REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

الأفلام السياسية وسياسات صناعة الأفلام

على مدى العقدين الأخيرين تشكلت سياسات السينما المصرية - صناعة السينما التجارية الوحيدة في العالم الناطق باللغة العربية - بالمسائل الأعرض مثل العولمة الاقتصادية ومفاهيم الهوية الوطنية.

نشرت في ٤ سبتمبر ٢٠٠٨

على مدى العقدين الأخيرين تشكلت سياسات السينما المصرية - صناعة السينما التجارية الوحيدة في العالم الناطق باللغة العربية - بالمسائل الأعرض مثل العولمة الاقتصادية ومفاهيم الهوية الوطنية. وعالجت بعض الأفلام موضوعات سياسية صريحة، بما في ذلك "الحلم الأمريكي"، والمظالم التي تلحق بالفلسطينيين وحركات الاعتراض الإسلامية. طبيعة تلك الأفلام متأثرة بقوة بالسياق الممتد الذي أنتجت فيه. انظر، مثلا، مصير "الأبواب المغلقة؛ 1999.

في "الأبواب المغلقة"، يجند الإسلاميون صبيا في بداية المراهقة في مدرسة حكومية. كان "الأبواب المغلقة" فيلما ضد الإسلاميين، مثله مثل جميع الأفلام المصرية، التي تتناول مسألة التعبئة السياسية في أرجاء المنطقة. كان موقع تجنيد الصبي هو المميَّز. فالتصوير المعتمد من الدولة للإسلام السياسي يتجاهل عادة وجود الإسلاميين في المؤسسات الحديثة مثل نظام التعليم العام، رغم أن الإسلاميين ليسوا غرباء عن مثل تلك المؤسسات. لا يجوز أن يأتوا من حيث تعتبر الدولة أنه أرضها.

عند النظرة الأولى يبدو الفيلم واحدا من أجرأ البيانات السياسية في العقد الماضي من السينما المصرية. لكن سياسات السينما المصرية، أملت أنه بينما يتم تسويق "الأبواب المغلقة" على نطاق واسع في أوروبا والولايات المتحدة كفيلم مصري، فلايكاد يُشاهَد في بلده الأصلي. فلم يسهم في الحوارات المحلية حول دور الدين في السياسة أو المجتمع. كان أحد أسباب تهميش الفيلم أن تمويله أتى من مؤسسات ثقافية فرنسية. وهكذا، فإن "الأبواب المغلقة" كان من نتاج "العولمة"، لكن من نوع لايثق به كثير من المصريين، نقادا وجمهورا على السواء - عولمة لم تشكلها الحركة الطليقة للمنتجات الاقتصادية والثقافية، إنما شكلها ما يرون أنه حركة معادية للقومية تحت رعاية أجنبية. كما أن "الأبواب المغلقة" انتقد السياسات الإسلامية بلغة تدين المؤسسات القومية المصرية.

كثير من الأفلام المصرية تنتقد المؤسسات القومية، لكن المهم، أنها مولت من رأسمال محلي، أو في الأقصى، إقليمي، ولا تعرض خارج العالم الناطق بالعربية.. ربما كان "الأبواب المغلقة" فشلا تجاريا أيضا لأسباب أخرى. فأسلوبه الواقعي يختلف عن الاتجاهات السينمائية المحلية الجارية؛ فقد احتوى على خط "أوديبي" ثقيل ربما كان سيصدم الجمهور بكونه غير معقول. ولم يكن فيه أي "نجوم شباك". لكن الأهم هو أن الجمهور ربما لم يكن ليقبل تأكيد الفيلم أن أصدقاءهم وأقاربهم وزملاءهم الأتقياء ربما يكونوا مصابين بـ "إسلامية سياسية" خطرة. هذه كلها علامات مؤكدة على أن الرسالة التي يروج لها "الأبواب المغلقة" بعيدة عن التناسق مع السياسات المعتادة لصناعة الأفلام المصرية.

في بعض الأحيان، اجتذبت السينما المصرية الاهتمام في الولايات المتحدة ليس بسبب معارضتها الإسلام السياسي، إنما بسبب ترويج العداء لأمريكا أو حتى العداء للسامية. هذا النوع من الاتهامات مبالغ فيه، في مقابل الانحياز ضد العرب المتفشي في أجزاء من الإعلام الأمريكي. وتضم الأفلام التي صدمت الصحافيين الأمريكيين - وليس بالضرورة الجمهور المصري - باعتبارها خلافية، " صعيدي في الجامعة الأمريكية"؛ 1998، حيث يجد ريفي طريقه إلى الجامعة الأمريكية النخبوية في القاهرة، أو "ألو أمريكا"؛ 2000، حيث يزور رجل ابن عمه في نيويورك ويواجه ما يشبه الموسوعة من التنميطات المصرية حول الطبيعة غير الأخلاقية للمجتمع الأمريكي. لكنها يجب أن تُفهم في السياق نفسه مثل "الأبواب المغلقة". إنها ليست معادية لأمريكا بقدر ما هي وطنية. الأهم، أنها أبعد ما تكون عن "الموجة الضخمة" من العداء لأمريكا في العالم العربي التي كثيرا ما يشير إليها الإعلام الأمريكي.

الحقيقة أن العداء لأمريكا في السينما المصرية، في أفضل أحواله، اتجاه صغير ربما يكون قد استنفد أيامه. ففي العامين الأخيرين حتى الآن كان أهم فيلم مصري هو "سهر الليالي"؛ 2003 - استكشاف للمشاكل الزوجية يعرض عمدا على خلفية مجتمع مصري معولم تماما. يشبه "سهرالليالي" تجربة علمية تتحكم في كل العناصر المادية باختراع شخصيات، يمكن أن تكون حياتها في أي مكان - في لوس انجلوس أو مينيابوليس أو أي من مدن الضواحي. يسأل الفيلم عن أي علاقة يمكن أن تقوم بين الرجال والنساء المصريين، إن هي اختزلت إلى جوهرها باستئصال كل القلق حول النقود أو العصرية أو السياسة. "سهر الليالي" من نواح كثيرة هو اعتناق كلي للعولمة، لكنه اعتناق يتباين بقوة مع اعتناق "الأبواب المغلقة". فـ "سهر الليالي" يرسم مجتمعا بطريقة تضع مصر في العالم، بدلا من وضع مصر تحت ميكروسكوب متخيَّل في مختبر مصري أو أمريكي. وبالتالي كان الفيلم مدركا كليا لسياسات السينما المصرية وليس سياسات الأفلام المصرية. في التحليل الأخير، إن سياسات صناعة الأفلام هي التي تكشف كيف تعيد السينما المصرية تغليف العالم لجمهورها الأول.

** وولتر آرمبرَست محاضر جامعي في كلية سانت أنتوني، بجامعة أكسفورد.وهو محرر"وساطات جماهيرية" : تناولات جديدة للثقافة الشعبية في الشرق الأوسط وما بعده" (بيركلي: دار نشر جامعة كاليفورنيا، 2000) ومؤلف "الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصر" (كيمبريدج، دار نشر جامعة كيمبريدج، 1996) إلى العديد من المقالات حول الثقافة الشعبية والإعلام الجماهيري في مصر

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.