المصدر: Getty

توسيع نطاق المفاوضات خطوة فعالة لتسوية الخلاف البحري بين الكويت والعراق

بذل الجانبان الكويتي والعراقي جهودًا حثيثة لإعادة بناء العلاقات الثنائية. ومن شأن حل خلافها البحري كجزء من إطار تفاوضي أوسع أن يقدّم نموذجًا يُحتذى به على مستوى الدبلوماسية.

نشرت في ١٢ أبريل ٢٠٢١

مقدّمة

أحيت الكويت في شباط/فبراير 2021 الذكرى الثلاثين لتحريرها من العراق. وقد تبدّلت العلاقات العراقية-الكويتية منذ الاجتياح الذي شنّته قوات صدام حسين في 1990-1991، فانتقلت من العداء إلى الودّ النسبي. لم يؤدِّ سقوط نظام البعث العراقي في العام 2003 إلى محو ذكريات الماضي، أو تبديد الشكوك بين الطرفَين، لكن بُذلت جهود كبرى من أجل إعادة بناء العلاقات الثنائية.

لعبت الأمم المتحدة دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدَين في تسعينيات القرن الماضي. أما اليوم فقد استُبدِلت الوساطة الأممية بلجنة وزارية عليا عراقية-كويتية. وكما هو حال العلاقات الدولية عمومًا، فإن المصالح الكويتية والعراقية لا تلتقي على الدوام. وقد ظهر ذلك بوضوح بين آب/أغسطس 2019 وآذار/مارس 2020، حين عبّر الجانبان عن شكاوى تناولت قضية حدودهما البحرية من خلال توجيه رسائل إلى الأمم المتحدة التي، وعلى الرغم من قيامها بترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت في العام 1993، لم تعمد إلى ترسيم الحدود البحرية بكاملها، بل تركت هذه المهمّة للدولتَين.

لكن تبيّن أن من الصعب التعامل مع قضية الحدود البحرية بمعزل عن المشاكل الأخرى. فالاتفاق المتكامل يحمل حظوظًا أكبر بالنجاح، وهو يقتضي أن تسعى الكويت والعراق إلى معالجة قضية حدودهما البحرية بالتزامن مع مسائل أساسية أخرى لا تزال عالقة. فهذه المقاربة، إذ ترفع الرهانات للبلدَين وتضع صيغة تفاوضية أوسع نطاقًا تفسح المجال أمام المقايضات، ستُرتِّب تكاليف أكبر على الكويت والعراق في حال فشلها، ما يمنحهما حافزًا لعقد تسويات. ومن المسائل التي يمكنهما التركيز على معالجتها قضية الميناءين اللذين تقومان بتشييدهما على ضفاف مجرى مائي مشترك، وإدارة حقول النفط الحدودية، والأمن الحدودي، وتسهيل التجارة والنقل. ويمكن أن يُقدّم النجاح في ذلك نموذجًا عن كيفية تخطّي دولتَين لخلافاتهما بعد سنوات من العداوة، وأن يسهم في تعزيز السلام والاستقرار، ويتيح مسارًا بنّاء نحو تسوية النزاعات.

تطوّر العلاقات البحرية الكويتية-العراقية

لطالما شهدت منطقة الشرق الأوسط خلافات حدودية. ولا تشكّل العلاقات عبر الحدود العراقية والكويتية استثناء لهذه القاعدة. ففي العام 1961، حين نالت الكويت استقلالها، طالبت بغداد بضمّها إليها معتبرةً أنها أرض عراقية، لكنها عادت فبدّلت موقفها بحلول العام 1963. واعترف العراق بالكويت دولةً مستقلة بعد إعادة التأكيد على اتفاق بشأن الحدود في إطار تبادل رسمي للرسائل بين البلدَين في العام 1932. ولكن تلك المراسلات اكتفت بتحديد الحدود بشكل مبهم. ثم بدّل العراق موقفه مجدّدًا في العام 1990 معلِنًا أن الكويت مقاطعة عراقية، بعد غزوه لها في آب/أغسطس من العام نفسه.

