المصدر: Getty

استفتاء السودان: ولادة دولة جديدة؟

فيما يُتوَقَّع أن يُجرى الاستفتاء القادم في السودان بسلاسة إلى حدّ ما، لا يزال خطر اندلاع العنف يلوح في الأفق في ظلّ مخاوف مباشرة حيال تقاسم عائدات النفط، والحدود التي تنتظر الترسيم، ووضع سكان الجنوب القاطنين في الشمال حالياً.

نشرت في ٥ يناير ٢٠١١

من المتوقّع على نطاق واسع أن يصوّت السودانيون الجنوبيون لصالح الاستقلال - ماسيُفضي إلى تقسيم أكبر دولة في أفريقيا والعالم العربي إلى دولتين - في استفتاء يوم 9 كانون الثاني/يناير. كان الهدف من الاستفتاء أن يكون تتويجاً لعملية سلام تُنهي عقوداً من الصراع بين الشمال والجنوب، بيد أن ثمة مخاوف من أن التوترات الباقية يمكن أن تتحوّل إلى عنف.

في سؤال وجواب جديد، تصف مارينا اوتاوي بالتفصيل الاستفتاء والتحدّيات التي ستواجه كلاً من الشمال والجنوب، بعد أن تتّضح النتائج. تقول أوتاوي إنه في حين يُتوقّع أن يجري الاستفتاء بسلاسة نسبياً، فإن التهديد باستخدام العنف يلوح في الأفق، في ظلّ وجود قلق مباشر بشأن تقاسم عائدات النفط، والحدود التي لم يتم ترسيمها حتى الآن، والجنوبيين الذين يعيشون حالياً في الشمال. كما أن ولادة دولة جديدة يمكن أن تشكّل سابقة تكون لها آثار على بقية القارة الأفريقية.

ماهو على المحك في الاستفتاء في السودان؟

السودانيون الجنوبيون، سواء كانوا يعيشون في الجنوب أو في الشمال، أو بأعداد كافية في الخارج، سيصوتون بشأن ما إذا كانوا يرغبون في الانفصال عن الشمال. ويمثّل التصويت الاختيار بين الاستقلال أو البقاء جزءاً من السودان بترتيبات مماثلة لتلك الموجودة اليوم، أي اتحاد غير متكافئ يتمتّع الجنوب فيه بدرجة من الحكم الذاتي، لكنه يتمتّع أيضاً بالتمثيل في حكومة الوحدة الوطنية. ولايشارك السودانيون الشماليون في الاستفتاء.

كان من المقرّر إجراء تصويت مُوازٍ في منطقة أبيي المُتنازَع عليها والغنية بالنفط على طول الحدود بين الشمال والجنوب ودارفور المتاخمة، ولكن تم تعليقه في هذه المرحلة. من الناحية النظرية، لم تكن الاستعدادات مُتقدّمة بما يكفي لإجراء التصويت هذا الشهر، لكن الواقع هو أن الحكومة في الشمال لاتريد للاستفتاء في أبيي أن يتمّ. فأبيي منطقة تقع إلى الشمال مباشرة من الحدود التاريخية بين الشمال والجنوب، لكنها قد تصوِّت لصالح الانضمام إلى الدولة الجديدة في الجنوب. وإذا ماوضعنا هذا في اعتبارنا، فإن ثمة شكوكاً بأن الشمال قد يسمح في يوم ما بإجراء استفتاء في أبيي نظراً إلى ثروتها النفطية العزيزة.

من شبه المؤكّد أن يصوّت شعب جنوب السودان لصالح الانفصال عن الشمال، وهو ماسيمثّل بداية لعملية معقّدة لإقامة دولة أفريقية جديدة.

ما تاريخ الصراع بين الشمال والجنوب؟

ثمة تاريخ طويل من الصراع بين الشمال والجنوب في السودان. ومن الهام أن نضع في اعتبارنا أن في الشمال والجنوب أعراقاً وأدياناً مختلفة، الشمال عربي ومُسلِم أساساً، في حين أن الجنوب أفريقي ومسيحي أساساً. ولسنوات عديدة أدّت الفروق الثقافية والعرقية والدينية إلى تعقيد العلاقات بين الجانبين.

يعود تاريخ التوتر بين الشمال والجنوب إلى الأيام التي سبقت الاستعمار. ومما زاد من تجارة الرقيق قيام المغيرين من الشمال بأسر الناس في الجنوب. وخلال الفترة 1899-1955، عندما كان السودان خاضعاً إلى إدارة مصرية-بريطانية مشتركة، اعتمدت بريطانيا سياسة عزل الجنوب عن بقية البلاد. لذلك، عندما حصل السودان على استقلاله كبلد واحد في العام 1956، وجد الجانبان، اللذان ظلا معزولين لفترة طويلة، نفسيهما معاً فجأة من دون أدنى استعداد لذلك. الحرب الأهلية تعود الى هذه الفترة.

