المصدر: Getty

أكراد سورية: ضرورة السعي إلى التعاون الإقليمي

لا بدّ للأحزاب الكردية المعارِضة، إذا ما أرادت تمكين نفسها، من أن تتعاون مع تركيا وأصدقاء سورية بدعم من حكومة إقليم كردستان العراق. فوحدُه هذا التعاون يستطيع أن يضمن صونَ حقوق الأكراد ومطالبهم في سورية ما بعد الأسد.

 يزيد صايغ و فيتوريا فيدريتشي
نشرت من قبل
تعليق على أحداث
 on ٢٥ سبتمبر ٢٠١٢

المصدر: تعليق على أحداث

أثارت سيطرة الأكراد السلمية على مدن عدة في شمال وشمال شرق سورية، غداة الانسحاب الجزئي للجيش النظامي والإدارة السورية من تلك المناطق في تموز/يوليو، آمالاً كردية ومخاوف تركية في آن. إذ رحّب الكثير من الأكراد السوريين بتمسّك مجتمعهم بالحصول على الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع، في حين تشعر تركيا بالقلق بسبب ماترى أنه ظهور كيان كردي مستقلّ يسيطر عليه حزب العمال الكردستاني. 

فاقم اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصّل إليه في أربيل في 11 حزيران/يونيو، بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبين منافسه المجلس الوطني الكردستاني في سورية، ردود الفعل التركية والكردية. فحزب الاتحاد الديمقراطي هو، في الواقع، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وأقوى حركة كردية سورية بلا منازع، فيما المجلس الوطني الكردستاني هو ائتلاف من ستة عشر حزباً كردياً سورياً. وقد اتفقت المجموعتان في حزيران/يونيو على إنشاء المجلس الكردي الأعلى. وفي تموز/يوليو، وُسِّع هذا التعاون ليشمل تشكيل لجان أمنية مشتركة ووحدات دفاع شعبية غير مسلحة تهدف إلى ملء الفراغ الأمني والسياسي في المنطقة. وبحلول أوائل أيلول/سبتمبر، كان هناك حديث عن إنشاء قوة عسكرية مشتركة تضمّ الجماعات المسلحة كافة في كردستان السورية.
 
بيد أن الآمال الكردية والمخاوف التركية ليست في محلّها. فعلى الرغم من عرض الوحدة الأخير، ثمة هوة من انعدام الثقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، وهما يثبتان عجزهما عن إقامة تعاون حقيقي. يتمتّع حزب الاتحاد الديمقراطي بتفوّق غير قابل للنقاش على المجلس الوطني الكردستاني، فضلاً عن الدعم الضمني الذي يحظى به من نظام الرئيس بشار الأسد، ولايزال يوسّع بنشاط ميزته تلك منذ انسحاب النظام من المناطق ذات الأغلبية الكردية. ولذلك من المرجح أن تكون الغلبة لحزب الديمقراطي على المجلس الوطني الكردي المفكّك والمسالم إلى حدّ كبير، وأن يردّ بقوة على كل محاولة من جانب الأخير لمعالجة الاختلال الشديد في موازين القوى بينهما. إن خطر نشوب صراع بين الأكراد مرتفع، مايجعل احتمالات التوصّل إلى أجندة كردية موحّدة في سورية أبعد من أي وقت مضى.
 

حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي: تعزيز ميزته

في كردستان السورية، يستفيد حزب الاتحاد الديمقراطي من الدعم والولاء الشعبي الكبير، خاصة في منطقة كرد داغ القريبة من حلب، حيث كانت الأحزاب الكردية الأخرى ضعيفة تاريخياً. كانت كرد داغ منذ فترة طويلة أرضاً لتجنيد الأنصار لحزب العمال الكردستاني، وللعديد من الأكراد السوريين أفراد من أسرهم ممن شاركوا في صراع حزب العمال الكردستاني في تركيا. فضلاً عن ذلك، حزب الاتحاد الديمقراطي هو الحزب الكردي الوحيد المسلّح بشكل جيد في سورية ويسيطر على الغالبية العظمى من الميليشيات الكردية التي تقوم بأعمال الدورية في كردستان السورية. ويضمن له ولاؤه لحزب العمال الكردستاني الحصول على إمدادات مطّردة من الأسلحة والرجال، وذكر منافسه المجلس الوطني الكردي أنه اعتباراً من منتصف أيلول/سبتمبر، دخل 1000 من أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى المنطقة الكردية، وفتحوا معسكرات الجيش النظامي السوري في القامشلي، ووفّروا التدريب العسكري للسكان المحليين من الأكراد.
 
