المصدر: Getty
مقال

محطة حاسمة ل"ملك الملوك"

تحقيق الزعيم الليبي معمر القذافي حلمه بقيادة أفريقيا الذي يتزامن مع احتفاله بمرور أربعين عاماً على وجوده في السلطة، يتيح فرصة لإعادة تعريف تأثيره على ليبيا.

نشرت في ٩ مارس ٢٠٠٩

يحتفل معمّر القذافي العام الجاري بمرور أربعين عاماً على تولّيه السلطة، كما يتذوّق هذه السنة طعم الانتصار الشخصي الذي حقّقه بانتخابه رئيساً للاتحاد الأفريقي—خمسة وعشرين عاماً بعد أن كان الزعيم الأفريقي الأول والوحيد الذي سعى من دون أن ينجح في تحقيق رئاسة منظّمة الوحدة الأفريقية التي حلّ مكانها الاتحاد الأفريقي. تعهّد القذافي إذاً ب"عام من العمل الجدّي"، لكن ليس واضحاً إذا كان سيوجّه طاقاته نحو القارة الأفريقية فقط أم سيستعملها أيضاً للتعامل مع المعضلات الاقتصادية والسياسية في بلاده.

رجل دولة في الانتظار
القذافي الذي نصّب نفسه "ملك ملوك" أفريقيا، هو أيضاً المروِّج الأساسي لفكرة إنشاء الولايات المتحدة الأفريقية التي يدعو إلى أن يكون لها مصرف مركزي ومجلس نواب وجيش دائم وعملة واحدة وجواز سفر موحّد. تدعم بعض الدول الأفريقية الأفقر من ليبيا اقتراحه من بينها عدد كبير استفاد من السخاء الليبي. أما الدول الأكبر حجماً على غرار نيجيريا فهي أقل تحمسّاً للفكرة، وتفضّل الاندماج على مستوى إقليمي أصغر، فهي تعتبره ركيزة لتحقيق اندماج قاري في مرحلة لاحقة.

مصالح الولايات المتحدة الأمريكية على المحك في النقاش الدائر. فالزعيم الليبي الذي ينادي بمقولة "أفريقيا للأفارقة" عارض المبادرات الأمريكية مثل الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب، والقيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم). وبدورها تتخوف واشنطن من تدخّل طرابلس في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، وتودّدها إلى الأقليات في منطقة دول الساحل والصحراء، ودورها في الجهود الإقليمية لحفظ السلام. يمكن أن نتوقّع مواصلة ليبيا التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتجارة، غير أن دور القذافي في الاتحاد الأفريقي يمنحه منصة استقواء يتحدّى من خلالها المبادرات الأمريكية الأخرى. في خطوة ربما تؤشّر إلى المستقبل، حالت ليبيا مؤخراً دون صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي مدعوم من الولايات المتحدة يدين ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في دارفور.

الانحدار الاقتصادي في الداخل
لكن هل سيجعل القذافي أيضاً من الذكرى الأربعين لتولّيه الرئاسة مناسبة لتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها الليبيين؟ فالمحاولات الأخيرة للتحرير الاقتصادي—خارج قطاع النفط—وُصِفت عن صواب بأنها غير منسَّقة ومتردّدة ومجزّأة. ويبدو أن الوضع سيزداد سوءاً. فقد وعد القذافي بإلغاء وزارات الحكومة—التي اتّهمها بأنها بؤر لسوء الإدارة والابتزاز—وتوزيع الأموال التي بحوزتها مباشرة على الشعب. في منتصف فبراير/شباط 2009، دعا القذافي الليبيين من جديد إلى الموافقة على اقتراحه حل الحكومة وإعادة توزيع الثروة النفطية. وقد نظر المؤتمر الشعبي الأساسي في الفكرة في فبراير/شباط، وسوف ينظر فيها مؤتمر الشعب العام في مارس/آذار. إذا طُبِّقت إعادة توزيع العائدات النفطية مباشرة على المواطنين الليبيين، فسوف تولّد فوضى في المدى القصير وسوف تلحق بالاقتصاد، عبر تحفيز التضخّم وتشجيع هروب الرساميل، أضراراً كبيرة وطويلة الأمد.

