في وسائل الإعلام

طارق عامر وأيديولوجيا تجار الشنطة

تُعزى مشكلة العملة في مصر راهناً في مجملها إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وانهيار أسعار النفط العالمية. ولن تؤدّي إزالة القيود كليّاً عن حركة الدولار والاستيراد سوى إلى تفاقم الوضع.

نشرت من قبل
الشروق
 on ٣ نوفمبر ٢٠١٥

المصدر: الشروق

هل يحل طارق عامر محافظ البنك المركزي الجديد أزمة الدولار؟ الإجابة بنعم في أذهان بعض وجوه مجتمع الأعمال والتجارة في مصر، اعتماداً على افتراضات، أهمها أن إجراءات المركزي في الشهور الستة الماضية، قد خنقت الاستيراد ومن ثم الاقتصاد وقد أعاقت تحرك سيولة تقدر بالمليارات في السوق السوداء، وإن ما هو مطلوب حقاً في المرحلة الحالية هو ببساطة أن يرفع أو أن يخفف القيود على حركة الدولار، وإذا بالمليارات الخضراء تتدفق من كل حدب وصب.

ولكن يبدو أن المشكلة أكبر من المحافظ الجديد بل وأكبر من أدوات السياسة النقدية بشكل عام، وذلك أن سياسة المركزي في إدارة الصرف الأجنبي لا تعدو أن تكون إدارة للأزمة، يكون الهدف المثالي منها هو الحفاظ قدر الإمكان على الدولارات النادرة بما يحول دون المزيد من الضغط على العملة الوطنية أو يؤدي لنقص شديد فى العملة الأجنبية، بما يؤثر على قدرة مصر على استيراد السلع الأساسية من غذاء ووقود، وهناك فارق كبير بين إدارة الأزمة والتخفيف من وقعها وبين حلها. إن حل أزمة الدولار لا علاقة له بالسياسة النقدية بقدر ما إنه يتصل بتعافي القطاعات الاقتصادية الحقيقية المولدة للدولار، سواء كانت صادرات سلعية «بترولية أو غير بترولية» أو صادرات خدمية «عائدات السياحة ومداخيل قناة السويس» أو تدفقات رأسمالية في صورة استثمارات أو تحويلات عاملين.

إن مشكلة العملة الحالية تعود في مجملها لتباطؤ الاقتصاد العالمي وانهيار أسعار البترول العالمية، مع استمرار اعتماد مصر على صادرات الزيت الخام، بالإضافة لتضرر السياحة الوافدة من روسيا، وهي أكبر مصدر للسياحة اليوم في مصر، التي تضررت فيها قدرة المستهلكين كثيراً مع انخفاض أسعار النفط وفقدان الروبل لما يزيد عن ٤٥٪، وأضيف إلى هذا التباطؤ الاقتصادي الأخير في الصين مع تعمق أزمة الديون السيادية في أوروبا، وهما طرفا التجارة الأساسية التي تمر عبر قناة السويس، بالإضافة لكون الأسواق الأوروبية أكبر مجال تصديري مصري، وليس بخاف بالطبع أن انهيار أسعار النفط في السنة الماضية وتورط بلدان الخليج في مغامرات عسكرية في اليمن، قد أضعفت من قدرتهم على استئناف التمويل للاقتصاد المصري.

إن بداية تدهور مؤشرات النمو في الاقتصاد العالمى، قد وقعت تماماً مع بوادر تحقق بعض الاستقرار السياسي والأمني داخلياً في مصر بعد خمس سنوات من الاضطراب الشديد، لكن رياح الاقتصاد العالمى لم تأتِ بما تشتهي السفن. وهو ما ترك المركزي في وضع لا يحسد عليه بالمسئولية عن الحفاظ على احتياطي نقدي دولاري متناقص ـ مع انقطاع الدعم الدوري من الخليج ـ وسط علامات على التباطؤ الاقتصادي العالمي، ويضاف إلى هذا مسئولية المركزى الحفاظ على سعر الجنيه في مواجهة الدولار، لتجنب ارتفاع معدل التضخم في فترة من الركود الاقتصادي.

إن هذه الظروف قد تتغير ـ والأمل كذلك ـ بما يحقق فرصا لاستعادة نمو القطاعات المولدة للدولار، ولكن فرص التعافي من عدمه مرهونة بالسياسة الاقتصادية عامة ـ وليس النقدية فحسب ـ ومرتبطة بشكل أكبر بتغير الظروف العالمية التي لا سيطرة لصانعي القرار في مصر عليها في جميع الأحوال، ولكنها بالقطع لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بمحافظ المركزي الجديد، مع التسليم بما يتمتع به من خبرة وكفاءة عالميتين.

إن هامش المناورة المتاح أمام المحافظ الجديد محدود، ولعله لا يتجاوز في أهدافه الاستمرار في إدارة أزمة نقص العملة بذات الطريقة التي انتهجها هشام رامز، أي بتقليل الطلب على الدولار من خلال التقليل من الواردات، والاستمرار في تخفيض الجنيه، ولكن يؤمل أن تكون إدارة الأزمة في المرحلة المقبلة بما لا يدخل الاقتصاد المصري في دائرة مفرغة، بحيث تؤدي القيود على الواردات ونقص العملة إلى المزيد من الركود في القطاعات، التي تعتمد على المدخلات المستوردة، بما يحول دون قدرتها على توليد العملة الصعبة.

وهو هدف من الممكن إنجازه عن طريق تحويل القيود غير الرسمية التي فرضها المركزي فعلياً على الواردات، من خلال الحد الأقصى للإيداع ومن خلال التعليمات الشفهية للبنوك فيما يتعلق بفتح خطابات الضمان لقطاعات دون أخرى ـ إلى قيود رسمية ومعلنة أي أن ينتهج المركزي سياسة انتقائية، يخفف فيها القيود على بعض الأنشطة والقطاعات دون أخرى بمعايير معلنة سواء كانت القدرة على توليد العملة الصعبة أو حجم العمالة أو الأهمية الاستراتيجية، ويمكن أن يحدث هذا من خلال سبل كاستخدام القيود الحمائية المؤقتة، طبقاً لاتفاقية الجات ١٩٩٤، وهو الرأي الذي قال به الدكتور جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد، خاصةً أن مصر تعاني بالفعل من تخفيض كبير للعملة في وقت قصير نسبياً، كما تواجه اختلالات كبيرة في ميزان المدفوعات، ويتماشى مع هذا تحديد حصص من العملة الصعبة للأنشطة المولدة للعملة الصعبة، التي تحتاج لمدخلات إنتاج مستوردة سواء أكان هذا للصناعات التصديرية أو الصادرات الخدمية، بالإضافة لإمكانية التوصل لاتفاقات خاصة مع كبار المستثمرين الأجانب بما يخفف من القيود على تحويل الدولار، على نحو يمكنهم من استئناف استثماراتهم في مصر.

إن مثل هذه الإجراءات الجزئية هي المتاح في المرحلة الحالية. أما إزالة القيود كلياً على حركة الدولار والاستيراد، فلن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وتآكل الاحتياطيات بشكل أسرع، وستنعكس على العجز في ميزان المدفوعات، وهو أصل الإشكال أما أن يكون هدف بعض المستوردين تخفيف القيود على تداول الدولار في المدى القصير لإنقاذ أعمالهم دون النظر إلى عدم استدامة هذه الخيارات فهو أمر لا يجوز أخذه فى الاعتبار عند وضع السياسة الاقتصادية العامة.

تم نشر هذا المقال في جريدة الشروق.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.