المصدر: Getty

محرومون من جنّة عدن: التدهور البيئي، والأنشطة غير الشرعية، وغياب الاستقرار عند الحدود الجنوبية في العراق

ساهمت النزاعات الإقليمية والتجارة غير الشرعية في التدهور البيئي الذي تشهده منطقة شرق البصرة العراقية، ما يفاقم بدوره حالة اللااستقرار. وفي حال بقيت هذه المشاكل من دون معالجة، فسيؤدّي الوضع الراهن إلى تداعيات طويلة الأمد على العراق والشرق الأوسط ككل.

نشرت في ٩ يونيو ٢٠٢٢

ملخّص

شهدت محافظة البصرة العراقية، عند الحدود مع إيران، تدهورًا بيئيًا بسبب النزاع وانخفاضًا في كميات الموارد المائية، بشكل أدّى إلى تراجع في الزراعة وتسبّبَ بنزوح الكثير من سكان الأرياف نحو مراكز المدن، فضلًا عن البطالة، والفقر، وازدهار الاقتصادات غير الرسمية وغير الشرعية، ونمو التنظيمات العنيفة. وساهم النفوذ الإيراني الواسع في العراق في استمرار هذه الأوضاع. وإذا بقيت هذه المشكلات من دون معالجة، فستتفاقم حالة اللااستقرار في البصرة وستؤدّي إلى تداعيات طويلة الأمد على العراق والشرق الأوسط.

مواضيع أساسية

  • تواجه المنطقة الحدودية في البصرة أزمة بسبب تراجع إمدادات المياه، والتلوّث، وتغيّر المناخ، ما تسبّب بتدمير القطاع الزراعي الذي كان في ما مضى النشاط الاقتصادي الأساسي في المنطقة.
  • أخفق العراق وإيران في اعتماد مقاربة عابرة للحدود لمعالجة التدهور البيئي، لا بل ازدادت الأمور سوءًا بسبب خلافاتهما على المياه، وخياراتهما الإنمائية الهادفة إلى زيادة الإيرادات النفطية، والحرب التي دارت بينهما خلال الثمانينيات.
  • تسبّبَ تراجع الزراعة جرّاء التدهور البيئي بإحداث تحوّل في الظروف الاجتماعية في البصرة.
  • كان عدم الاستقرار في البصرة مدفوعًا بالنزوح من الأرياف، والبطالة، والفقر، وتوسّع الاقتصادات غير الرسمية وغير الشرعية، وانتشار الصراعات القبلية والتنظيمات شبه العسكرية العنيفة.
  • استمر هذا الوضع بسبب العلاقة غير المتكافئة بين إيران والعراق، حيث تميل كفة العلاقات الحدودية لمصلحة إيران. وتنطبع هذه العلاقات بنزعة طهران إلى الهيمنة، والتي تتجلّى بصورة أساسية من خلال روابطها مع المجموعات المسلحة العراقية غير الدولتية وشبه الدولتية.

خلاصات وتوصيات

  • يجب أن يتعاون العراق وإيران لمعالجة التحديات المشتركة في المنطقة الحدودية وإعطاء الأولوية من جديد للحاجات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتقديمها على الاعتبارات الأخرى. ويمكن أن يبدأ هذا التعاون من خلال العمل على سياسة مشتركة لمعالجة ندرة المياه وتغيّر المناخ.
  • أصبحت التجارة غير الشرعية والتهريب، ولا سيما تجارة المخدرات وتهريبها، تهديدًا أساسيًا للاستقرار في العراق، وتتطلب تحرّكًا جدّيًا من العراق وإيران على السواء. يقتضي ذلك تغييرًا في دعم طهران لجهات عراقية غير دولتية أو شبه دولتية استفادت من التجارة غير الشرعية، وطعنت في سيادة بغداد على حدودها.
  • أبعد من إعادة النظر في الدعم الإيراني للمجموعات المسلحة العراقية، غالب الظن أن نظرة طهران إلى حدودها مع العراق بأنها ممرّ تستطيع استخدامه لتصدير نفوذها العسكري والاقتصادي، إضافةً إلى تصدير عقيدتها، ستؤدّي إلى علاقة مشحونة بشكل متزايد مع العراق على خلفية المسائل الحدودية.
  • من شأن العراق وإيران أن يستفيدا من الاتفاق على تعريف جديد للأمن في منطقتهما الحدودية. ويجب إعادة تصوّر مفهوم الأمن القومي لتضمينه الأمن البشري والاستدامة البيئية.

مقدّمة

في "أنشودة المطر" الشهيرة، كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب (1926-1964)، المولود في قرية في محافظة البصرة تقع بالقرب من الحدود العراقية-الإيرانية، "ما مرّ عامٌ والعراق ليس فيه جوع".1 لا تزال نبرة الأسى في قصيدة السيّاب صالحة لهذا الزمن، إذ إن جنوب العراق الذي كان في ما مضى من المناطق الأكثر خصوبةً في الشرق الأوسط، والغنيّ بالنفط وغيره من الموارد الطبيعية، يواجه تدهورًا بيئيًا حادًّا.

طوال آلاف السنين، اتّصفت المنطقة، التي حُدِّدت بأنها موقع جنّة عدن الأسطورية، بالأراضي الصالحة للزراعة، بفضل وفرة الأنهار والمجاري المائية التي حوّلتها إلى مهدٍ للحضارة. أما اليوم، فتواجه المنطقة الحدودية حول البصرة أزمة حادّة ناجمة بصورة أساسية عن تراجع إمدادات المياه وتوسّع رقعة التصحّر، ما أدّى إلى تدمير القطاع الزراعي الذي كان في السابق النشاط الاقتصادي الأساسي في المنطقة.

ساهمت عوامل عدة في هذا الوضع، منها تغيّر المناخ والارتفاع الإجمالي في درجات الحرارة العالمية.2 لكن النشاط البشري كان مدمِّرًا بشكل حاد، ومن مظاهره الخلاف الطويل بين بغداد وطهران على الأراضي والموارد المائية قرب الحدود، وغياب التنسيق والمقاربة المشتركة العابرة للحدود في مجالَي الحوكمة وإدارة المياه (انظر الخريطة 1). فقد ساهمت النزاعات بين العراق وإيران، وتركيزهما على الأمن، وسياساتهما المركزية، وسعيهما إلى فرض هيمنتهما في مراحل مختلفة، في سوء الإدارة المنهجي أو في إهمال المناطق المحيطة بالبصرة والتي تتصف بطابعها الطوبوغرافي الفريد من نوعه. وإضافةً إلى ذلك، تسارع التدهور بسبب اعتماد سياسات غير مستدامة بيئيًا موجّهة نحو الإنماء، وتتمثل بصورة خاصة بالتحوّل نحو اعتماد الإنتاج النفطي كمصدر الأساسي للدخل والعنصر الرئيس الذي يُحدّد أهمية المنطقة.

كانت لهذا الوضع تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة على العراق. فمع تخلّي الفلاحين عن الزراعة ونزوح كثيرين نحو المدن، ارتفعت مستويات البطالة والعمالة الناقصة في البصرة، ما يحفّز على المشاركة في الاقتصاد غير الرسمي والتهريب، فضلًا عن التجنيد في المجموعات المسلحة التي تشارك في أنشطة ريعية وفي العنف السياسي. وكانت النتيجة تفاقم شريعة الغاب واستمرار انعدام الاستقرار.

أحد العوامل الكامنة وراء هذا التدهور هو العلاقة غير المتكافئة بين العراق وإيران. فقد ساهمت طموحات إيران الإقليمية، والنفوذ الكبير الذي اكتسبته في العراق منذ الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، في تعزيز الروابط الوثيقة بين الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والمجموعات المسلحة العراقية غير الدولتية وشبه الدولتية.3 تتسبّب مساعي الهيمنة الإيرانية بعرقلة الجهود التعاونية الرامية إلى معالجة التحديات المتعددة التي يواجهها العراق وإيران في المنطقة الحدودية، وتفاقم أيضًا العوامل التي تغذّي عدم الاستقرار في المدى الطويل. وما من مؤشرات تُذكَر عن إمكانية حدوث تبدّل في هذه الأوضاع في السنوات المقبلة.

البصرة-خوزستان: الانهيار

صحيحٌ أن المنطقة الحدودية العراقية-الإيرانية المحيطة بالبصرة تمتلك مقوّمات كثيرة للازدهار، منها وفرة المياه؛ وموقعها عند حدود وطنية (وامبراطورية في السابق) سهّلت التبادلات المُربحة؛ وغناها بالمواد الهيدروكربونية، لكن هذه المزايا حوّلتها أيضًا إلى مكان متنازع عليه تاريخيًا. لقد تبنّى العراق وإيران، على مرّ الزمن، سياسات أدّت إلى تفاقم ظروف المنطقة الحدودية، ما تسبّب بتسارع انهيارها الاقتصادي والاجتماعي.

