جاءت التطورات المفاجئة والعشوائية التي تعرضت لها الدولة السورية مؤخراً لتضع المملكة العربية السعودية أمام مفترق طرق فيما يتعلق بموقفها من أكراد سوريا. فالمملكة وهي الدولة التي عُرِفَت تاريخياً بتوجهاتها السياسية المحافظة والرافضة لأي شكل من أشكال التمرد أو الثورة على السلطة، وجدت نفسها في مواجهة وضع غير مسبوقة تتساوى فيه الفرص والمخاطر ويصعب فيه الاختيار. فالرياض تعلم أن دعمها للحكم الذاتي الكردي في سوريا قد يمنحها ورقة ضغط ثمينة تساعدها على مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا وفي المنطقة بأسرها، ولكنها في الوقت نفسه تعي أن هذا الدعم قد يقوض وحدة الأراضي السورية ويهدد هويتها ويزعزع استقراراها واستقرار المنطقة خاصة إن ترتب عليه قيام حكومة فيدرالية. يسعى هذا المقال إلى تحديد الموقف السعودي من الأكراد السوريين والتعرف على الفرص والمخاطر التي قد تترتب على هذا الموقف.
بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ٢٩ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٥، وجدت هيئة تحرير الشام1، ممثلة في الحكومة السورية المؤقتة التي يترأسها أحمد الشرع، نفسها في اختبار حقيقي لقدرتها على إدارة البلاد خاصة بعد أن أصبحت تسيطر على العاصمة السورية دمشق وما يقرب من ثلث الأراضي السورية. وعلى الرغم مما بذلته الإدارة الجديدة من مساعٍ حثيثة لتوحيد فصائل المعارضة المختلفة ودمجها في حكومة متماسكة تواجه التحديات المترتبة على العقوبات الدولية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية و منظمة الأمم المتحدة على حكومة بشار الأسد السابقة، إلا أن طرح الدستور المؤقت الجديد، الذي حدد الفقه الإسلامي كمصدر رئيس للتشريع، و تَواصُل حملة القمع العسكري ضد الطائفة العلوية، والتي أسفرت عن مقتل المئات من رجال الميليشيات والمدنيين العلويين، والقمع المستمر للدروز، قد فاقم من صعوبة وتعقيد الوضع الداخلي السوري.
ولعل ما يزيد الوضع تعقيداً هو أن سوريا حالياً تعاني من تنامي الفقر المدقع ومن تزايد عدد النازحين والمهجرين من مناطق الصراعات، حيث بلغ عدد السوريين الذي يعتمدون على المساعدات الإنسانية في معيشتهم حوالي ١٦.٥ مليون شخص في عام ٢٠٢٥. القمع العسكري ضد العلويين، إلى جانب الاحتجاجات من قبل المجتمعات الكردية والدروز ضد تجاهل الدستور المؤقت لحقوق الأقليات، يسلط الضوء على الصراعات المستمرة داخل البلاد. بالإضافة إلى ذلك، أدت هجمات تركيا والجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة على المناطق الكردية إلى نزوح ما يقرب من ١.١ مليون شخص، وأسفرت عن مقتل العديد من المدنيين والمقاتلين. والحقيقة أن الحكومة السورية الجديدة تواجه تحديات مضاعفة خاصة فيما يتعلق بقدرتها على طمأنة المجتمع الدولي بجديتها في حماية حقوق الأقليات في ظل تسلط الحملة العسكرية على العلويين واحتجاج الطائفتين الكردية والدرزية على إهمال الدستور المؤقت لحقوق الأقليات.
أما الداخل السوري فحدث ولا حرج، حيث تمزق الصراعات بين الفاعلين الدوليين والمحليين من أكراد وحكومة مؤقتة وتركيا وجماعات معارضة والجيش الوطني السوري أوصال النسيج الوطني. وتهدد الاشتباكات العسكرية مع الأكراد والدروز وتوالي الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الجنوب السوري بتفجر الوضع. وتتابع المملكة العربية السعودية هذه الصراعات بعين الترقب والقلق وتحاول ان تنتهج في تعاملها معها نهجاً حذراً يستند إلى الواقعية السياسية ويعتمد على تحليل تطورات الوضع الحالي ومدى تأثيره على مستقبل الأكراد السوريين.
