China Silk Road Islam Shanghai March 2024 -Bekaziz

مصدر: زينب البرنوصي

مقال

تجارة الحلال المزدهرة في الصين وتداعياتها على العالم العربي

يسهم الحضور الصيني المتنامي في اقتصاد الحلال العالمي في تدشين مرحلة جديدة من التعاون والتنافس العربي الصيني.

 نجوى بلقزيز و زينب البرنوصي
نشرت في ٣٠ مايو ٢٠٢٤

تعود جذور الاقتصاد الإسلامي وتجارة المنتجات الحلال – وهي المنتجات التي يُسمح للمسلمين باستهلاكها واستخدامها- إلى نشأة الإسلام نفسه. وعلى الرغم من أن المسلمين المقيمين في البلدان ذات الأغلبية المسلمة يعتبرون وجود المنتجات الحلال في أسواقهم أمراً مسلماً به، إلا إن هذه الفكرة تغيرت في عام 1970 عندما بدأت أندونيسيا والفلبين ودول جنوب شرق آسيا الأخرى، التي تتعايش فيها تجمعات سكانية مسلمة وغير مسلمة، في وضع معايير رسمية يمكن من خلالها تحديد المنتجات التي تستحق أن توسم بعلامة "الحلال" مدشنة بذلك توجهاً جديداً للاقتصاد الاسلامي العالمي. وبحسب أحدث الأبحاث فإن سوق منتجات الحلال العالمي، الذي يقدر بنحو 2.3 تريليون دولار، يلبي الاحتياجات الاستهلاكية لما يقارب ملياري مسلم ينتشرون في أرجاء الكرة الأرضية.

 تنامى الحضور الاقتصادي والتجاري القوي للصين في أسواق الحلال العالمية حتى أصبحت بكين في عام 2021، هي المُصَدّر الرئيس للسلع والخدمات الحلال للدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (OIC)، بقيمة تجارية بلغت 40.4 مليار دولار.  تشمل الصادرات الصينية التي تستقبلها تلك الدول مجموعة واسعة من المنتجات تتراوح ما بين الأزياء المحتشمة ووسائط الإعلام الحلال والسلع الترفيهية مثل الكتب وألعاب الأطفال والألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى الأدوية ومستحضرات التجميل الحلال التي استحوذت الصين على نصيب الأسد منها خاصة مع انتشار جائحة الكوفيد وتزايد الطلب العالمي على المكونات الصيدلانية الحلال سواء كانت مواد دوائية نشطة أو مواد مضافة غير نشطة كمضادات التخثر والجيلاتين. وبفضل خبرتها في مجال التكنولوجيا الحيوية وشراكاتها الاستراتيجية مع شركات الأدوية الراسخة في العالم الإسلامي، مثل الشركات الماليزية والمغربية، تزايدت الهيمنة الصينية على هذا المجال حتى أصبحت أكبر منافس اقتصادي لدول الخليج العربية. وهو ما دفع شركة الأدوية السعودية، أفالون، مؤخراَ إلى طرح خطة توسعية طموحة تهدف من خلالها لزيادة حصتها في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والعراق.

 تتطلع الصين أيضا إلى ترسيخ وجودها في صناعة الأغذية الحلال، خاصة في الدول العربية، حيث أصبحت لاعباً اقتصاديا هاماً منذ انضمام المنطقة إلى مبادرة الحزام والطريق في عام 2013. وفي عام 2017 عقدت الصين من خلال شركة نينغشيا لإدارة الصناديق الآجلة صفقة كبيرة مع مجمع دبي للأغذية بلغت قيمتها ما يقارب من 1.5 مليار دولار تم تخصيصها لإنشاء مجمع غذائي صناعي سيعزز بشكل كبير حصة الصين في صناعة الأغذية الحلال المزدهرة حالياً في منطقة الشرق الأوسط. سيشمل المجمع الصيني الإماراتي ثلاثين مصنعاَ لإنتاج المواد الغذائية من بينها شركتان صينيتان للتموين ومصنعان لتغليف المواد الحلال.

 غير أن هذا الاهتمام الصيني ليس أحادي الاتجاه. فاللاعبون الرئيسون في منطقة الخليج العربي مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يسعون للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة والقدرات الصناعية للصين - خاصة في مجال التقنيات الرقمية والخدمات اللوجستية الداعمة لعمليات التوريد- والتي يأملون أن تساعدهم على ترسيخ قدراتهم القيادية في مجال اقتصاد الحلال.  تسعى شركات عربية في دول خليجية أخرى مثل شركة أمواج العمانية والمتخصصة في مستحضرات التجميل الحلال إلى الاستفادة من القاعدة الكبيرة للمستهلكين الصينيين المسلمين التي تحتاج إلى تلبية احتياجاتها المتزايدة من المواد الاستهلاكية الحلال.

 لكن، المكانة الصينية العملاقة تتراجع قليلاً عندما يتعلق الأمر بمصداقية شهادات اعتماد المنتجات الحلال التي تمنحها الصين للجهات المعنية بهذه الصناعة، حيث تتفوق عليها الشهادات التي تمنحها دول جنوب شرق آسيا والدول العربية من حيث المكانة والمنزلة. فقد احتلت ماليزيا من خلال هيئة JAKIM، وهي هيئة حكومية مسؤولة عن الشؤون الإسلامية، بما في ذلك إصدار شهادة الحلال، أعلى مرتبة في مؤشر الاقتصاد الإسلامي العالمي (GIEI) لسنوات عديدة. كما اكتسبت دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سلطة يعتد بها في إصدار شهادات اعتماد المنتجات الحلال، مدعومة بموقعها الجغرافي في قلب العالم الإسلامي. أما شهادة الحلال الصينية فلا تزال تعاني من أزمة في الشرعية بسبب تعدد الحوادث التي وردت عن بيع سلاسل محلات الأغذية الصينية الحلال لمنتجات الخنزير.

وعلى الرغم من انخراط العديد من السياقات المحلية الصينية بالفعل في نُظُم التجارة والاقتصاد الحلال، إلا أن تزايد حجم الشراكة الصينية مع الدول الإسلامية سيجعل وضع تشريعات وطنية للمنتجات الحلال في مصلحة الصين. وقد بدأت بكين بالفعل في التعاون معJAKIM لتعزيز شرعية منتجاتها الحلال، وقد تسعى أيضا إلى إقامة شراكات مع جهات تصديق واعتماد المنتجات الحلال في الخليج، ما قد يزيد من قدرتها على الدخول إلى واحدة من أكبر أسواق المنتجات الحلال في العالم.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.