المصدر: Getty
مقال

حماس وإسرائيل على حافة النزاع

الرغبة المتبادلة في الحفاظ على مظه القوة محليًا قد ساهمت في تصعيد النزاع الأخير، وعلى الرغم أن أيا من الطرفين لا يريد حربا أخرى، فقد فات الآن الأوان على التراجع.

نشرت في ٨ يوليو ٢٠١٤

أثار مقتل شاب فلسطيني بطريقة دراماتيكية في الثاني من تموز/يوليو الجاري - في ما يُعتقَد رداً عى خطف ثلاثة شبان إسرائيليين وتصفيتهم - موجة غضب واسعة واحتجاجات وأعمال شغب في أوساط الفلسطينيين في القدس وشمال إسرائيل وأجزاء من الضفة الغربية. وقد شهد الوضع تصعيداً داخل إسرائيل، مع التصريحات السياسية المؤجِّجة للمشاعر، والدعوات للانتقام، وأعمال الشغب، والصدامات المفتوحة بين المواطنين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل. وفي الضفة الغربية، يواصل الجيش الإسرائيلي حملة المداهمات والاعتقالات ويعمد إلى هدم المنازل مع مايثيره ذلك من جدل.

وبلغ التصعيد ذروته مع اشتداد الهجمات الصاروخية انطلاقاً من غزة وتكثيف إسرائيل هجماتها على القطاع في الأيام القليلة الماضية، فقد أُطلِق أكثر من 58 صاروخاً على جنوب إسرائيل في السابع من تموز/يوليو الجاري. إذاً مع إعلان حماس مسؤوليتها عن الهجمات الأخيرة وتوسيع إسرائيل نطاق ضرباتها العسكرية على غزة التي أطلق عليها إسم "الجرف الصامد"، انهار وقف إطلاق النار الساري المفعول منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2012. لكن على الرغم من تفاقم العنف، لايزال يبدو أن إسرائيل وحماس وفتح تفضّل تجنّب الدخول في حرب شاملة جديدة. بيد أن الخطاب الصادر عن هؤلاء الأفرقاء، والذي يحاولون من خلاله إرساء توازن بين المصالح الاستراتيجية في تفادي حرب جديدة من جهة وبين الضغوط السياسية الداخلية من جهة أخرى، قد يجرّهم نحو النزاع.

بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يمكن أن تؤدّي دورة عنف جديدة في الضفة الغربية إلى انهيار حكومة الوحدة وإضعاف السلطة الفلسطينية. فإذا اختارت هذه الأخيرة البقاء على هامش دورةٍ جديدة وشاملة من الاضطرابات، قد يدلّ ذلك على ضعفها، كما يمكن أن تتعرّض للإدانة الدولية، فضلاً عن أنه من شأن مثل هذا الموقف أن يؤكّد الانتقادات التي يوجّهها الرأي العام الفلسطيني على خلفية مايعتبره خللاً في العلاقة بينها وبين إسرائيل. لكن إذا تدخّلت السلطة الفلسطينية في شكل مباشر وحاولت ضبط التململ وقمعه، فسوف يؤدّي ذلك إلى مزيد من التراجع في شعبيتها في الداخل الفلسطيني، لاسيما على ضوء الانتقادات الشديدة التي أثارتها الطريقة التي تعاطى بها عباس مع عملية الخطف.

في حين أن الحسابات واضحة نسبياً في مايختص بمحمود عباس والسلطة الفلسطينية لتجنب التصاعد، تواجه حماس من جهتها اعتبارات استراتيجية أكثر تعقيداً. فلدى الحركة مصلحة في الحفاظ على حكومة الوحدة وفي تفويضها بعض مسؤولياتها السياسية على الأقل، مايؤمّن لها متنفّساً اقتصادياً هي بأمس الحاجة إليه في غزة. بالطبع، لايتطرق الاتفاق السياسي إلى الخلافات السياسية العميقة بين حماس وفتح. لكن في الوقت الراهن، الفريقان بحاجة ماسّة إلى جرعة دعم لشعبيتهما، مايجعل التعاون بينهما الخيار الأكثر جاذبية. كما أن الحؤول دون شنّ إسرائيل حملة عسكرية واسعة أخرى ضد غزة يصب في مصلحة حماس نظراً إلى أنها لاتزال هشّة اقتصادياً وتفتقر إلى الدعم الإقليمي الذي هي بأمس الحاجة إليه.

بيد أن حماس تحاول إرساء توازن بين مصالحها في منع التصعيد من جهة وبين العديد من الاحتياجات المتباينة من جهة أخرى. في هذا الإطار، تتبنّى الحركة خطاباً صدامياً حاد النبرة، فترفض في العلن تطبيق وقف لإطلاق النار بوساطة مصرية، وتجيز في البداية، ثم تقود بنفسها تصعيداً في الهجمات الصاروخية. لكن خلف الأبواب المغلقة، ترسل حماس إشارات عن استعدادها لنزع فتيل التصعيد والتخفيف من حدّة التشنّجات. ولعل التفسير الأفضل لهذه الممارسات المتناقضة هو عبر المقارنة بين الاحتياجات المتباينة للحركة, التي تشمل حماية سمعتها وصورتها في موقع المقاومة الإسلامية. ففي الشهرَين الماضيين، واجهت حماس صعوبات في التعامل مع الانتقادات المتزايدة وتحدّي الفصائل السلفية-الجهادية المحلية لها، والتي كانت وراء الغالبية الكبرى من الهجمات الصاروخية التي أُطلِقت على إسرائيل في شهر حزيران/يونيو 2014، وفاق عددها الستّين صاروخاً. وقد تسبّب تصرُّف الفصائل الجهادية المحلية من تلقاء نفسها، بمتاعب متكرّرة لحركة حماس في الأعوام القليلة الماضية، إذ تُحمِّلها إسرائيل مسؤولية أي عمل عسكري ينطلق من غزة، مايزيد من احتمالات حدوث تصعيد متبادل.

