في نيسان/أبريل، جدّد مجلس الأمن الدولي بقرار صادر عنه حول الصحراء الغربية، ولاية بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حفظ السلام (المينورسو) لمدّة ستة أشهر، بدلاً من التمديد المعهود لعام كامل. واقع الحال أن هذه الخطوة تؤشّر إلى عودة روسيا في دور جيوسياسي أكثر إثباتاً للوجود في هذا النزاع الإقليمي، وليست مؤشّراً حقيقياً عن استئناف المحادثات المباشرة.
على النقيض من التشنّجات التي نشبت العام الماضي مع موريتانيا في منطقة غيرغيرات الحدودية جنوب الصحراء الغربية – والتي أشعلها المغرب وأدّت إلى قيام جبهة البوليساريو، في خطوة ثأرية، بإعادة نشر قواتها داخل منطقة محظورة – شهد العام الجاري تصعيداً مدروساً بين الفريقَين انطلاقاً من التقاء ثلاثة أحداث شبه متزامنة. وقد تمثّل الحدث الأول في تقارير غير مؤكّدة عن قيام مقاتلي البوليساريو بخرق أحكام وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في العام 1991، أو عن توغّلات عناصر غير مسلّحين داخل المنطقة العازلة المحايدة غرب الجدار الدفاعي الذي يفصل بين المغرب وقوات البوليساريو في الزاوية الشمالية الشرقية للصحراء الغربية (منطقة المحبس)؛ والحدث الثاني كان وجود عناصر من البوليساريو داخل المنطقة العازلة في گرگرات بالتزامن مع عبور موكب من السيارات الرباعية الدفع المركز الحدودي؛ والحدث الثالث والأخير هو البيان الصادر عن جبهة البوليساريو، والذي أشارت فيه إلى قرارها نقل مقرّها الدفاعي والإداري من قاعدتها في جنوب غرب الجزائر إلى منطقة واقعة شرق الجدار الدفاعي وخاضعة لسيطرتها بحكم الأمر الواقع.
في گرگرات، تجد جبهة البوليساريو نفسها عالقة في مأزق عملاني: تقع گرگرات عند قسمٍ من الجدار الدفاعي يمتدّ بموازاة الحدود مع موريتانيا، ولا يُفسِح في المجال أمام جبهة البوليساريو للسيطرة ولو على رقعة صغيرة من أراضي الصحراء الغربية الواقعة في تلك المنطقة ونشر نقاط للمراقبة فيها (وذلك خلافاً للجزء الأكبر من الجدار الدفاعي الذي يمتد تقريباً في خط من الشمال إلى الجنوب حيث تخضع نسبة 20 في المئة من أراضي الصحراء الغربية لسيطرة البوليساريو).
بغض النظر عن التناقض في وجهات النظر بين المغرب والبوليساريو في تفسيرهما لوقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية اللاحقة، دفعَ التصعيد المحدود الذي لجأت إليه القوى في جانبَي الجدار، بالأمم المتحدة إلى دعوة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس والحفاظ على الوضع القائم. لقد تكوّن لدى الرئيس الألماني السابق هورست كولر، الذي يتولّى مهمة الوساطة في ملف الصحراء الغربية، انطباعٌ انطلاقاً من مشاوراته الأولية مع أصحاب الشأن الأساسيين في المنطقة والعالم، بأنه يجب أن تسود روحٌ من المرونة والواقعية من أجل استئناف المفاوضات المباشرة، وكضمانة لبروز ديناميكية جديدة. كذلك سلّطات التشنّجات المتعاظمة عشية النقاشات في الأمم المتحدة حول تجديد ولاية بعثة المينورسو، الضوء على غياب الآليات الفاعلة المشتركة للمراقبة والتدقيق من أجل رصد التقيّد بوقف إطلاق النار وتطبيق الاتفاقات العسكرية (التي كانت من نتائج عمل الأمم المتحدة في العام 1990 على تصميم مهمّة البعثة وولايتها)، والتي من شأنها تسهيل تسوية النزاع على المستوى الميداني والحؤول دون التصعيد.