حتى إصلاحات القطاع النفطي التي لطالما اعتُبِرت ناجحة من ناحيتَي الفعالية والشفافية، توقّفت وهي الآن في خطر. فأمام تراجع أسعار النفط، هدّد الزعيم الليبي بتأميم صناعة النفط والغاز. في الوقت نفسه، أرغمت المؤسسة الوطنية للنفط منتجي النفط الأجانب على إعادة التفاوض على شروط الاتفاقات المبرَمة في الأعوام الأخيرة، وهي خطوة تهدّد حرمة العقود الدولية. فبهدف خفض الحصة النفطية للمنتجين الأجانب من 49 في المائة إلى أقل من 20 في المائة، تفاوضت المؤسسة الوطنية للنفط مع شركات "إني" و"أوكسيدنتال بتروليوم" و"بترو-كندا" و"توتال" وسواها على عقود منقّحة. إذا تم بالفعل التأميم، فسوف يعيد السياسة النفطية الليبية إلى سبعينات القرن الماضي، مما يقوّض الإصلاحات الاقتصادية الإيجابية التي تحقّقت في الأعوام القليلة الماضية.

الدستور؟
يبقى الإصلاح السياسي وعداً وليس واقعاً، ويستمر القذافي في ترويج نظام الديمقراطية المباشرة الذي يعتبره الحل لمشاكل العالم السياسية. فقد شجب في كلمة ألقاها في القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، الديمقراطية المتعددة الأحزاب، معتبراً أن نظام الديمقراطية المباشرة المطبَّق في ليبيا هو النموذج الأفضل لأفريقيا. أما في ما يتعلق بالدستور الليبي الجديد الموعود منذ وقت طويل، فلا تزال تفاصيل المسوّدة محاطة بسرّية مشدّدة. تشير الأدلة المتوافرة إلى أن الدستور الجديد، عند صدوره، سيكون أقرب إلى عقد اجتماعي– بيان حكم فلسفي على طريقة [الفيلسوف الفرنسي] جان جاك روسو – منه إلى وثيقة عملية ترسم أسس نظام قائم على الديمقراطية التمثيلية.

انطلاقاً مما يذكره المعنيون بوضع مسوّدة الدستور عن بعض الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها – ولا سيما أفكار القذافي التي جمعها في "الكتاب الأخضر" – من المستبعد جداً أن يتضمّن الدستور عناصر الديمقراطية الأساسية مثل فصل السلطات، ونظام الضوابط والتوازنات، والأحزاب السياسية والانتخابات الحرة. وغالب الظن أن أي وثيقة سوف ترى النور لن تُجري أكثر من مجرد تغييرات سطحية في النظام الرسمي القائم على الديمقراطية المباشرة الذي أنشأه القذافي والذي يستعمله لتغطية حكومة غير رسمية ومطلقة الصلاحيات مستندة إلى الروابط العائلية والقبلية.

لحظة حاسمة
يقدّم عام 2009، من خلال التخطيط المسبق والمصادفة على السواء، للزعيم الليبي فرصاً جديدة لإعادة تعريف نفسه وتعريف ثورته، وهو ما سعى إليه منذ بداية القرن الحالي. هل سيستمر القذافي في ترويج السياسات الاقتصادية الدونكيشوتية والمؤسسات السياسية القمعية والسياسات الخارجية غير السويّة؟ أم أنه سيفيد من دوره الجديد للبناء على الجهود الأخيرة الهادفة إلى تعزيز مكانته الدولية وإعادة ليبيا إلى الحظيرة العالمية؟ ما زال من المبكر جداً تحديد المسار الذي سيسلكه القذافي، غير أن المؤشرات ليست مشجّعة حتى الآن. أياً كان الاتجاه الذي سيتبعه، سوف تكون سنة 2009 محطة حاسمة في حياته السياسية الطويلة والمثيرة للجدل.

رونالد بروس ساينت جون عضو سابق في فريق العمل حول ليبيا التابع للمجلس الأطلسي وفي الهيئة الاستشارية الدولية في "جورنال أوف ليبيان ستاديز" أو مجلة الدراسات الليبية. له ستّة كتب عن ليبيا بينها ليبيا: من الاستعمار إلى الاستقلال، منشورات وان وورلد، 2008.
 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.