فيما تطبّق الجزائر إجراءات تقشفية رداً على تراجع العائدات المرتبطة بالقطاع النفطي، تعجز الصدقات والبرنامج السخي للرعاية الاجتماعية عن إسكات التململ الاجتماعي. فهذه الخفوضات في الإنفاق على التعليم والمساكن والبرامج الصحية قد تؤدّي إلى إطلاق موجة من العنف وتتسبّب بمواجهات واسعة مع السلطات – لاسيما في صفوف الشباب الجزائريين الذين يشكّلون نحو 60 في المئة من السكّان البالغ عددهم 40 مليون نسمة. تصل نسبة البطالة لدى الشباب الجزائري إلى ثلاثة أضعاف المعدل الوطني (30 في المئة في مقابل 10 في المئة)، وهؤلاء الشباب معتادون على التظاهر من أجل الحصول على الخدمات العامة (خير دليل على ذلك قطع الطرقات مؤخراً في ولاية بجاية). أما الاستراتيجيات التي اعتمدتها السلطات لمعالجة بطالة الشباب، مثلاً عن طريق منح قروض صغيرة لروّاد الأعمال، فقد كان أداؤها سيئاً بسبب المشكلات البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد، وانتقاله غير المكتمل من اقتصاد اشتراكي مركزي إلى قطاع خاص ليبرالي. بيد أن ريادة الأعمال الاجتماعية في صفوف الشباب تُظهر قدرة مشجِّعة وواعدة على دمج الشباب وإشراكهم، ومعالجة بعض المشكلات التي تواجهها البلاد من دون الاعتماد حصراً على الدولة، وربما تحفيز الإصلاح الإجمالي للمنظومة الجزائرية.
المقاربة التي تعتمدها الدولة الجزائرية في معالجة مشكلة بطالة الشباب المستمرة منذ وقت طويل، هي من عوارض العملية الانتقالية التي يشهدها راهناً النموذج الاقتصادي والسياسي في البلاد. تكشف الإحصاءات الرسمية التي نُشِرت في تموز/يوليو 2016، عن تحسّن طفيف في المشهد، على الرغم من التقشف السائد حالياً: فقد تراجع معدل البطالة من 11.2 إلى 9.9 في المئة خلال العام المنصرم، ويُشار إلى أن نحو 10.9 مليون جزائري يملكون وظيفة في المرحلة الراهنة. وقد انخفض معدل البطالة لدى الفئة الشبابية (الشريحة العمرية من 16 إلى 24 عاماً) من 30 إلى 25 في المئة. أما مزاج الجزائريين العام فأكثر تشاؤماً. تتشارك العائلات الجزائرية قصصاً لاتُعَدّ ولاتُحصى عن العقبات التي يواجهها الشبّان والشابات للعثور على وظيفة في ميدان اختصاصهم على الرغم من أنهم يبذلون قصارى جهدهم في هذا المجال، ويؤكّد الجزائريون أن الفساد والمحسوبيات (الواسطة) تؤدّي دوراً حاسماً في الحصول على وظيفة. ففي معظم الأحيان، لايجد الشباب المحبَطون سوى وظائف مؤقتة في القطاع غير النظامي كما أنها دون مستوى المؤهلات التي يتمتعون بها – أو يتوقفون ببساطة عن البحث عن وظيفة. في غضون ذلك، تبقى الأنظار شاخصة إلى التوظيف في القطاع العام الذي يلقى الإقبال الأكبر من طالبي الوظائف نظراً إلى مايؤمّنه من استقرار: في آذار/مارس الماضي، أعلنت الدولة أنها تلقّت 180000 طلب لشغل 28000 وظيفية تعليمية شاغرة.
تتسبب بطالة الشباب (أو العمالة غير المستقرة) بتعطيل الاندماج الاجتماعي لهذه الشريحة السكّانية، عبر تأخير سن الزواج أو تأخير سن مغادرة المنزل العائلي المكتظ بسكّانه. تتداخل هذه العوامل الثلاثة معاً مايتسبّب بمضاعفة تأثيرها السلبي: ادّخار المال والحصول على وظيفة ضروريان للزواج والاستقرار في منزل آخر، لاسيما وأن الجزائر تواجه أزمة سكنية حادّة حيث لايزال التأخير سيد الموقف في بناء المنازل المموَّلة من الدولة. يُضاف إلى ذلك تبدُّل المعايير الاجتماعية بين الجندرَين (مايسمّيه الكاتب الجزائري كامل داود "الإحباط" أو "البؤس" الجنسي)، فتتبيَّن الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع غير مسبوق في متوسط سن الزواج: 30 عاماً للنساء و33 عاماً للرجال.
