المصدر: Getty
مقال

الحجاب في إيران: من رمز ديني إلى سياسي

قد يقود نضال النساء من أجل حرية الاختيار إلى تغيير إيجابي في إيران، وربما يهيئ فرصة لتحقيق إصلاحات طال انتظارها بالنسبة للإيرانيين.

 رفيعة الطالعيسارة بازوباندي, و نيما خورامي
نشرت في ١٣ أكتوبر ٢٠٢٢

دفعت وفاة مهسا أميني في 16 أيلول/ سبتمبر، بعد اعتقالها بثلاثة أيام من قبل شرطة الأخلاق في طهران، إلى انتشار احتجاجات غير مسبوقة في إيران من حيث اتساع رقعتها الجغرافية التي امتدت إلى مدن خارج طهران، منها المدن الكردية، حيث تنتمي أميني. ومن حيث حجم المشاركة الشعبية التي شملت نساء ورجالا من مستويات اجتماعية وتعليمية متنوعة.  

مع انتشار هذه الاحتجاجات، انتشرت مقاطع فيديو لنساء يقصصن شعورهن ويحرقن الحجاب تعبيرا عن احتجاجهن لما حدث لمهسا أميني، واعتراضا على ممارسات شرطة الأخلاق التي تفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. لكن حرق الحجاب وقص الشعر لم يتوقف عند كونه رفضا لإجبار النساء على ارتداء ما تراه السلطات مناسبا أو غير مناسب، بل تحول إلى رمز يطالب النظام الإيراني بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. 

تتناول هذه المناقشة، التي تنشرها صدى في مقالين، موضوعين مهمين في سياق الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ منتصف أيلول/ سبتمبر وتستمر في أسبوعها الخامس. الموضوع الأول هو حق المرأة الإيرانية في حرية الاختيار في مقال تكتبه سارة بازوباندي، والمقال الثاني يكتبه نيما خورامي والذي يعتبر الأحداث الراهنة فرصةً فريدة للدفع باتجاه تغيير إيجابي في إيران. 

تناقش سارة بازوباندي أن نضال النساء من أجل حرية الاختيار قد بدأ قبل عشرات السنوات من الاحتجاجات الأخيرة التي سببتها وفاة مهسا أميني قائلة إنه عقب إعلان آية الله الخميني في العام 1979 أنه لن يُسمَح للنساء بالدخول إلى أماكن العمل إلا إذا التزمن بارتداء الحجاب، خرجت الإيرانيات إلى الشارع احتجاجًا على انتهاك حريتهن في الخيار. وقد تعرضت المتظاهرات لهجمات عنيفة من القوات الموالية للثورة الإسلامية التي تحوّلت لاحقًا إلى شرطة الأخلاق – وهو الجهاز الذي اعتقل مهسا أميني مؤخرا. وتجادل سارة في مقالها أن رفض المحتجين الإيرانيين للحجاب حاليًا لا يعني بالضرورة رفض الإسلام أو القيم الإسلامية. 

غير أن نيما خورامي يجادل بأن هذه الاحتجاجات الجارية في المدة الإيرانية حاليا تختلف عن مثيلاتها في ثلاثة أمور مسائل، الأول يتمثل في الدور البارز الذي تؤدّيه المرأة في قيادة المعركة من أجل التغيير.   أما الثاني فهو اتساع رقعة انتشار الاحتجاجات الحالية التي لم تقتصر على الطبقة الوسطى أو خرّيجي الجامعات. فبعدما كانت الطبقة العاملة ناشطة في تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في الأعوام الأخيرة، تحظى الاحتجاجات الحالية بدعم المشاهير من الرياضيين والفنانين، ومن تجّار أثرياء. أما الاختلاف الثالث فهو أن الاحتجاجات لا تقتصر على المدن الكبرى، بل إن المدن الصغيرة تحوّلت إلى مراكز رئيسة للاحتجاجات. خورامي يقول إنه تحقيق أي تغيير في إيران يتطلب تقديم مساعدات مباشرة وغير مباشرة إلى الإيرانيين في نضالهم ضد النظام. 

الحجاب والنضال من أجل الحقوق في إيران

سارة بازوباندي

تندرج الاحتجاجات الأخيرة في إيران في إطار نضالٍ من أجل الحرية تخوضه الإيرانيات على امتداد عقود.

في الأسابيع الأخيرة، أثار مقتل مهسا أميني خلال احتجازها بتهمة "ارتداء حجاب غير لائق" كما يُزعَم، سخط الإيرانيين وأشعل شرارة جولة جديدة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد. ولكن نضال النساء الإيرانيات بوجه قواعد اللباس التي تفرضها الدولة بدأ في عام 1979. في الواقع، سارع آية الله الخميني، بعيد تنصيبه القائد الرسمي للجمهورية الإسلامية، إلى التطرق إلى مسألة لباس المرأة، معلنًا أنه لن يُسمَح للنساء بالدخول إلى أماكن العمل إلا إذا التزمن بارتداء الحجاب.

