المصدر: الشروق
تشهد جماعة الإخوان المسلمين صراعا هو الأعنف منذ تأسيسها فى عشرينيات القرن الماضى، بين مجموعتين تتنازعان على قيادتها. المجموعة الأولى هى القيادة التى تولت إدارة الجماعة حتى 3 يوليو 2013، والممَثَلة فى النزاع الحالى بنائب المرشد محمود عزت والأمين العام محمود حسين. أما المجموعة الثانية، فتمثلها اللجنة العليا التى تشكلت فى فبراير 2014 لإدارة شئون الجماعة داخل مصر، بعد سجن وهروب العديد من القيادات القديمة. ظل الصراع بين المجموعتين مكتوما لأشهر قبل أن يخرج إلى العلن فى مايو 2015، عقب سجال إعلامى بين الطرفين، نفى خلاله المتحدث الإعلامى للقيادة الجديدة صفة الأمين العام عن محمود حسين، وأكد أنه تم اختيار أمين عام جديد من داخل مصر؛ إلا أن محمود حسين رفض ذلك مؤكدا بدوره أنه لا يزال فى منصبه. وتجددت الأزمة أخيرا بعد اتخاذ القيادة القديمة قرارا قضى بإعفاء المتحدث الإعلامى من منصبه، وفصل مسئولى وأعضاء ما يُعرف بـ«لجان الطلاب والإعلامية والحراك الثورى»؛ غير أن القيادة الجديدة رفضت ذلك، مؤكدة أن المتحدث الإعلامى لا يزال فى منصبه، وأن اللجنة العليا هى التى تدير شئون الجماعة.
مع أن البعض ينظر إلى هذا الصراع باعتباره يتمحور حول أدوات إدارة الأزمة الحالية مع النظام السياسى، بين ميل القيادة الجديدة إلى العنف وسعى القيادة التاريخية إلى الالتزام بمبدأ السلمية، إلا أن الخلاف حول العنف ومستواه هو فقط أحد جوانب الصراع الحالى، والذى يدور أساسا حول الجماعة نفسها، وقواعد إدارتها.عقب توليها القيادة، رأت القيادة الجديدة أن هناك حاجة إلى تطوير أداء الجماعة وقواعد إدارتها، لتواكب ما تواجهه من تحديات. فاتبعت قدرا من اللامركزية فى الإدارة، وأتاحت لقواعد الإخوان على الأرض هامشا كبيرا للمناورة وقدرة على تحديد أولوياتها بنفسها. أما القيادة القديمة، فترفض ذلك وترى فيه تهديدا لبقاء الجماعة ككيانٍ متماسك، كما تعتبر أن هذا الشكل اللامركزى قد سمح لدوائر إسلامية لا تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين بتحديد مسار الحركة على الأرض. وفى حين تعترف القيادة الجديدة بضرورة الاستفادة من أولئك الإسلاميين غير المنظمين، حتى لو سمحت لهم بقدرٍ أكبر من النفوذ، ترى القيادة القديمة أن ذلك يغير شكل الجماعة وهويتها. وأخيرا، بينما تدعى القيادات التاريخية لنفسها الحق فى تحديد ثوابت الجماعة، تطالب القيادة الجديدة بإخضاع استراتيجيات الجماعة جميعا إلى نقاش مفتوح، طبقا لحساب الربح والخسارة وتطور الواقع، من دون أن تدعى فئة ما الحق فى مصادرة النقاش بحجة مخالفته لثوابت الجماعة.
تحمل القيادةُ الحالية القيادات السابقة مسئولية الأزمات التى واجهتها الجماعة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وترى أن اللحظة الحالية قد تجاوزت تلك القيادات وأسلوب إدارتها. أما القيادات التاريخية، فتراهن على قدرتها على استعادة السيطرة على الجماعة بشكلها القديم من دون تغيير، حتى لو أدى ذلك إلى انشقاق بعض أعضائها. فيفضل القادة القدامى أن يخسروا جزءا من القاعدة الشعبية، على أن يخسروا الجماعة التى يعرفونها والتى بنوها على مدى العقود الأربعة الماضية. وترى تلك القيادات أن موقفها يتماهى مع موقف مرشد الجماعة حسن الهضيبى خلال الستينيات، والذى رفض جنوح بعض شباب الجماعة إلى العنف، وخيرهم ما بين الرجوع عن فكرهم أو الخروج من الجماعة.
إلا أن الأزمة الحالية تتجاوز ما واجهه الهضيبى خلال الستينيات، وذلك لأسباب عدة: أولها، أن حجم الخلاف هذه المرة يطال قطاعات جغرافية كاملة ترفض الانصياع إلى قرارات القيادة القديمة، ومن ضمنها العاصمة؛ وثانيها، أن هذه الأزمة أتت بعد وصول جماعة الإخوان بالفعل إلى الحكم وفشلها فى تقديم نموذج مختلف لإدارة الدولة، ما وضع مشروعها السياسى محل نقد، ليس فقط من خارج الجماعة بل من داخلها أيضا؛ وأخيرا، تتزامن هذه الأزمة مع تصاعد شعبية التنظيمات الجهادية فى أوساط الشباب الإسلاميين فى العالم العربى، فى ظل ما تحققه هذه التنظيمات من انتصارات عسكرية فى العراق وسوريا.
لكل هذه الأسباب، لم تعد جماعة الإخوان بشكلها القديم قادرة على الاستمرار، إلا أن نهاية المشروع القديم لا تعنى اختفاء الحركة، بل تُنبئ بميلاد شكلٍ جديد من التنظيم والإطار الفكرى، شكل لا يزال قيد التشكيل، ولم تُعرف ملامحه النهائية بعد، ولا الاتجاه الذى سيسلكه. ولا تتعلق أزمة مستقبل جماعة الإخوان بالجماعة فى مصر فقط، فحركة النهضة التونسية تستعد هى الأخرى لفتح النقاش فى مؤتمرها العام المقبل حول مستقبل الحركة وعلاقة الجانب الدعوى بالجانب السياسى، واحتمال فصلهما. لكن، بينما تواجه حركة النهضة هذا التحدى من خلال إعداد أوراق خلفية تتضمن مقترحات حول المستقبل لتتم مناقشتها فى مؤتمرها المقبل، يغيب هذا النقاش عن جماعة الإخوان فى مصر نتيجة للظرف السياسى والأمنى، ليتحول الخلاف فى الرؤى إلى الشكل الحالى من الصراع الدائر حول مستقبل الجماعة. إن أخطر ما يمكن أن يواجه مصر فى اللحظة الحالية هو أن يصب الصراع الحالى فى مصلحة الحركة السلفية الجهادية، وأن تندفع قطاعات من شباب الجماعة للانضمام إلى تنظيماتها. فحتى ألَد أعداء جماعة الإخوان المسلمين عليهم أن يتابعوا عن كثب الأزمة الحالية داخل الجماعة، وأن يسعوا قدر الإمكان إلى احتواء آثار نهاية القديم، والعمل على التأثير فى شكل الجديد المقبل.