السياسة السعودية تجاه سوريا
تركز سياسة المملكة العربية السعودية تجاه سوريا الجديدة على دعم الاستقرار والأمن وتجنب أي مواجهات مع الجماعات الإسلامية بينما تعبر سوريا المرحلة الحالية من التطورات الداخلية. وتسعى المملكة على مساعدة سوريا في استعادة هويتها العربية، وإبعادها عن السياسات القومية المعادية لإسرائيل التي اتبعها النظام السابق وتحقيق وحدة الأراضي السورية وحل قضية الاستقلال الكردي سلميا.
بشكل عام، ترى المملكة العربية السعودية أن إنهاء الوجود الإيراني يعد علامة إيجابية في سوريا الجديدة. في المستقبل، ستسعى الرياض إلى ضمان الهوية العربية والأمن والاستقرار في سوريا من خلال جهودها الخاصة وجهود حلفائها الإقليميين، بالإضافة إلى القضاء على النفوذ الإيراني. علاوة على ذلك، ستعطي الرياض الأولوية لإنشاء حكومة شاملة، وضمان وجود الأكراد في سوريا الجديدة، وإيجاد حل دائم لتهريب الكابتاغون من سوريا إلى المملكة العربية السعودية.
أما فيما يخص المكون الكردي السوري فالمملكة العربية السعودية تتبنى نهجا حذراً يعتمد على الانتظار والترقب لما ستسفر عنه محاولة تشكيل حكومة احتوائية تضم كافة أطياف الشعب السوري. ويمكن تفسير هذا الحذر السعودي بثلاثة أسباب رئيسة، أولها معارضة الرياض للإسلام السياسي، الذي تخشى ان ينتشر في المنطقة جراء الأنشطة الإسلامية لهيئة تحرير الشام، وثانيها تنامي التأثير التركي على الداخل السوري بشكل يهدد المصالح السعودية، وثالثها سيطرة هيئة تحرير الشام على ثلث سوريا وما قد يترتب على تلك السيطرة من عقبات قد تعوق إقامة دولة موحدة على المدى الطويل.
المملكة العربية السعودية والأكراد السوريون
على الرغم من أن موقف السعودية من الأكراد السوريين قد يشوبه شيء من الغموض إلا أنه من الجلي أنها تضع الحفاظ على استقرار وتماسك الدولة السورية والحفاظ على حقوق الأقليات، ومن بينهم الأكراد بالطبع من بين أهم اولوياتها. وبما أن المكون الكردي ليس واحداً من الجماعات العرقية الأصلية في تركيبة السكان في المملكة العربية السعودية، فهي لا تعاني من أي حساسية سياسية تجاههم وبالتالي عندما تتصاعد التوترات بين الحكومات الإقليمية والأكراد، لا يتجاوز رد الفعل الرسمي السعودي تقديم النصائح بضبط النفس أو إصدار التصريحات السياسية المعتادة في مثل تلك المواقف.
وتسعى المملكة في سياستها مع الأكراد السورين للتوصل لحلول للمشاكل التالية:
إسرائيل والأكراد
تنظر إسرائيل إلى الإدارة الإسلامية الجديدة في سوريا نظرة يغلب عليها التشاؤم والسوداوية، ولا تُخفي تل أبيب مساعيها الرامية لنشر الفوضى والانقسام في سوريا وهو ما اتضح في الأسابيع الأولى من خريف هذا العام عندما احتل الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة في مرتفعات الجولان، منتهكاً بذلك قرارات مجلس الأمن. ونفذ جيش الاحتلال ٣٠٠ غارة جوية اسفرت عن تدمير ما يقرب من ٧٠ إلى ٨٠ في المائة من المنشآت العسكرية السورية في المنطقة بما تحتويه من أسلحة متطورة، لتقضي على قدرات الجيش السوري الدفاعية والعسكرية الاستراتيجية.
وفي خطوة أخرى، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ١٥ كانون الأول/ ديسمبر الماضي بمضاعفة عدد السكان الإسرائيليين في مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما يعنى أن اسرائيل لا تزال تنظر إلى سوريا على أنها محور من محاور المقاومة تسود فيه الدولة الإسلامية التي يمكن أن تتحول في المستقبل إلى قوة معادية للصهيونية. وبالتالي تسعى تل أبيب لأي فرصة تتاح لها لتقويض فرصة انشاء حكومة موحدة وقوية ومستقرة في سوريا.