جرت أول محاولة لوقف القتال والتفاوض على حلّ في اتفاق أديس أبابا للسلام الذي تمّ توقيعه في العام 1972. أدّى الاتفاق إلى وقف الحرب لمدة عشر سنوات، لكن العلاقات بين الشمال والجنوب تعقّدت بسبب التغيرات التي حدثت في الشمال. ثمة عاملان اثنان أدّيا إلى استئناف الحرب الأهلية، هما الأسلمة المتزايدة في الشمال، ولاسيما قرار جعفر نميري، الذي كان رئيساً آنذاك، بفرض الشريعة الإسلامية، والتغييرات التي أُدخِلَت على بعض أحكام اتفاق السلام، التي تسبّبت بفقدان الجنوب بعض التمثيل في الحكومة الشمالية.

استمرّ الصراع، الذي أسفر في نهاية المطاف عن مقتل أكثر من مليوني شخص، حتى توقيع اتفاق السلام الشامل في كانون الثاني/يناير 2005، أي قبل ستّ سنوات بالضبط. اتفاق السلام الشامل هو في الواقع مجموعة من الاتفاقات التي تم التوصّل إليها على مدى سنتين ويتضمّن اتفاقاً لوقف إطلاق النار ونظاماً لتقاسم السلطة والثروات بين الشمال والجنوب.

تضمّن اتفاق السلام الشامل أحكاماً شاملة بشأن الحكم الذاتي في الجنوب، وتمثيل الجنوب في حكومة الوحدة الوطنية، وعملية معقّدة لإقامة مؤسسات ديمقراطية. ومع ذلك، لم تعمل الأحكام الديمقراطية كما كانت مُصمَّمةً أصلاً، إذ لم تتم الانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في ظلّ النظام الجديد حتى نيسان/أبريل 2010، وكان كل من الشمال والجنوب يحكمان من قبل أنظمة ذات حزب واحد. يُهيمِن حزب المؤتمر الوطني على الشمال، فيما تسيطر الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان على الجنوب، وهي حركة التمرد التي تحوّلت إلى حزب سياسي.

انقطع الأمل في أن يجذب النظام الذي اتُّفِق عليه في العام 2005 الجنوب كي يبقى جزءاً من السودان بسبب حقيقة أنه لم يعمل كما كان يفترض. وقد مرّت السنوات الستّ المقرّرة بين اتفاق السلام الشامل والاستفتاء، والآن يجب أن يختار الجنوب بين الوحدة والانفصال.

هل يرجّح أن يمضي الاستفتاء قدماً كما هو مخطط له؟ ما النتيجة المتوقّعة؟

أصبح من المرجّح أكثر فأكثر أن يجري الاستفتاء كما نصّ عليه اتفاق السلام الشامل، باستثناء التصويت في أبيي. وقد تم تسجيل الناخبين، وهناك وجود دولي قوي على الأرض. تشارك في تنظيم الاستفتاء المنظمات والبلدان التي كانت وراء مفاوضات اتفاق للسلام في العام 2005، وهي ستساعد على أن تمضي عملية التصويت قدماً من دون حدوث نكسات كبيرة.

ثمة إجماع ساحق على أن الجنوب سيصوّت لصالح الانفصال. والسؤال هو ماذا سيحدث في اليوم التالي للتصويت، المضاعفات المحتملة لانهاية لها، حيث سيكون الجانبان في حاجة إلى التفاوض على توزيع عائدات النفط والمياه والحدود الرسمية، والمواطنة ونزع السلاح والقضايا الأمنية الأخرى. وإذا ماصوًت الجنوب لصالح الانفصال وتحقق الاستقلال الكامل بعد ستة أشهر في 9 تموز/يوليو 2011، فإن أحكام اتفاق السلام الشامل تصبح لاغية وباطلة، وينبغي أن يحل اتفاق جديد تماماً مكانه.

