المصدر: Getty

يرتدي المهرّب حجاباً: النساء في التجارة الحدودية غير المشروعة في الجزائر

تنضم النساء بشكل متزايد إلى عالم التهريب الذي يهيمن عليه الذكور. هل يُعتبر ذلك بداية ثورة ثقافية تتحدى المعايير الجنسانية الراسخة؟

نشرت في ١٤ سبتمبر ٢٠٢٠

تُعتبر الحدود الجزائرية التونسية نقطة ساخنة معروفة بتهريب الوقود وبعض السلع الأخرى مثل قطع غيار السيارات والإلكترونيات والنحاس والماشية. في الواقع، ظهر التهريب كجزء لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية والأمنية في الجزائر. وفي حين لا يزال نقل البضائع المُهَرَّبة عبر الحدود "عمل الرجل"، إلا أن هذه المهنة باتت تجذب النساء أيضًا.

احتلت النساء على وجه الخصوص، في السنوات الأخيرة، مكانة في هذه التجارة غير المشروعة. قد يكون هذا الأمر مفاجئاً، إذا نظرنا إلى الأدوار الجندرية في الجزائر، حيث تمثل النساء ما يقرب من 49 في المئة من السكان، بينما لا تتجاوز نسبة العاملات 15 في المئة. ووفقًا لتقرير "الفجوة العالمية بين الجنسين 2020 " ، تحتل الجزائر المرتبة 132 من أصل 153 دولة في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين .

ولكن للحصول على بعض المال لدعم الدخل المحدود لأسرهن، تنضم الأمهات وربات البيوت والأرامل وحتى العازبات، بشكل متزايد إلى عالم التهريب الذي هيمن عليه الذكور تاريخيًا. يُعتَبرالتهريب، بالنسبة للعاطلين/العاطلات عن العمل والعمالة غير المستقرة، في المناطق الحدودية الشمالية الشرقية المهملة في الجزائر، حلاً موضِعياً لمشكلة محلية - ناتجة إلى حد كبير من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية العميقة والنقص الحاد في فرص العمل والاستثمار العام.

ولكن ليس من المستغرب أن تختلف تجربة النساء في التهريب عن تجربة نظرائهن من الرجال. يعكس اختيار النساء للسلع والطرق والأساليب، إلى حد كبير، دورهن التقليدي في المجتمع. في الواقع، تظل خياراتهن مرتبطة بشكل معقد بتصورات الذكور عما هو "سلوك أنثوي مقبول".

ومع ذلك، وفي هذه الحالة، تمنح هذه التصورات المرأة ميزة على الرجل في تعاملها مع المسؤولين. بينما تكون أيضًا تحت رحمة أمن الحدود، يمكن للمرأة أن تلعب على وتر احترام الرجل للأمهات والبنات والزوجات، وتدفع بالفكرة القائلة إن التهريب هو خيارها الوحيد لتغطية نفقاتها. أدّى نجاح المرأة في هذا الصدد إلى تمكينها وتحسين وضعها داخل أسرتها ومجتمعها، على الرغم من بقاء المعايير والقوالب النمطية الجنسانية .

كيف تستمر النساء بأعمالهن

على الرغم من تسليط وسائل الإعلام الضوء على حالة واحدة لامرأة تُهرّب البنزين، فإن معظم النساء يتعاملن حصريًا مع السلع المرتبطة بجنسهن: مستحضرات التجميل والعطور وأطباق التقديم وأدوات ومستلزمات المطبخ والأقمشة والبياضات المنزلية. هذا التخصص يساعدهن على تجنّب المنافسة مع الرجال.

تشتري النساء هذه السلع بالجملة، وكذلك من أسواق التجزئة الواقعة في المناطق الحضرية أو شبه الحضرية شمال شرق الجزائر. يقع أهم سوق، المعروفة بـ"سوق دبي"، في مدينة العلمة.1 تشمل الأسواق الأخرى البارزة عين فكرون وعين مليلة في ولاية أم البواقي. تأصلت هذه الأسواق الثلاثة خارج المناطق الحضرية الكبرى خلال فترة الانفتاح الاقتصادي في التسعينيات، ونمت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتصبح الأكثر أهمية في البلاد .

