في وسائل الإعلام

توقعات الدولة تجاه خفض عجز الموازنة غير واقعية

تستهدف الموازنة العامة الجديدة خفض العجز الكلي بنسبة ٢٪ عن العام الماضي، لكن هذا الهدف ليس واقعياً.

نشرت من قبل
مدى مصر
 on ٦ يوليو ٢٠١٥

المصدر: مدى مصر

أقرّ الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الخميس الماضي موازنة العام المالي الجديد، وهي الموازنة التي لم تُنشر تفاصيلها حتى الآن. وجاء إقرارها بعدما طلب السيسي إجراء تعديلات على المشروع الأوّلي الذي طُرح عليه الأسبوع الماضي. وذكر بيان وزارة المالية أنه من المنتظر أن ينخفض العجز الكلي بنسبة ٢٪، نتيجة زيادة الإيرادات بنسبة ٢٧.٧٪ عن العام الماضي، اعتمادًا على ارتفاع متوقع في حصيلة الضرائب في العام المقبل.

بيان الوزارة أشار أيضًا إلى تراجع حاد في المنح الخارجية لتصل إلى ٢.٢ مليار جنيه في انخفاض بقيمة ٢٥.٧ مليار عن العام المنقضي. وأكدت الوزارة في بيانها أن الإنفاق على الخدمات الصحية والاجتماعية سيصل إلى ٤٢٩ مليار جنيه. وبذلك يرتفع الإنفاق على هذه الخدمات عمومًا عن نظيره في العام الماضي بنسبة ١١.٨٪، ليمثل ٥٠٪ من الإنفاق العام.

"مدي مصر" حاور عمرو عادلي، الباحث الاقتصادي بمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، للتعليق على الموازنة الجديدة.

مدى مصر: تستهدف الموازنة العامة الجديدة خفض العجز الكلي بنسبة ٢٪ عن العام الماضي، هل ترى ذلك هدفا يمكن تحقيقه؟

عمرو: لا أعتقد أن هذا الهدف واقعي؛ لأن التخفيض بهذا القدر ناتج عن مبالغة في تقدير الإيرادات الممكن تحقيقها، والتي ترتبط بدورها بالمبالغة في تقديرات معدلات النمو للسنة المالية القادمة والتي وضعتها وزارة المالية عند ٥٪، أي ١٪ زيادة عما توقعه صندوق النقد الدولي (٤.٢٪)، والذي أراه توقعًا أكثر واقعية في ضوء الأحداث السياسية الداخلية وعدم تحقق الكثير من تدفقات رؤوس الأموال منذ مارس، وفي ضوء تباطؤ الصادرات والمرشح للزيادة مع اضطراب الأوضاع في أوروبا: أكبر سوق للصادرات المصرية غير البترولية مع تطورات اليونان الأخيرة.

مدى مصر: بيان وزارة المالية أشار إلى توقعات بزيادة الإيرادات عن طريق زيادة حصيلة الضرائب، غير أن الحكومة تراجعت خلال الشهور الماضية عن تطبيق عدد من الضرائب من بينها ضريبة الأرباح الرأسمالية وقرار رفع الحد الأقصى للضرائب على الدخل، ومن المنتظر أيضًا أن تنخفض المنح الخارجية بشكل درامي خلال العام المالي الحالي، السؤال هنا: من أين يأتي التوقع بزيادة عائدات الضرائب تحديدًا، والإيرادات عموما؟

عمرو: سؤال في محله، كما قلت أعلاه، أعتقد أن ثمة مبالغة شديدة في تقدير الإيرادات جملة، والإيرادات الضريبية خاصة، من خلال المبالغة في رفع معدلات النمو المتوقعة بشكل غير واقعي، وهي تعكس رؤية الحكومة القائمة على النظرية النيوكلاسيكية في إدارة الضرائب والجامعة بين خفض أسعار الضرائب (كتخفيض الضريبة على الدخل) لتحفيز النمو مع توسيع قاعدة الممولين، وهو خط نجح فيه بالفعل يوسف بطرس غالي، فيما مضى، لكن هل سينجح هذا مرة أخرى في ظل انخفاض معدلات النمو المتوقعة. لا أظن.

هناك تعويل على إيرادات غير ضريبية كبيع أراضي الدولة أو تحصيل عوائد عليها، وهو أمر ينبغي التوقف قليلًا والنظر إلى إمكانية تحقيقه، علمًا بأن الإيرادات غير الضريبية المرتبطة بالأصول الثابتة عادة ما تفتقر للاستمرارية بمعنى أنها غير متجددة، فالأصل يباع مرة واحدة، وهو ما يعيدنا إلى التناقض الرئيسي الحاكم لسياسات الدولة المالية والمرتبط بانخفاض الإيرادات الضريبية نتيجة عدم القدرة على تحصيلها من ناحية وتراجع النمو الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية من ناحية أخرى.

