تسجيل الحضور
ستصلك رسالة إلى بريدك الإلكتروني لتأكيد تسجيل حضورك.
أصبحت طرابلس النقطة المحورية لمعظم النزاع القائم في لبنان، والذي يتركّز في حيّ باب التبانة وحيّ جبل محسن. وكان لعدم الاستقرار، الذي يُعزى جزئياً إلى القتال المتواصل والكراهية المتجذّرة بين الحيَّين، وإلى الغياب الفعلي للدولة اللبنانية، تأثيرٌ أكثر وضوحاً على طرابلس منه على معظم المناطق اللبنانية.
نظّم مركز كارنيغي للشرق الأوسط ومنظمة هيومن رايتس ووتش ندوة عامّة ركّزت على الديناميكيات الطائفية والتحديات الاجتماعية-الاقتصادية المؤثرة على النزاع في طرابلس في حيّ باب التبّانة وحيّ جبل محسن. كما سعت الندوة إلى تقييم ردّ فعل الدولة اللبنانية تجاه النزاع في طرابلس من حيث توفير الأمن وحماية المدنيين والإغاثة الاجتماعية-الاقتصادية. خلال الندوة، عرض الخبراء تحدّيات النزاع الداخلي في طرابلس مقارنةً مع السياق اللبناني والإقليمي الأوسع.
نبذة عن طرابلس
تحتاج طرابلس إلى الإصلاح والتنمية كما تظهر أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية السيئة، وتدهور اقتصادها، وغياب التدابير الأمنية.
قدّم كلٌّ من الرئيس السابق لبلدية طرابلس رشيد جمالي، ورئيس منظمة تنمية الأعمال في طرابلس فوّاز حامدي، وسامر أنوس من جامعة البلمند، وسحر الأطرش من مجموعة الأزمات الدولية، نبذة عامّة عن طرابلس، بما في ذلك تاريخ المدينة وأوضاعها الاجتماعية-الاقتصادية والأمنية الراهنة واقتراحات للإصلاح. وتولّت الأطرش إدارة الجلسة.
- سوء الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية: أورد جمالي بعض الإحصاءات المثيرة للقلق، بما في ذلك واقع أنّ 57 في المئة من سكان طرابلس يعيشون تحت خط الفقر الأعلى، وأنّ نسبة الالتحاق بالمدارس تبلغ 55 في المئة، ونسبة البطالة تصل إلى 40 في المئة في صفوف الشباب. لكن حامدي أوضح أنّ هذه المشاكل الاجتماعية-الاقتصادية ليست حكراً على طرابلس. فمنطقة شمال لبنان بأكملها تشهد معطيات مماثلة، إذ يضمّ الشمال حوالى 46 في المئة من سكان لبنان الفقراء جدّاً.
- المهاجرون: قال أنوس أنّ الانقسام القائم بين المدينة القديمة في طرابلس (وسط المدينة) والمدينة الجديدة، خلق شعوراً بالإقصاء. فسكّان المدينة القديمة لايتقبّلون المهاجرين الآتين من مناطق محرومة في الشمال. والعكس صحيحٌ أيضاً، إذ يشعر المهاجرون بأنّهم منعزلون عن سكّان المدينة القديمة.
- تدهور الاقتصاد: شرح حامدي أنّه في بداية الحرب الأهلية في العام 1975 تفاقمت الصعوبات الاقتصادية في طرابلس، خصوصاً بعد أن أغلقت شركة النفط العراقية أنابيب النفط في المدينة. وازداد الوضع الاقتصادي تدهوراً عقب بداية النزاع السوري-الفلسطيني في ثمانينيات القرن المنصرم. واليوم، يتولّى مرفأ طرابلس 6 في المئة فقط من حركة النقل البحري في لبنان، فيما تهيمن بيروت على النسبة المتبقية.
- غياب التدابير الأمنية: قال أنوس إنّ الزعماء السنّة في طرابلس قاموا بتمويل المتشدّدين الذين ساعدوا في المقابل في حشد الناخبين، موضحاً أنّ الخطاب الشعبي في طرابلس هو أنّ حزب الله كان السبب الرئيس في المواجهة. مع ذلك، أكّد أنوس أنّ للأزمة جذوراً اجتماعية-اقتصادية أعمق، لافتاً إلى أنّ طرابلس هي صورة مصغّرة عمّا يحدث في لبنان، وأنّ النظام السياسي يواصل إنتاج أزمات جديدة.
