في 7 شباط/فبراير، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في جنوب البلاد بعد الزلزال الذي وقع في شباط/فبراير والزلزال الثاني الذي أعقبه في 20 من الشهر نفسه. بعد ذلك بفترة وجيزة، نشر أردوغان فرقة إغاثة مدنية من 141000 عنصر، ووافق على السماح بعبور المساعدات إلى شمال سوريا من خلال معبرَي باب السلام والراعي الحدوديَّين.
مما لا شك فيه أن الزلازل تُسبّب أزمة حقيقية ومأساة مروّعة. ولكن ما لم يؤتَ على ذكره في إعلان أردوغان هو أن حالة الطوارئ عند الحدود التركية هي المحطة الأحدث في سلسلة طويلة من حالات الطوارئ المشابهة التي أعادت على نحو دراماتيكي تصوّر المساحة الاجتماعية السياسية في تركيا منذ ارتقاء حزب العدالة والتنمية إلى سدّة السلطة في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
واقع الحال هو أن الحاجة الملحّة إلى ضبط الحدود مع سوريا – "الدائرة الأولى لعمق [أردوغان] الاستراتيجي" – طبعت السياسة التركية طوال عقود تخلّلها فرض حالات الطوارئ لفترات طويلة بلغت مدّتها مجتمعةً 43 عامًا. ظهرت هذه الحاجة في ثمانينيات القرن العشرين خلال المواجهات الكبرى الأولى بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، والتي أسفرت عن فرض حالة طوارئ استمرّت من 1987 إلى 2002، وطوّرت الحكومة خلالها العقيدة السياسية المسمّاة "الدولة العميقة"، والقائمة على افتراض وجود طابور خامس من الأعداء الداخليين الذين أصبح اجتثاثهم ضروريًا من أجل بقاء الدولة.
كانت هذه القوى الدافع وراء حملة القمع غير المسبوقة التي شنّها أردوغان ضد مسؤولين في القطاع العام، وخصوصًا الأكراد منهم، بعد محاولة الانقلاب في عام 2016. وأدّت جميع حالات الطوارئ التي فُرِضت بعد هذه الحملة إلى توسيع نطاق الوجود العسكري عند الحدود الجنوبية. في تموز/يوليو 2016، أعلن أردوغان فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، والتي استمرت وصولًا إلى عملية درع الفرات التي خاضت تركيا من خلالها أوّل تدخّل عسكري لها في سوريا. وعلى الرغم من أن أردوغان أعلن أن السبب وراء التوغّل هو القضاء على حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن عملية درع الفرات نجحت أيضًا في إعادة تكوين الجيش التركي بعدما أدّت إجراءات التطهير الذي طالته بعد الانقلاب إلى صرف 45 في المئة من كبار ضباطه.
عمد أردوغان آنذاك إلى تمديد حالة الطوارئ لعامَين، وأقرّ خلالها تعديلات دائمة لمئات المواد في القوانين التركية. ثم قبل ثلاثة أيام من شن عملية غصن الزيتون، أي الاجتياح التركي الثاني في سوريا، مُدِّدت حالة الطوارئ للمرة السادسة بسبب "التهديد الإرهابي". أخيرًا، أشار أردوغان إلى أن الهدف من عملية نبع السلام التي شنّتها بلاده في سوريا في عام 2019 هو "الحؤول دون إنشاء ممر إرهابي عبر حدودنا الجنوبية". وعلى الرغم من عدم إعلان حالة الطوارئ، أثار موقف أردوغان الذي وصف قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد بأنها عبارة عن مقاتلين من حزب العمال الكردستاني، مخاوف من وقوع مأزق جديد عند الحدود.
يُشار إلى أن الدستور التركي يجيز إعلان حالة الطوارئ في حال وقوع أحداث خارجية، مثل أوبئة وزلازل، أو ظهور "مؤشرات عن أعمال عنف واسعة النطاق"، ما يمنح فعليًا النخبة الحاكمة سلطة واسعة لتعريف هذه المؤشرات.
تبعًا لذلك، تسبّبَ فرض حالات الطوارئ باستقطاب في أوساط المجتمع الأهلي التركي من خلال إتاحة الفرصة أمام أردوغان لممارسة الحكم عبر الاعتماد بصورة دائمة على إصدار المراسيم الرئاسية – وكذلك على الأوامر التنفيذية التي تُفرَض بدعم من الجيش. علاوةً على ذلك، يتيح إعلان حالة الطوارئ للدولة تصفية معارضيها بذريعة أنهم مناهضون للحكومة، وبالتالي، إرهابيون. يولّد هذا النوع من التّهم نموذجًا شاذًّا قائمًا على مبدأ الغالب والمغلوب في السياسة الداخلية، حيث يُعتبَر انتقاد أنقرة بمنزلة إيواء الإرهابيين.
ولكن أردوغان لا يكترث ذلك. بل إن هذا النهج أساسي في الرسائل التي تبثّها الدولة، والتي لا تميّز بين الأكراد السوريين والأتراك من جهة والإرهابيين الأكراد السابقين من جهة أخرى، مشيرةً إلى تورّط قوات سوريا الديمقراطية مباشرةً في الهجمات التي يقودها حزب العمال الكردستاني. من هذا المنطلق، أعاد فرض حالات الطوارئ قولبة الحيّز الخطابي عبر جعله امتدادًا للحيّز الأمني – حيث يصبح التخلص من النقّاد واجبًا مدنيًا لا مجرد إضافة سياسية.
تضع الزلازل ذلك الواجب على محك الاختبار. فيما تحذّر قوات سوريا الديمقراطية من عملية تركية رابعة، وتعمد القوات التركية مجددًا إلى قصف المناطق الواقعة شمال سوريا، يمكن أن تتحوّل حالة الطوارئ الحدودية الأخيرة إلى نقطة متفجّرة ذات بُعد محلي وإقليمي وعالمي. وقد استخدمها أردوغان بالفعل لنشر أعداد هائلة من العناصر البشرية وتركيز سلطة الدولة في جنوب تركيا.
تنتهي حالة الطوارئ في 7 أيار/مايو المقبل. قد يلجأ أردوغان، انطلاقًا من الخطر المحدق بحظوظه في انتخابات 14 أيار/مايو على خلفية ما أُثير عن جهوزية البلاد للزلازل – وهي القضية نفسها التي ساهمت في وصوله إلى سدّة السلطة – إلى استغلال الأزمة من جديد لتعليق عملية التصويت، أو الدخول إلى سوريا، أو إعادة تقييم خياراته. ولكن في ضوء السوابق الماضية، لا بد من طرح السؤال: هل انتهت يومًا حالة الطوارئ في تركيا؟
غابريل دايفس باحث في برنامج فولبرايت في الأردن للفترة 2022-2023 وزميل غير مقيم في معهد New Lines Institute. لمتابعته عبر تويتر: @gabrielssdavis.