بمجرد أن تجمع المهربة الكمية المطلوبة من البضائع، تستعد مع سائق أجرة للسفر إلى تونس. توفّر المهربات اللواتي تُهَرِّبن كميات صغيرة الوقت والمال بالتوجه إلى أسواق قريبةٍ موجودة في بلدات القصرين أو قفصة، الواقعتين على الحدود في غرب وسط تونس. هذا يعني أنه لا يتعين عليهن البقاء في تونس طوال الليل، وهذا أمر مهم بشكل خاص لمن على عاتقهن رعاية الأطفال والأعمال المنزلية. على حد تعبير إحدى المهربات، "بمجرد حجز سيارة الأجرة، أعبر الحدود وأعود في اليوم نفسه". وأضافت: "نادراً ما أنام هناك، لدي عائلة هناك، لكني أفضل العودة في اليوم ذاته لأن لدي أطفال تعتني أمي بهم خلال رحلتي".2

مع تزايد عدد المهربات، تشتد المنافسة بينهن. نتيجةً ذلك، يختار بعضهن تجاوز الأسواق والتجار لصالح بيع بضائعهن لدائرة داخلية من العائلة والأصدقاء في القصرين وقفصة. يشمل ذلك عمليات تسليم البضائع من الباب إلى الباب للزبائن الذين قدموا طلباتهم مسبقًا عبر الهاتف. وصفت إحدى النساء اللواتي يمارسن التجارة في بئر العاتر الوضع على هذا النحو :

"لدى الكثير منا صلة بالجانب الآخر من الحدود. لدي عمتان، والعديد من أبناء العم والأصدقاء في تونس... دائمًا ما آخذ عينات وصورًا لما اشتريته في سوق دبي وأذهب إلى بنت عمتي التي تعيش في حيدرة [الواقعة في محافظة القصرين]. إنها تدعو صديقاتها للشاي والقهوة، فنتحدث ونضحك ونتاجر"3.

على غرار تهريب الرجال للبنزين والسلع الأخرى، فإن عمل المُهربات ليس غير رسمي كما يبدو، بل هو منظم ومتقن. في الواقع، تُظهر الاستراتيجيات التي تستخدمها المهرِّبات، التفاعل المعقد بينهن من جهة، وبين قوانين الدولة ومسؤولي الحدود، من جهة أخرى. تدفع النساء، مثل نظرائهن من الرجال، ما يسمينه "تسويات"4 أو رشاوى لأشخاص عدة طوال عملية التهريب: أولاً للسائق، لأنه يخاطر بنقل المنتجات؛ ثم لأعوان الجمارك على جانبي الحدود لكي يغضوا الطرف عن النشاط غير الشرعي؛ وأخيراً، وإذا رتبن شاحنة صغيرة، فيقدمن "تسويةً" إلى الحمّال غير الرسمي الذي ينقل البضائع من السيارة على الجانب الجزائري من الحدود، إلى زبون ينتظر على الجانب التونسي. يتم التفاوض في شأن التسويات مع مسؤولي الجمارك مسبقًا عبر الهاتف. تخفض هذه "التسويات" بشكل كبير هامش ربح المهربات، مع العلم أن لدى معظمهن موارد محدودة.

يمكن أن تتلقى المهربة صفعة مالية عندما يغيب ضابط الجمارك المناوب الذي وافق على التسوية ويحل محله ضابط لا علاقة عمل سابقة له مع المهربة. يعني ذلك عادةً الاضطرار إلى التفاوض على الفور لدفع تسوية أعلى لتجنب مصادرة بضائع المهربة. ولضمان ألا تكون مثل هذه التعقيدات هدامة، تبقى المهرِّبات عمومًا "ضمن الحدود"،5 وذلك من خلال عدم تجاوز كميات محددة (أي أن تبقى مساوية لـ"أمتعة السائحين") أو استخدام سيارات عدة، على الرغم من أن هذه الاستراتيجية تزيد تكلفة النقل.

تتمثّل إحدى مزايا التهريب على أيدي النساء في أنهن، على عكس نظرائهن من الذكور، أقل عُرضة للاعتقال. فغالبًا ما تُبرز المهربات فكرة أنهن أمهات أو بنات محترمات، ولا خيار أمامهن، بسبب ظروف خارجة عن إرادتهن، سوى ممارسة تجارة كانت حكراً على الرجال. يوصي أزواج النساء المهربات أو أفراد أسرتهن الذكور السائقين بحمايتهن واحترامهن، باعتبار ذلك من مبادئ الشرف. وتُساعد الملابس الإسلامية، بما في ذلك الحجاب، على نقل هذه الرسالة المقصودة من الاحترام والتقوى. وعادةً ما يتردّد موظفو الجمارك الجزائريون والتونسيون - وكثير منهم محافظون - في إخضاع النساء وممتلكاتهن للتفتيش لأن ذلك قد يُعتَبر غير مقبول.