وفي العام 1991، بعد طرد القوات العسكرية العراقية من الكويت، طُلب من الأمم المتحدة ترسيم الحدود رسميًا بين البلدَين، مع أنهما سبق أن عيّنا حدودهما بموجب مراسلات تبادلاها في الأعوام 1923 و1932 و1963. وأكّدت الأمم المتحدة الترسيم في قرار مجلس الأمن 833 الصادر في العام 1993. ولكن بما أن الرسائل التي جرى تبادلها في 1932 وأعيد التأكيد عليها في 1963 لم تتطرق مباشرةً إلى الحدود البحرية بين البلدَين اللذين اكتفيا بالإشارة إليها في معرض تعيينهما لحدودهما البرية، توقّف ترسيم الأمم المتحدة للحدود البحرية عند النقطة 162، أي النقطة الأخيرة التي عيّن الكويتيون والعراقيون حدودها.

في هذا السياق، تُشكّل تسوية المسائل الحدودية أولويةً للكويت، نظرًا إلى حساسية قضايا الحدود وفقدانها لسيادتها خلال احتلال العراق لأراضيها. وتفسّر هذه المعطيات لماذا أبرزت الكويت مسألة الحدود البحرية في مطلع العام 2005، بعد عامٍ واحد من قيام سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة في العراق بنقل السيادة إلى الحكومة العراقية، ولماذا تقدّمت لاحقًا بطلبات متكررة لتسوية الحدود البحرية. ولكن هذه المناشدات لم تحقّق إنجازًا في هذه المسألة لأسباب عدّة.

أولًا، يتخبّط العراق في سلسلة أزمات متعاقبة منذ الغزو الأميركي في العام 2003. ولم يكن النجاح دائمًا حليف البلاد في محاولاتها الرامية إلى إعادة بناء مؤسساتها، ومكافحة الإرهاب، وكبح الفساد. بل غالبًا ما تنافست مراكز نفوذ متعددة على السلطة، فتعرقلت آلية صنع القرار، وتعثّرت عملية التنمية، ما أدّى إلى تداعيات ألقت بظلالها على إنجاز اتفاق حول المتبقي من الحدود البحرية.

ثانيًا، تسود في العراق نظرةٌ تعتبر أن الكويت استباحت الأراضي العراقية واستغلت عزلة البلاد خلال العقد الأخير من حكم صدام حسين. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية لا تتبنّى هذا الموقف، لا تزال هذه السردية المناهضة للكويت منتشرة وتُستخدَم أحيانًا لخدمة أجندات داخلية، من خلال التركيز على القومية العراقية وصرف الانتباه عن المسائل الداخلية الخلافية، ناهيك عن أن العديد من النوّاب العراقيين يعبّرون عن هذا العداء للكويت. ولن يكون سهلًا تجاوُز هذه المواقف إلا إذا تصدّت لها الدولة العراقية بصورة مباشرة.

أخيرًا، يشكّل الدور الكبير الذي تؤدّيه إيران في السياسة العراقية عائقًا أمام إحراز تقدّم بين العراق والكويت في هذا الصدد. فعلى ضوء العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على طهران، بات العراق منفذ إيران الأساسي إلى الخارج، وتريد طهران أن تبقى الشريك المهيمن لبغداد. ومن شأن تسوية الخلاف الحدودي بين العراق والكويت، وتحقيق تقدّم في مسائل شائكة أخرى، أن يُقوّضا العلاقة الحصرية التي تتمتع بها طهران مع بغداد، ما لا يصبّ في مصلحة الإيرانيين.

ومع أن العقد الأخير لم يسجّل تقدّمًا على مستوى الاتفاق بشأن الحدود البحرية، نظّمت الكويت والعراق الملاحة البحرية في خور عبد الله المشترك بينهما (أنظر الخريطة). فقد وقّعتا في العام 2012 اتفاقية الخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في خور عبد الله. وعقد الجانبان آمالهما بأن يؤول تعزيز التنسيق بشأن الخور إلى فتح نقاش حول الحدود البحرية. وفيما تعتبر الكويت أن التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية يصون سيادتها ويتيح لها إمكانية تطوير شمال البلاد، يكتسي الأمر القدر نفسه من الأهمّية (أو ربما أكثر) للعراق. فهو، على خلاف الدول المجاورة له، يعاني من محدودية منافذه إلى البحر، إذ يمتد خطه الساحلي على طول 58 كيلومترًا فقط. ونظرًا إلى ضيق خور عبد الله، وضحالة المياه في الجانب العراقي، وتراكُم ترسّبات الطمي على ضفتَي الخور، سيحمل التعاون مع الكويت منافع شتّى للعراق. ولكن التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية لا يزال يطرح تحديًا، كما بيّن الخلاف العلني في 2019-2020.