وهنا يأتي دور الأقليات السورية مثل الأكراد والدروز الذين تنظر إليهم إسرائيل كأدوات ثمينة لتحقيق أهدافها في تقويض وحدة الأراضي السورية. فقد دعمت إسرائيل استقلال الأكراد بقوة وأيدت نتائج الاستفتاء الكردي في ٢٠١٧، وأعلنت قبولها لنتائجه الداعية للاستقلال التام للإقليم الكردي. أما تأييدها ودعمها للدروز فكان واضحاً في حادثة جرمانة عندما استعدت إسرائيل للدفاع عن الدروز ضد القوات الرسمية السورية. والآن تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد الحكومة السورية في الجنوب ودعمه الدائم للأقليات المجزأة استراتيجية إسرائيل العامة الهادفة لإضعاف سوريا ومنع توحد شعبها.
كان التزام إسرائيل تجاه الأقليات السورية، بما في ذلك الدروز، واضحًا في حادثة جرامانا، حيث كانت القوات الإسرائيلية تستعد للدفاع عن الدروز ضد القوات السورية. تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضد حكومة سوريا في الجنوب ودعمه للأقليات المتفرقة الاستراتيجية الأوسع لإسرائيل في إضعاف سوريا ومنع إعادة توحيدها. ويثير هذا النهج الإسرائيلي مخاوف المملكة العربية السعودية التي تشعر بالخطر حيال تزايد الدعم الإسرائيلي للأقليات الذي يمكن أن يزعزع استقلال سوريا ويضعف هويتها العربية ويشجع على مزيد من الانقسام والتشرذم الداخلي الذي سيضع مستقبل سوريا على المحك ويهدد الاستقرار الإقليمي للمنطقة عوضاً عن تهديده للمصالح السعودية خاصة فيما يتعلق بالحكم الذاتي للأكراد.
وربما يذكرنا النهج الإسرائيلي في سوريا الجديدة ودعم تل ابيب المستمر للأقليات العرقية بتحالف الأطراف الذي تبنته إسرائيل في خمسينات القرن المنصرم والذي كانت أدبياته التوازنية تدعو إلى إنشاء علاقات مع دول غير عربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالتوازي مع العلاقات المُنشأة مع الدول العربية المحيطة بإسرائيل.
وبالتالي، فإن دعم الأقليات السورية يُعد وسيلة لإظهار معارضة تل أبيب للحكومة السورية الإسلامية وتخوفها من نشوء سوريا مستقبلية متحالفة مع الهوية العربية والجهادية. ولا ننسى تصريح جدعون ساعر، وهو وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست، أثناء حفل تنصيبه في نوفمبر 2021، قبل شهر من سقوط بشار الأسد، حيث قال إنه يجب على الحكومة الإسرائيلية التعامل مع الأكراد والدروز على أنهم "حلفاؤنا الطبيعيون".
وبينما تدعم إسرائيل إنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، انتشرت الأقاويل عن رغبة تل أبيب في إنشاء ما أسمته " ممر داوود" داخل الأراضي السورية لربط الدروز في الجنوب بالأكراد في الشمال الشرقي، لكن اتفاق السلام بين مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والرئيس السوري أحمد الشرع وأد هذا الحلم في مهده. ومع ذلك، فإن معارضة الأكراد للدستور المؤقت، الذي وجه ضربة قاسية لتطلعاتهم إلى الاستقلال وإلى اي صورة من صور الحكم الذاتي، لن تجعل التعاون المستقبلي بين هاتين الطائفتين واسرائيل مستحيلا. وبحسب تغريدة نشرها عميشاي شيكلي، وزير الشتات ومكافحة معاداة السامية من خلال منصة أكس فإن إسرائيل"ستعمل على حماية الأقلية الدرزية في المناطق القريبة من حدودها، ويجب بذل الجهود للدفاع عن جميع الأقليات السكانية في سوريا، مع التركيز على الأكراد، لحمايتهم من الإبادة الجماعية التي تقوم بها هيئة تحرير الشام الجهادية."
وتحرص الرياض على متابعة جهود الأكراد للتواصل مع الحكومات الأجنبية وصراعهم المستمر في سبيل تحقيق الاستقلال عن كثب، وهو حرص يستند إلى تخوف المملكة مما عُرف عن الأكراد تاريخياً من ميل للتعامل مع إسرائيل، أدى إلى وصمهم " بإسرائيل ثانية" في المنطقة، وتصاعد الشكوك في مستقبل العلاقات الكردية الإسرائيلية.
