المصدر: Getty
مقال

تحديات المرحلة الانتقالية في تونس: مقابلة مع محرزية العبيدي

"ليس بإمكان أي حزب سياسي أو فريق سياسي أن يقود تونس منفرداً في هذه المرحلة الشديدة الحساسية والهشاشة."

 محرزية العبيدي
نشرت في ٩ فبراير ٢٠١٧

ما هو برأيك التحدي الأكبر الذي تواجهه المرحلة الانتقالية في تونس بعد ستة أعوام على الثورة؟

تحققت الحرية عن طريق الانتقال السياسي والدستور – من خلال عقد اجتماعي جديد في تونس.

بعد ستة أعوام على "ثورة الحرية والكرامة" في تونس، التحدي الأكبر هو العمل على تحسين الاقتصاد. كيف نلبّي توقعات الشعب التونسي في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والمواصلات والتعليم وما إلى هنالك. ويشمل ذلك العمل على الوفاء بوعود الديمقراطية، لأن ديمقراطيتنا الوليدة تحققت بعد الثورة. من بين المطلبَين الأساسيين اللذين رفعهما الشعب، تحققت الحرية عن طريق الانتقال السياسي والدستور – من خلال عقد اجتماعي جديد في تونس. بيد أن [الحكومة] لم تتجاوب بعد مع المطلب الثاني – الكرامة – وهذا هو التحدي الأكبر.

الاقتصاد

اتخذت الحكومة العديد من المبادرات من أجل الإصلاح الاقتصادي، لكنها لم تتكلل بالنجاح حتى الآن. ماذا ينقصها برأيك؟

بالفعل، صوّتنا على العديد من الإصلاحات التشريعية المتعلقة بالقطاع المصرفي، وقانون الاستثمارات، والطاقة المتجددة، غير أن قدرة الحكومة والإدارة على تطبيق هذه الإصلاحات محدودة. والسبب هو أن الإدارة نفسها بحاجة إلى إصلاح، فضلاً عن منظومة الفساد المستشري. لذلك، وكي نتمكّن فعلاً من تطبيق هذه الإصلاحات، علينا محاربة الفساد. وهذا ما نفعله الآن. في هذا العام تحديداً، أولويتنا التشريعية والحكومية هي مكافحة الفساد على المستويات كافة.

وكي نتمكّن فعلاً من تطبيق هذه الإصلاحات، علينا محاربة الفساد.

علاوةً على ذلك، ورثنا أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة من عهد بن علي. كما أن الدعم والمساعدات من المجتمع الدولي مشروطة بتطبيق بعض الإصلاحات، مثل خفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية كالخبز والسكر والنفط. يمكن أن تتسبّب هذه الإصلاحات باضطرابات اجتماعية. لهذا واجهنا صعوبة شديدة في إقرار قانون الموازنة لعام 2017. لدينا اتحاد عمّالي قوي أدّى دوراً مفيداً جداً في عملية الانتقال السياسي، إلا أنه من العوائق التي تعترض طريق الانتقال الاقتصادي. لكن علينا أن نعيرهم آذاناً صاغية، لأنه لا يمكننا إقرار الإصلاحات على حساب الشريحة الأضعف بين التونسيين. المعادلة بالغة الحساسية: ما هو السبيل لإصلاح الاقتصاد من دون إلحاق الأذى بالفئات الأكثر هشاشة.