ثمة ترابط وثيق بين الأقضية الواقعة في الجزء الشمالي من البصرة وتلك الواقعة في جنوبها الشرقي، ومنها القرنة وشط العرب وأبو الخصيب والفاو، في إطار منظومة بيئية تكوّنت من التقاء الكثير من الأنهار والروافد والأهوار.4 يلتقي نهرا الفرات ودجلة في القرنة، ومن هناك يصبّان في شط العرب (المعروف أيضًا بـ"أروند رود" في اللغة الفارسية).5 يقع شط العرب عند المدخل الشمالي للخليج العربي الذي يصبّ فيه.6 وينبع نهران آخران، كارون والكرخة، من إيران ويصبّان في شط العرب، فيؤمّنان نحو 30 في المئة من مياهه العذبة.7 وعلاوةً على ذلك، يصبّ هور الحمّار الواقع شمال غرب البصرة والمتّصل بهور الحويزة، في شط العرب. يبلغ طول شط العرب نحو 192 كيلومترًا ويتراوح عرضه من 250 مترًا في القرنة إلى 750 مترًا عند منبعه في رأس البيشة.8 وتؤمّن شبكة مجاريه نظامًا أساسيًا للري وتصريف المياه في منطقة أوسع مساحة. وإضافةً إلى ذلك، شط العرب هو المصدر الرئيس لمياه الشرب لسكان محافظة البصرة.9

تاريخيًا، استقطبت وفرة الموارد المائية في المنطقة المستوطنات البشرية والأنشطة الاقتصادية المتمحورة حول الزراعة والصناعات الغذائية ومصايد الأسماك وتدجين الحيوانات. وظهرت دول-مدن قديمة مثل أور وكيش والوركاء وسوسة في المنطقة أو بجوارها. لقد أنتجت الأراضي الخصبة في البصرة وفي إقليم خوزستان (الأهواز) الإيراني الذي يقع عند حدود محافظة البصرة العراقية، محاصيل كانت أساسية للاقتصاد الوطني في كلا البلدَين، مثل القمح والشعير والأرز والبلح (التمر) والخضار. وكانت المنطقة المحيطة بشط العرب، والتي تحتوي على أعداد كبيرة من أشجار النخيل، من كبار مورّدي البلح في العالم.10

كانت الروابط الاجتماعية والثقافية بين البصرة وخوزستان قوية جدًّا أيضًا. قبل قرون، هاجرت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى المنطقة الحدودية الحالية واستقرت هناك (انظر الخريطة 2).11 يتركّز في إقليم خوزستان الجزء الأكبر من الأقليات العربية في إيران، ما يفسّر الروابط العرقية والدينية واللغوية الوثيقة للإقليم مع سكّان البصرة. وفضلًا عن ذلك، خضعت خوزستان وأجزاء في جنوب العراق لحكم السلالات العربية نفسها، وأبرزها كانت إمارة بني كعب. إذًا، فصل خطٌّ حدودي أُنشئ في الزمن الحديث بين منطقتَين كان يمكن أن تشكّلا جزءًا من بلدٍ واحد، وأصبحت العداوة السمة الطاغية في مكانٍ كان يجب أن تحكمه المصالح المشتركة.

على مر قرون عدة، اندلعت خلافات بين الأمبراطورية العثمانية والسلالات الحاكمة لبلاد فارس، سواء كانت الصفوية أم القاجارية، على طول الحدود الحالية. وقد وقّع الطرفان سلسلة معاهدات وبروتوكولات لترسيم حدودهما، منها معاهدة أرضروم الثانية التي أُبرِمت في العام 1847 ونصّت على إخضاع شط العرب بكامله للسلطة العثمانية. وبعد انهيار الأمبراطورية العثمانية، انتقلت السيطرة على المجرى المائي إلى العراق، لكن الخلافات على الحدود مع إيران كانت تتجدد من حينٍ لآخر، ولا سيما حول مسائل الملاحة.12

خلال القرن الماضي، سعت بغداد وطهران مرارًا وتكرارًا إلى تأكيد سيادتهما على مناطقهما الحدودية، وحتى أحيانًا إلى توسيع حدودهما. على سبيل المثال، أطلقت الحملة العسكرية التي شنّها الشاه الإيراني رضا بهلوي في العشرينيات لفرض السيطرة المركزية على خوزستان، مرحلةً جديدة بات للدولة الإيرانية خلالها حضور أكبر بكثير في المنطقة. وقد انتُهِجت السياسات القائمة على المركزية والهادفة إلى تعزيز الأمن من أجل التصدّي للتيارات الانفصالية في أوساط عرب المنطقة.13 وأدّت الهواجس الأمنية أيضًا إلى جولات متكررة من التوتر بين البلدَين، وقد حاولا معالجتها من خلال توقيع اتفاق الجزائر في العام 1975، والذي أسفر عن إنهاء الدعم الإيراني لثورة الأكراد في العراق مقابل اعتراف الحكومة العراقية بأن خط التالوك، أي خط الوسط في قناة شط العرب الصالحة للملاحة، يشكّل الحدود الفاصلة مع إيران. وقد منح ذلك إيران السيادة وحق الملاحة في جزء من المجرى المائي، حتى لو أن الخلافات مستمرة حتى يومنا هذا حول موقع خط التالوك في بعض الأماكن.14

في أعقاب الثورة الإيرانية في العام 1979، أبطل الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين اتفاق الجزائر واجتاح خوزستان، مستغلًا الفوضى التي عمّت إيران بعد الثورة. لكن الإيرانيين طردوا الجيش العراقي من خوزستان في العام 1982، وأقدموا حتى على احتلال قضاء الفاو جنوب شرق البصرة في العام 1986.15 وبما أن الجزء الشرقي من محافظة البصرة تحوّل إلى جبهة أساسية في الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، كانت للنزاع العسكري تداعيات كبيرة على السكان وألحق أضرارًا بالغة بالزراعة وأنماط الحياة التقليدية. فقد فرّ أكثر من نصف السكان من منطقتَي شط العرب وأبو الخصيب، وانتقلوا للإقامة في أماكن أخرى من البصرة وجنوب العراق. غادر نحو 90 في المئة من سكّان الفاو، وتدهورت الظروف البيئية ونوعية التربة إلى حد كبير بسبب العمليات العسكرية.16

استمر الضرر في التسعينيات في أعقاب الاجتياح العراقي للكويت. بعد طرد القوات العراقية خلال حرب الخليج في العام 1991، اندلع تمرّد في جنوب العراق عمدت الحكومة في إثره إلى تجفيف الأهوار من المياه. ثمة خلاف حول الدوافع وراء هذه الخطوة،17 ولكنها ساهمت في منع المتمردين من الحصول على ملاذ يتحصّنون فيه. وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، اختفى 90 في المئة من الأهوار بحلول العام 2000، ما تسبب أيضًا بانخفاض تدفّق المياه العذبة إلى شط العرب، وبالتالي، ارتفاع مستويات الملوحة.18 وقد خسرت الأهوار، على الرغم من محاولات إعادة تعبئتها بالمياه بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، نحو 50 في المئة من مساحتها قبل التجفيف، ويُتوقَّع أن تخسر المزيد في السنوات المُقبلة بسبب إنشاء سدود جديدة، وتحويل مجاري الأنهار في تركيا وإيران، وتغيّر المناخ.19

إضافةً إلى تأثيرات النزاع العسكري وإعادة هندسة البيئة في المنطقة لأسباب أمنية، أدّت النماذج الإنمائية التي اعتمدها العراق وإيران دورًا أيضًا في استفحال الظروف البيئية. وهذه النماذج أملتها أهداف الدولتَين الساعيتَين إلى رفع أرباحهما إلى أقصى حد من خلال زيادة محاصيل بعض المنتجات الزراعية المحدّدة، والتحضّر، والتصنيع. وقد أدّى ذلك إلى الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية، نظرًا إلى أن السلطات أولت اهتمامًا محدودًا للاعتبارات البيئية والثقافية.

من مظاهر هذه المقاربة الإنمائية إنشاء السدود وتحويل مجاري الأنهار. في العقود الأربعة الماضية، نفّذت تركيا وإيران، وكلتاهما من بلدان المنبع، مشاريع كان لها تأثير كبير على بلدان ومناطق المصب مثل شط العرب.20 وقد تسبّبت السدود التركية بخفض منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات إلى مستويات غير مسبوقة تاريخيًا، في حين أن المشاريع التي نُفِّذت في إيران لتنظيم الهيكلية المائية لنهرَي كارون والكرخة وتحويل مجراهما، تسبّبت بتراجع إضافي في كميات المياه العذبة التي تصبّ في شط العرب.21 ففي الفترة الممتدة بين العامَين 2011 و2017، شُيِّدت خمسة سدود عند رافد الكرخة، وأُنشئ سد كتوند الضخم عند رافد كارون،22 الذي كان يؤمّن نحو 20 في المئة من الاستهلاك المائي في محافظة البصرة.23

أدّت هذه المشاريع، إضافةً إلى الجفاف الواسع النطاق وارتفاع درجات الحرارة في المنطقة وما نجم عنه من زيادة تبخّر المياه، إلى تراجع نوعية المياه في شط العرب. فقد ارتفعت مستويات الملوحة إلى درجة غير مسبوقة، ولا سيما أن مياه البحر بدأت تصب في المجرى المائي بسبب انخفاض تدفق المياه باتجاه البحر.24 وأظهرت دراسة أن تركُّز إجمالي المواد الصلبة الذائبة، في شط العرب قرب الفاو، ارتفع من 1.25 غرام في الليتر الواحد في 1977-1978 إلى 26.3 غرامًا في الليتر في 2017-2018.25

وقد انعكست التداعيات المضرّة لمقاربة التحديث الهرمية (من أعلى إلى أسفل) التي اعتمدها العراق وإيران أيضًا في الإنتاج النفطي. فقد كان اعتماد البلدَين على النفط باعتباره المصدر الرئيس للدخل الوطني، عاملًا أساسيًا في إهمالهما للأثر البيئي. في الواقع، يضم جنوب العراق وخوزستان احتياطيات نفطية تُعتبَر من الأكبر حجمًا في العالم، منها حقول مشتركة مثل حقلَي مجنون والفكة.26 منذ بدء التنقيب عن النفط في الإقليمَين في مطلع القرن العشرين، أعطت بغداد وطهران الأولوية لتوسيع إنتاجهما النفطي هناك، ولا سيما أن موقعهما قرب البحر ساهم في تسهيل التصدير.