في حين اعتمدت روسيا، في نقاشات العام الماضي حول القرار، لغة أكثر ليونة انتقدت من خلالها جبهة البوليساريو على أسلوبها في التعاطي مع أزمة غيرغيرات، أشار القرار الجديد مرتَين إلى البوليساريو على خلفية دورها في غيرغيرات ونيّتها نقل مقرّها إلى الجهة الواقعة شرق الجدار الدفاعي. تاريخياً، تبنّت روسيا موقفاً محايداً ومتوازناً إلى حد كبير في ملف الصحراء الغربية، نظراً إلى امتلاكها مصالح لدى الجانَين. لكنها اعتمدت، في السياق الجيوسياسي لهذا العام، موقفاً أكثر إثباتاً للوجود. لقد أعطت روسيا المغرب إشارة إيجابية مباشرة (ردّ مدروس على التشنّجات)، ومؤشراً جديداً غير مباشر عن الدعم ("الالتزام من جديد بجهود الأمم المتحدة في إطار من الواقعية والمرونة"، وذلك خلافاً لأي دور يمكن أن يلعبه الاتحاد الأفريقي الذي تدعمه موسكو والجزائر). غير أن الضغوط الروسية الفاعلة تجلّت بصورة خاصة في موضوع خفض ولاية المينورسو إلى ستة أشهر. ليس للقرار تفسير واضح في غياب محادثات مباشرة أو حتى في إطار الاستعداد لجولة جديدة مرتقبة من المفاوضات (صُوِّت مرتَين فقط على ولاية الستة أشهر في العامَين 2006 و2007 في سياق المحادثات المباشرة).
لقد لفت المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة إلى أن تمديد ولاية البعثة لستة أشهر – الذي يهدف إلى زيادة تعبئة مجلس الأمن دعماً لعملية سياسية – هو استثناء للقاعدة التي تعتبر أن تجديد الولاية لسنة كاملة هو الضمانة الأفضل لاستقرار عمليات حفظ السلام. يمكن النظر إلى هذا التصريح بأنه يلمّح إلى أن التمديد لستة أشهر يعكس إلى حد كبير الدعوة الأميركية إلى إعادة تنشيط انخراط أعضاء مجلس الأمن في ملف الصحراء الغربية في إطار صفقة لضمان دعم روسيا وسواها من الدول المعنية (مثل الصين أو السويد أو أثيوبيا) للقرار من دون إدراج تعديلات إضافية فيه. على الرغم من أن روسيا انتقدت خفض التمديد من سنة إلى ستة أشهر، رحّبت السويد – التي قدّم الحزب المعارِض فيها اقتراحاً إلى الحكومة السويدية في العام 2012 للاعتراف رسمياً بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – بالخطوة معتبرةً أنها تتيح، في مرحلة لاحقة، معالجة غياب التوازن الكافي في القرار الراهن. يشكّل اعتماد روسيا موقفاً أكثر تشدداً في مسألة الصحراء الغربية، رداً مباشراً على التشنّجات مع الولايات المتحدة وفرنسا في سورية، وعلى الرغم من استعادة القنوات الدبلوماسية نشاطها مؤخراً بين الرباط وموسكو، لا تزال روسيا تميل أكثر إلى الجزائر التي بلغت حصّتها 78 في المئة من كمية الأسلحة التي نقلتها روسيا إلى أفريقيا بين العامَين 2013 و2017.