الأمن

يدور سجال في تونس حول الطريقة التي يجب التعاطي بها مع الجهاديين السلفيين العائدين إلى البلاد. أين أصبحت عملية إعداد استراتيجية متماسكة في هذا المجال، وهل من تعاون بين المؤسسات والأفراد في هذا الإطار؟

حركة النهضة جزءٌ من الائتلاف الحاكم، وبالتالي فإن استراتيجيتنا هي استراتيجية الحكومة التونسية، إنها استراتيجية الدولة التونسية. وقد أعدّت الحكومة التونسية استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب وتداعياته. لقد وقّعنا على القرار 2178 التي وضعتها الأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف، وتتطرق النقطة الرابعة في هذه الخطة إلى موضوع العائدين. أعتقد أننا سنساهم في إطار الحكومة في إيجاد حلول شاملة، ليس فقط في ما يختص بتطبيق القوانين، وضمان أمن التونسيين وحماية نمط عيشهم في المقام الأول، إنما أيضاً من خلال العمل على فهم هذه الظواهر: لماذا اختار عدد كبير من الشباب الانضمام إلى هذه المجموعات الإرهابية؟ ما هي الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، وما هي المسبّبات التربوية والدينية؟ كيف يمكننا معالجتها، وإيجاد حلول لها، وما السبيل لإعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص؟ لكن في مختلف الأحوال، سنتخذ إجراءات صارمة بحق الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم. وفي تونس عدد كافٍ من القوانين، ومنها قانون مكافحة الإرهاب، التي تتيح لنا معاقبة مرتكبي الجرائم الإرهابية، حتى لو ارتكبوا تلك الجرائم في بلدان أخرى مثل ليبيا أو سورية أو العراق.

السياسة

برأيك أين تنجح حكومة الوحدة وأين تفشل؟

لقد نجحت هذه الحكومة في إقرار قانون الموازنة لعام 2017. كانت مهمة صعبة، لكنهم نجحوا في إقراره، وتوصّلوا إلى اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد أصحاب العمل. وتمكنت الحكومة أيضاً من التوصل إلى إجماع وطني حول الإرهاب، ووضع استراتيجية شاملة للأمن، ونسعى إلى توسيع ذلك الإجماع ليشمل مسائل أخرى، ثقافية وتربوية واجتماعية.

ينبغي علينا فعلاً تعزيز قيمة النجاح عن طريق العمل والمجهود.

غير أن الحكومة لا تزال تبذل جهوداً حثيثة لتحقيق التنمية في المناطق الداخلية المهمّشة أو تأمين الوظائف للشباب التونسي. يتوقّع السكان من الدولة تأمين الوظائف. بيد أن الدولة – القطاع العام – مستنزَفة فعلاً. والقطاع الخاص لم يتعافَ بعد، وهكذا تحاول الحكومة الآن تشجيع الشبّان والشابات، لا سيما حمَلَة الشهادات الجامعية، على إطلاق مبادراتهم ومشاريعهم الخاصة. ومن أجل تحقيق ذلك، لا يكفي منحهم رساميل وقروضاً، بل يجب أيضاً تدريبهم حول كيفية قيادة المشاريع، وبلوغ النجاح. تُطلق الحكومة مبادرة ريادية لتشجيع الشباب والنساء على ابتكار مشاريع. ينبغي علينا فعلاً تعزيز قيمة النجاح عن طريق العمل والمجهود.

كيف تنظرين إلى دوركم في حكومة الوحدة؟

أعلنت قيادتنا – حتى في العام 2011، مباشرةً بعد الثورة، وحتى قبل انتخابات الجمعية التأسيسية – أن المرحلة الانتقالية هي مرحلة حسّاسة، وأنه لا يمكننا إدارتها بمفردنا، أي إنه ليس بإمكان أي حزب سياسي أو فريق سياسي أن يقود تونس منفرداً في هذه المرحلة الشديدة الحساسية والهشاشة. لذلك اتخذنا [موقفاً مؤيّداً] لإشراك مختلف الأطراف. في الحكومة الأولى، عملنا جاهدين لإقامة شراكات مع الأفرقاء السياسيين الآخرين، مثل الديمقراطيين الاجتماعيين والديمقراطيين الليبراليين. وبعد انتخابات 2014، أعلنّا أننا لن نكون في المعارضة وحسب، بل سننضم إلى ائتلاف. وقد جرى توسيع هذا الائتلاف وتحوّل إلى حكومة الوحدة الوطنية، لأن تونس بحاجة إلى كل قواها الحية [معاً] من أجل عبور هذه المرحلة البالغة الحساسية. تضم هذه الحكومة نحو سبعة أحزاب سياسية ساهمت في اتفاق قرطاج. والمنظمات الأهلية الأساسية الثلاث – الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، واتحاد أصحاب العمل – ممثَّلة أيضاً في الحكومة. اثنان من الوزراء كانا عضوَين في الاتحاد العام التونسي للشغل.