منذ أواخر تموز/يوليو، رفع حزب الاتحاد الديمقراطي علمه، وأقام نقاط تفتيش مسلّحة في عفرين وكوباني والمالكية، حيث أنه شديد التنظيم ونشيط على الأرض. في الواقع، منذ رحيل الجيش والإدارة السوريَّين، حافظ حزب الاتحاد الديمقراطي بفعالية على القانون والنظام، وتولّى إدارة نظام العدالة، وأبقى معظم المؤسّسات المحلية عاملة. على سبيل المثال، تخضع كل إمدادات الكهرباء والمياه في عفرين، وكذلك مكاتب الخدمة والمدارس والمستشفيات والسجون الحكومية في المالكية حالياً، إلى سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي. والحال أن سلطة الحزب إلى ازدياد، حيث نفى زعيمه محمد صالح مسلم في منتصف أيلول/سبتمبر مزاعم تقول إن حزبه يكسب مايعادل 200 مليون دولار من خلال فرض ضرائب على السلع والسيطرة على محطات الوقود، لكنه أكّد أنه يحصّل رسماً قدره 8 دولارات من جميع مَن يعبرون الحدود إلى كردستان العراق ورسوماً إضافية إذا ماكانوا ينقلون بضائع.
 
وُضِع صعود حزب الاتحاد الديمقراطي في خانة الشك والريبة من قبل مَن يفسّرون ذلك بوصفه جزءاً من الاستراتيجية الكبرى لنظام الأسد. فمن الواضح تماماً أن الجيش السوري انسحب من المنطقة الكردية طوعاً، وترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها لسيطرة سلمية من جانب حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. وتبقى مسألة ما إذا كان النظام غادر المنطقة حقاً أم لا موضع تنازع؛ حيث يدّعي النشطاء أن حزب الاتحاد الديمقراطي يسيطر على العديد من مكاتب الحكومة بالاشتراك مع الموظفين الموالين للنظام. ذلك أن وجود قاعدة قوية لحزب العمال الكردستاني في كردستان سورية يفيد نظام الأسد من جوانب عدة: فهو لايهدّد تركيا وحسب، بل يمنع أيضاً تسلّل الجيش السوري الحر إلى المناطق الكردية.
 
على الرغم من ذلك، فإن التحالف مع النظام تكتيكي ليس إلا. فحزب الاتحاد الديمقراطي ليس مهتماً بتقاسم السلطة مع المجلس الوطني الكردي ولا في الانضمام إلى الثورة مع أو ضد الأسد. هو ملتزم بحزم بأجندته السياسية والعسكرية الخاصة، حيث أن ولاءه لحزب العمال الكردستاني فقط. وبالفعل، تم التوقيع على اتفاق إربيل مع المجلس الوطني الكردي من جانب مجلس شعب كردستان الغربية، وهو تنظيم واجهة لحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، وليس من جانب الحزب نفسه.
 
إن حصيلة المعركة المحتدمة في حلب سوف تحدّد إلى أين سيتّجه ميزان العلاقات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام في المرحلة المقبلة. فإذا مال التوازن العسكري إلى صالح الجيش السوري الحر، فالأرجح أن يفاوض حزب الاتحاد الديمقراطي المجلس الوطني الكردي، لكن إذا انتصر الأسد، ولو مؤقّتاً، فربما عندئذ يردّ حزب الاتحاد الديمقراطي على المتظاهرين الأكراد والمنشقين المناهضين للنظام بعنف زائد من تلقاء نفسه.
 