بعيد التصويت في الأمم المتحدة على تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء حول الصحراء الغربية لستة أشهر إضافية، أعلن المغرب عن قطع علاقاته مع إيران على خلفية اتهامها بتسهيل تسليم الأسلحة إلى جبهة البوليساريو ومدّها بالدعم اللوجستي والتقني عن طريق السفارة الإيرانية في الجزائر، ومن خلال حزب الله، وكيل إيران في لبنان. لقد أنكرت جبهة البوليساريو والجزائر هذه الاتهامات، وحذّرتا من أن ما تسعى إليه الرباط، من خلال سوقها اتّهامات عن تواطؤ بين إيران والبوليساريو، هو عرقلة إمكانات حدوث مباحثات مباشرة. أما السعودية والإمارات فقد بادرتا سريعاً إلى تأييد الإعلان المغربي. ربما كان الدافع الأساسي وراء الخطوة المغربية هو سعي الرباط إلى إظهار أهميتها الاستراتيجية في سياق تجدُّد المعارضة الأميركية لإيران، لا سيما على خلفية الدعم الذي تُقدّمه طهران للإرهاب وتَسبُّبِها بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك في أعقاب انسحاب واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة أو ما يُعرَف بالاتفاق النووي.
لقد أبدت السعودية والإمارات، إلى جانب المغرب، دعمها لقوة مجموعة دول الساحل الخمس المدعومة من فرنسا، في مسعى للتصدّي للاستثمارات الإيرانية المتزايدة ونفوذ طهران المتعاظم في المنطقة، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم المالي لجهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها دول الساحل مؤخراً. كما أن الإعلان المغربي عن قطع العلاقات مع إيران قد يساهم في الحؤول دون حدوث أي تغيير في الموقف الأميركي من قضية الصحراء الغربية بعد تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي. يُعرَف عن بولتون دعمه لاستفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، وفق ما تطالب به جبهة البوليساريو والجزائر، وقد دعا، قبل سنوات، إلى انسحاب بعثة المينورسو كوسيلة للضغط على المغرب والبوليساريو من أجل التوصل إلى اتفاق حول الوضع النهائي للصحراء الغربية. هذا فضلاً عن أن خفض مدّة تمديد الولاية من سنة إلى ستة أشهر يحمل بصمة بولتون الذي يريد الابتعاد عن "تسيير الأمور كالمعتاد" في قضية الصحراء الغربية، ويرغب في أن يلمس انخراطاً أكبر من جانب مجلس الأمن الدولي بدلاً من الرضوخ المعهود للجهة التي تؤدّي دور الوساطة. لقد أبدت روسيا، في الواقع، امتعاضها من عدم تشاوُر الولايات المتحدة مع الأفرقاء الآخرين بشأن خفض التمديد إلى ستة أشهر، لكن هذا القرار يصبّ في مصلحتها ومصلحة دعمها لجبهة البوليساريو.
أضِف إلى ذلك أن توقيت إعلان المغرب عن التقارير التي تتحدث عن الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو يمارس بعض التأثير الواضح (وربما كان واضحاً جداً بالنسبة إلى البوليساريو والجزائر)، على الصحراء الغربية: لقد قطعت الرباط عملياً الطريق أمام أي محادثات مباشرة مع البوليساريو في المرحلة المقبلة. وفي حين أعلنت جبهة البوليساريو مراراً وتكراراً عن استعدادها للشروع في مفاوضات مع المغرب من دون شروط مسبقة، حدّد المغرب بعض المبادئ التوجيهية للمحادثات في المستقبل، منها احترام السيادة المغربية في الصحراء الغربية وكذلك الحكم الذاتي. لم يكن المغرب بحاجة إلى إضافة عائق جديد أمام إعادة الانضمام إلى طاولة المفاوضات. فغالب الظن أنه سيتبيّن أن ولاية الستة أشهر قصيرة جداً ولا تكفي لتحقيق أي تقدّم مجدٍ في مجال توضيح الشروط المسبقة للمحادثات المباشرة، لأن أي ضغوط خارجية على المغرب لتليين موقفه من السيادة والحكم الذاتي، عليها أن تعمل أولاً على إنهاء التورّط الإيراني المزعوم مع جبهة البوليساريو.
جاك روسيلييه أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، شارك في تحرير كتاب " آفاق حول الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة" (Perspectives on Western Sahara: Myths, Nationalism and Geopolitics) (رومان أند ليتلفيلد: نيويورك، 2014).