من تداعيات الصناعة النفطية زيادة التلوّث في شط العرب وقنوات الأنهار. فقد خلصت دراسة في العام 2020 إلى أن المنتجات الثانوية الناجمة عن الإنتاج النفطي هي عامل أساسي في المستويات المرتفعة للتلوّث بواسطة المعادن الثقيلة.27 واشتملت مصادر التلوث البشرية الأخرى على الأسمدة، ورواسب مياه الصرف الصحي، ونفايات ورش تلحيم المعادن. وقد تسبّب التلوث بإصابة ما لا يقل عن 118,000 شخص من أبناء البصرة بالأمراض ودخولهم المستشفيات في العام 2018، ما أدّى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة في أوساط السكان.28

لقد سعت الحكومة العراقية إلى معالجة المسألة من خلال إيجاد مصادر بديلة لمياه الشرب، ما ساهم في التخفيف قليلًا من وطأة المشكلة لكنه لم يؤدِّ إلى تغيير جوهري. ومردّ ذلك إلى إخفاق العراق في إقناع تركيا وإيران بزيادة تدفقات المياه، وإلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية وسوء الإدارة المزمن للموارد المائية.29 والحال هو أن إيران تواجه مشكلة مماثلة، ولا سيما في خوزستان حيث اندلعت احتجاجات في تموز/يوليو 2021 جرّاء الأزمة المائية الحادة التي تسبّب بها الجفاف وتحويل المياه إلى مناطق أخرى.30 وإضافةً إلى استخراج النفط، تسبّبت المشاريع الصناعية والإنتاج المكثّف لمحاصيل غير محلية، مثل قصب السكر، بمستويات تلوّث مرتفعة، وأحدثت أزمة بيئية في خوزستان.31

على الرغم من أن العراق وإيران يواجهان تحديات متشابهة وكارثة بيئية عابرة للحدود، فإنهما لا يزالان بعيدَين جدًّا عن وضع سياسة مشتركة للتعامل مع التهديدات المُحدقة بالبيئة، فكم بالأحرى إعطاء الأولوية لمعالجتها. ثمة هواجس أخرى تؤرقهما في المنطقة الحدودية، وتشمل زيادة الإنتاج النفطي وبناء سكة حديد بين خوزستان والبصرة. علاوةً على ذلك، زادت إيران نفوذها في العراق من خلال تحالفاتها مع المجموعات العراقية شبه العسكرية التي تسبّبَ وجودها بإضعاف الدولة العراقية، ما يحدّ من قدرة هذه الأخيرة على تحدّي القيود التي تفرضها إيران على تدفق المياه عبر الحدود.

لقد شهدت هذه المنطقة الحدودية، التي كانت تُعرَف في ما مضى بأراضيها الخصبة وثروتها الزراعية، تحوّلًا كبيرًا بفعل الانتقال إلى اقتصاد قائم على النفط، والمقاربة التحديثية المركزية الطابع والمدمِّرة للبيئة، والنزاعات الدائرة بين العراق وإيران على الأراضي والموارد. لقد تكبّدت المنطقة، في غضون عقود قليلة، أضرارًا هائلة يعاني المجتمع العراقي اليوم تبعاتها الجسيمة.

عناصر انعدام الاستقرار الطويل الأمد في البصرة

أحدث الدمار البيئي في المنطقة الحدودية المحيطة بالبصرة تحوّلًا في الأوضاع الاجتماعية في جنوب العراق، الأمر الذي كان له أثر سلبي جدًّا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وحدث ذلك في سياق أوسع من العلاقات العراقية-الإيرانية المتبدِّلة التي غيّرت ميزان القوى عند الحدود لمصلحة إيران، ما تسبّب بتعقيد الجهود الرامية إلى معالجة المشاكل الأبرز في المحافظة. ويُتوقَّع أن تزداد الأوضاع سوءًا في ضوء الاختلاف الكبير في الأولويات بين بغداد وطهران في المنطقة.

النتيجة الأوضح للنزاعات المتعددة والتدهور البيئي في محافظة البصرة كانت اضمحلال الزراعة، ما أدّى إلى نزوح كثيف، وزيادة البطالة والفقر، وتفاقُم اللايقين الاجتماعي، وإلى تنافس محموم على الموارد. فخلال الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، نزح قسم كبير من سكان المناطق الشرقية للمحافظة. وقد غادر نحو 90 في المئة من أبناء الفاو المدينة في العام 1986، ونزح ما لا يقل عن نصف السكان من منطقتَي شط العرب وأبو الخصيب. وتعرّضت بعض القرى لدمار كامل في القتال.32 ومعظم المزارعين الذين كانوا يقيمون قرب الحدود هجروا أراضيهم وانتقلوا إلى ضواحي المدن الجنوبية. وألحقت المحاولات التي بذلتها الحكومة لفرض الأمن في المنطقة أضرارًا جسيمة ببساتين النخيل التي اعتُبِرت ملاذات مُحتملة للقوات الإيرانية.

فخلال الحرب، تمّ اقتلاع أو تدمير حوالى 8 ملايين شجرة نخيل. وعمومًا، لحق الدمار بما يقارب 80 في المئة من بساتين النخيل المحيطة بشط العرب بسبب الصراع، ونقص المياه، وارتفاع مستويات الملوحة في الممر المائي.33

وحتى بعد وقف إطلاق النار في العام 1988، لم يعد جميع النازحين إلى مناطقهم. فعلى سبيل المثال، لم يتجاوز عدد العائدين إلى ديارهم من سكان الفاو نسبة 10 في المئة.34 تعافت مناطق أخرى بشكل أفضل، لكنها شهدت أيضًا تحولات في تركيبتها الديموغرافية. فقد استقر عدد كبير من سكانها في المدن الجنوبية التي لجأوا إليها خلال الصراع وحلّ محلهم وافدون جدد أتوا من مناطق أخرى، كالأهوار.35 علاوةً على ذلك، أدّت أزمة الخليج بين العاميَن 1990 و1991 إلى ثني الناس عن العودة، نظرًا إلى قرب البصرة من الكويت، التي كان الجيش العراقي قد اجتاحها لتوّه. كذلك، تسبّبت تأثيرات هذه الصراعات المتتالية باندلاع انتفاضة في العام 1991، في أعقاب الهزيمة العسكرية في الكويت، وقامت القوات التابعة للنظام بسحقها من دون رحمة.36

لكن العقوبات الدولية التي فُرضت على العراق خلال تسعينيات القرن المنصرم دفعت الحكومة إلى اتخاذ خطوات لإعادة إحياء قطاع الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى المواد الغذائية. ويُزعم أن تجفيف الأهوار حتى كان مدفوعًا بمشروع قديم لتأهيل ملايين الهكتارات من الأراضي التي تنحسر عنها المياه، فيما أنشأت الدولة أيضًا قناة لتصريف مياه الري الملوّثة.37 وتميّزت تلك الفترة بتنشيط قطاع الزراعة، ولو أن ذلك لم يكن كافيًا لإحداث قطيعة كبيرة مع نمط النزوح من الأرياف الذي دام عقودًا من الزمن. ففي العام 1947، كان 60 في المئة من العراقيين تقريبًا يعيشون في المناطق الريفية، في حين أن النسبة اليوم تقلّ عن 30 في المئة.38 في الواقع، تسارعت وتيرة النزوح من الأرياف بعد العام 2003 مع استئناف تصدير النفط، فضلًا عن اللامبالاة التي أظهرتها الحكومات العراقية المتعاقبة حيال تنمية الزراعة وتعزيز قدرة المزارعين على منافسة المنتجات الزراعية المستوردة. ولم تؤدِّ موجات الجفاف المتكررة والانخفاض الكبير في المياه العذبة سوى إلى تعزيز هذا التوجه.39

منذ السبعينيات خصوصًا، أثّر الاعتماد المتزايد على النفط وإهمال الزراعة على مناطق شرق البصرة بطرق عدّة. أولًا، أصبحت البصرة مركزًا رئيسًا لإنتاج النفط، وبالتالي باتت من بين المناطق الأكثر تضرّرًا من التلوث. وتجدر الإشارة إلى أن ثلاثة من أكبر حقول النفط في العراق تقع في هذه المنطقة أو بالقرب منها، وهي غرب القرنة ومجنون وحلفايا.40

ثانيًا، ساعدت عائدات النفط، ولا سيما حين كانت أسعار النفط مرتفعة بين العامَين 2005 و2013، الحكومات العراقية على إرساء الاستقرار ورفع قيمة الدينار العراقي في وقت شهدت فيه دول مجاورة كإيران وتركيا انخفاضًا في قيمة عملاتها.41 وحفّز ذلك توجّه الاقتصاد نحو الاستيراد. وفي حين تمّ استيراد المنتجات الزراعية الرخيصة الثمن من إيران وتركيا، تراجعت قدرة المحاصيل المحلية على المنافسة، ما شجّع بشكل إضافي على التخلي عن الزراعة.42

لقد لجأت الحكومة في بعض الأحيان إلى فرض قيود على استيراد منتجات معينة، على غرار الطماطم وغيرها من الخضروات، بهدف دعم المزارعين المحليين.43 لكن، ثبُت أنه من الصعب إعادة تنشيط القطاع الزراعي في ظل غياب ضمانات أخرى للمزارعين (مثل توفير الأسمدة والدعم الفني والتقني، وضمان توافر كميات كافية من المياه، وشراء الفائض غير المُباع من المحصول)، فضلًا عن وجود تقنيات ري عفا عليها الزمن، ونقص المياه، وازدياد مستويات ملوحتها. علاوةً على ذلك، تسبّبت هذه الظروف السيئة في العام 2021 بارتفاع أسعار الخضروات، ما دفع السكان والمسؤولين المحليين إلى الاحتجاج والمطالبة بفتح معبر الشلامجة الحدودي مع إيران في قضاء شط العرب للسماح باستيراد الطماطم التي تُعتبر مكونًّا أساسيًا في المطبخ العراقي. وتعيّن على الحكومة أيضًا تخفيف القيود الحدودية والسماح بدخول كميات محدّدة من الطماطم.44 وفيما تراجعت الأنشطة الزراعية على الجانب العراقي، سعت الحكومة الإيرانية إلى زيادة صادراتها الزراعية في محاولة لرفع إيراداتها خلال فترة خضوعها للعقوبات الأميركية.45