المجلس الوطني الكردي: بين المطرقة والسندان

تاريخياً، فاخرت أحزاب المجلس الوطني الكردي بأنها تمتلك قدراً أكبر من الدعم الشعبي في أطراف محافظة الجزيرة القريبة من العراق، على عكس حلب وشمال غرب سورية. لكن الصعود الحالي لحزب الاتحاد الديمقراطي جعل المجلس في موقف أضعف بطبيعته. فبينما وضع المجلس الوطني الكردي عملاءه في مدينتَي كوباني والمالكية، اللتين يتولّى إدارتهما بالاشتراك مع حزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أنه يفتقر إلى القيادة والشعبية والقوة العسكرية اللازمة لفرض وجوده على أرض الواقع وجعل صوته مسموعاً. إذ يبدو مصطفى جمعة، نائب رئيس المجلس الوطني الكردي، صريحاً عندما يقول: "الأحزاب ليست بالقدر نفسه من القوة. هناك أحزاب لاتملك حتى خمسين عضواً في كل سورية"، مشيراً إلى أن "التنسيق ضعيف إلى حدّ ما. ولأن لدى قيادة المجلس الوطني الكردي ميولاً سياسية مختلفة، فإن الجميع يفعل الشيء نفسه، ولايقلق كثيراً بشأن الآخرين". 
وبالتالي تعثّر المجلس الوطني الكردي بسبب الاحتكاك بين أحزابه الستة عشر بشأن أجندته السياسية واستراتيجيته وعلاقاته مع المجلس الوطني السوري. فقد ظهرت الانقسامات إلى السطح مراراً وتكراراً، مادفع المجلس الوطني الكردي إلى الخروج بشكل عاصف من المؤتمرات التي عقدها المجلس الوطني السوري في إسطنبول في آذار/مارس، ومرة أخرى في القاهرة في تموز/يوليو بعد أن اتّهم المنظّمين بتجاهل الحقوق الدستورية للأكراد. اتّفق المجلس الوطني الكردي والمجلس الوطني السوري في آب/أغسطس على تشكيل لجنة خاصة لمناقشة القضايا الكردية، لكن المجلس الوطني الكردي كرّر في وقت لاحق استقلاله الكامل عن المجلس الوطني السوري.
 
يشكو المجلس الوطني الكردي أيضاً من أن حزب الاتحاد الديمقراطي يسعى بالفعل إلى تهميشه، من خلال الاعتداء على مؤيّديه واختطاف أعضائه وتعذيبهم بين حين وآخر. وقد عبّر زعيم المجلس الوطني الكردي عبد الحكيم بشار عن خيبة أمله إزاء حزب الاتحاد الديمقراطي، وتحدّث علناً عن مخاوفه من هيمنته العسكرية، متّهماً إياه بالتعاون مع نظام الأسد، ووضع المصالح الحزبية فوق مصالح الشعب الكردي.
 
لايزال المجلس الوطني الكردي ضعيفاً سياسياً في المنافسة التي يخوضها مع حزب الاتحاد الديمقراطي. إذ تقيّده عدم قدرته على انتزاع تنازلات ذات معنى بالنسبة إلى أكراد سورية من المجلس الوطني السوري، على الرغم من أن الاثنين يشتركان في برنامج سياسي مناهض للنظام. معظم قادته يعيشون في المنفى، مايعوق قدرتهم على تنسيق ردود سياسية ولوجستية مشتركة للتطوّرات على الأرض. ومع ذلك، من دون تحقيق مكاسب ذات صدقية، سيتمكّن المجلس الوطني الكردي بالكاد من بناء قاعدة دعم قوية في الشارع الكردي، وما لم يخفّف مطالبه من أجل تحقيق اللامركزية والنظام الفدرالي في سورية، فإنه يخاطر بفقدان النفوذ لدى بقية قوى المعارضة السورية، وبالتالي تعميق عزلته.
 

البعد الإقليمي للسياسة المحلية

فيما تتغيّر موازين وديناميكيات القوى على طول الحدود السورية التركية، تتقاطع القضايا الكردية المحلية مع المصالح الإقليمية الأوسع، وهو وضع قد يستثمره المجلس الوطني الكردي لصالحه. فالحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية، وهو الحزب الرئيس في المجلس الوطني الكردي، هو فرع سوري من الحزب الديمقراطي الكردستاني، في العراق الذي يتزعّمه الرئيس مسعود بارزاني. ولبارزاني صلات قوية بالمجلس الوطني الكردي ككل، فقد ساهم في الواقع في تأسيسه في تشرين الأول/أكتوبر 2011. ومن خلال رعايته لاتفاق أربيل، سعى بارزاني إلى حماية استثماره في المجلس الوطني الكردي، وإلى توسيع نفوذه السياسي والعسكري في كردستان السورية. 
 