مامدى أهمية الخلافات حول المناطق المُنتِجة للنفط الأكثر ربحاً؟

مسألة النفط بالغة الأهمية. ففي حين ليس ثمة ودّ مفقود بين الشمال والجنوب، فإن الثروة النفطية تضمن عدم رضا الحكومة المركزية عن انفصال الجنوب. وبخلاف النفط، الجنوب هو الجزء الأكثر فقراً من البلاد، وبالنسبة إلى حكومة شمالية تريد تطبيق الشريعة، يمثّل الجنوب عامل تعقيد. سيرغب الشمال، من نواح كثيرة، في التخلّص من الجنوب، لكن في ظلّ وجود معظم النفط في البلاد في الجنوب، فإن ذلك يغيّر حسابات الخرطوم.

يعتمد الجنوب اعتماداً كلياً على عائدات النفط، حتى أن النفط يمثل قسماً كبيراً من عائدات الشمال. وهناك درجة من الاعتماد المتبادل. الجنوب لديه غالبية حقول النفط المربحة، ولكن الشمال يسيطر على خطوط الأنابيب.

سيضطرّ الجنوب إلى التفاوض على صفقات جديدة لأنه سيكون بلداً غير ساحلي. فخط الأنابيب الذي ينقل النفط إلى خارج البلاد إلى المصافي (لاتوجد مصاف في الجنوب، بل هي موجودة في الشمال فقط) وميناء التصدير الدولي، يمر عبر الشمال. من الناحية النظرية، يمكن بناء خط أنابيب عبر كينيا، ولكن هذا الأمر معقول على المدى الطويل فقط. وحتى لو أصبح بناء خط أنابيب قابلاً للحياة اقتصادياً، فهو لايمثّل حلاً فورياً.

يتضمّن اتفاق السلام الشامل أحكاماً تفصيلية بشأن كيفية تقاسم عائدات النفط بين الشمال والجنوب. وتحدّد بنود اتفاق السلام الشامل الكيفية التي من المفترض أن يتم تقاسم النفط من خلالها. وهي تضمن أن تخصّص نسبة 2 في المئة من عائدات النفط للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضرّرة مباشرة من انتاج النفط، هؤلاء هم الأشخاص الذين يتأثّرون في العادة سلباً لأنهم يفقدون أراضيهم. ويتم توزيع النسبة الباقية بالتساوي بين الشمال والجنوب. ستكون هناك حاجة لإعادة التفاوض حول تقاسم هذه الإيرادات، بغض النظر عن نتيجة التصويت لأن الاتفاق ينتهي في تموز/يوليو المقبل.

مامدى أهمية السيطرة على المياه في السودان؟

المياه من المسائل الهامة أيضاً، ففي حين لاتُعَدّ مسألةً ضاغطةً بشكل مباشر كالنفط، فإنها ستكون مسألة طويلة الأجل تحتاج إلى مراقبة. نهر النيل له فرعان. النيل الأبيض يأتي من أوغندا ويعبر جنوب السودان، والنيل الأزرق يأتي من إثيوبيا ولكنه لايعبر الجنوب، ويلتقي النيلان الأبيض والأزرق في الخرطوم.

عندما يصل نهر النيل إلى الخرطوم فإن معظم مياهه تأتي من النيل الأزرق وروافده، فيما تتبخّر كمية كبيرة من مياه النيل الأبيض في مستنقعات "السُدّ" الشاسعة في الجنوب. وبما أن إثيوبيا تتطور، فإنها ستستخدم المزيد من المياه، وستكون لهذا آثاره على السودان ومصر. إثيوبيا لها الحقّ في استخدام المزيد من المياه، ولكن من شأن ذلك أن يقلّل من تدفّق المياه. ومن شأن مشروع تجريف مستنقعات "السُدّ"، الذي كان قد بدأ لكنه أوقف بسبب الحرب، أن يزيد من توافر المياه في الشمال، لكن سيكون له أثر سلبي على السكان المحليين.

هذا يعني أن العلاقة بين الشمال والجنوب تصبح أكثر أهميةً من حيث توافر المياه في نهاية الأمر.

ماحجم مشكلة الحدود التي لم ترسّم بعد بين الشمال والجنوب؟

ستكون الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب مصدراً رئيساً للصراع. ففي حين توجد حدود تاريخية تمتدّ أساساً على طول الخط الذي أنشأه البريطانيون خلال حقبة الاستعمار، لم يتم ترسيم بعض المساحات بوضوح. علاوة على ذلك، ثمة مصادر إضافية لصراع محتمل.