ثالثًا، حوّل الاعتماد على النفط الفرص الاقتصادية بحيث باتت الزراعة أقل جاذبية مقارنةً مع الأنشطة الأخرى. فقد نزح عدد كبير من الناس إلى المدن بحثًا عن وظائف في القطاع العام أو مع قوات الأمن أو في قطاع الخدمات.46 إضافةً إلى ذلك، انضمت أعداد كبيرة من المتطوعين من أُسر الفلاحين في البصرة إلى المجموعات شبه العسكرية التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية بعد العام 2014.47 وتابعوا بعدئذٍ العمل ضمن هذه المجموعات، وانخرط بعضهم في أنشطة غير مشروعة.48

لذا، من غير الممكن فصل ما يمكن تسميته "إضفاء الطابع الميليشياوي" على المجتمع العراقي، ولا سيما في البصرة وجنوب العراق، عن عمليات النزوح الواسعة النطاق، وتفكّك أنماط الحياة الريفية، وبروز الريعية النفطية. ففي سياق الدولة الضعيفة، لم تسعَ الميليشيات والمجموعات شبه العسكرية إلى ملء الفراغ القائم وحسب، بل أصبحت أيضًا أشبه بمؤسسات اقتصادية تستخدم العنف أداةً للابتزاز. وبحكم الموقع الجغرافي الذي تتمتّع به البصرة، إذ تحدّها إيران والكويت وتمتلك أكبر إمدادات نفطية في العراق فضلًا عن الميناء الوحيد، اعتُبرت هذه المحافظة مثالية للراغبين في الاستفادة من مصادر ثروتها. لهذا السبب، أصبحت بدءًا من العام 2003 أرضًا خصبة لانتشار المجموعات شبه العسكرية والميليشيات، ما أدّى إلى تفاقم حالة اللااستقرار فيها وأسفر عن تداعيات ألقت بظلالها على المناطق الحدودية والعلاقات عبر الحدود.

وقد أدّى تدهور المناطق الريفية إلى تداعيات أخرى أيضًا، ليس أقلها تبدّل طرق استغلال سكان الريف لأراضيهم. وحتى العائلات الكثيرة التي بقيت في أراضيها عمدت إلى البناء في ممتلكاتها أو بيعها إلى شركات البناء أو الإسكان لتطويرها، على الرغم من أن القانون العراقي يحظّر تحويل الأراضي الزراعية إلى عقارات سكنية.49 ونتيجةً لذلك، تمّ تحويل ما بين 20 و23 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في قضاء شط العرب إلى عقارات سكنية أو تجارية.50 ويعبّر ذلك عن الخيارات المحدودة المتاحة للتعامل مع النمو الديموغرافي في المنطقة وعجز الدولة عن إنفاذ قوانينها الخاصة أو تقديم بدائل. علاوةً على ذلك، أدّى ذلك إلى بروز مصدر آخر للصراع نتيجة الخلافات على الأراضي التي تكون في الغالب غير مسجلة بشكل قانوني أو فرّ أصحابها من العراق منذ فترة طويلة.51

نتيجةً لهذه الديناميكيات، برزت ظاهرتان متداخلتان في محافظة البصرة، ما زاد من انعدام الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وتتمثّل الأولى في" ترييف المدينة"، على حدّ تعبير سكان المدن في البصرة. ويشير ذلك إلى النزوح الجماعي من المناطق الريفية والأهوار إلى المراكز الحضرية، حيث يحمل النازحون ثقافتهم الريفية معهم.52 وزاد هذا النزوح أيضًا الضغوط المُمارسة على المراكز الحضرية المُكتظة أساسًا بالسكان، والتي تعاني من تردّي خدماتها العامة. وفي بعض الأحيان أدّى سوء هذه الخدمات إلى اندلاع احتجاجات، بما فيها تلك التي استمرت أسابيع عدّة في العام 2018.53

أما الظاهرة الثانية فتتمثّل في موجة التحضّر العشوائي للمناطق الريفية في شرق محافظة البصرة من خلال الاستغلال المتزايد للأراضي الزراعية لأغراض سكنية وتجارية. وتتمثّل إحدى نتائج تحويل الريف إلى مساحات مبنية في إرهاق البنية التحتية الهشة في المنطقة. ففي قضاء شط العرب على سبيل المثال، ابتكر الناس طرقًا مرتجلة للتخلص من مياه الصرف الصحي في الأنهار، ما زاد من مستوى التلوث فباتت المياه غير صالحة للشرب.54 والنتيجة الثانية أن التخلي المتزايد عن الزراعة، التي تُعدّ نشاطًا إنتاجيًا، دفع المزيد من الناس إلى الانخراط في قطاع الخدمات المشبع أساسًا والاقتصاد غير الرسمي.

نتيجةً لهذه التطورات، عمدت بعض المجموعات القبلية التي نزحت جماعيًا من الأهوار واستقرت على مشارف مدينة البصرة وغيرها من المناطق إلى اعتماد وسائل غير قانونية لتأمين الموارد. فبالنسبة إلى السكان الراسخين في المنطقة، أسفر نزوح قبائل الأهوار إلى مناطق مثل شط العرب عن زعزعة النسيج الاجتماعي وتسريع وتيرة التمدين العشوائي في مناطقها الريفية.55 وقد انخرطت بعض هذه القبائل في نزاع مسلح مع مجموعات أخرى سعيًا إلى السيطرة على الأراضي أو الحصول على الموارد المائية.56 حتى إنها هدّدت شركات النفط لتأمين وظائف أو عقود لأفراد من القبيلة، وهي طريقة تتبنّاها أيضًا المجموعات شبه العسكرية المتنفّذة.57 وما انفكّت أنماط جديدة من الممارسات الابتزازية تتطوّر، فاتّسع نطاق الاقتصاد غير الشرعي والسوق السوداء. وقد فاقم ذلك انعدام الأمن الاجتماعي والسياسي، وزرع بذور الصراعات المستقبلية.

يقع التهريب في صُلب الأعمال غير القانونية التي تمارسها المجموعات المسلحة، وينقسم إلى نوعَين: يُجرى النوع الأول من أنشطة التهريب من خلال المعبر الحدودي الرسمي الوحيد بين البصرة وخوزستان، أي معبر الشلامجة الحدودي، فيما يتم النوع الثاني من أنشطة التهريب من خلال نقاط حدودية غير رسمية. يقع معبر الشلامجة في منطقة شط العرب، ويُعدّ أحد أكبر المعابر الحدودية الرسمية السبعة بين العراق وإيران وأكثرها نشاطًا. وللحصول على صورة واضحة حول حجم الحركة هناك، يعبر آلاف الحجّاج الشيعة معبر الشلامجة بشكل منتظم لزيارة المقامات الدينية في البلدَين. وفي العام 2021، عبرت حوالى 600 شاحنة حمل يوميًا هذا المعبر، وغالبًا ما كانت محمّلة ببضائع إيرانية لبيعها في الأسواق العراقية.58

وبعد انهيار الجهاز الأمني لنظام البعث السابق في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، بدأت المجموعات المسلحة العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في إنشاء معاقل لها في البصرة وعلى طول المنطقة الحدودية، بما فيها معبر الشلامجة.59 وحتى بعد استعادة الحكومة السيطرة على المعبر، حافظت هذه المجموعات على درجة كبيرة من النفوذ هناك، بحسب السكان المحليين.

اتّخذت السلطات العراقية تدابير عدة للحدّ من نفوذ المجموعات المسلحة على المعابر الحدودية، ومنها فكّ ارتباط هيئة المنافذ الحدودية، التي تتولى الإشراف على المعابر، بوزارة الداخلية، وتحويلها إلى هيئة مستقلة يُشرف عليها رئيس مجلس الوزراء.60 وأدّى ذلك إلى تعيين مدير جديد لمعبر الشلامجة في العام 2020، لا تربطه أي علاقة بالمجموعات المسلحة.61 لكن، على الرغم من هذه التدابير، تواصل المجموعات المسلحة استخدام المعبر لتحقيق مصالحها الخاصة، مستفيدةً من طابعها الهجين. فهي جزءٌ من الدولة العراقية بحكم انتمائها إلى وحدات الحشد الشعبي، التي تُعدّ منظمة تنضوي تحت رايتها المجموعات شبه العسكرية التي تتلقى رواتب من الحكومة؛ وفي الوقت نفسه، هي خارجة عن سلطة الدولة وتتبع قادة الفصائل الذين ينسّقون مع الحرس الثوري الإيراني بشكل مستقل عن الدولة العراقية.62

لكن أنشطة المجموعات المسلحة لا تقتصر على المسائل العسكرية. فقد أقامت شراكات مع شركات خاصة في البصرة، إذ توفر لها الحماية وتسهل استيرادها للسلع مقابل مكاسب مالية.63 ويبدو أن إحدى هذه الشركات، المتخصصة في قطاع البناء، حصلت على عدد كبير من المشاريع المهمة في المحافظة، وربما استفادت من علاقاتها مع الأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة.64