- الحاجة إلى الإصلاح: أوضح حامدي أنّ الإصلاح والتنمية ضروريّان للسياحة والزراعة والتعليم والبنى التحتية، وأنّه ينبغي خفض الكثافة السكّانية وتوسيع مساحة الأراضي، مضيفاً أنّه يرى إمكانيّة كبيرة لجادة رشيد كرامي.
فوّاز حامدي
الديناميكيات الطائفية للنزاع
كشف النزاع بين باب التبانة وجبل محسن عن ضعف استجابة الدولة للعنف، وعدم فعالية خطة طرابلس الأمنية.
ناقشت لمى الفقيه من منظمة هيومن رايتس ووتش ورافاييل لوفيفر ويزيد صايغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، الديناميكيات الطائفية للنزاع، وتأثير الصراعات الإقليمية على لبنان. وتولّت لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إدارة الجلسة.
- النزاع السنّي-العلوي: قالت الفقيه إنّه ثمة هجمات متزايدة تستهدف الطائفة العلوية في مناطق مختلفة من طرابلس. وتظهر أعمال العنف الموثقة أنّ متشدّدين سنّة قد استهدفوا ودمّروا محالّ تجارية يملكها سكّان جبل محسن. وفي حالات أخرى، طلب مسلّحون المال من أصحاب المحالّ التجارية مقابل حمايتهم.
- استجابة الدولة للعنف: تابعت الفقيه أنّه لم يتمّ اعتقال سوى 20 في المئة من مرتكبي الهجمات، حتى عندما عرّف الضحايا عنهم. وأضافت أنّ ردّ فعل الحكومة للهجمات المعمّمة والهجمات المستهدِفة كان ضعيفاً.
- قطيعة بين الزعماء والشعب: قال لوفيفر إنّه ثمة قطيعة متزايدة بين الزعماء السياسيين وسكّان طرابلس، لافتاً إلى أنّ الخطة الأمنية الأخيرة لم تقلب الديناميكيات الكامنة في المدينة، بل على العكس، عمّقت الشرخ بين رجال السياسة والميليشيات. وخلُص لوفيفر إلى أنّ استياء متشدّدي باب التبّانة من فريق 14 آذار بسبب ما اعتبروه سحب الدعم عنهم، قد حوّل الولاءات إلى أحزاب سياسية بديلة (وربما أكثر تطرّفاً).
- السلفيون في طرابلس: قال لوفيفر إنّ الخطة الأمنية تستند على مايبدو إلى افتراض أنّ الاشتباكات بين باب التبّانة وجبل محسن ستحدّ من جاذبية السلفية الجهادية. يغفل هذا الافتراض واقع أنّ المجموعات السلفية لطالما كانت أقليّة في المعركة ضد جبل محسن. فالمعركة التي تدفع إلى تجنيد المجموعات السلفية هي في سورية، لا في طرابلس. والسلفية حركة متنوّعة للغاية، ويشكّل السلفيون نسبة كبيرة من عدد سكان المدينة. إلا أنّهم، بحسب لوفيفر، ينقسمون بشدة بين متلقّين للدعم من قطر، وبين متلقّين للدعم من السعودية. كما ينقسمون حول ما إذا كان يجب إرسال مقاتلين إلى سورية.
- تأثير النزاعات الإقليمية: قال صايغ إنّ التوصّل إلى اتفاق في مايتعلّق ببرنامج إيران النووي من شأنه أن يخفّف جداً من حدة التوتّرات في المنطقة. لكنه توقّع أن تتواصل الحروب بالوكالة بين إيران والسعودية، إذا لم يجرِ التوصّل إلى تفاهم.