في آب/أغسطس 2019، وجّه العراق رسالة "شكوى رسمية" إلى الأمم المتحدة اعترض فيها على إنشاء الكويت منصة بحرية في فشت العيج، وهي مساحة من الأرض تقع بعد النقطة 162. تعتبر الكويت أن فشت العيج واقعة ضمن سيادتها، فيما يرى العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييرًا في الحدود البحرية قبل التوصل إلى اتفاق. وما يزيد الأمور تعقيدًا أن الطرفَين عاجزان حتى عن الاتفاق بشأن الوضع الجغرافي لمنطقة فشت العيج. وقد التفّت بغداد على اللجنة الوزارية المشتركة، ما أدّى إلى تدويل الخلاف، وكشف تبادل الرسائل النقاب عن سوء الفهم السائد بين الطرفين وشكوكهما المتبادلة.

والمُلفت أن الدولتَين عمدتا إلى ربط قضية الحدود البحرية بشؤون خلافية أخرى، ما كشف عن استعداد ضمني لتوسيع نطاق النقاشات بينهما. وفي هذا الإطار، أعربت الكويت عن قلقها من امتناع العراق عن مشاركتها آخر مستجدّات سير العمل في مشروع تشييد ميناء الفاو المجاور، ولا سيما أثره البيئي، وفق ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي وقّعت عليها الدولتان. واعتبر العراق، بدوره، أن تحديد حدوده البحرية مع إيران شرطٌ مسبق ضروري لتسوية مسألة الحدود البحرية مع الكويت، على الرغم من عدم الترابط بين مجاريه المائية المشتركة مع الكويت وتلك المشتركة مع إيران. ويشير ذلك إلى أن الثقل السياسي الإيراني في العراق حالَ دون توطيد علاقاته مع الكويت.

إضافةً إلى ذلك، ادّعى العراق، في رسالته إلى الأمم المتحدة، أن "الظروف الخاصة والحقوق التاريخية" يجب أن تؤخَذ في الاعتبار عند تسوية الحدود البحرية المتبقّية. وكانت هذه اللغة مشابهة لما سمعه الكويتيون خلال الغزو العراقي. وشدّد العراق أيضًا على محدودية منافذه إلى البحر، كاشفًا ربما عن رغبة في تعديل حدوده مع الكويت. لكن ذلك من شأنه تقويض الاتفاقات القائمة بين الدولتَين، بما في ذلك اتفاقية خور عبد الله للعام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 833. إذًا، شكّلت هذه العوامل مجتمعةً مؤشرًا إضافيًا على أن معالجة مسألة الحدود البحرية بمعزل عن المسائل الأخرى ستُمنى على الأرجح بالفشل لأنها ستصطدم بالعوائق نفسها كما في السابق. لذا، برزت الحاجة إلى آلية أشمل تتيح خيارات متعددة في التسوية.

العناصر المحتملة لاتفاق شامل

في إطار مساعي الكويت والعراق للتوصل إلى اتفاق بشأن حدودهما البحرية، يمكنهما الاستفادة من إطلاق عملية تفاوضية متكاملة تعالج في الوقت نفسه مجموعة من المسائل الخلافية. فقد تعزّز هذه المقاربة احتمال تقديم تنازلات، ما يمنح الطرفَين المرونة اللازمة للتوصل إلى اتفاق مرضي للطرفين. ومن المسائل التي يمكن مناقشتها، إلى جانب الحدود البحرية، الميناءان اللذان تعمل الدولتان على بنائهما على ضفاف خور عبد الله، والحقول النفطية المشتركة، والأمن عبر الحدود، والتجارة. وقد أحرز الجانبان تقدّمًا في بعض هذه المسائل، ما يمكن أن يشكّل حافزًا للبتّ بسائر الملفّات.

ينكبّ كلٌّ من الكويت والعراق راهنًا على بناء ميناء على ضفاف خور عبد الله. فالكويت تُشيّد ميناء مبارك الكبير بكلفة 3.3 مليارات دولار، فيما يبني العراق ميناء الفاو الأكبر حجمًا بكلفة 6 مليارات دولار، والذي سيكون أول ميناء عراقي ذي منفذ إلى عرض البحر. ويبدو أن ثمة منافسة بين المشروعَين، لكن ما ستؤول إليه الأمور رهنٌ بنظرة البلدَين إلى ما هو ممكن.