أما النوع الثاني من أنشطة التهريب، أي تلك التي تتم عن طريق المعابر الحدودية غير الرسمية، فعادةً ما تقوم بها شبكات إجرامية، يرتبط بعضها بمجموعات مسلحة. وثمة نقاط تهريب عدّة بين شرق محافظة البصرة وخوزستان، معظمها في أقضية شط العرب وأبو الخصيب والقرنة، فضلًا عن نقاط تهريب بحرية في قضاء الفاو (انظر الخريطة 3).65 وتتنوّع أنشطة التهريب، وقد تشمل المخدرات والأسلحة والعملات المزوّرة والمواشي والدراجات النارية والأدوية والعملات الأجنبية كالدولار الأميركي.66

وخلال السنوات القليلة الماضية، ازداد الإتجار بالمخدرات من إيران إلى العراق.67 في التسعينيات، كان العراق في الدرجة الأولى بلد عبور للمخدرات القادمة من إيران قبل توزيعها على دول أخرى، ولا سيما دول الخليج. وكان نظام البعث يُشرف على هذه التجارة ويعتبرها وسيلة لتحقيق الأرباح خلال فترة خضوعه للعقوبات الدولية.68 وفي حين أن العراق لا يزال بلد عبور للمخدرات، بات اليوم أيضًا بلد مقصد لأنواع عدّة، بما فيها الحشيش والميثامفيتامين البلوري والكبتاغون.69 وتشير تقارير رسمية وغير رسمية إلى أن تعاطي المخدرات في العراق بات منتشرًا على نطاق واسع وبات يشكّل راهنًا تهديدًا أمنيًا أساسيًا.70 وتمّ تحديد منطقة السيبة الحدودية في قضاء أبو الخصيب كواحدة من نقطتَي دخول رئيستَين للمخدرات.71 وخلال السنوات القليلة الماضية، تسارعت وتيرة تعاطي المخدرات في جنوب العراق، ولا سيما تلك الرخيصة الثمن كالميثامفيتامين البلوري. علاوةً على ذلك، تحدّث السكان عن قيام البعض بزراعة المواد المخدرة في بعض مناطق جنوب العراق، وبخاصة ميسان.72 وتُنحى بلائمة ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في غالب الأحيان على البطالة، واندثار أنماط الحياة القديمة، وازدهار الميليشيات والمنظمات الإجرامية، وضعف سيادة القانون.73

صحيحٌ أن تهريب المخدرات كان يتم في الماضي من خلال الأفراد، ولا سيما في صفوف الحجّاج الذين يحملون كميات صغيرة سواء للبيع أو للاستهلاك الشخصي، إلا أنه بات اليوم نشاطًا أكثر تعقيدًا، وتسيطر عليه شبكات الجرائم المنظمة والميليشيات. ويبدو أن المنطقة المُمتدة من أفغانستان إلى إيران والعراق وسورية ولبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تطوّرت لتصبح منطقة مترابطة لإنتاج المخدرات والإتجار بها واستهلاكها.74

في هذا السياق، أشار بعض السكان المحليين في الفاو إلى أن معظم تجار المخدرات الكبار في منطقتهم يتحالفون مع الأحزاب الحاكمة والمجموعات شبه العسكرية.75 ويعملون في هذه المنطقة لأن تهريب المخدرات عبر موانئها غير الرسمية أسهل، وبإمكانهم الفرار إلى مدينة عبادان الإيرانية المجاورة إذا لاحقتهم قوات الأمن.76 وتحدّث بعض المراقبين العراقيين عن أن المجموعات السياسية وشبه العسكرية الإسلامية متورطة بشكل كبير في تجارة المخدرات لأن بعض الفقهاء الإسلاميين لا يحظّرون استهلاكها أو الإتجار بها، وأيضًا لأنها يمكن أن تكون مفيدة في إثباط الزخم السياسي للشباب سياسيًا والتحكّم بهم.77 لكن التفسير الأكثر إقناعًا هو ببساطة أن تجارة المخدرات مدرّة للربح بسبب ضعف الدولة، وانهيار الأنشطة الاقتصادية التي كانت مهيمنة في السابق، وازدياد عدد المجموعات المسلحة التي تسعى وراء الموارد المالية.

واقع الحال أن الخصومات بين المجموعات المسلحة في جنوب العراق تُعزى جزئيًا إلى محاولات كلٍّ منها التحكم بأنشطة التهريب والابتزاز في المنطقة الحدودية للمحافظتَين. وقد تحولت تلك الخصومات في بعض الأحيان إلى أعمال عنف أسفرت عن اغتيالات متبادلة. وفي شباط/فبراير من العام 2022، قُتل كبير القضاة المناهض للمخدرات في ميسان، على يد فصيل مسلح يُعتقد أن له علاقة بتهريب المخدرات في المنطقة.78 ومن الواضح أن إضفاء الطابع الميليشياوي اقترن مع تراجع النشاط الزراعي والتدهور البيئي، في ظل عجز الدولة عن توفير بدائل واختراقها من قِبل المجموعات المسلحة نفسها التي عارضت سلطتها.

إضافةً إلى ذلك، ترتبط هذه الديناميكيات بالسياق الجيوسياسي الأوسع الذي يرسم معالم الوقائع السياسية والأمنية في شرق البصرة. وفيما اعتُبرت هذه المنطقة، مع محافظة خوزستان المجاورة، من المناطق المتنازع عليها إقليميًا بين العراق وإيران، رجحت كفة التوازن الجيوسياسي بشكل كبير لصالح إيران عَقِب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. وقد سهّلت ذلك سنوات الفوضى الطويلة التي شهدها العراق، فضلًا عن الصراعات الداخلية، وانهيار مؤسسات الدولة. وقد دعمت إيران في البداية المجموعات الشيعية المسلّحة التي حاربت الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، ثم دعمت بدءًا من العام 2014 إنشاء قوات الحشد الشعبي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.79 وقد انتشر الكثير من المجموعات المسلحة التي انبثقت عن هذه النزاعات في المنطقة الحدودية، سواء كجزء من المؤسسات الرسمية، مثل وزارة الداخلية أو قوات الحشد الشعبي، أو من دون إذن من الحكومة. وقد تمخّض عن النفوذ الإيراني القوي على هذه المجموعات وضعٌ وصفه مراقب عراقي بأنه "الإدارة الإيرانية لجانبَي الحدود".80 لكن الحقيقة أكثر تشابكًا وتعقيدًا، نظرًا إلى وجود مؤسسات رسمية أخرى واستقلالية بعض المجموعات المسلحة العراقية عن الحرس الثوري بشكل متزايد، بعد أن نجحت في بناء قاعدة موارد مستقلة من خلال رواتب الدولة والعقود وشبكات الأعمال والتجارة غير المشروعة.81 مع ذلك، يعبّر الميل إلى رؤية الحدود من هذا المنظار عن نطاق النفوذ الإيراني. فقد بدأت طهران تنظر إلى الحدود بشكل كبير ليس على أنها تخوم يجب الدفاع عنها، بل على أنها معبر تستخدمه لتصدير قوّتها العسكرية والاقتصادية، فضلًا عن إيديولوجيتها. والدليل على ذلك سعي إيران المُمنهج إلى إقامة جسر بري يربطها بالبحر الأبيض المتوسط، وتوسيع تمدّد ما يُسمّى محور المقاومة، الذي هو عبارة عن تحالف غير رسمي من دول وميليشيات تقودها طهران وتهدف بالدرجة الأولى إلى معارضة سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.82

وغالبًا ما يعبر أفراد المجموعات المسلحة العراقية الحدود للدخول إلى إيران، أحيانًا هربًا من مذكّرات توقيف صادرة بحقهم في العراق. وأُفيد بأن أجهزة الأمن الإيرانية توفّر لهم الحماية في الكثير من الأحيان.83 وهذا ما حدث على سبيل المثال مع أفراد خلية عراقية تابعة لميليشيا مقربة من إيران في البصرة اتُّهموا بقتل ناشطين عراقيين. وكانت هذه المجموعات قد اتّهمت هؤلاء المتظاهرين بالتخابر مع الولايات المتحدة.84 إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما يجري نقل الأسلحة عبر معبر الشلامجة وغيره من المنافذ الحدودية، ولا سيما معبر الشيب الواقع في محافظة ميسان، من دون معرفة قيادة القوات المسلحة العراقية أو الحصول على موافقتها،85 وذلك لأسباب متعلقة بالأجندة الجيوسياسية لمحور المقاومة.

استخدم المسؤولون الإيرانيون الحدود مع العراق كوسيلة لتحقيق مصالحهم الخاصة ولضمان ألّا يعمد العراق بعد الآن إلى تهديد الأمن القومي الإيراني.86 لكن هذا لم يترك هامشًا يُذكر لتلبية حاجات وأولويات المجتمعات المحلية في البصرة، بل عزّز قدرات المجموعات غير الدولتية وشبه الدولتية العراقية التي انخرطت في أنشطة غير مشروعة واستفادت من تفكّك مؤسسات الدولة العراقية وضعف دولة القانون، ما أسهم في استمرار حالة اللااستقرار. ولم يسهم ذلك في تقويض السيادة العراقية فحسب، بل أشعل أيضًا التوترات المرتبطة بالأعمال العدائية والخصومات الداخلية للمجموعات شبه العسكرية. ومن شأن هذه التطورات أن تحوّل المنطقة الحدودية مجدّدًا إلى ساحة نزاع بين طهران وبغداد، ولا سيما إذا حكمت العراق حكومة ذات توجهات قومية.