هل دفع الحزب ثمناً سياسياً؟

إذا أُرجِئت الانتخابات المحلية، سوف تفقد العملية الديمقراطية في تونس ديناميكيتها.

بالطبع، للإجماع ثمن. تعرّضنا للانتقاد من النشطاء في قواعدنا الشعبية عندما تنحينا من الحكومة لنسمح لحكومة التكنوقراط بقيادة البلاد بانتظار الانتخابات في العام 2014. لاحقاً، أصبح هذا الخيار موضع قبول إلى حد ما عندما ظهرت النتائج إلى العلن، ورأوا أن بلادنا حققت مكاسب في الاستقرار والسلام، وحتى في الديمقراطية، لأن انتخابات 2014، التشريعية والرئاسية على السواء، تكللت بالنجاح. ونستمر في تقديم التنازلات. على سبيل المثال، لا يعكس تمثيلنا في الحكومة الأغلبية التي نملكها في مجلس النواب. فبعد انقسام حزب نداء تونس، أصبحت النهضة من جديد الكتلة البرلمانية الأكبر، لكننا غير ممثّلين بعدد متكافئ من الوزراء.

قدّمنا أيضاً تنازلات كثيرة في إقرار بعض القوانين. التنازل الأخير مثلاً – وهو ليس تنازلاً وحسب، بل إنه خيار أيضاً – كان في موضوع الاختيار بين تأجيل الانتخابات المحلية أو الموافقة على تصويت القوى العسكرية والأمنية في تلك الانتخابات. ناقشنا الأمر لفترة طويلة. نحن – أكثرية أعضاء النهضة – على قناعة إلى حد ما بأنه يمكننا الاعتراف بحق القوى الأمنية وعناصر الجيش في التصويت، لكننا شعرنا بأنه لا يجب أن يمارسوا هذا الحق على الفور. إلا أننا وافقنا على السماح للقوى الأمنية والجيش بالتصويت في الانتخابات المحلية، لأننا أجرينا مقارنة بين الخسائر والمكاسب المحتملة. إذا أُرجِئت الانتخابات المحلية، سوف تفقد العملية الديمقراطية في تونس ديناميكيتها. ولماذا لا نمحض عناصر الجيش والقوى الأمنية ثقة أكبر عبر منحهم القدرة على الاختيار على المستوى المحلي؟ ألم نثق بهم ونعهد إليهم حماية هذه الديمقراطية الجديدة في مواجهة الإرهاب؟ إذاً ربما عبر إشراكهم في هذه العملية الديمقراطية، سوف يشعرون بأنهم أكثر التزاماً بها. هذا كان خيارنا. مجدداً قد ينظر أعضاء الحزب العاديون وقواعدنا الشعبية إلى الأمر بأنه تنازل من جانبنا. إذاً لا بد من أن يدفع الحزب ثمناً لوضعه البلاد في رأس أولوياته.

ما هي توقعاتك بالنسبة إلى انتخابات المحافظات، ليس فقط على ضوء التنازلات التي ذكرتها، إنما أيضاً انطلاقاً من كونها أول انتخابات تشهدها البلاد بعد تخلّي الحزب عن طابعه الديني؟ كيف سيؤثر هذان العاملان برأيك في نتائج الانتخابات؟

والحزب الناجح هو ذاك الذي يُشرك مزيداً من الشباب والنساء في قائمته.