الكثير من حقول النفط العاملة في هذه المرحلة تقع بالقرب من الحدود. وموقعها هذا يجعل من السهل على الحكومة الشمالية أن تحاول الإبقاء على سيطرتها عليها. هناك أيضاً أشخاص يعيشون في الشمال على طول الحدود - في جبال النوبة وفي جنوب كردفان، والجزء الجنوبي من النيل الأزرق - والذين ربما يفضّلون أن يكونوا جزءاً من دولة جديدة في الجنوب. وفي حين تركّزت المعارك خلال الحرب الأهلية في الجنوب، فإنها امتدّت إلى هذه المناطق. وأخيراً، هناك السكان الرحل الذين ينتقلون بشكل روتيني بين الشمال والجنوب. من الممكن استيعاب احتياجاتهم في حال ظلّت الحدود لينة، لكن الخلافات بين الشمال والجنوب قد تجعل ذلك صعباً.

قد تحاول الحكومة التمسك بحقول النفط والعائدات التي تولدها، وقد يحاول الجنوب تكريس وجود له في كل من جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق.

ماهو التهديد بالعنف؟ هل يمكن أن تندلع حرب أهلية أخرى أم يتم تشريد الناس؟

للأسف لايزال العنف احتمالاً وارداً، لكنه لن يكون بالضرورة عودة إلى الحرب الأهلية. وعلى الرغم من دعوات التسريح ونزع السلاح وإعادة إدماج المقاتلين في اتفاق السلام العام 2005، فإن كلا الطرفين مسلحان بشكل جيد، ويمكن أن يستأنفا القتال.

الخطر الأكثر إلحاحاً هو العنف ضد السودانيين الجنوبيين في الشمال، ولاسيما الخرطوم. وهناك بالفعل عدد كبير من الأشخاص الذين يعودون إلى الجنوب بسبب الخوف من العنف بعد الاستفتاء.

بعد الاستفتاء، ثمة خطر من أن تطلب الخرطوم من الجنوبيين في الشمال العودة إلى ديارهم، وهذا سيكون عبئاً هائلاً على الجنوب. وبغض النظر عما تقوله الحكومة، فقد ينقلب سكان الشمال على الجنوبيين ويهاجمونهم. وللأسف، تماماً كما رأينا في منطقة البلقان، يمكن لتقسيم بلد أن يؤدّي إلى عمليات تطهير عرقي وإعادة غير منضبطة للاجئين إلى بلدانهم.

ما الدور الذي يؤدّيه المجتمع الدولي؟ هل يغيّر الاستفتاء المكانة الدولية للسودان؟

البلدان والمنظمات التي شاركت في المفاوضات بشأن اتفاق السلام الشامل، ولاسيما الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والدول الأوروبية الأخرى، مقتنعون بأن الجنوب سينفصل وهم يستعدّون لتقديم المساعدة إلى بلد جديد في الجنوب. وسيواصل هؤلاء لعب دور إيجابي ويتوسّطون لإجراء محادثات بشأن تقاسم عائدات النفط.

ذكرت التقارير أن الولايات المتحدة قالت إنه سيتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إذا ما احترم اتفاق السلام، بيد أن قدرة واشنطن على تقديم إغراءات إلى الخرطوم محدودة نوعاً ما بسبب اتهامات المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني عمر حسن البشير بالمسؤولية عن الفظائع التي ارتكبت في دارفور. كما أن من المرجّح أن يلعب الرئيس البشير بالورقة الإسلامية بعد الاستفتاء، وهو ما لاتودّ اشنطن أن تراه.

من غير الواضح كيف سيكون رد فعل جيران السودان كافة. ففي حين حاولت بعض الدول العربية، مثل قطر، لعب دور الوسيط، فإن معظم الدول العربية لن تكون سعيدة بانفصال بلد عضو في جامعة الدول العربية.

ثمة احتمال أن تزداد حدّة التوتر تتسبّب فيها البلدان المجاورة. إثيوبيا وكينيا وأوغندا سترحب بالدولة الجديدة في الجنوب كدولة أفريقية جديدة وتقيم علاقات وثيقة مع جوبا (عاصمة الجنوب). وستظلّ مصر لاعباً هاماً في الخرطوم. ومن الممكن أيضاً أن تدعم إسرائيل الجنوب بالطريقة نفسها التي احتضنت بها دائماً دولاً غير عربية في محيط العالم العربي.