نتيجةً لذلك، وعلى عكس الرجال، لا تحتاج النساء إلى السفر إلى القرى الجبلية النائية لتفريغ منتجاتهن أو انتظار أوقات محددة يوافق فيها موظفو الجمارك على "فتح البطحة"6 أو بعبارة أخرى "إفساح المجال". بل يمكن للنساء تهريب بضائعهن عبر نقاط التفتيش الحدودية الرسمية في أي وقت من اليوم، ويمكنهن الدخول بكل حرية إلى الأراضي التونسية لإجراء عمليات البيع. في أغلب الأحيان، يقبل مسؤولو الحدود في كلا البلدين ظاهريًا الوهم القائل إن المهربات سائحات وإن بضائعهن ليست أكثر من ممتلكات شخصية .

معارضة محدودة ضد المعايير الجنسانية

إلى جانب تسليط الضوء على المحنة الاقتصادية المستمرة في المناطق الحدودية، فإن ظهور المهربات يتحدى الفرضيات القائمة منذ فترة طويلة والقواعد غير المعلنة. عادةً ما يفرض الهيكل الهرمي الجنساني، في المناطق الحدودية، شروطه وقيوده على العلاقات الأسرية. غالبًا ما يرفض رب البيت تجول زوجته وبناته في الأماكن العامة من دون سبب مشروع وتبرير مناسب - على سبيل المثال، التسوق أو زيارة أسرية أو حضور المناسبات الدينية أو غيرها من الاحتفالات. لقد استوعبت معظم النساء المتزوجات هذا الوضع. ومع ذلك، غرس نشاطهن الاقتصادي الناجح في نفوسهن الثقة، ما مكنهن من التخلص من بعض المعايير الجنسانية وتقليص قوة البنية الأبوية.

على الرغم من تباين وتيرة وحجم عملياتهن، تميل المهربات إلى الاتفاق على أن "عملهن" فتح لهن آفاقًا جديدة وقام بتمكينهن.7 لقد اكتسبن مهارات جديدة وخبرةً ومعرفة بالمنتجات وأسعار الصرف والمحاسبة والأطر القانونية ذات الصلة في كل من الجزائر وتونس. لقد أصبحن محترفات، مع حصول العديد منهن على الاستقلال المالي. أوضحت مهربة تبلغ من العمر 42 عامًا وهي أم لأربعة أطفال:

"إنها مساحة حرية واكتشاف. اكتشفت أن لدي موهبة حقيقية في التفاوض، واليوم أنا فخورةٌ بذلك... انتهى الوقت الذي كنت أنتظر فيه [زوجي] ليطعمني ويقدم لي كل شيء... اليوم، أنا أيضًا أطعم الأسرة، بما في ذلك زوجي" 8.

ساعدت مشاركة المرأة في مثل هذا المسعى الناجح ماليًا في التخفيف من الرفض الاجتماعي للنشاط الاقتصادي للمرأة بشكل عام والمشاريع الصغيرة بشكلٍ خاص . إن حصولهن على أجر لائق يساعد في تغيير وجهة النظر القائلة إنه من المعيب للمرأة أن تعمل وأن يعيش زوجها ولو جزئيًا على ما تكسبه.9 على الرغم من كلّ شيء، تنعكس الفوائد المادية إيجابياً على الزوجين بشكل واضح للغاية. تستثمر معظم المهرّبات دخلهن في المجال الأسري، مثل بناء وتعزيز وتأثيث المنزل؛ والمساهمة في النفقات المتعلقة بالمدرسة لأطفالهن؛ وتنظيم حفلات زفاف فخمة لأبنائهن وبناتهن الكبار 10.

مع ذلك، وعلى الرغم من وجود درجة من النفوذ داخل الوحدة الأسرية، لا يزال يتعين على المهربات الانخراط في عملية توازن بارعة. عليهن الانصياع للرجل في مراحل مختلفة من عملية التهريب. بادئ ذي بدء، عادةً ما يكون أحد الأقارب الذكور، مثل الزوج أو الأخ أو ابن العم، هو الذي يوفر للمرأة التمويل الأولي لبدء حياتها المهنية كمهربة. وهو أيضًا الذي يستأجر سائقًا يمكن الاعتماد عليه خلال السفر.