تسلّط آليات دعم الشباب في الجزائر، الضوء على الانتقال المعقَّد من نموذج اشتراكي قائم على الرعاية الاجتماعية إلى اقتصاد السوق. ومن هذه المبادرات الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب (ANSEJ) التي تمنح الشباب (الفئة العمرية من 19 إلى 35 عاماً) قروضاً صغيرة وأشكالاً أخرى من الدعم للمشاريع الصغيرة. لقد توّلت الوكالة تمويل زهاء 41000 مشروع في العام 2014، و24000 مشروع في العام 2015، وتتطلع إلى تمويل 60000 مشروع آخر في العام 2016. لقد أعاد مديرها العام الحالي، مراد زمالي، ترتيب أولوياتها لتشجيع تقديم مزيد من التمويل للقطاعات الاستراتيجية (الزراعة والصناعة والإنشاءات وتكنولوجيات المعلومات الجديدة)، وتوسيع الجهود لدعم الخرّيجين الشباب العاطلين عن العمل. بيد أن هذه المؤسسة تعتمد إلى درجة خطيرة على مدى توافر الأموال من الدولة: في شباط/فبراير الماضي، زعم زمالي أن الحكومة لم تشمل الوكالة بالإجراءات التقشفية نظراً إلى تأثيرها الاجتماعي الإيجابي، لكن أكّدت أنباء جرى تداولها في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أنه تم تعليق أنشطة الوكالة – بما في ذلك في قطاعات الزراعة والسمكرية والكهرباء التي تُعتبَر أساسية في التوظيف، ماأثار موجة من القلق في أوساط وسائل الإعلام الوطنية والرأي العام.
على الرغم من وجود أمثلة عن رواد أعمال شباب ناجحين في القطاع الخاص الجزائري، إلا أن "ريادة الأعمال لدى الشباب" تعاني من التحدّيات البنيوية نفسها في القطاع الخاص: البيروقراطية الإدارية، وصعوبة الوصول إلى رأس المال، والعوائق التي تعترض المعاملات المصرفية وعمليات الدفع، وغياب الدعم السياسي. لقد صُنِّفت الجزائر في موقع متأخر جداً، حيث احتلّت المرتبة 156 من أصل 190 بلداً، في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من أنها تتطلع، كما أعلنت مراراً وتكراراً، إلى استقطاب الاستثمارات كوسيلة للخروج من التقشف. إذاً في هذا المناخ الاقتصادي الحافل بالتحديات، الوافدون الجدد إلى الاقتصاد، مثل الشباب، هم أكثر هشاشةً، لذلك لم تحقق المبادرات على غرار الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب سوى نجاح محدود في دمجهم اقتصادياً.
بدلاً من انتظار الإصلاحات البنيوية التي تجريها الدولة وترقُّب أن تُحدث تحولاً في القطاع الخاص والبيئة الاقتصادية، يتحوّل الشباب الجزائري بوتيرة مطردة نحو ريادة الأعمال الاجتماعية بحثاً عن حلول خلاقة للبطالة والمناخ الاقتصادي التشاؤمي.
يركّز الجزء الأكبر من التغطية الإعلامية عن الشباب الجزائري، في هذه الأيام، على حالات العنف (مثلاً في ملاعب كرة القدم أو بين عصابات الأحياء)، والزيادة في استهلاك المخدرات، والنزعة التي تدفع بالشباب المحرومين والعاطلين عن العمل إلى الهجرة إلى أوروبا أو الانضمام إلى التنظيمات الجهادية المتشدّدة. لقد أدّت هذه السرديات العامة إلى توسيع الهوّة بين الأجيال مع قيام الشباب بتكوين سردياتهم الخاصة: يستمر جيل جديد من المنتجين السينمائيين وسواهم من الأفرقاء الثقافيين الذين يعملون في الخفاء في الجزائر، في وصف الشباب الجزائريين بالمتفائلين الذين ينبضون طاقةً وحيوية على الرغم من تخلُّف البنى والهيكليات، والأجواء الخانقة في البلاد.