من جهة أخرى، يعكس الدعم الإسرائيلي المستمر للأقلية الدرزية في جنوب سوريا، والذي يشمل تقديم مساعدات شعبية لحوالي خمسون ألف درزي في مجموعة من القرى الواقعة على سفوح جبل الحرمون، بالإضافة إلى دعم نصف مليون درزي في منطقة جبل الدروز بمحافظة السويداء، والسماح للعمال الدروز بتولي وظائف في إسرائيل - على غرار العمال الأردنيين في منتجع إيلات أو العمال من جنوب لبنان الذين عملوا في إسرائيل خلال العقود الماضية - مؤشرات على ما قد تؤول إليه الروابط والعلاقات الاجتماعية والسياسية بين الأكراد السوريين وإسرائيل في المستقبل.
أما من حيث نوع هذا الدعم وشكل تقديمه فمن الممكن أن تقدم إسرائيل الدعم للميليشيات الكردية سراً أو من خلال الضغط على السلطة ومؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية. وقد تقرر تل أبيب تقديم المساعدات العسكرية للقوات الكردية من خلال توفير المعلومات الاستخبارية أو التدريب العسكري أو حتى التكنولوجيا المتقدمة مثل الطائرات المسيرة أو أنظمة المراقبة الالكترونية. والمملكة العربية السعودية التي تعرف تمام المعرفة قوة إسرائيل السياسية والعسكرية ونفوذها الدولي المتنامي لا يسعها إلا أن تأخذ كافة أنشطة تل أبيب في سوريا على محمل الجد والاهتمام.
الولايات المتحدة الأمريكية
بدأ الوجود العسكري الأمريكي في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2014، حيث تمركز نحو 2000 جندي أمريكي في قاعدة التنف الواقعة في جنوب البلاد، بالإضافة إلى مواقع أخرى في الشرق السوري. ومنذ ذلك الحين، أسست الولايات المتحدة تحالفات استراتيجية مع الجماعات الكردية، لا سيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وقد لعبت هذه القوات دورًا بالغ الأهمية في دعم الولايات المتحدة في معركتها ضد تنظيم داعش، بينما تولت الأخيرة توفير الدعم العسكري لها، بما في ذلك الأسلحة والتدريب.
أما بالنسبة للملكة العربية السعودية فإن الوجود المستمر للقوات العسكرية الأمريكية في سوريا يعتبر سلاحاً ذو حدين. فمن جهة، يشكل هذا الوجود حاجزًا رئيساً أمام محاولات إيران تعزيز نفوذها في سوريا، لا سيما من خلال وكلائها المعروفين بـ "محور المقاومة"، وتعطيل "الهلال الشيعي" وهو الشبكة التي تضم الميليشيات والقوات الشيعية المدعومة من إيران والتي تنطلق من طهران عبر العراق وسوريا وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط. ومن خلال تقليص نفوذ إيران في سوريا، تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في منع تعزيز هذا الممر الاستراتيجي. إلا أن هذا الوضع في الوقت ذاته يخلق تحديات أمام الاستقرار الإقليمي ويعقّد الأهداف الجيوسياسية الأوسع للمملكة في المنطقة.
والحقيقة أن الوجود الأمريكي في سوريا يخلق مشكلة أخرى أساسها صراع المصالح التركي الأمريكي. فتركيا ترى أن القوات الكردية الموجودة في سوريا، تحديدًا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب (YPG) التي تعد بشكل أساسي ميليشيات كردية، هي امتدادات لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية كتنظيم إرهابي وبالتالي لا تجد أنقرة أي غضاضة في مهاجمته عسكرياً. أما واشنطن التي تنظر لتلك القوات كعامل حاسم وهام في معركتها ضد داعش فهي لا تترد في دعمها وحمايتها. وتُبرز هذه الديناميكية التوترات الكبيرة القائمة بين حلفاء الناتو بسبب الوضع في سوريا، حيث تتصادم مخاوف تركيا الأمنية المتعلقة بالانفصال الكردي مع مصالح الولايات المتحدة في الحفاظ على التحالفات الكردية لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب وتحقيق التوازن بين الجماعات الإسلامية المتصارعة خاصة في ظل التشرذم الراهن في سوريا.
