نشاط

تجربة المغرب في مكافحة الفقر: نقاط القوة والضعف

١٦ سبتمبر ٢٠١٠
الدار البيضاء
رجاءً الضغط على الصفحة الفرنسيّة لمشاهدة فيديو الندوة. 
 
IMGXYZ2742IMGZYXأحرز المغرب تقدُّماً لافتاً في محاربة الفقر خلال العقد المنصرم. فخلال ندوة استضافها مركز كارنيغي للشرق الأوسط والمعهد المغربي للعلاقات الدولية (IMRI) في الدار البيضاء، أقام الباحث الحسن عاشي من مركز كارنيغي مقارنة بين الجهود التي يبذلها المغرب للحدّ من الفقر وتجارب مصر وسورية في هذا المجال. وقد سلّط الباحث الضوء على العوامل الرئيسة الكامنة وراء نجاح المغرب، مقيِّماً حدود هذا الإنجاز وعارضاً لبعض التوصيات حول السياسات الآيلة إلى رسم استراتيجية مستدامة للحدِّ من الفقر.  

لماذا تراجع معدل الفقر في المغرب؟

شهد المغرب، شأنه شأن مصر وسورية، نمواً لافتاً في الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد المنصرم مقارنة بسابقه. لكنّ المغرب، وخلافاً لمصر وسورية، سجّل تراجعاً ملحوظاً في معدل الفقر، في ما أرجعه الباحث عاشي إلى عوامل عدة منها:
  • السلوك الديمغرافي: تراجَع عدد الولادات لكل امرأة بالغة خلال العقود المنصرمة من 5,4 ولادات في المتوسط لكل امرأة بين العامين 1980 و1985 إلى 2,4 في الفترة الممتدة بين العامين 2005 و2010. وجاء هذا التحوّل السكاني المتسارع الوتيرة ليخفِّف الأعباء التي تضغط على موازنات الأسر والاستثمارات العامة وأسواق العمل. لذلك، استثمر المغرب مبالغ أكثر في البنية التحتية. فبنى شبكة طرق في المناطق الريفية وحسَّن وضع الكهرباء ووفّر المياه النظيفة. أما مصر وسورية فصبّتا اهتمامهما على الإنفاق لتلبية احتياجات السكان الآخذ عددهم في الارتفاع. 

  • الموارد المالية: يتقدّم المغرب على مصر وسورية في مجاله المالي وقدرته على الاستثمار في مشاريع عامة، خصوصاً أنّه غير مُثقل بعجز عام هائل. كما يستطيع المغرب، بفضل إيراداته الضريبية الأكثر ارتفاعاً، أن يضع سياسات مالية شاملة. علماً أن الإيرادات الضريبية تُشكّل الآن نسبة 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 15 و11 في المئة في مصر وسورية.

  • مؤسسات القروض الصغرى: اضطلعت هذه المؤسسات بدور جوهري في رفع القيود التي تثقل كاهل الأسر الفقيرة والشركات الصغيرة في المغرب عند سعيها إلى الحصول على السيولة. وفي هذا السياق، أشار عاشي إلى أنَّ هذا  وضع المغرب اليوم في موقع الريادة في العالم العربي في مجال القروض الصغيرة، بمجموع يصل إلى 59 في المئة من مجموع القروض الإقليمية الممنوحة، في حين اقتصرت هذه النسبة على 1% في سورية و14% في مصر. 

  • تحويلات العمّال المهاجرين: تضطلع هذه التحويلات بدور أساسي في إعادة توزيع الدخل، ذلك أنّ المغاربة الذين يعيشون في الخارج يرسلون الأموال إلى بلدهم الأم لدعم عائلاتهم وتوفير الموارد المالية للمشاريع الاجتماعية، يحدوههم في ذلك حسّهم بالمسؤولية. 