حتى الآن، لم يظهر العراق أنه قادرٌ على تغيير هذا الوضع. فالمقاربة الإيرانية لإدارة وضمان أمن معابرها الحدودية وهيئات الجمارك التابعة لها، تتسم بدرجة أعلى من الانضباط والرقابة من نظيرتها على الجانب العراقي.87 وقد أسفر تعدّد الجهات الأمنية والإدارية في العراق وغياب رؤية موحدة حيال طبيعة العلاقة والتبادلات مع إيران عن قدر كبير من الارتباك والبلبلة. وحتى عمليات بسيطة مثل تنظيم توافد الحجّاج أو استيراد الخضروات عبر الحدود الإيرانية العراقية تبدو أحيانًا فوضوية.88

نظرًا إلى هذا التفاوت في القوة، لم ترَ إيران ضرورة للاستجابة إلى الشكاوى العراقية المتعلقة بتحويل مجاري أنهار وروافد بعيدًا عن الأراضي العراقية. وقد أدّى ذلك إلى تداعيات ألقت بظلالها ليس على البصرة فحسب، بل أيضًا على محافظات أخرى، مثل ديالى التي تعاني من ندرة المياه وتواجه موجات جفاف حادة. وقد اشتكت وزارة الموارد المائية العراقية مرارًا وتكرارًا من عدم مراعاة إيران حاجات العراق من المياه العذبة.89

في غضون ذلك، أبدت إيران اهتمامًا أكبر بزيادة حجم صادراتها إلى السوق العراقي، بهدف تخفيف تأثير العقوبات الأميركية المفروضة عليها.90 وفي هذا الإطار، ذكر مسؤولون إيرانيون أنهم يهدفون لزيادة قيمة التبادلات التجارية السنوية مع العراق إلى 20 مليار دولار، على الرغم من أن وباء فيروس كورونا وما رافقه من إغلاق للمعابر الحدودية زاد صعوبة بلوغ هذا الهدف.91 فقد بلغت القيمة الإجمالية للصادرات الإيرانية إلى العراق 6.1 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2021.92 وحتى الآن، تمثّل المنتجات الزراعية 23 في المئة من الصادرات الإيرانية إلى العراق.93 علاوةً على ذلك، عمدت إيران إلى زيادة صادراتها من الأسماك إلى العراق، بعد أن أدّى ارتفاع مستويات الملوحة والتلوّث في نهر شط العرب إلى إلحاق الضرر بمصائد الأسماك العراقية.94 ويعود سبب ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى انخفاض القدرة التنافسية لدى المزارعين العراقيين، ما يُعزى في جزء منه إلى انخفاض قيمة العملة الإيرانية، وفي جزئه الآخر إلى ندرة المياه وسوء الإدارة في العراق. وعلى ضوء ذلك، لا تمتلك طهران، التي تواجه أيضًا نقصًا في المياه، أي حافز لمساعدة المزارعين العراقيين.

وتكمن إحدى الوسائل التي سعت إيران من خلالها إلى زيادة صادراتها في محاولة إقناع بغداد بإنشاء خط سكة حديد يربط بين الشلامجة والبصرة.95 وثمة هدفان مُعلَنان لهذا المشروع: الأول هو تسهيل مرور الحجّاج بين إيران والعراق، وبالتالي تعزيز الروابط الدينية والثقافية بين البلدين؛96 أما الثاني فهو ربط البلدَين بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وبالتالي فتح ممر يسمح بنقل السلع من آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.97 وغالبًا ما يتم تصوير الهدف الثاني على أنه يتمتّع بأهمية جيوسياسية، إذ تسعى من خلاله إيران وحلفاؤها العراقيون إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين والاستفادة منها لتقويض النفوذ الأميركي.98

لكن يبدو واضحًا أن طهران مهتمة بالمشروع أكثر من بغداد. ففي كانون الأول/ديسمبر 2021، أعلن وزير النقل الإيراني خلال زيارته إلى العراق أن البلدَين وقّعا اتفاقًا لبناء سكة الحديد.99 لكن المسؤولين العراقيين أدلوا بتصريحات متضاربة حول هذه المسألة،100 ويبدو أن بغداد تميل إلى دعم المشروع مقابل قيام إيران بمساعدتها على الحدّ من نفوذ الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري، وتأدية دور بنّاء أكثر في الشؤون العراقية.101 صحيحٌ أن المشروع سيسهّل حركة الأشخاص والبضائع بين البلدَين، إلا أنه سيزيد على الأرجح من اعتماد الأسواق العراقية على المنتجات الإيرانية، ما يُلحق ضررًا أكبر بالمزارعين والمنتجين العراقيين.

هذه هي تحديدًا النقطة التي يُركّز عليها منتقدو هذا المشروع، قائلين إن سكة الحديد ستخدم الموانئ الإيرانية على الخليج العربي، بما فيها ميناء الإمام الخميني في خوزستان، الذي يمكن أن يصبح نقطة استقبال رئيسة للبضائع الآتية من آسيا إلى الشرق الأوسط. وبالتالي، ستحدّ سكة الحديد بين الشلامجة والبصرة من الفوائد التي توقّع العراقيون تحقيقها من مشروع بناء ميناء الفاو، الذي انطلق العمل به رسميًا في العام 2020. وتتولّى شركة دايوو الكورية الجنوبية بناء الميناء الذي من المتوقَّع أن يصبح أكبر ميناء في الشرق الأوسط. ومن المفترض أن يسهم في تنويع الاقتصاد العراقي وتعزيز النمو الاقتصادي، ما يجعل البلاد طريقًا تجاريًا إقليميًا يشكّل صلة وصل بين آسيا والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا.102 لكن، قد يكون إصرار طهران على تسريع وتيرة بناء خط سكة الحديد بين البصرة والشلامجة مدفوعًا برغبتها في ربط السكة بميناء الإمام الخميني في الدرجة الأولى، وضمان أن يؤدي ميناء الفاو دورًا أقل أهمية.

قد يحوّل خط سكة الحديد بين الشلامجة والبصرة المنطقة الحدودية العراقية الإيرانية والعلاقات العابرة للحدود، من خلال توفير الفرص الاقتصادية والوظائف وبالتالي الحدّ من الحوافز التي تدفع الكثير من السكان إلى الانخراط في أنشطة غير مشروعة. كذلك، يمكن لهذا المشروع أن يتيح فرصًا لتعزيز التنسيق بين بغداد وطهران بشأن مسائل أخرى، من ضمنها إدارة أزمة ندرة المياه. لكن ثمة أيضًا احتمال غير مشجِّع يتمثّل في أن يصبح خط سكة الحديد مجرّد مشروع آخر خُطَّط له مركزيًا ويتغاضى عن الظروف البيئية التي تعانيها المنطقة ويفاقم مشاكلها. كذلك، إذا نُفِّذ هذا المشروع بشكل أساسي من أجل تحقيق مصالح طهران الاستراتيجية، على الرغم من قلق العراق من تأثيراته المُحتملة، فسيشكّل تجسيدًا آخر لعلاقة قائمة على هيمنة طرف على آخر بدلًا من شراكة يكون فيها الجانبان على قدم مساواة.

خاتمة

ولّد التدهور البيئي في محافظة البصرة والعلاقة المشحونة القائمة منذ عقود في المنطقة الحدودية بين العراق وإيران أوضاعًا هشّة ومتقلّبة للغاية على المستوى الاجتماعي الاقتصادي. وارتكز ذلك على مزيج من العوامل، بدءًا من موجات النزوح إلى المدن، والبطالة والعمالة الناقصة، والاقتصاد القائم على جني الريع والأنشطة غير المشروعة، واستمرار العنف. وقد غذّت العلاقة غير المتكافئة بين العراق وإيران هذه الأوضاع، إذ إن كفة العلاقات الحدودية بين البلدَين ترجح بشكل كبير لصالح إيران. وترسم معالم هذه العلاقة الهموم الأمنية من جهة، وتوق إيران إلى الهيمنة الإقليمية، الذي يتجسّد من خلال الشراكة بين الحرس الثوري الإيراني والمجموعات المسلحة غير الدولتية وشبه الدولتية.

لكن التحديات المشتركة في المنطقة الحدودية من شأنها أن توفّر أيضًا أساسًا لترميم هذه العلاقة وإعطاء الأولوية مجدّدًا إلى الحاجات الاجتماعية والسياسية على حساب الاعتبارات الأخرى. فإذا نظر العراق وإيران إلى التدهور البيئي عبر الحدود على أنه حافز لهما للتنسيق مع بعضهما البعض، وتجسّد هذا الإدراك من خلال وضع خطة ثنائية لتحقيق النمو الاقتصادي والإصلاح البيئي وتستند إلى المصالح المشتركة بينهما، فقد يؤدي ذلك إلى مقاربة للمسائل الحدودية تحقّق منافع أكبر للجانبَين.

يمكن أن تبدأ هذه المقاربة بالعمل على وضع سياسة مشتركة لمعالجة ندرة المياه العذبة والتغيّر المناخي. وقد تتعاون بغداد وطهران أيضًا على مستوى تبادل الخبرات والقدرات التكنولوجية لمواجهة التداعيات المضرّة بالبيئة الناجمة عن قطاع النفط. في الواقع، ترزح البصرة وخوزستان تحت وطأة تهديدات خطيرة نتيجة شح المياه والتلوث، وزادت الأنشطة العسكرية في السنوات السابقة الأمور سوءًا. لذا، يبدو الوقت مناسبًا اليوم للاتفاق على تعريف جديد للأمن في المنطقة الحدودية، حيث يمكن أن تساعد الجهود المشتركة للحفاظ على البيئة وإعادة إحياء القطاع الزراعي وأنماط الحياة التقليدية في قَلب الديناميكيات المدمّرة السائدة الآن. وينبغي إعادة تصوّر مفهوم الأمن القومي ليشمل الأمن البشري والاستدامة البيئية.

من المستبعد أن يتحقّق كل ذلك في المستقبل المنظور، لكن العراق بحاجة ماسة إلى كسر حلقة انعدام الاستقرار المرشحة للتفاقم في البصرة والجنوب. وما لم تتوصّل الدولة العراقية إلى طريقة لقَلب حالة التداعي البيئي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، فستتفاقم المشاكل التي تعانيها، ما يضمن استمرار الانفلات الأمني وتنامي الاضرابات الاجتماعية، وبالتالي تقويض مصالحها القومية. وهذا ليس وضعًا يستطيع المسؤولون العراقيون تجاهله، ولا سيما أن العراق قد شهد نزاعات عدة بسبب المسائل المرتبطة بحدوده.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

1 بدر شاكر السياب، أنشودة المطر، https://www.alqasidah.com/poem.php?ip=4231.