في ظل نظام الحكم المجزأ في سوريا، ترى الولايات المتحدة أن القوات الكردية هي مفتاح التوازن ضد الجماعات الإسلامية، بينما ترى السعودية أن الوجود الأمريكي يعوق استبعاد تركيا للأكراد. تهدف السعودية إلى حماية موارد النفط والغاز السورية، التي يسيطر عليها بشكل رئيسي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، مع ضمان الدعم العسكري الأمريكي لضمان استفادة سوريا من هذه الموارد وليس جماعات وفصائل معينة.
هناك٧٠ ٪ من حقول النفط والغاز في سوريا في المناطق الكردية، وعلى الرغم من أن ترامب قد أشار إلى أن الوجود الأمريكي في سوريا كان من أجل النفط، إلا أن المصالح السعودية قد لا تتماشى دائمًا مع السياسات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالأكراد، و قد يتسبب النهج الأمريكي في خلق عدم استقرار إقليمي وتجاهل للمصالح العربية، مما يؤدي إلى احتمال الانسحاب لصالح موقف تركيا.
ولكن المصالح الأمريكية والسعودية قد لا تتطابق دائماً خاصة مع عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وإعلانه المستمر أن الموقف الرسمي الأمريكي يضع مصلحة "اميركا أولاً" بدون أي اعتبارات دبلوماسية. والحقيقة أن النهج الأمريكي الجديد الذي لا يتردد في الاعتراف بأن الوجود الأمريكي في سوريا كان دائماً من أجل النفط قد يتسبب في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتهديد المصالح العربية. وفي حال قرر الرئيس ترمب سحب القوات الأمريكية من سوريا فإنه قد يفتح الباب أمام النفوذ التركي ويحسم الموقف لصالح أنقرة. ورغم أن الرياض تشعر بالقلق من احتمالات الهيمنة التركية إلا أنها قد تقبل هذا التحول كما يتضح من تعليقات ترامب على الإجراءات الاستراتيجية لتركيا في سوريا.
الأكراد كأداة للضغط على المنافسين
تُعتبر السياسة الخارجية الكردية سياسة نشطة واحتوائية وحريصة على التفاعل مع مختلف الدول بما فيها إسرائيل. وتستفيد المملكة العربية السعودية من هذا الانفتاح الاستراتيجي للضغط على منافسيها الإقليميين، وخاصة إيران التي تعرضت للعديد من الانتكاسات الكبرى في سوريا وغزة ولبنان في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. وبحسب ادعاءات وسائل الإعلام التركية فإن إيران تحاول الآن استعادة نفوذها في سوريا من خلال بعض المحاولات العسكرية التي لم تحقق نجاحاً يذكر مثل محاولتها لإرسال طائرات مسيرة إلى الأكراد السوريين، وهي المحاولة التي منيت بالفشل والتي انتقدها وزير الخارجية التركي هاكان في مقابلة مع قناة الجزيرة العربية في ٢٦ شباط/ فبراير.
ولكن الحقيقة هي أن الأدوات التي تستخدمها إيران لتعزيز نفوذها في سوريا قد تنقلب عليها وتتحول إلى عوامل مساعدة في يد خصومها وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي قد تستخدمها لبسط نفوذها في المناطق الكردية. وحتى إن اكتسبت إيران نفوذاً بين الأكراد في سوريا، فالرياض قادرة على حشد قوتها الناعمة وأدواتها المالية والاستثمارية في المنطقة لقص أجنحة طهران. وقد أثار الدعم السعودي لاستفتاء استقلال إقليم كردستان العراق في عام 2017 تساؤلات حول دوافع المملكة في معارضة وتقويض المصالح الإيرانية والتركية. وفي هذا السياق، قال الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، الذي يساند مشروع "كردستان الكبرى": "يجب أن نعمل على إنشاء كردستان الكبرى بوسائل سلمية، لأن ذلك سيقلل من طموحات تركيا وإيران والعراق". وكان المسؤولون الإيرانيون قد أعربوا عن اعتراضاتهم على هذا الدعم السعودي للأكراد، ففي نوفمبر 2016، صرح الجنرال رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بأن القنصلية السعودية في إقليم كردستان كانت تقدم "الأسلحة للجماعات المناهضة للثورة".
تظهر هذه التجارب أنه إذا تمكنت إيران من كسب النفوذ بين الأكراد السوريين، يمكن للسعودية أن تستخدم قوتها الناعمة وأدواتها المالية والاستثمارية في المنطقة لقص أجنحة إيران.