ما إن نُشِر خطاب الخميني في آذار/مارس 1979 حتى نزلت الإيرانيات إلى الشارع احتجاجًا على انتهاك حريتهن في الخيار. وقد تعرضت المتظاهرات لهجمات عنيفة من القوات الموالية للثورة الإسلامية التي تحوّلت لاحقًا إلى شرطة الأخلاق – وهو الجهاز الذي اعتقل مهسا أميني الشهر الفائت. نتيجةً للاحتجاجات الأولى ضد قواعد اللباس التي فرضتها الدولة، تعرضت النساء اللواتي رفضن إلزامية الحجاب للتهميش الاجتماعي والاقتصادي طوال سنوات. وخسرت أعداد كبيرة من الإيرانيات المثقّفات، منهن طبيبات وممرّضات ومعلّمات، وظائفهن بسبب مشاركتهن في تلك الاحتجاجات الرائدة.

علاوةً على ذلك، حُرِمت إيرانيات كثيرات من حقهن في متابعة تحصيلهن العلمي أو العودة إلى العمل، بتهمة اعتماد "قواعد لباس غير ملائمة" كما يُزعَم، حتى قبل الثورة الإسلامية، إذ قام مؤيّدو الثورة بتتبّع المعلومات عن أنماط عيش النساء قبل عام 1979. حتى إن النساء عوقِبن بسبب الخلفيات السياسية لأقاربهن الذكور. على سبيل المثال، لم يُسمَح لفتيات إيرانيات كثر، كان آباؤهن عناصرا في الجيش الإيراني قبل الثورة، بارتياد الجامعة أو الحصول على وظيفة.

والحال هو أن قواعد اللباس التي فرضتها الدولة رُبِطت، منذ عام 1979، بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية مثل التوظيف والتعليم والدخول إلى الأماكن العامة. فضلًا عن ذلك، طالت قواعد اللباس الرجال الإيرانيين الذين مُنعوا من ارتداء القمصان ذات الأكمام القصيرة، وسراويل الجينز والألوان الزاهية في أماكن العمل والجامعات. واستخدمت الدولة سلطتها لفرض إجراءات للسيطرة على مختلف جوانب الحياة العامة والخاصة للمواطنين. وباتت جميع الخيارات الشخصية مثل الزيجات المختلطة وحفلات أعياد المولد والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام الأجنبية واقتناء الكلاب، خاضعة لتدخّل الدولة في إيران.

كما نرى اليوم، لا يزال عدد كبير من هذه المعارك الأولى بين الدولة ومواطنيها من دون حلول في مرحلة ما بعد الثورة، وقد أثّر ذلك في الأجيال الجديدة من الإيرانيين، متسبِّبًا في نهاية المطاف بتقييد خياراتهم الشخصية. وهكذا كشفت وفاة مهسا أميني النقاب عن المظالم الجماعية التي يعاني منها الإيرانيون. وقد عمدت النساء إلى حرق حجابهن في الاحتجاجات، في خطوةٍ لاقت انتشارًا سريعًا في مختلف أنحاء البلاد، بوصفه رمزٍا لرفضهن لتحكّم الدولة في خياراتهن الشخصية.

في الآونة الأخيرة، يتداول إيرانيون مقاطع فيديو لحملات اعتقال عنيفة تستهدف فيها شرطة الأخلاق النساء في إيران، ويعتبر هؤلاء، الذين ينشرون المقاطع من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أن قواعد اللباس الحالية هي مؤشّرٌ على التخلّف الاجتماعي والسياسي. وقد أُرفِقت هذه اللقطات بصورٍ عن الحياة قبل الثورة تَظهر فيها إيرانيات – محجّبات وغير محجّبات – يتفاعلن بحرّية في أماكن عامة. يتحسّر الإيرانيون، من خلال هذه الصور، على فقدانهم السيطرة على حياتهم الخاصة.

في مختلف أنحاء العالم، يعتبر الحجاب خيارٌ ديني شخصي تتخذه المرأة بنفسها. ولكنه تحوّل في إيران إلى رمزٍ للقمع والتهميش. لذا فإن رفض المحتجين الإيرانيين للحجاب حاليًا لا يعني بالضرورة رفض الإسلام أو القيم الإسلامية. بل إنه يعبّر عما يشعر به الشعب – ولا سيما النساء – من غضب وإحباط، نتيجة حرمانه طوال عقود من حرية الخيار الأساسية.

سارة بازوباندي باحثة في برنامج زمالة ماري كوري في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق في مدينة هامبورغ، وهي زميلة أولى غير مقيمة في المجلس الأطلسي. بحوثها تركّز على الاقتصاد السياسي في إيران والشرق الأوسط، لمتابعتها على تويتر: @EastRisk

غضبٌ وفرصة في إيران

نيما خورامي

يتيح التعبير الحالي عن الغضب الشعبي في إيران فرصةً حقيقية للتغيير في حال أظهر المؤيدون الدوليون دعما فعالا في تعاطيهم مع المسألة.