في الحقيقة يمكن تحويل الميناءين إلى فرصة مشتركة لتعزيز الحركة التجارية في شمال الخليج. وعلى العكس، إذا سمح الجانبان لهذين المشروعين بتقويض العلاقات الثنائية فسوف يتكبّد كلٌّ منهما خسائر مالية لأن ذلك سيمنع التعاون بينهما. لقد ألغت الكويت المرحلة الأخيرة من مشروعها، إذ كانت تعتزم بناء أرصفة بحرية أكثر قربًا من الجانب العراقي، فيما تعهّدت بغداد بمشاركة نتائج تقييم الأثر البيئي مع الكويت،1 ما يُعتبر مؤشّرًا واعدًا عن الرغبة في التوصل إلى تفاهمات. لكن إذا اقتصر التعاون على مستوى الميناءين فحسب، لن تتبدّد المخاوف التي تساور كل جانب حيال تأثير أفعال الجانب الآخر على اقتصاده.

لذا، ومن أجل تحقيق الاستفادة القصوى من الميناءين، لا بدّ من فتح نقاش أوسع حول ما يسعى كلّ طرف إلى إنجازه. ولتحسين بيئة التحاور بين البلدين، يمكنهما التعويل على التقدّم المُحرَز في قضايا أساسية أخرى تنازعا عليها في السابق. ويشمل ذلك استعداد العراق للكشف عن هويات رفات المفقودين الكويتيين في حرب 1990-1991، ولإعادة سجلات الأرشيف الوطني وسائر الممتلكات التي سُرقت من الكويت. وفي المقابل، وافقت الكويت على طلب بغداد تأجيل سداد التعويضات المتوجّبة عليها.

أما القضية الثانية التي يمكن للكويت والعراق إدراجها ضمن جدول محادثاتهما فهي حقول النفط الحدودية في البلدين، أي حقل الرميلة النفطي العراقي وحقل الرتقة الكويتي الذي يمثّل الامتداد الجنوبي لحقل الرميلة. في العام 1990، وجّه العراق اتهامات إلى الكويت بسرقة نفطه، متذرّعًا بذلك لغزو الكويت على الرغم من نفيها التام هذه الاتهامات، بالإضافة إلى غياب الأدلة على ذلك. تجدر الإشارة إلى أن العراق ينقّب عن النفط في حقل الرميلة منذ العام 1953، فيما تنقّب الكويت عن النفط في حقل الرتقة منذ العام 1979. يتّسم حقل الرميلة بأهمية بالغة للعراق باعتباره أكبر حقول النفط العراقية وثالث أكبر حقل نفطي في العالم، إذ ينتج 1.5 مليون برميل من النفط يوميًا. لكن لم يتم استغلال أيٍّ من الحقلين بشكل كامل. لذا، من شأن الاستثمار المشترك في هذين الحقلين أن يدرّ المزيد من الإيرادات للبلدين. ففي العام 2019، وقّع العراق والكويت عقدًا مع شركة استشارات الطاقة البريطانية "إكويبويز" لإعداد دراسة تقنية حول حقلَي الرتقة وصفوان، الواقع بالقرب من الرميلة، لتحديد أفضل سبل الاستثمار في حقول النفط الحدودية. لا تزال هذه الخطوة المشجّعة في مراحلها الأولى، إذ لا بدّ من إجراء المزيد من المحادثات للتوصّل إلى صيغة مناسبة من أجل التعاون في تطوير حقول النفط وإدارتها.

المسألة الثالثة التي يمكن للطرفين التفاوض بشأنها هي العلاقات الحدودية، وتحديدًا الأمن الحدودي. فمنذ العام 2003، عكّرت الاحتجاجات والاشتباكات المحدودة صفو المنطقة الحدودية الكويتية العراقية. بعضها كان نابعًا من غضب العراقيين المتضرّرين من ترسيم الحدود الذي نفّذته لجنة الأمم المتحدة، فيما ذُكِر أن البعض الآخر افتعلته جهات عراقية معادية للكويت. لكن الحكومتين الكويتية والعراقية ندّدتا علنًا بهذه الأفعال واتّخذتا تدابير لحفظ السلم والأمن. مع ذلك، لا ينبغي الاكتفاء بالتنديد، لأن انعدام الاستقرار في العراق، والذي فاقمته الهجمات الإرهابية والميليشيات المدعومة خارجيًا، قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة على الحدود مع الكويت. لذا، ينبغي على الكويت والعراق إنشاء منظومة أمنية بديلة لتعزيز الأمن في المنطقة الحدودية.

