المصدر: الغد
في حادثة تلقي الكثير من الضوء على التفكير "الديمقراطي" للعديد من مؤسساتنا، مثلت الزميلة جمانة غنيمات أمام المدعي العام الأسبوع الماضي، بعد أن رفع "مجهول" قضية ضدها لنشرها مقالا ينتقد أداء مجلس النواب.
لنمحص قليلا في النصوص القانونية التي استند إليها المدعي العام في الدعوى المقامة من "مجهول".
الأولى، هي تهمة عدم تحري الحقيقة، خلافا لأحكام المادة (5) من قانون المطبوعات والنشر، والتي نصها أن "على المطبوعة تحري الحقيقة والالتزام بالدقة والحيدة والموضوعية في عرض المادة الصحفية...". فمن ترى يقرر ما هي الحقيقة في نص قانوني فضفاض يحتمل كل التفسيرات؟ وهل انتقاد مجلس النواب، بما يتناغم مع درجة الرضا الحائز عليها من الشعب الأردني، والتي لا تتجاوز 29.4 % بحسب أفضل نتائج الاستطلاعات، يتنافى مع الحقيقة؟ ولو افترضنا أن الشخص، أي شخص، لا يعجبه أداء مجلس النواب، فهل يعني ذلك أن القانون يمنعه من قول رأيه؟التهمة الثانية، هي عدم الموضوعية والتوازن، خلافا للمادة (7) من قانون المطبوعات والنشر أيضا، والتي تنص على أن "آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ملزمة للصحفي، وتشمل: ... ج- التوازن والموضوعية والنزاهة في عرض المادة الصحفية". لكن هل يعني ذلك أن 70 % من الشعب الأردني لا يتمتعون بالتوازن والموضوعية، حين يشاركون الكاتبة رأيها في عدم الرضا عن مجلس النواب؟ ما معنى التوازن والموضوعية في نص قانوني إن لم يتم تعريفهما بوضوح؟ وهل يجوز احتواء القوانين على نصوص فضفاضة كهذه؛ ظاهرها الحفاظ على المصلحة العامة، بينما يتم استعمالها لملاحقة كل من له رأي مخالف؟
أما التهمة الثالثة التي تثير العديد من علامات الاستفهام، فهي تهمة ذم هيئة رسمية، استنادا لأحكام المادة (191) من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه "يعاقب على الذم بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين اذا كان موجهاً الى مجلس الأمة او أحد أعضائه...". أما الذم، فتعرّفه المادة (188) من القانون ذاته، بأنه "إسناد مادة معينة إلى شخص -ولو في معرض الشك والاستفهام- من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم...". حقا؟ وفقا لهذه المادة، من الصعب انتقاد أي مسؤول أو هيئة رسمية من دون أن يجري تصوير الانتقاد على أنه انتقاص من الكرامة والشرف! ولو أردنا تطبيق هذه المادة بحرفيتها، لما تجرّأ إنسان على كشف العديد من مواقع الخلل في مؤسساتنا الرسمية، حتى لا أقول أكثر من ذلك.
هناك خلل واضح في وجود مثل هذه النصوص الفضفاضة والتعسفية في قوانيننا. وهي نصوص لا تنسجم في حال من الأحوال مع ادعاءاتنا أن صحافتنا حرة، وأن من واجباتها الكشف على مواقع الخلل. وليس لدي من شك في أن مثل هذه الدعوى لن تصمد أمام قضائنا، علماً أنها تطعن في مصداقية ما ننادي به من بناء دولة المؤسسات، وتفعيل الدور الرقابي للصحافة؛ ولأنه واضح تماما أن الزميلة غنيمات لم تخرق حتى هذه النصوص التعسفية. أم أن هذا الكلام يندرج أيضا تحت بند "عدم التوازن والموضوعية"؟