتعّدى نسبتها 9٠ .٪ومن جهة أخرى، تعّرض الحكومة بشكل كامل لخطر سعر النفط الذي يصبح تبر ُع أكبر مع انخفاض الأسعار. ويبرز ذلك بشكل خا ّص في بلد مثل العراق الذي ي من البلدان الأكثر اعتماداً على النفط في المنطقة، والذي يؤ ّمن فيه القطاع أكثر من 9٠ ٪من الإيرادات الحكومّية وعائدات الصادرات. ولقد أعادت وزارة النفط النظر في شروط بعض العقود بعد تراجع اسعار النفط، وذلك في محاولة ّة العراقي الية الدولة. ّ على م لتخفيف العبء المالي على مالية الدولة. 

لاستنتاجات الخاصة بلبنان

تبين هذه ’الجولة حول العالم‘ أن مستوى أسعار النفط يلعب دور أساسي في تحديد قدرة الحكومات المضيفة والشركات على التفاوض. 

اليوم، يجد لبنان نفسه في موقع أضعف م ّما كان عليه قبل بضع سنوات أو مقارنة بالدول المجاورة

واليوم، يجد لبنان نفسه في موقع أضعف مّما كان عليه قبل بضع سنوات أو مـقـارنـة بـالـدول الـمـجـاورة لـه. فــــعـــدم وجـــود اكـــتشافـــات، وغياب البنية التحتّية، والجمود التأخير في اتخاذ ّ، و السياسي ّ – الـقـرارات، والـخـطـر الأمني وهي عوامل كانت موجودة قبل انهيار أسعار النفط – يغدو أكثر سلبّية عندما تنخفض أسعار النفط بالنسبة للحكومة. لذا، ينبغي أخذ هذا الواقع بالاعتبار عند إطلاق جولة التراخيص الأولى في البلاد.

تتبع أسعار النفط استراتيجية مضنية وغير فّعالة بما أ ّن النفط هو سلعة يتاجر بها دولّيًا لطالما كان تقّلب الأسعار على المدى القصير المعيار فيها، وسيبقى كذلك على الأرجح

على أن ذلك لا يعني بالضرورة أن على الحكومة الانتظار حّتى ترتفع أسعار الضوء ّط النفط من جديد طالما أن هذا الأمر قد يستغرق بعض الوقت، لكّنه يسل على أهمّية تصميم النظام المالي في لبنان الذي يبنغي له أن يكون تنافسّياَ على الصعيد الدول ّي ومتوازناً بشكل يقّدم حوافز كافية إلى ـبـاتها ّ الشركـات لـتـلـبـيـة مـتـطـل المنافع نسبة إلى ّقة ب المتعل المخاطر، من دون إلحاق الضرر بالحكومة عند ارتفاع الأسعار. ّف تلقائياً مع وبإمكان نظام تقدم ّي تحقيق هذه الأهداف، خصوصاً أّنه يتكي ّ ُع . وي ّرة الظروف المتغي تبر تتبع أسعار النفط استراتيجّية مضنية وغير فّعالة بما أن الأسعار على المدى القصير ّب اً لطالما كان تقل ّ النفط هو سلعة يتاجر بها دولي المعيار فيها، وسيبقى كذلك على الأرجح. 

مراجع

Ausick, P. 2016. ‘Which Oil Companies Are Cutting Capex Most?’ 24/7 WallSt., January 14.

Clarke, M., and T. Cummins. 2012. ‘Resource Nationalism: A Gathering Storm?’ International Energy Law Review, Issue 6.

Kellas, G. 2015. ‘Do Lower Oil Prices Lead To Lower Oil Tax Rates?’ Wood Mackenzie, 8 December.

Mansour, M., and C. Nakhle. 2016. ‘Fiscal Stabilization in Oil and Gas Contracts: Evidence and Implications.’ Oxford Institute for Energy Studies, January

Nakhle, C. 2010. ‘Petroleum Fiscal Regimes: Evolution and Challenges’, in Philip Daniel, Michael Keen and Charles McPherson (eds), The Taxation of Petroleum and Minerals: Principles, Problems and Practice. IMF, Washington.

Papchenkova M., and D. Pinchuk. 2016. ‘Russian Finance Ministry Readies for Fight with Big Oil over Tax.’ Reuters, 29 January.

Minto, R. 2012. ‘2012: The Year of Resource Nationalism?’ Financial Times, 18 January.

Stevens, P., J. Kooroshy, G. Lahn, and B. Lee. 2013. ‘Conflict and Coexistence in the Extractive Industries.’ Chatham House.

Ward, H. 2009. ‘Resource Nationalism and Sustainable Development: a Primer and Key Issues.’ Working Paper, iied.

المراجع غير المنسوبة إلى مؤلف

‘Barking Louder, Biting Less.’ 2007. The Economist, 8 March.

Energy Information Administration (EIA) www.eia.gov.

Ernst & Young. 2015. ‘Global oil and gas tax guide 2015’, EY http://www.ey.com/GL/en/Industries/Oil---Gas/EY-2015-global-oil-andgastax-guide.

‘Flogging a Dead Cow.’ 2013. The Economist, 27 July

HM Treasury. 2014. ‘Review of the oil and gas fiscal regime: Call for evidence,' UK.GOV.

KPMG. 2015. ‘Norway: Budget 2016, petroleum tax proposals, interest deduction rules Norway: Budget 2016, Petroleum tax, Interest Deduction.’ 8 October.

‘Oiling the Wheels.’ 2016. The Economist, March 19.

Republic Of Liberia. 2012. ‘National Petroleum Policy.’

Wood Mackenzie. 2008. ‘Fiscal Storms Perspective.’ May.

تم نشر هذا المقال في  المركز اللبناني للدراسات.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.