بالفعل، تشهد النهضة عمليتها الانتقالية الخاصة في ظل الانتقال السياسي في البلاد. خلال المؤتمر الحزبي العاشر، وبعد عامَين من النقاشات مع النشطاء والأعضاء في الحزب، اتخذنا قراراً مهماً بالتركيز على الحكم. بغية مواجهة الطغيان، والنضال من أجل الحرية والتعددية والديمقراطية، كان يجب أن تكون حركتنا شاملة بحيث تنخرط في المهام والشؤون الدينية والتربوية والثقافية والسياسية. ومن خلال العقد الاجتماعي، توصّلنا إلى تسوية مع التونسيين حول المسألة الآتية، كيف ولماذا نحكم، وحول [طبيعة] المؤسسات، والتعددية. إذاً كان علينا أن نتطور إلى حزب سياسي متخصص في البرامج السياسية، فيما نترك للمجتمع الأهلي الاهتمام بالجانب الثقافي والاجتماعي في مشروعنا. بما أننا على تواصل دائم مع مجتمعنا، أظن أن مشاريعنا المتعلقة بالانتخابات المحلية سوف تتمحور حول برامج الهدف منها تلبية احتياجات التونسيين، بما في ذلك في قطاعات السكن والصحة والتعليم والبنى التحتية. سوف نركّز على إقناع التونسيين بأننا نقدّم لهم البرنامج الأفضل. سوف نركّز على إقناع الشباب والنساء بالانضمام إلى قوائمنا، لأن المسألة الأساسية في هذه الانتخابات هي السبيل إلى تقاسم السلطة بين الدولة المركزية والمناطق، وكذلك بين السياسيين المتقدّمين في السن (فوق 50 عاماً) والنساء والشباب. والحزب الناجح هو ذاك الذي يُشرك مزيداً من الشباب والنساء في قائمته. علينا العمل على هذه النقطة، وأعتقد أننا جاهزون. ليس طموحنا الفوز بأكثرية البلديات أو المحافظات، بل أن تكون لدينا حصّة محترمة في هذه السلطات المحلية كي نمتلك الإمكانات اللازمة من أجل الإنجاز والتنفيذ على الأرض. أعتقد أن هذا هو محك الاختبار الحقيقي، ليس للنهضة وحسب، إنما أيضاً لجميع الأفرقاء السياسيين.

العلاقات التونسية-الأميركية

كيف ترين مستقبل العلاقات التونسية-الأميركية على ضوء أولويات الإدارة الأميركية الجديدة؟

بالطبع، نحن واقعيون. ندرك أن تونس لا تحتل الأولوية في السياسة الخارجية الأميركية، لكن لدينا ثقة كبيرة بالإدارة الأميركية في شكل عام لأنها تتّبع خطوطاً عريضة واضحة لبناء العلاقات مع البلدان. وحتى الآن، لا تزال تونس من البلدان الواعدة في ما يتعلق بتحقيق الديمقراطية أو تطويرها، وتعزيز "المقلب" الديمقراطي من العالم. إذاً نحن متيقّنون إلى حد كبير من أننا سنستمر في الحصول على الدعم من الولايات المتحدة بوصفنا دولة ديمقراطية. بالطبع، لن نتدخل في السياسة الداخلية الأميركية، لكننا سنبذل قصارى جهدنا لتوضيح رؤيتهم إذا اقتضت الحاجة، والتواصل بشأن التجربة التونسية، والحفاظ على علاقاتنا عند المستوى نفسه – لا بل تحسينها. لا يسعنا سوى أن نكون ممتنّين حتى الآن للدعم الأميركي للديمقراطية التونسية الوليدة، ونأمل بأن يستمر هذا الدعم.


محرزية العبيدي نائبة في البرلمان التونسي وعضو تنفيذي في حركة النهضة المسلمة الديمقراطية. أجرت المقابلة انتصار فقير. تُرجم هذا المقابلة من اللغة الإنكليزية وقد جرى تنقيحها لدواعي الأسلوب والوضوح.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.