وكذلك، ظهرت ريادة الأعمال الاجتماعية كممارسة تجسّد المرونة والإبداع في خضم السياق الجزائري الحافل بالتحديات. وفي هذا الإطار، يعتبر أحد روّادها، يونس بودا، أن تعريف ريادة الأعمال الاجتماعية هو إنشاء شركات صغيرة تسعى إلى ممارسة تأثير اجتماعي إيجابي بدلاً من كسب أرباح اقتصادية. وهي تتيح للشباب استخدام حسّهم الابتكاري ومعارفهم في مجال التكنولوجيات الجديدة من أجل تحقيق رغبتهم في الانخراط والمشاركة، عبر تحديد احتياجات معيّنة، وتخيّل الحلول، ثم وضعها حيّز التطبيق. يضيف بودا أنه خلافاً لـ"التطوع الاجتماعي"، ريادة الأعمال الاجتماعية وظيفة بدوام كامل يمكن أن تتيح كسب دخل كافٍ لتأمين المعيشة. تجربته هذه تؤكّد عليها كاميليا إيزريك التي تصف ريادة الأعمال الشبابية بأنها بمثابة "مصنع كثيف المعارف"، بحيث تتيح فرصة من أجل الاختبار والتعلم عن كثب، فيما تساهم رويداً رويداً في القضاء على "الثقافة المناهضة لريادة الأعمال" في البلاد.
لقد شهد هذا القطاع مؤخراً العديد من التطورات المثيرة للاهتمام. فقد أنشأ يونس بودا، بالتعاون مع مريم بن سلمى وآخرين، المركز الجزائري لريادة الأعمال الاجتماعية في العام 2013، الذي يشكّل حاضنةً لمشاريع جديدة تنظّم ورش عمل وبرامج تدريبية بصورة منتظمة. وفي العام 2010، أطلق توفيق لوراري ومرهون رقاب، وكلاهما رائدا أعمال جزائريان ناجحان في الثلاثينات من العمر، مؤتمر "فكرة" في إطار مشابه لبرنامج "تيد" (TED) تضمّن حلقات نقاش شارك فيها متحدّثون مرموقون مثل رجل الأعمال الجزائري إسعد ربراب بهدف إشراك الشباب وإضفاء لمسة إيجابية على الأجواء الوطنية. أخيراً، ركّز مشروع شبكات الشباب المتوسطي التابع لمنظمة اليونيسكو على هذه المبادرات وقدّم الدعم لها من أجل المساهمة في تمكين الشابات والشباب، كما حضَّ السلطات على إجراء دراسة حول سياسة شبابية متعددة القطاعات بقيادة الأستاذ الباحث الجزائري محمد صائب موزيت.
على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، قد لاتكون ريادة الأعمال الاجتماعية الشبابية الحل المعجزة الذي يضمن انتقالاً اقتصادياً ناجحاً في الجزائر. فهذا القطاع يواجه العديد من التحديات، منها السبيل إلى ممارسة تأثير واسع النطاق (لاسيما في أوساط الشباب الذين لم يخضعوا للتدريب ولايتمتعون بالمهارات المطلوبة في سوق العمل)، والسبيل إلى تسهيل الوصول إلى الأموال والتدريب، وإلى دعم هذه المبادرات كي تتحوّل إلى شركات أكبر حجماً. كما أن ريادة الأعمال الشبابية لاتزال قطاعاً هشاً بسبب اعتمادها على الدولة من أجل الحصول على القروض الصغيرة، وإصلاح القطاع الأكاديمي، والاعتراف قانونياً بهذا القطاع الجديد وتسهيل الأعمال الورقية الإدارية. هذه الفرص معرَّضة، شأنها في ذلك شأن المنظمات الأهلية، إلى خطر الاستهداف المجحِف من السلطات (كما حصل مؤخراً من خلال الهجمات على وسائل الإعلام المستقلة)، وكذلك خطر الاستيلاء عليها من جانب حفنة صغيرة من المستفيدين، أو استغلالها خدمةً لمصالح النظام.
لكن على الرغم من هذه التحديات، تستحق ريادة الأعمال الاجتماعية الشبابية نظرةً ثانية لأنها تبعث الأمل بأن الجزائريين سيتخطون محدوديات المنظومة الحالية، وينتقلون إلى اقتصاد السوق، من دون التخلّي عن الاهتمام الذي أولته البلاد للرعاية الاجتماعية على مر تاريخها. إن ريادة الأعمال الاجتماعية قادرة على تعبئة الشباب المهمّشين وطرح رؤى جديدة للنمو والتماسك الاجتماعي. وهي تتيح للشباب فرصةً للتحلّي بالإبداع والمجازفة فيما يتملّكون مشاريعهم. وهكذا تجسّد واحداً من المصادر القليلة للتفاؤل بإمكانية تطبيق إصلاحات بنيوية متناغمة في الجزائر.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.