إذا اختار الجنوب الانفصال، ما التحديات التي سيواجهها البلد الجديد؟ هل ستكون الدولة الجديدة ضعيفة بشكل خطير؟

سيواجه الجنوب صعوبةً في إيجاد مصادر دخل كافية لإدارة الحكومة، لاسيما إذا لم يتوصّل الجانبان إلى اتفاق على اقتسام عائدات النفط. في هذه المرحلة، يعتمد الجنوب كلياً على النفط – مايعني أيضاً أنه يعتمد على خطوط الأنابيب التي تمرّ عبر الشمال – وهو مُثقَل ببنية تحتية ضعيفة. والطرق المعبّدة قليلة ومتباعدة خارج جوبا.
المتفائلون يقولون إن الجنوب يتمتّع بإمكانات هائلة، وسيستفيد من الاستثمارات الدولية الإضافية، حيث تعيش جوبا بالفعل مرحلة ازدهار بأعمال البناء الجديدة. وفي حين يبدو من المؤكّد أن جوبا ستتطور بمساعدات المانحين التي توفّر فرص عمل جديدةً، لن يكون هذا هو الحال في كل مكان. وقد يحتاج الجنوب أيضاً إلى استيعاب تدفّق الجنوبيين الذين يعيشون حالياً في الشمال، وسيفقد العائدات الناتجة عن التحويلات القادمة من هؤلاء العمال. وإذا ما اندلعت الحرب، فإن الجنوب سيكون في حاجة إلى إنفاق ميزانيته الضئيلة على الجيش.

ثمة أمل يلوح في الأفق حيث يكتشف الجنوب النفط إلى الجنوب من الحدود، ولكن لاتوجد إلى الآن أي بنية تحتية لتقديم حلّ سريع. وستكون البداية الاقتصادية للجنوب صعبة للغاية.

كيف ستؤثّر النتيجة على بقية السودان؟ وهل سيؤثّر ذلك على الوضع في دارفور؟

من الهام أن نضع في اعتبارنا أنه إذا انفصل الجنوب فلن يكون هناك بلد واحد بل بلدان جديدان. بعد الاستفتاء، سيكون الشمال بلداً مختلفاً. من المرجّح أن يطبّق الشمال الشريعة الاسلامية فوراً، وسيؤكّد هويّته الإسلامية بقوة متجدّدة.

وضعت واحدة من المحاولات الرامية إلى تحقيق وحدة السودان الخطوط العريضة لنظام لن تسري الشريعة الإسلامية فيه إلا على المسلمين، ولكن هذا الحلّ الوسط لن يكون مطروحاً عندما ينفصل الجنوب. وسيزيد الاستخدام الأكثر صرامة للشريعة من احتمال حصول هجرة جماعية للسودانيين الجنوبيين الذين يعيشون اليوم في الشمال.

من المرجّح أن يتقرب شمال السودان من مصر أكثر، وربما ليبيا والعالم العربي عموماً. فلطالما اعتبرت مصر السودان منطقتها الخلفية، حيث تتدفّق مياه نهر النيل عبر جارتها الجنوبية، لذلك ستقوم مصر بدور نشط في مايحدث في الشمال. بعد انقسام السودان، ستتطلّع القاهرة بلا شك إلى تعزيز علاقاتها مع الخرطوم.

مايحدث بين الشمال والجنوب ستكون له أيضاً انعكاسات في دارفور. فمنذ العام 2003، قتل آلاف الأشخاص في أعمال العنف في دارفور، المنطقة الغربية من شمال السودان، وتم تشريد ملايين آخرين. وحتى مع وجود وقف هش لإطلاق النار وقّعته بعض الحركات - لكن ليس كلها - فإن الحرب لاتزال مستمرة. ومن المرجّح أن يؤدّي انفصال الجنوب إلى تجدّد التوتر في دارفور.

ما أهمية التصويت؟

الاستفتاء هام لأنه يمثّل نهاية محاولات تصميم نظام يمكنه استيعاب الشمال والجنوب. كان الهدف من اتفاق السلام الشامل جعل التعايش بين شطري البلاد ممكناً. ولذا فإن التصويت لصالح الانفصال يعني أن اتفاق السلام الشامل فشل.

ويمثّل الاستفتاء أيضاً اعتراف المجتمع الدولي - المناوئ تاريخياً لتقسيم البلدان - بأنه لايوجد حلّ آخر. وهو يشكّل سابقة قد تكون لها آثار بالنسبة للبلدان الأفريقية الأخرى المقسمة، بما في ذلك نيجيريا والكونغو (ناهيك عن دارفور). فمنذ نهاية حقبة الاستعمار كانت إريتريا هي البلد الوحيد الذي انفصل في أفريقيا، ولكن هذا حدث نتيجة الحرب أساساً، حيث تمكّنت إريتريا من هزيمة إثيوبيا عسكرياً. وسيكون استقلال الجنوب الذي لامفرّ منه أول انفصال يتم في أفريقيا عن طريق الاستفتاء، ومن المأمول أن يتم من خلال الوسائل السلمية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.