2 Yassen K. al-Timimi and Aws A. al-Khudhairy, “Spatial and Temporal Temperature Trends on Iraq During 1980–2015,” Journal of Physics conference series 1003, 2018, https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1742-6596/1003/1/012091/pdf.

3 Michael Knights, Crispin Smith, and Hamdi Malik, “Discordance in the Iran Threat Network in Iraq: Militia Competition and Rivalry,” CTCSentinel 14, no. 8 (2021), https://ctc.usma.edu/wp-content/uploads/2021/10/CTC-SENTINEL-082021.pdf.

4 Safaa al-Asadi, “The Future of Freshwater in Shatt al-Arab River (Southern Iraq),” Journal of Geography and Geology 9, no. 2 (2017), https://doi.org/10.5539/jgg.v9n2p24.

5 Khayyun Amtair Rahi, “Salinity Management in the Shatt Al-Arab River,” International Journal of Engineering and Technology 7, no. 4 (2018): 128–133, doi:http://dx.doi.org/10.14419/ijet.v7i4.20.25913.

6 K. H. Kaikobad, “The Shatt-al-Arab River Boundary: A Legal Reappraisal,” British Yearbook of International Law 56, issue 1 (1985): 49–110, http://www.jstor.org/stable/4283303.

7 Safaa al-Asadi, “The Future of Freshwater in Shatt al-Arab River (Southern Iraq)”.

8 Khayyun Amtair Rahi, “Salinity Management in the Shatt al-Arab River,” 29.

9 المصدر السابق، ص. 129.

10 Reider Visser, Basra, the Failed Gulf State: Separatism and Nationalism in Southern Iraq (New Jersey: Transactions Publishers, 2005), 16.

11 Svat Soucek, “Arabistan or Khuzistan,” Iranian Studies 17, no. 2/3 (Spring–Summer 1984): 195–213, http://www.jstor.org/stable/4310441.

12 Alexander Melamid, “The Shaṭṭ Al-‘Arab Boundary Dispute,” Middle East Journal 22, no. 3 (1968): 350–357, http://www.jstor.org/stable/4324304.

13 Svat Soucek, “Arabistan or Khuzistan,” 207.

14 Will D. Swearingen, “Geopolitical Origins of the Iran-Iraq War,” Geographical Review 78, no. 4 (October 1988): 405–416, https://doi.org/10.2307/215091.

15 المصدر السابق. انظر أيضًا:
Suadad al-Salhy, “Al-Faw Peninsula: 30 Years On and Ghosts of the Iraq-Iran War Remain,” Arab News, August 19, 2018, https://www.arabnews.com/node/1358996/amp.

16 استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

17في حين أن بعض الروايات تشير إلى أن الهدف كان الانتقام من السكان المحليين على خلفية دعمهم المتصوَّر للتمرد، اعتبرت روايات أخرى أن ما جرى هو إعادة إحياء لخطط الري القديمة التي كانت فائمة في ظل الإدارة الاستعمارية البريطانية. للقراءة عن الحجة الأولى، انظر:
Human Rights Watch, “The Iraqi Government Assault on the Marsh Arabs,” January 2003, https://www.hrw.org/legacy/backgrounder/mena/marsharabs1.htm.
وللاطّلاع على الحجة الثانية، انظر:
Hanne Kirstine Adriansen, “What Happened to the Iraqi Marsh Arabs and Their Land? The Myth About Garden of Eden and the Noble Savage,” Danish Institute for International Studies, 2014, https://www.files.ethz.ch/isn/18548/Iraqi_Marsh_Arabs.pdf.

18 United Nations, Restoring Iraqi Marshlands Project Launched by UN Environment Program,” July 2004, https://www.un.org/press/en/2004/ik449.doc.htm.

19 P. Schwartzstein, “Iraq’s Famed Marshes are Disappearing—Again,” National Geographic, July 9, 2015, https://on.natgeo.com/3MDKpTn.
انظر أيضًا:
“Draining of the Mesopotamian Marshes,” Placeandsee.com, accessed March 8, 2022, https://placeandsee.com/wiki/draining-of-the-mesopotamian-marshes.

20 Sinan Mahmoud and Robert Tollast, “Iraq Faces Harsh Summer of Water Shortages as Turkey and Iran Continue Dam Projects,” May 2021, National (Abu Dhabi), https://www.thenationalnews.com/mena/iraq-faces-harsh-summer-of-water-shortages-as-turkey-and-iran-continue-dam-projects-1.1229371.

21 Khayyun Amtair Rahi, “Salinity Management in the Shatt Al-Arab River,” 130; and Safaa A.R. al-Asadi and Abdulzahra A. Alhello, “General Assessment of Shatt al-Arab River, Iraq,” International Journal of Water 13, no. 4 (2019): 362, htts://doi.org.10.1504/IJW.2019.106049.

22 Tamer Badawi, “Iran’s Upstream Hegemony and Its Water Policies Towards Iraq,” Italian Institute for International Political Studies, February 26, 2020, https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/irans-upstream-hegemony-and-its-water-policies-towards-iraq-25173.

23 المصدر السابق. انظر أيضًا:
Khayyun Amtair Rahi, “Salinity Management in the Shatt Al-Arab River,” 129–130.

24 France 24, “For War-Scarred Iraq, Climate Crisis the Next Great Threat,” July 8, 2021, https://www.france24.com/en/live-news/20210708-for-war-scarred-iraq-climate-crisis-the-next-great-threat.

25 Safaa A.R. al-Asadi and Abdulzahra A. Alhello, “General Assessment of Shatt al-Arab River, Iraq,” 368.

26 مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، وزير ونائب سابق من البصرة، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

27 Hadi Allafta and Christian Opp, “Spatio-Temporal Variability and Pollution Sources Identification of the Surface Sediments of Shatt al-Arab River, Southern Iraq,” Nature, Scientific Reports 10, article number 6979 (2020), https://www.nature.com/articles/s41598-020-63893-w.

28"العراق: أزمة مياه في البصرة: عقود من سوء الإدارة والتلوّث والفساد"، هيومن رايتس ووتش، 22 تموز/يوليو 2019، https://www.hrw.org/ar/news/2019/07/22/331730

29 Wim Zwijnenburg, “Troubled Waters: Documenting Pollution of Iraq’s Shatt al-Arab River,” Bellingcat, November 10, 2020, https://www.bellingcat.com/news/mena/2020/11/10/troubled-waters-documenting-pollution-of-iraqs-shatt-al-arab-river.

30 Tehran Bureau, “How Iran’s Khuzestan Went from Wetland to Wasteland,” Guardian, April 16, 2015, https://www.theguardian.com/world/iran-blog/2015/apr/16/iran-khuzestan-environment-wetlands-dust-pollution.

31 المصدر السابق.

32 استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022؛ وإلى مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، وزير ونائب سابق من البصرة، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

33انخفض عدد أشجار النخيل من نحو 12 مليون شجرة أواخر سبعينيات القرن المنصرم إلى 2.8 مليون في العام 2021. انظر:
United Nations Economic and Social Commission for Western Asia and Bundesanstalt für Geowissenschaften und Rohstoffe (Federal Institute for Geosciences and Natural Resources), “Inventory of Shared Water Resources in Western Asia,” Beirut (2013): 156, http://waterinventory.org/sites/waterinventory.org/files/00-inventory-of-shared-water-resources-in-western-asia-web.pdf

34استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

35المصدر السابق.

36للاطلاع على المزيد من التفاصيل حول الانتفاضة، انظر:
Faleh A. Jabar, “Why the Uprisings Failed,” Middle East Report, no. 176 (1992): 2–14, https://merip.org/1992/05/why-the-uprisings-failed

37أطلق حزب البعث اسم "نهر القائد" على القناة. للمزيد من المعلومات عن الجدل الطويل حول أهداف هذا المشروع الرامي إلى تصريف المياه الملوّثة، انظر:
Christopher Bellamy, “Iraqi Push to Complete Strategic ‘Third River,’” Independent, August 30, 1992, https://www.independent.co.uk/news/world/iraqi-push-to-complete-strategic-third-river-1580538.html

38اللجنة الوطنية للسياسات السكانية، "تحليل الوضع السكاني في العراق"، صندوق الأمم المتحدة للسكان، حزيران/يونيو 2012، 88-89، https://iraq.unfpa.org/sites/default/files/pub-pdf/Arabic%20PSA%20Report%202012.pdf

39استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022؛ وإلى مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع حسن الجنابي، وزير سابق للموارد المائية، 20 كانون الأول/ديسمبر 2021.

40استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

41 Iran International, “Iran’s Currency Continues Its Dangerous Fall With Little To Stop It,” August 2021, Iran International, https://old.iranintl.com/en/iran/irans-currency-continues-its-dangerous-fall-little-stop-it.
انظر أيضًا:
Carlotta Gall, “Turkish Currency Hits a New Low, Again,” New York Times, December 2021, https://www.nytimes.com/2021/12/16/world/middleeast/turkish-lira-currency-erdogan-turkey.html.

42مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الموظفين العراقيين القانونيين المسؤولين عن فرض قيود على الواردات، بغداد، نيسان/أبريل 2021.

43المصدر السابق.