فمثلاً، يقوم السائق بالتفاوض على التسوية مسبقًا مع وكيل الجمارك ويسلّمه الرشوة عندما يحين الوقت. وإذا حضر وكيل آخر في الوقت المحدد وقرر مصادرة بضائع المهربة، فيتوسط السائق أو أحد أقرباء المهربة من الذكور عبر الهاتف أو شخصيًا لمحاولة تأمين إعادة السلع.

وهكذا، حتى أثناء القيام بنشاط غير قانوني، تظل النساء المهربات مقيدات بالتوقعات الثقافية بأنهن يحتفظن بسمعة لا تشوبها شائبة. من الناحية النظرية، يجب عليهن تجنب التفاعل مع الرجال الذين لا تربطهم بهم أي صلة. هذا هو السبب الذي يرمي على عاتق السائق مسؤولية التعامل مع موظفي الحدود. ومن المفارقات أن المهربات يملن إلى إقامة علاقات جيدة مع السائقين، لأنهن غالبًا ما يستخدمنهم في كل سفرةٍ.

خاتمة

ترقى مشاركة المرأة في التهريب عبر الحدود في الجزائر إلى ثورة ثقافية بطيئة. اقتصر دور النساء في المناطق الحدودية تقليدياً على التدبير المنزلي وتربية الأطفال وتقديم الرعاية، وقد بدأن في الاستفادة من فرصة عمل تتجاوز المجال المنزلي. وبقيامهن بذلك، قاومن العادات الاجتماعية، ولا سيما الأدوار الجنسانية، كما قمن بتمكين أنفسهن من خلال الحصول على مصدر دخل مستقل.

لكن هذه الثورة الثقافية متناقضة في طبيعتها. فعلى الرغم من تجاوزهن المجال المنزلي، تحرص المهربات على حصر تعاملاتهن بالأشياء المرتبطة بهذا المجال. وهذا يعزز ارتباط المرأة بالشؤون المنزلية، ولكنه يسمح لها بتجنب التنافس مع المهربين الذكور واستعدائهم. لا يقل نجاح المهربات أهمية عن قدرتهن على إجراء عمليات بالتواطؤ مع السلطات المحلية، وبالتالي تجنب الملاحقات القانونية .

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن من غير المحتمل أن يكون لهذه الثورة تأثير كبير على الهوة الضخمة بين الذكور والإناث في الاقتصاد الرسمي للدولة. فعلى الرغم من كل إنجازاتهن في عالم التجارة الحدودية غير المشروعة، لكن المتغاضى عنها، ليس بإمكان رائدات الأعمال اللواتي يتولين التهريب، إصلاح هذا الخلل. بل المطلوب قيام الدولة برعاية التغيير المنشود لردم الهوة الجنسانية على مستوى الاقتصاد. بعبارة أخرى، لتدارك الوضع، على الحكومة الجزائرية إطلاق حملة لتعزيز الفرص الاقتصادية المشروعة للمرأة، ولا سيما في المناطق المهملة منذ فترة طويلة مثل المناطق الحدودية الشمالية الشرقية .

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

1 يتكون سوق دبي من 3249 كشكًا مع 3000 تاجر.

2 مقابلتان أجرتهما المؤلفة مع مهربة لمستحضرات التجميل والمنتجات المنزلية، مداوروش، الجزائر، آذار/مارس ونيسان/أبريل 2019 .

3 مقابلة أجرتها المؤلفة مع مهربة للبياضات ومستحضرات التجميل، بئر العاتر، الجزائر، نيسان/أبريل 2019 .

4 استخدمت العديد من النساء اللواتي تمت مقابلتهن مصطلح "التسويات" لوصف المبالغ التي يدفعنها لمسؤولي الجمارك .

5 مقابلات أجرتها المؤلفة مع عدد من صغار المهربات اللواتي استخدمن التعبير نفسه، مداوروش وبئر العاتر، الجزائر، آذار/مارس ونيسان/أبريل 2019 .

6 مقابلة أجرتها المؤلفة مع مهربة، مداوروش، الجزائر، آذار/مارس 2019 .

7 مقابلات أجرتها المؤلفة مع عدد من المهربات، مداوروش وبئر العاتر، الجزائر، آذار/مارس ونيسان/أبريل 2019 .

8 مقابلة أجرتها المؤلفة مع مهربة، مداوروش، الجزائر، آذار/مارس 2019 .

9 المصدر السابق.

10 قامت أقلية صغيرة من النساء باستثمار أرباحهن في العقارات وأصبحن ثريات.