  • دور المنظمات غير الحكومية: نشطت المنظمات غير الحكومية في المغرب بالشراكة مع الحكومات المحلية والمركزية. والواقع أنّ المنظمات غير الحكومية المحلية تمكّنت، بعد إقرار قانون يجيز لها الحصول على التمويل من مصادر أجنبية في العام 2002، من أن توسِّع رقعة أنشطتها على المستويين المحلي والوطني. أما المنظمات غير الحكومية الأجنبية فتنامى دورها نتيجة لارتفاع مؤشرات الحوكمة التي عزّزت الثقة في قياداتها.  

حدود التجربة، الدروس وخيارات السياسة العامة

لقد تم انتشال ما يقارب 1.7 مليون مغربي من براثن الفقر خلال العقد الماضي. وساهمت كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء في تحقيق هذا الإنجاز. لكن تجربة المغرب ليست نموذجاً كاملاً، ولها محدوديتها الخاصة. وفي هذا السياق، أشار عاشي إلى أربع عوائق رئيسة تحول دون إبقاء المغرب على معدلات الفقر متدنية، ألا وهي: 
  • ضعف رأس المال البشري: لم يترافق الهبوط المسجّل حتى الآن في معدل الفقر مع أي تحسُّن في رأس المال البشري. فلا يزال المغرب يتلكأ وراء مصر وسورية في معدلات الأمية التي استقرت في العام 2007 عند 45% مقارنة بـ 34% في مصر و17% في سورية. كذلك، لم تؤتِ الجهود الحكومية ثمارها في مجال مكافحة الانقطاع المدرسي. لذلك، يلمس عاشي حاجة ماسة إلى تخصيص المزيد من الموارد البشرية والمالية لبرامج محو أمية البالغين. كما أنه ينطوي على منح حوافز للأسر الفقيرة لتعليم أطفالها.

  • التفاوت الاقتصادي: لم تتقلص الهوة بين الفقراء والأغنياء في العقد المنصرم على الرغم من الجهود المبذولة للحدّ من الفقر. لهذا السبب، أوصى عاشي بوضع سياسات عامّة أكثر ملاءمة لإعادة توزيع الدخل وأفضل استهدافاً للفقراء والشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع المغربي. 

  • تردي نوعية الوظائف: الكثير من الوظائف المتوافرة في المغرب ذات نوعية متردية إلى حد مثير للقلق في ظل تزايد عدد تلك التي يتقدّم لها عمّال غير مهرة لقاء أجور متدنية. بالإضافة إلى ذلك، يعمل كثرٌ من العمّال في القطاع غير النظامي، الأمر الذي يبرِّر تردي أوضاع العمل ويجعل العمّال أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية. وفي هذا السياق، دعا عاشي واضعي السياسات إلى توفير حوافز لأصحاب المبادرات الفردية في القطاع غير النظامي لينخرطوا رسمياً في القطاع الخاص. وهذا يتطلب تبسيط إجراءات إنشاء الشركات الرسمية، وتسهيل الحصول على القروض، وبرامج التدريب، وتوفير المعلومات عن الفرص المتاحة في السوق.

  • تحكُّم الحكومة المتزايد بالمنظمات غير الحكومية: فقدت مساهمة المنظمات غير الحكومية في مسيرة التنمية المحلية بعضاً من زخمها خلال السنوات القليلة المنصرمة في ضوء الرقابة الحكومية المتشدِّدة. فالتعديلات التي أُدخِلَت على الإطار القانوني للمنظمات غير الحكومية، وعلى الرغم من كونها إيجابية، لها تأثير محدود. وثمة تناقض بين الأحكام القانونية والممارسات السائدة. أوصى عاشي واضعي السياسات إلى ضمان أن تنفّذ الأحكام التي تمنح مساحة وحرية أكبر للجمعيات.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
event speakers

Jawad Kerdoudi

الحسن عاشي

باحث رئيسي غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط

الحسن عاشي خبير اقتصادي في التنمية والاقتصاديات المؤسسية، والتجارة والعمل، تتركّز أبحاثه على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.