44 مشرق ريسان، "العراق: انتقادات سياسية للحكومة ووزارة الزراعة لمنع استيراد الطماطم"، القدس العربي، 3 أيلول/سبتمبر 2021،
https://www.alquds.co.uk/العراق-انتقادات-سياسية-للحكومة-ووزار

45 Dilan Sirwan, “Iraq Second Biggest Customer for Iran’s Increased Exports,” Rudaw, November 2021, https://www.rudaw.net/english/middleeast/iran/271120211#:~:text=Earlier%20this%20year%2C%20Iran%20said,Iran’s%20%2412.5%20billion%20in%20exports.

46 International Organization for Migration and Social Inquiry, “Migration Into a Fragile Setting: Responding to Climate-Induced Urban Urbanization and Inequality in Basra, Iraq,” (2021): 11, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/IOM%20Iraq%20Migration%20into%20a%20Fragile%20Setting-Responding%20to%20Climate-Induced%20Informalization%20and%20Inequality%20in%20Basra.pdf.

47استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

48المصدر السابق.

49المصدر السابق، ومقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

50 استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022 ؛ انظر عمار الصالح، "بعد أن كان في الصدارة عالميا في إنتاج التمور.. العراق يسعى لطرق حديثة لإكثار النخيل"، الجزيرة، 12 آب/أغسطس 2021،
https://www.aljazeera.net/ebusiness/2021/8/12/سلة-العراق-الضائعة-ما-حال-تمر-نخيل

51 استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

52مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

53 “Protesters Set Fire to Iranian Consulate in Basra,” Guardian, September 7, 2018, https://www.theguardian.com/world/2018/sep/07/protesters-set-fire-to-iranian-consulate-in-basra.

54مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

55استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

56 International Organization for Migration and Social Inquiry, “Migration Into a Fragile Setting: Responding to Climate-Induced Urban Urbanization and Inequality in Basra, Iraq,” 18–19.

57استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

58المصدر السابق.

59المصدر السابق.

60 المصدر السابق.

61المصدر السابق.

62أفاد بعض السكان أن هذه المجموعات المسلحة استخدمت شعار وحدات الحشد الشعبي لإنشاء حاويات في قضاء شط العرب لتخزين المعدات المستوردة من إيران، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني. وشملت هذه المعدات أسلحة وذخائر لم تخضع لرقابة أو تدقيق من إدارة الحدود، إما لأنها كانت مصنّفة كإمدادات أمنية أو ببساطة خوفًا من المجموعات المسلحة.

63 Agence France Press, “‘Worse Than a Jungle’: The Cartel Controlling Iraqi Borders, France 24, March 29, 2021, https://www.france24.com/en/live-news/20210329-worse-than-a-jungle-the-cartel-controlling-iraqi-borders.

64مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع خبير في شؤون البصرة طلب عدم ذكر اسمه، 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

65حدّد السكان المحليون بعض نقاط العبور منها: السيبة (أبو الخصيب)، والحطة، والمياح، والحوافض، والزريجي (شط العرب)، والصخرة، والثغر، والشرش (القرنة). واستنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

66استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

67مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع مسؤول جمركي في معبر حدودي بين العراق وإيران فضّل عدم ذكر اسمه، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

68المصدر السابق.

69المصدر السابق.

70علي السويعدي، "انتشار المخدرات في العراق.. من دولة عبور إلى إدمان الكريستال والحشيش"، العين الإخبارية، 29 آذار/مارس 2021،
https://al-ain.com/article/drug-addiction-iraq-human-rights

71مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع خبير في شؤون البصرة، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021؛ واستنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

72مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ناشط من ميسان، 22 كانون الثاني/يناير 2022.

73مقابلات ومحادثات عدّة أجراها المؤلّف مع مسؤولين وسكان عراقيين في البصرة وميسان.

74 Georgios Barzoukas, “Drug Trafficking in the MENA: The Economics and the Politics,” European Union Institute for Security Studies (EUISS), November 2017, https://www.iss.europa.eu/content/drug-trafficking-mena-–-economics-and-politics;
انظر أيضًا:
Ben Hubbard and Hwaida Saad, “On Syria’s Ruins, a Drug Empire Flourishes,” New York Times, December 5, 2021, https://www.nytimes.com/2021/12/05/world/middleeast/syria-drugs-captagon-assad.html.

75استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

76المصدر السابق.

77أحمد السهيل، "المخدرات تفتك بالمجتمع العراقي وإجراءات الحكومة أقل من الكارثة"، اندبندنت عربية، 25 كانون الأول/ديسمبر 2020،
https://www.independentarabia.com/node/179506/سياسة/تقارير/المخدرات-تفتك-بالمجتمع-العراقي-وإجراءات-الحكومة-أقل-من-الكارثة

78مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ناشط من ميسان، 22 كانون الثاني/يناير 2022.

79 Max Boot, “Iran-Backed Militias in Iraq Poised to Expand Influence,” Council on Foreign Relations, October 2013, https://www.cfr.org/in-brief/iran-backed-militias-iraq-poised-expand-influence.

80 مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع خبير في شؤون البصرة، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

81 استنادًا إلى محادثات أجراها الكاتب مع عدد من المسؤولين العراقيين، بغداد، نيسان/أبريل 2021.

82 Martin Chulov, “Amid Syrian Chaos, Iran’s Game Plan Emerges: A Path to the Mediterranean,” Guardian, October 8, 2018, https://www.theguardian.com/world/2016/oct/08/iran-iraq-syria-isis-land-corridor.

83 استنادًا إلى بيانات تم جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في القترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

84 محادثات خاصة أجراها المؤلّف مع مسؤول عراقي، بغداد، آذار/مارس 2021.

85 المصدر السابق.

86 Nimet Karaaslan, “Tehran’s Corridor to the Mediterranean Sea,” EuroPolitika, December 3, 2021, http://www.europolitika.com/tehrans-corridor-to-the-mediterranean-sea.

87 مقابلة أجراها المؤلّف عبر الهاتف مع ضياء الأسدي، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

88 على سبيل المثال، في العام 2021، خلال زيارة الحجّ السنوية لإحياء ذكرى الأربعين التي تقام في اليوم الأربعين بعد ذكرى عاشوراء، عبر مئات الآلاف من الحجّاج الإيرانيين الحدود من دون تأشيرات، وذلك بسبب غياب التنسيق الكافي بين العراق وإيران حيال متطلبات المرور عبر الحدود، فضلًا عن الخلافات القائمة بين مختلف السلطات العراقية.

89 Ali Jawad, “Iraq Urges Iran to Respect Its Water Rights Amid Dispute,” Anadolu Agency, July 11, 2021, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/iraq-urges-iran-to-respect-its-water-rights-amid-dispute/2301119.

90 Fars News, “Iran Ups Non-Oil Exports to Iraq by 31 Percent in 5 Months,” September 2021, Fars News, https://www.farsnews.ir/en/news/14000624000616/Iran-Ups-Nn-Oil-Exprs-Ira-by-3-Percen-in-5-Mnhs.

91 MENAFN, “Iran’s Export to Iraq Increases by 15 percent in 8 months,” December 22, 2021, MENAFN, https://menafn.com/1103426240/Irans-export-to-Iraq-increases-by-15-percent-in-8-months.

92المصدر السابق.

93 “Agricultural Products Account for 23% of Iran’s Export to Iraq,” Tehran Times, June 9, 2021, https://www.tehrantimes.com/news/461787/Agricultural-products-account-for-23-of-Iran-s-export-to-Iraq.

94استنادًا إلى بيانات تمّ جمعها ومقابلات أجراها الباحثان المساعدان علاء الشمري ومرتضى سليم في البصرة في الفترة المُمتدة من آب/أغسطس 2021 إلى كانون الثاني/يناير 2022.

95 “Rouhani Says Shalamcheh-Basra Railway to Connect Iran to Iraq, Syria, and the Mediterranean,” Asharq al-Awsat, May 2021, https://english.aawsat.com/home/article/2972166/rouhani-says-shalamcheh-basra-railway-connect-iran-iraq-syria-and-mediterranean.

96 “Iran, Iraq Nearing Historic Agreement on Connecting Railway Systems,” Global Construction Review, May 2021, https://www.globalconstructionreview.com/iran-iraq-nearing-historic-agreement-connecting-ra.

97 “Iraq Ties Itself to China Via Belt & Road Rail Links Between Basra and Iran’s Shalamcheh,” Silk Road Briefing, May 2021, https://www.silkroadbriefing.com/news/2021/05/19/iraq-ties-itself-to-china-via-belt-road-rail-links-between-basra-and-irans-shalamcheh.

98 “Iran Intends to Improve Port Rail Connections to Develop International Trade,” Ports Europe, February 24, 2020, https://www.portseurope.com/analysis-iran-intends-to-improve-port-rail-connections-to-develop-international-trade;
انظر أيضًا:
“Iran Wants to Take Over Iraqi and Syrian Cargo Flow with Latakia Port & Railway Line,” Ports Europe, July 16, 2019, https://www.portseurope.com/iran-wants-to-take-over-iraqi-and-syrian-cargo-flow-with-latakia-port-railway-line.

99 “Iran, Iraq Ink Deal on Completing Shalamcheh-Basra Railway,” Tehran Times, December 27, 2021, https://www.tehrantimes.com/news/468488/Iran-Iraq-ink-deal-on-completing-Shalamcheh-Basra-railway.

100 “Iran, Iraq Move Closer to Construct Cross-Border Railway,” Middle East Monitor, December 30, 2021, https://www.middleeastmonitor.com/20211230-iran-iraq-move-closer-to-construct-cross-border-railway.

101محادثة خاصة أجراها المؤلّف مع مسؤول عراقي، بغداد، نيسان/أبريل 2021.

102 David Rogers, “Iraq’s Al Faw Port to Become Largest in Middle East,” Global Construction Review, September 21, 2021, https://www.globalconstructionreview.com/iraqs-al-faw-port-to-become-largest-in-middle-east.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.