أما فيما يتعلق بتركيا، فقد أدانت كلٌ من المملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية، الهجوم التركي الثالث على شمال سوريا والمسمى " نبع السلام" في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأعربتا عن دعمهما لوحدة أراضي سوريا واستقلالها وسيادتها. وفي المقابل، رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: "يجب على المملكة العربية السعودية أن تنظر إلى المرآة"، في إشارة إلى تورط المملكة في النزاع اليمني.
وقد قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات كبيرة لقوات سوريا الديموقراطية وسعت إلى بناء علاقات مع القبائل العربية في المنطقة خلال سنوات الوجود التركي في شمال سوريا والحرب مع الأكراد. وكان هدف المملكة في تلك الفترة هو الحفاظ على نفوذها في شمال سوريا وتعزيز سيطرتها على الأكراد السوريين. وفي أواخر عام 2019، قدمت الرياض مبلغ 100 مليون دولار لقوات سوريا الديمقراطية وبعض ممثلي العشائر بهدف تعزيز التعاون بين الطرفين. كما زار ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي، مناطق دير الزور والرقة الخاضعة لسيطرة الأكراد في 13 يونيو 2019. وفي 25 نوفمبر 2019، زار وفد من قوات سوريا الديمقراطية السعودية بناءً على دعوة رسمية من المملكة. من خلال هذه الخطوات، تسعى المملكة إلى منع تركيا من القضاء على الأكراد عبر تقديم المساعدة المالية والتأثير على القبائل العربية المتحالفة معها.
الخاتمة
يقدم موقف المملكة العربية السعودية من الأكراد السوريين فرصًا استراتيجية ومخاطر محتملة. من ناحية، ترى الرياض أن الوجود الأمريكي في سوريا يمثل فرصة لتقليص تأثير إيران وتعطيل ما يُسمى بـ "الهلال الشيعي" — وهو شبكة من الوكلاء المدعومين من إيران تمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط. يُعتبر الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بمثابة توازن مضاد لجهود إيران في توطيد سلطتها، خصوصًا بعد سقوط الأسد. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة حليف رئيسي لضمان فشل طموحات تركيا في القضاء على الأكراد السوريين أو تهميشهم من المشهد السياسي السوري في المستقبل. كما أن الوجود الأمريكي يمنع سوريا من أن تصبح دولة تابعة لتركيا. علاوة على ذلك، فإن دعم الحكم الذاتي للأكراد قد يسمح للرياض بتأمين موطئ قدم في الموارد الطبيعية السورية الغنية، خاصة في المناطق النفطية في شمال شرق البلاد، مما يعزز نفوذها الجيوسياسي.
ومع ذلك، فإن هذه الفرص المحتملة تصاحبها مخاطر كبيرة. قد يؤدي الدفع نحو الفيدرالية الكردية إلى تحفيز الحركات القومية في مناطق أخرى من المنطقة، بما في ذلك داخل المملكة العربية السعودية، مما قد يهدد استقرار النظام الملكي. علاوة على ذلك، قد يتعرض التوازن الدقيق الذي تتبعه الرياض للخطر بسبب الضغوط الخارجية، خصوصًا من إسرائيل أو الولايات المتحدة، اللتين قد تسعيان للتأثير على شؤون الأكراد بما يخدم مصالحهما. قد يعقد دعم إسرائيل لحكم الأكراد الذاتي استراتيجية المملكة العربية السعودية الإقليمية الأوسع، خاصة إذا كان ذلك يؤثر على وحدة الأراضي السورية. كما أن وجود القوات الأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد يخلق بيئة معقدة للمملكة، مما يجبرها على التوفيق بين المصالح المتضاربة: دعم الحكم الذاتي للأكراد مع التعامل مع معارضة تركيا ومواجهة النفوذ الإيراني المتزايد.
أخيرًا، تميل إسرائيل إلى استخدام الأكراد والأقليات الأخرى لأغراضها الاستراتيجية الخاصة، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد، مما يتطلب من السعودية اليقظة لتجنب الوقوع في صراعات القوى الخارجية.
هوامش
1هيئة تحرير الشام: هي مجموعة معارضة إسلامية لقوات الحكومة السورية السابقة، وكانت جزءاً من جماعة القاعدة حتى عام ٢٠١٦.