مسؤولية التيار المدني الديمقراطي

من أهم الإيجابيات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأردنية هو ظهور تيار مدني منظّم حاز على مقعدين من دون توظيف المال السياسي أو عقد تحالفات مع جهات متنفّذة في الدولة.

نشرت من قبل
الغد
 on ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

المصدر: الغد

اغتيال الكاتب ناهض حتر خلق حالة من الاستياء البالغ مما وصل إليه البعض من إقصائية في التفكير وتخوين وتكفير الناس، ومن الدولة التي لم تقم بواجبها في مواجهة خطاب الكراهية والتكفير بقوة القانون.

ولكن واحدة من أهم الإيجابيات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأسبوع الماضي ظهور تيار مدني منظم استطاع أن ينجح في الانتخابات بناء على قوة فكره دون توظيف المال السياسي أو أية تحالفات مع جهات متنفذة في الدولة. كما أثبت هذا التيار قدرته على حشد عدد كبير من الطاقات الشبابية التواقة لمن يقدم لها فكرا وبرنامجا واضحا وجريئا.

فوز قائمة "معا" لا يقاس بالمقعدين اللذين حازت عليهما في الدائرة الثالثة، وهي نسبة صغيرة جدا مقارنة بحجم مجلس النواب. ولكن هذا الفوز يؤشر الى حقائق لم يعد بالإمكان تجاهلها.

أولى تلك الحقائق أن القائمة حصدت أعلى الأصوات في الدائرة رغم كل الحشد الجائر ضدها وتصويرها أنها ضد الدين ومع الإلحادية والإباحية. واجهت القائمة ذلك بالعقل والمنطق والحجة الهادئة واستراتيجية إيجابية للتركيز على ما هي معه من تعددية واحترام الرأي الآخر وسيادة القانون على الجميع والمواطنة المتساوية. لم يعد بإمكان أحد بعد اليوم تجاهل هذا التيار أو محاولة إقصائه أو إلغائه، فقد أثبتت القائمة أن هناك قاعدة شعبية وراءها أوصلتها للمركز الأول في دائرتها رغم عزوف الكثير من مؤيدي هذا التيار في الدائرة من المشاركة في الانتخابات.

الحقيقة الثانية ان القائمة استطاعت وفي وقت قياسي خلق حالة اصطفاف إيجابية داخل فئة قطعت الأمل في إمكانية تطوير مجتمع يحتوي كل ابنائه وبناته ويحتفي بهم.

هذا يفرض على هذا التيار المدني الديمقراطي مسؤولية كبيرة في المرحلة القادمة. هذا التيار خسر وجوها بارزة في البرلمان خاصة مصطفى حمارنة وجميل النمري، ولكنني لا أبالغ أن أقول إن قاعدة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة المتساوية والعدالة والأمان، يمكن أن يقوى عودها بعد هذه الانتخابات وبعد اغتيال حتر. نجاح التيار في المستقبل سيعتمد على عدة مفاصل رئيسية: أولها قدرة التيار على إظهار نفسه ليس كتيار إقصائي متطرف كبعض خصومه ممن ينصّبون أنفسهم أوصياء على المجتمع، ولكن كتيار يؤمن بالتعددية الحقة التي تجعل منه مدافعا شرسا عن حق خصومه في التعبير والعمل السلميين قدر شراسة المدافعة عن حقه، وأنه تيار لا يهدف إلى إلغاء الآخر كما لا يسمح لأحد أن يلغيه، وأن رسالته إيجابية: مع المواطنة وتطوير نظام من الفصل والتوازن وسيادة القانون وليس ضد الدين أو أيّ مكون من مكونات المجتمع. فالتعددية يجب أن ترسخ كمصدر قوة للمجتمع وليس سببا للتقاتل والتناحر، والخيار واضح: إما النموذج التونسي الإدماجي أو النموذج المصري الإقصائي.

اما المفصل الثاني فهو الحاجة للبدء بتشكيل تيار مدني وطني عريض يتعدى الدائرة الثالثة في العاصمة ليشمل الوطن. "معا" أيقظت حلما لدى شريحة واسعة من الناس باتت تعتقد أنه حتى الحلم أصبح مستحيلا، وأصابها الإحباط بحيث فقدت الأمل بكافة مؤسسات الدولة. مسؤولية "معا" الآن إبقاء الشعلة متوقدة والعمل الدؤوب والمنهجي في الأربع سنوات القادمة لتطوير حزب سياسي يعيد الأمل لهذه الشريحة ويدفعها للاشتباك الإيجابي والتنظيم السياسي.

هذه فرصة لإعادة الثقة المفقودة مع مؤسسات الدولة لا يجب أن يسمح لها بالفشل. بعد اغتيال ناهض حتر من قبل من يصرون على إعلاء القتل والاٍرهاب فوق الكلمة، يتوجب مواصلة المشوار نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي يتظلل تحت أفيائها كل أبنائها وبناتها من كافة المشارب والاتجاهات، وحيث تسود حرية الرأي والمعتقد دون خوف أو تكفير أو قتل.

تم نشر المقال في جريدة الغد. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.