وبالإضافة إلى الإشراف على إنشاء المجلس الكردي الأعلى برعايته، وفّر بارزاني التدريب العسكري لحوالى 2000 من المنشقّين الأكراد عن الجيش السوري. كان الدافع الرسمي له للقيام بذلك هو حماية المنطقة الكردية السورية. لكن بشكل غير رسمي، يصلح هؤلاء المقاتلون أيضاً لموازنة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.
 
وبينما لايزال بارزاني بطلاً بالنسبة إلى كثير من الأكراد في سورية، فإن جهوده لتجاوز الخلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي لم تؤدّ حتى الآن إلا إلى توسيع الفجوة بين الفصيلين، في حين وضعت المجلس الوطني الكردي في موقف صعب. فقد أعدّ اتفاق أربيل ترتيب تقاسم السلطة مناصفة بين حزب واحد من جهة، وائتلاف من ستة عشر حزباً من جهة أخرى، وبالتالي منح حزب الاتحاد الديمقراطي ميزة فعلية. وهذا بدوره يضع المجلس الوطني الكردي في موقع محفوف بالمخاطر تجاه جمهوره الكردي، فضلاً عن المعارضة العربية السورية وتركيا. وأخيراً، قد يزيد دعم بارزاني العسكري من عدم الاستقرار في كردستان السورية ويؤدّي إلى اقتتال داخلي كردي.
 
في هذه الأثناء تثير حرية المبادرة الكردية هذه الذعر في أنقرة. وعلى خلفية هجمات حزب العمال الكردستاني المكثّفة على الأراضي التركية، هدّد رئيس الوزراء أردوغان بالتدخّل عسكرياً ضد قواعد حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، وأجرت المدرّعات التركية تدريبات بالقرب من الحدود المشتركة. ويبدو أن العمل العسكري التركي المباشر غير مرجّح في المستقبل القريب، لكن لو حدث ذلك، سيميل الدعم الشعبي الكردي إلى صالح حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، مايضعف المجلس الوطني الكردي أكثر.
 
ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، قد يثبت أن أكبر نقطة قوة في حزب الاتحاد الديمقراطي هي أكبر نقطة ضعف فيه. إذ توفّر له علاقته مع حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد القدرة العسكرية واللوجستية للسيطرة على كردستان السورية، لكن يمكنها أيضاً إضعاف مصداقيته السياسية بشكل كبير في المستقبل لتمثيل المنطقة وحكمها. فإذا مانَشأَ اصطفاف بين كلّ من تركيا والحكومة الإقليمية الكردية وحكومة محتملة في سورية مابعد الأسد إزاء المسألة الكردية، سوف يتعرّض حزب الاتحاد الديمقراطي عندئذ إلى الضغط الشديد كي يعطي الأولوية للشؤون المحلية ويندمجَ في إطار الدولة السورية الجديدة.
 
لذلك، فإن الفرصة مُتاحة أمام المجلس الوطني الكردي ليقوّي نفسه وينخرط بفعالية في إطار المعارضة السورية. ويتطلّب ذلك التعاملَ السياسي مع تركيا ومجموعة "أصدقاء سورية"، بتأييد من الحكومة الإقليمية الكردية بوصفها وسيطاً. ومن شأن مثل هكذا اصطفاف وحدة أن يوفّر  الضمانات القوية بأن حقوق الأكراد ومطالبهم الأساسية ستُصان في سورية مابعد الأسد. وفي غياب ذلك، لن يجد المجلس الوطني الكردي نفسه في موقف الدفاع محلياً وحسب، بل لن يتم أيضاً ترجمة السيطرة الفعلية التي تتمتّع بها على الأرض الآن القوى الكردية – بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي – إلى استقلال ذاتي سياسي رسمي ودائم.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.