- توصيات: لفتت الفقيه إلى أنّ منظمة هيومن رايتس ووتش تنصح بحلّ المظالم في المدينة، وباجتماع الأطراف المتنازعة في مابينها والاتفاق على حلّ المشاكل مثل مشكلة الفقر، وضرورة التعويض عن الأضرار. إضافة إلى ذلك، قال صايغ إن من الضروري إما أن تضع الحكومة المركزية خطةً لإعادة بناء المدينة على الصعيد الاقتصادي، وإما أن تُمنَح محافظة الشمال السلطة للمساعدة في تنمية المنطقة.
رافاييل لوفيفر
باحث غير مقيم, مركز كارنيغي للشرق الأوسط
استجابة الدولة والخيارات السياسية
ثمة حاجة إلى خطة هيكلية لتطوير البنية التحتية وتنمية الاقتصاد. ويجب ألا تُستخدَم طرابلس كساحة قتال للقوى السياسية، وذلك بمساعدة الحكومة المركزية.
ناقش كلٌّ من ممثل وزارة العدل، أحمد الأيوبي، وممثل الهيئة العليا للإغاثة في طرابلس، أديب عيط، وعضو المجلس البلدي في طرابلس، شمسين محمد، والقاضي والناشط المقيم في طرابلس، نبيل صاري، ومستشار رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، خلدون الشريف، استجابة الدولة للعنف والخيارات السياسية. وأدار الجلسة نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش ومدير مكتب المنظمة في بيروت.
- وزارة العدل: قال الأيوبي إنّ لوزارة العدل هدفين رئيسين: تحميل المذنبين مسؤولية أعمالهم على قدم المساواة، وضمان حصول المتّهمين على حقوقهم والدفاع المناسب في المحكمة.
- الهيئة العليا للإغاثة: أشار عيط إلى أنّ الهيئة العليا للإغاثة نشطت في طرابلس منذ بداية الاشتباكات في العام 2008. فقد وُضِعَت خططٌ للتعويض على سكان جبل محسن وباب التبانة، وجرى التعويض على أُسَر الذين أصيبوا أو قُتِلوا في الاشتباكات. وقال عيط إن هدف الهيئة، عقب نهاية الاشتباكات، كان إجراء التحقيقات في الأماكن المتضرّرة لتقدير حجم الأضرار الإجمالي، وتوزيع الغذاء والمساعدات الطبية على أشدّ المتضرّرين من الاشتباكات.
- القضاء: شرح صاري أنّ دور القضاء هو ملاحقة الأطراف المسؤولة بشكل مباشر عن الاشتباكات، فضلاً عن الذين افتعلوا أعمال العنف أولاً. وأضاف أنّ السلام لن يسود إلا بعد أن يصبح النظام القضائي مستقلاً عن النظام السياسي في لبنان.
- توصيات من أجل تطوير البنية التحتية: لفت عيط إلى أنّ خطط الترميم والتطوير هي حاجة ملحّة لمكافحة الفقر في المدينة. ومن الأولويات أيضاً تشكيل وحدة أزمات لمدينة طرابلس بالتعاون مع الحكومة اللبنانية. أما محمد فأضاف أن طرابلس تحتاج إلى خطة منظّمة بشكل جيد، إذ لايكفي أن يُعاد البناء فقط بعد كل جولةٍ من العنف. وأشار إلى أن الخطوة الأولى هي التوقّف عن استخدام طرابلس كساحة قتالٍ للقوى السياسية. في المقابل، أكّد الشريف أن السياسيين الطرابلسيين لايستطيعون وحدهم وضع استراتيجية لتنمية المدينة، بل يحتاجون إلى الدعم من الحكومة المركزية.
- توصيات من أجل التنمية الاقتصادية: قال الشريف إن السنّة في لبنان ليسوا مهمّشين بسبب غياب القيادة، بل بسبب غياب المبادرة. فلا يمكن إلقاء مسؤولية النزاع على أفراد، ذلك أنّ التمويل يأتي من منظمات وقوى إقليمية أكبر. وأضاف أن توفير الوظائف هو الأولوية الأكبر لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في طرابلس. في المقابل، خلُص محمد إلى أن المصارف يجب ألا تضع سكان جبل محسن وباب التبانة على لوائحها السوداء، مضيفاً أنه يجب توفير فرص العمل للذين يشاركون في الاشتباكات أو الذين تضرّروا منها.
أديب عيط