قد يساعد في تحقيق هذا المسعى واقع أن الدولتين قد تعاونتا سابقًا حول قضايا حدودية. فقد بنت الكويت مجمّعًا سكنيًا في الجانب العراقي لإيواء العراقيين المتضرّرين من الترسيم الحدودي بين البلدين أو الذين كانوا يعيشون على مقربة من الحدود، وهي خطوة لاقت ترحيبًا من بغداد. كذلك، ونزولًا عند طلب العراق، وافقت الكويت على إعادة تأهيل منفذ صفوان الحدودي بما يتطابق مع معايير منفذ العبدلي الحدودي الكويتي. إذًا، تسهّل هذه القضايا التي تعاون فيها الجانبان إمكانية إحراز التقدّم على جبهات أخرى أيضًا.

تتمحور القضية الرابعة الأساسية التي تشغل صنّاع السياسات حول التدفق المحدود للسلع والبشر عبر الحدود. فبين نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر 2020، لم تتجاوز صادرات الكويت غير النفطية إلى العراق 105.3 مليون دولار. في المقابل، بلغت صادرات إيران إلى العراق حوالى 2.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها تقريبًا، بين آذار/مارس وآب/أغسطس 2020. أما قيمة الصادرات العراقية إلى الكويت فكانت ضئيلة إذ لم تتخطَّ 385000 دولار في العام 2019، أي السنة الأخيرة التي نُشرت فيها البيانات. أما الصادرات العراقية إلى إيران في المقابل فقُدِّرت بحوالى 10.28 ملايين دولار في العام 2019، وفقًا لأحدث الأرقام العراقية المتوافرة. وقد اقترحت الكويت إنشاء منظومة لتيسير النقل البري وتعزيز التجارة وقدّمت في العام 2019 مسودة اتفاقية لإقامة منطقة تجارية حرة بين العراق والكويت، بيد أنها لم تلقَ حتى الآن ردًّا من بغداد. كذلك، قد تؤدي إزالة العقبات البيروقراطية وتسهيل متطلّبات الحصول على التأشيرة إلى تسهيل حركة تنقّل الناس عبر الحدود، ما يوطّد بدوره أواصر العلاقات الثنائية.

كذلك، من شـأن اتّخاذ إجراءات لبناء الثقة أن يسهّل عملية دمج هذه القضايا المنفصلة ضمن إطار تفاوضي موسّع. وسبق أن طُبّقَت إجراءات مماثلة، إلا أن النتائج تشير ربما إلى ضرورة اعتماد نهج أكثر فعالية. وقد كانت الكويت في طليعة الدول الداعمة للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، لكن تأثير ذلك بقي محدودًا. وفي العام 2018، كانت المساعدات الإنسانية التي قدّمتها الكويت إلى العراق تُعادل مجموع المساعدات التي قدّمتها سائر الدول العربية. بيد أن هذه المساعدات، إضافةً إلى الدعم المقدّم للمشاريع التنموية، واستضافة الكويت لمؤتمر دولي لإعادة إعمار العراق، لم تفلح في تبديد شكوك الجانبين في بعضهما البعض على خلفية خلافاتهما التاريخية، ولا في تعزيز مكانة الكويت في العراق.

في هذا الإطار، قد تسهم الطريقة التي تُصمَّم بها إجراءات بناء الثقة في معالجة هذا الوضع، إذ لا بدّ من أن تشمل هذه الإجراءات صنّاع القرار، من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين، للحسم في القضايا الخلافية بين الطرفين. وعليهم أيضًا الاستفادة من أن ثقافة كلٍّ من الكويت والعراق منفتحة على المبادرات الشخصية والرمزية. وبالتالي، قد تُشرك هذه التدابير حتى صنّاع القرار في أنشطة ترفيهية مشتركة مع أفراد أسرتهم، ما يفسح المجال أمام التوصّل إلى تفاهمات تسهّل إيجاد الحلول. ويُعتبر ذلك ضروريًا خصوصًا للبرلمانيين الكويتيين والعراقيين المشكّكين في سياسات بلادهم تجاه الدولة الأخرى. في هذا الإطار، يمكن لكل طرف العثور على حلفاء محتملين في الجانب الآخر من جهة، والتعرف على قضايا خلافية من جهة أخرى. صحيحٌ أن هذه العملية لن تفضي إلى استمالة الجميع، لكنها قد تنزع فتيل التوترات وتسرّع تحقيق الأهداف المشتركة.