في مشهدٍ يبدو أنه بات يتكرر بصورة منتظمة، تحوّلت المدن الإيرانية من جديد إلى مسرحٍ لاحتجاجات واسعة مناهضة للحكومة منذ مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق. ردًّا على هذه التحركات، عوّلت الحكومة الإيرانية على أساليبها المعهودة من خلال اللجوء إلى القوة الهمجية والاعتقالات الجماعية فيما استخدمت في الوقت نفسه السلطة الاحتكارية التي تمارسها على وسائل الإعلام لتشويه صورة المحتجين. ولكنْ ثمة أسباب وجيهة للتشكيك حاليًا في فعالية الخطوات الحكومية في المدى الطويل. تحدث المواجهة الراهنة في مرحلة حسّاسة، وتختلف أيضًا اختلافًا جوهريًا عن جولات الاحتجاجات السابقة. نتيجةً لذلك، قد تؤدّي إلى بداية جديدة في إيران، لا سيما وأنه تَظهر الآن بوادر خلاف وخيبة في صفوف دوائر النظام الحالية والسابقة.

يمكن أن نستشفّ ثلاثة اختلافات أساسية تُميّز جولة الاحتجاجات الراهنة عن سابقاتها. يتمثّل الاختلاف الأول في الدور البارز الذي تؤدّيه المرأة في قيادة المعركة من أجل التغيير. فبعدما واجهت الإيرانيات، على امتداد سنوات، القمع واللامساواة على المستويَين الاجتماعي والاقتصادي ما حرمهنّ من حقوقهن الأساسية، يُظهرن الآن تصميمًا على استعادة موقعهن ومكانتهن بوصفهن مواطنات متساوياتٍ الحقوق في المجتمع، وعبر كثرٌ منهن عن ذلك بالتوقف عن ارتداء الحجاب.

الاختلاف الثاني هو اتساع رقعة انتشار الاحتجاجات الحالية التي لا تقتصر على الطبقة الوسطى أو خرّيجي الجامعات. ففي حين نشطت الطبقة العاملة في تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في الأعوام الأخيرة، تحظى الاحتجاجات الحالية بالدعم من مشاهير ورياضيين وفنانين مرموقين، وحتى من تجّار أثرياء أو ما يُعرَف بالبازاريين. تشكّل خسارة النظام الواضحة للدعم من الطبقتَين العاملة والعليا تطورًا أساسيًا يعني ظهور رد فعل قوي على مستوى المجتمع بكامله في مواجهة نموذج الحوكمة الذي يعتمده النظام وعقيدته التي عفا عليها الزمن.

الاختلاف الثالث، وربما الأهم، هو أن النظام كاد يخسر مدينةً لأول مرة في تاريخه، وهي مدينة أشنوية. وفي هذا الصدد، لا تقتصر الاحتجاجات على المدن الكبرى، لا بل إن المدن الصغيرة تحوّلت إلى مراكز رئيسة للاحتجاجات. يمكن أن يطرح ذلك تحدّيات عملية جدّية على القوى الأمنية التابعة للنظام التي قد تجد صعوبة في الحفاظ على وجود فعلي في المدن الكبيرة والصغيرة على السواء. نجحت طهران في قمعها للتحركات الاحتجاجية السابقة لأنها اقتصرت بصورة أساسية على المدن الكبرى، ما أتاح للحكومة تركيز مواردها في عدد محدود من المواقع. ولكن الاستجابة للمستجدات بصورة متزامنة في مواقع متعددة قد يقتضي من طهران تقنين مواردها واعتماد المداورة في نشر قواتها، ما قد يؤدّي إلى الإنهاك، وفقدان المعنويات، والقصور التشغيلي.

يُنقَل عن بيير ترودو قوله إن "المكوّن الأساسي في السياسة هو التوقيت". في ضوء انهيار الاقتصاد الإيراني وتراجع شعبية النظام، تتيح الأحداث الراهنة فرصةً فريدة للدفع باتجاه تغيير إيجابي في إيران، ما يتطلب تقديم مساعدات مباشرة وغير مباشرة إلى الإيرانيين في نضالهم ضد النظام.

لهذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها زيادة الضغوط على طهران واعتماد موقف متشدد في المباحثات النووية من خلال المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية. في ضوء الوضع الراهن، عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من إبرام اتفاقٍ من شأنه أن يمنح النظام شرعية. علاوةً على ذلك، ينبغي أيضًا تجميد أصول النظام واستخدامها لدعم المعارضة. أخيرًا، يجب تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى تزويد الإيرانيين بوسائل بديلة للتواصل من أجل تعطيل قدرة النظام على الإبقاء على احتكاره للإنترنت وخطوط الاتصالات و/أو فرض هذا الاحتكار من جديد.

نيما خورامي مساعد بحثي في مركز دراسات الأمن في المحيط القطبي التابع لمعهد القطب الشمالي، وفي أكاديمية OSCE في بيشكيك.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.