مدى مصر: في رأيك، ما سبب انخفاض المنح بهذه الطريقة الدرامية؟

عمرو: أعتقد أن الانخفاض منطقي وليس بجديد، فالمساعدات السخية، التي قُدرت بنحو ٢٣ مليار دولار، من السعودية والإمارات والكويت أتت لتمويل المرحلة الانتقالية التالية على التخلص من محمد مرسي، وأخذت في الانخفاض بعد انتخاب السيسي مباشرة مع التشجيع على عقد مؤتمر مارس وعلى الشروع في تخفيض الدعم، وهو ما يعني أن الممولين الخليجيين كانوا على إدراك لأهمية دعم مصر في إعادة هيكلة ماليتها واستعادة نموها الاقتصادي، لا الاستمرار في تمويل العجز إلى ما لا نهاية.

وقد استمر هذا الخط منذ ذلك الحين، واقتصر على دعم الاحتياطيات من آن لآخر (المليارات الستة الأخيرة) والحكومة المصرية تتعامل على هذا الأساس. وهذا هو السر في إجراءات التقييد من الواردات وإجراءات سعر الصرف الأخيرة؛ للاحتفاظ بالاحتياطيات النقدية لأطول فترة ممكنة في ضوء عدم وجود إشارات لاستئناف الدعم الخليجي الكثيف (إلا في حالات الضرورة) وفي ضوء تباطؤ تدفق الاستثمارات وتقلص الصادرات البترولية.

مدى مصر: في بيان وزارة المالية عن الموازنة الجديدة، توجد إشارات واضحة إلى توجيه نظام الدعم ناحية الدعم النقدي، كيف سينعكس ذلك على منظومة الدعم والمستفيدين منه، وكيف سينعكس ذلك على الموازنة؟

عمرو: هذه الإشارات قائمة منذ فترة طويلة، هناك إشارات للاستمرار في خفض دعم المحروقات لصالح إعادة توجيه الدعم لبرنامجي كفالة وكرامة (الدعم النقدي الموجه)، ولكن السؤال الأهم هو ما الذي تنتوي الحكومة فعله على المدى المتوسط لدعم الوقود ولأسعار البترول؟ هل المخطط هو الاستفادة المرحلية من انخفاض أسعار البترول العالمية لتخفيض العجز تدريجيا؟ أم أن الهدف هو تحرير السعر أي جعله يتحدد طبقا لقوى السوق العالمي في ضوء كون مصر مستورد صاف للبترول والغاز الطبيعي؟ وهو سؤال لا أعتقد أن الحكومة ذاتها عندها إجابة واضحة عليه.

لكن بالنسبة لهذه الموازنة فالخط واضح هو الاستمرار في ذات الاتجاه بالاستفادة من انخفاض أسعار الوقود العالميةـ مع التقدير بارتفاعها نسبيًا عن السنة الماضية- ومن غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستقوم برفع أسعار منتجات البترول مجددا أم لا، وهو أمر مرهون بالظرف السياسي، وتصوري أن السيسي سيؤجل هذا قدر الإمكان حفاظًا على شعبيته.

مدى مصر: البعض يرى هذه الموازنة كموازنة تقشفية، كيف تراها أنت؟

عمرو: هي موازنة تقشفية بحكم التعريف كونها تهدف تخفيض العجز كنسبة من الناتج، وفي جميع الأحوال إذا ما تم النظر في معدلات الزيادة في الإنفاق العام كزيادات حقيقية (أي بعد خصم معدلات التضخم) يظهر أصلا أن أغلبية الموازنات التي كانت في مصر في السنوات القليلة الماضية كانت تقشفية، بمعنى أنها كانت تنمو بصفر أو أكثر قليلا.

مدى مصر: هل الموازنة المخصصة للصحة والتعليم كافية بالمقارنة بالزيادة السنوية في الأسعار، نتيجة التضخم، والتي تلتهم بشكل دوري جزءًا كبيرًا من مخصصات الصحة والتعليم؟

عمرو: هناك زيادة في مخصصات التعليم والصحة أكبر من معدلات التضخم بالفعل، وهو أمر إيجابي في المطلق، ولكن ينبغي النظر في هيكل الإنفاق على الصحة والتعليم، وهل ستذهب الزيادات لتمويل الإنفاق الجاري غير ذي العائد- مرتبات.. إلخ- أم ستذهب للاستثمار في البنية الأساسية- مدارس ومستشفيات وأجهزة.. إلخ- وفي التدريب والتعليم للعاملين؟

تم نشر هذا المقال في موقع مدى مصر.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.