ولا تقتصر إجراءات بناء الثقة على تنظيم كيفية تعامل الطرفين مع بعضهما البعض وحسب، بل بإمكانها أيضًا المساهمة في وضع التدابير اللازمة للتخفيف من وطأة أي خلاف محتمل. فعلى سبيل المثال، لو تمّ وضع آلية بين الكويت والعراق للحؤول دون اندلاع مواجهة علنية حول فشت العيج، لما وجّهت بغداد شكوى خطية إلى الأمم المتحدة حول هذه المسألة. لكن مثل هذه الآليات لا يمكن تطبيقها إلا عندما يثق الطرفان ببعضهما البعض. ولن يكون سهلًا بناء الثقة في هذه الحالة، إذ إن المجال متاح اليوم أمام المفسدين المحليين والإقليميين الساعين إلى عرقلة هذه الجهود.

علاوةً على ذلك، يبرز عامل ثانٍ قد يؤدي إلى إحراز تقدّم في العلاقات ويتمثّل في تشديد الكويت والعراق على فكرة أن حدودهما البحرية يمكن أن تقدّم لهما منافع مشتركة، بدلًا من أن تمثّل حالة غالب ومغلوب، يكون فيها ربح أحد البلدين خسارة للآخر. وتشجّع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، ومبدأ خط الوسط في ترسيم الحدود البحرية، على التنسيق حول المجاري المائية المشتركة. ويمكن تحقيق أفضل النتائج من خلال تبني الكويت والعراق نهجًا يركّز على الاستفادة من تعاونهما على أفضل وجه. ويمكن أن يشمل ذلك وضع إجراءات واضحة لتحسين إدارة خور عبد الله، على أن يليها توقيع اتفاق حول حدودهما البحرية وحماية مصالحهما.

وبهدف إحراز تقدّم في المفاوضات بين العراق والكويت، لا بدّ من إقناع شعبيهما بفوائدها، من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام والتعليم لتقويض السرديات العدائية المتبادلة. فتسليط الضوء على فوائد بناء علاقة ثنائية سلمية ومثمرة سيسهّل مهمة الدبلوماسيين ويفيد البلدين في المستقبل.

خاتمة

إن العلاقات الكويتية-العراقية فريدة لأنها تحوّلت من العداء بعد احتلال العراق للكويت، إلى الاحترام المتبادل. واستطاعت الدولتان تحسين علاقاتهما، لكن الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة والتحديات الداخلية التي يواجهها البلدان عرقلت آفاق حلّ بعض القضايا، ومن بينها الحدود البحرية. فقد أظهر الخلاف العلني حول فشت العيج وقرار العراق مناشدة الأمم المتحدة بدلاً من اللجوء إلى اللجنة العليا الكويتية-العراقية احتمال تأجّج جذوة التوتر بين الدولتين.

لكن، حتى لو كان من الصعب تصوّر عملية تفاوضية متكاملة حول الحدود البحرية في المستقبل المنظور، تُظهر عوامل عدّة أن الكويت والعراق يمتلكان الأسس اللازمة للمضي قدمًا. فكلٌّ منهما اتخذ خطوات لمساعدة الآخر أو طمأنته حيال الخلافات القائمة منذ فترة طويلة. ويمكنهما أيضًا الاستفادة اقتصاديًا من جهود التعاون المبذولة لتطوير موانئهما في خور عبد الله. ولهذا السبب، يشكّل تأخير ترسيم الحدود البحرية إلى أجل غير مسمّى فقدانًا للفرص المتاحة أمام الطرفين. ولتجنّب حدوث ذلك، على الكويت والعراق أن يصبّا جهودهما على تعزيز علاقاتهما. وزيادة التعاون المشترك هي الخطوة الأولى لتحقيق ذلك، إذ إن إبرام صفقة كبرى قد يكون السبيل نحو تحقيق تسويات عملية.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

1 مقابلة أجراها الباحث مع مسؤول في وزارة الخارجية العراقية (اتصال عبر تطبيق الواتس أب)، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2020.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.