وعلى حماس أيضاً أن تؤمّن التماسك في صفوفها، وتحول دون وقوع خلافات داخل الحركة، وهو ماكان متوقّعاً حدوثه لو أن الحركة لم تردّ على الأحداث الدراماتيكية التي أعقبت عملية خطف شبان إسرائيليين. حماس تتعرّض لضغوط داخلية شديدة، خصوصاً من قيادة الجناح المسلّح، للرد على الحملة الإسرائيلية ضد عناصرها في الضفة الغربية، بما في ذلك عمليات القتل التي استهدفت سبعة من افرادها في الآونة الأخيرة واعتقال سجناء سابقين كان قد تم الإفراج عنهم في إطار صفقة جلعاد شاليط.

يبدو أن حماس تستند إلى فرضية أن تحرّكاتها الأخيرة وتحدّيها للـ"إنذارات" لن تؤدّي إلى اندلاع حرب شاملة جديدة، وتعوِّل في ذلك على تردّد إسرائيل في شن حملة عسكرية واسعة جديدة في غزة. بيد أن استراتيجية المجموعة القائمة على استعراض قوتها، وتحسين سمعتها في الداخل، وإبعاد شبح النزاع الداخلي من خلال تصعيد قصير الأمد، هي مغامرة محفوفة بدرجة كبيرة من المخاطر، لاسيما مع اشتداد الضغوط في إسرائيل لإظهار "حزمٍ" في مواجهة حماس.

في هذه المرحلة، يمكن أن تتكبّد حماس خسائر كبيرة في حال حدوث حملة عسكرية واسعة النطاق. كما أن عملية الخطف الفاشلة لم تعد بالفائدة عليها. بالفعل، إذا تبيّن أن قيادة حماس المركزية تقف مباشرةً خلف عملية الخطف، فإن الفشل في إبقاء المخطوفين على قيد الحياة واستخدامهم ورقة مقايضة في صفقة لتبادل الأسرى في المستقبل يقلّص من هيبة الحركة ومكانتها. كما أن التوقيت قد يقوّض المصالحة السياسية التي تحتاج إليها حماس في هذه اللحظة بالذات. لكن إذا كان الخطف من تنفيذ جهات مارقة تصرّفت من تلقاء نفسها، فذلك دليل على تفكّك حماس وضعفها، ويمكن أن تدفع ثمن هجوم لم تشرف عليه أو تشارك فيه. السيناريو الثاني هو الأقرب إلى الواقع، نظراً إلى تاريخ الحركة الحافل بالنزاعات الداخلية، والأمثلة السابقة عن خلايا عسكرية صغيرة تعمل على تقويض اتفاقات وقف إطلاق النار التي تتوصّل إليها القيادة المركزية.

ومن جهتها، تتخبّط الحكومة الإسرائيلية أيضاً في مواجهة مصالح متعارضة. فعلى الصعيد الداخلي، تعرضّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضغوط متزايدة - لاسيما من حلفائه السياسيين - لتوجيه "رسالة قوية" بعد عملية الخطف. لكن في الوقت الحالي، يقف رئيس الوزراء وحكومته عند مفترق طرق، إذ يتعيّن عليهما أن يحسما أمرهما بين خيارَين: خفض العمليات الحالية أو شنّ حملة عسكرية أوسع نطاقاً بما في ذلك حملة برية في قطاع غزة.

تدعو بعض النخب السياسية والدفاعية في إسرائيل، بما في ذلك نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان اللذان يُعتبَران حليفَين لنتنياهو، إلى شنّ حملة عسكرية شاملة جديدة ضد حماس، فهي تعتبر أنه من شأن أي إجراء غير ذلك أن ينم عن ضعف ويؤدّي إلى تراجع قدرة إسرائيل على الردع في مواجهة حماس وسواها من الأفرقاء المعادين. في الوقت نفسه، لاتزال هناك معارضة قوية في الداخل الإسرائيلي لشن عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة، إذ يعتبر كثرٌ أن كلفتها ستكون باهظة جداً ويمكن أن تتسبّب بإشعال انتفاضة جديدة. ومع صعود المجموعات السلفية الجهادية في غزة، يشكّك المعارِضون في صحة المنطق وراء محاولة التخلص من حماس، فما بالكم بجدواها. بناءً عليه، من شأن انهيار حكم حماس في القطاع أو انفجاره من الداخل أن يؤدّي إلى انتشار عدم الاستقرار، وقد يتسبّب ذلك بتعزيز دور الخلايا السلفية الجهادية ونفوذها، وهذه النتيجة لن تكون سارّة على الإطلاق بالنسبة إلى إسرائيل.

عند التدقيق في الاحتياجات والافتراضات المتباينة لدى الأفرقاء، لايزال يبدو أنه للجميع مصالح استراتيجية قوية في تفادي التصعيد - وذلك على النقيض من خطابهم ومن المحاولات الشديدة الخطورة لـ"تدوير الزوايا" بين المصداقية الداخلية والمصالح الاستراتيجية. بيد أن تفاقم دورة العنف المتبادل وعدم وجود فريق خارجي يتولّى بوضوح دور الوسيط يضعان إسرائيل وحماس على حافة مواجهة عسكرية جديدة.

بينيديتا برتي باحثة في جامعة بن غوريون وفي معهد دراسات الأمن القومي، ومحاضِرة في جامعة تل أبيب، ومؤلّفة "المنظمات السياسية المسلّحة".

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.