المصدر: Getty
مقال

مشاريع السيسي الكبرى العقيمة

يُعطي السيسي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النطاق بهدف حشد الدعم، غير أن هذه المشاريع تُعزّز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تُقدّم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة.

نشرت في ٦ أغسطس ٢٠١٩

نفّذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تسلّمه سدّة الرئاسة، جملةً من مشاريع البنى التحتية الضخمة المشكوك في فوائدها الاقتصادية. وعلى الرغم من أزمة الديون المستفحلة، تبقى هذه المشاريع أولوية حكومية. وقد تفاقمت هذه الأزمة مع بلوغ مجموع الديون ما نسبته 101 في المئة من إجمالي  الناتج المحلي بحلول أواخر عام 2018، وكلفة خدمة الدين 31 في المئة من موازنة 2016-2017. ومن التحديات البارزة التي تطرحها أزمة الديون العبء الذي تتحمّله الموازنة بسبب استحقاقات تسديد الفوائد. وقد دفع ذلك بالحكومة إلى التخطيط لإعادة جدولة الديون، والاعتماد على القروض الطويلة المدى، وإصدار سندات ذات قسائم صفرية أي سندات من دون فائدة تُباع بسعر مخفَّض جداً. وعلى الرغم من الأعباء على الموازنة، تتواصل الاندفاعة لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية.

ويُروَّج لهذه المشاريع بأنها أساسية لإنعاش الاقتصاد المصري، لكنها تؤدّي وظيفتَين مهمتَين. فهي توفّر للجيش فرصاً إضافية لزيادة تدخّله في جوانب مختلفة من الاقتصاد المصري، وكان السيسي قد أنكر ذلك في أيار/مايو، مشيراً إلى أن دور الجيش في هذه المشاريع هو محض "إشرافي". بيد أن التقارير تحدّثت مؤخراً عن نمو الشركات المملوكة من القوات المسلحة في عهد الرئيس السيسي من خلال مشاركتها في مشاريع ضخمة للبنية التحتية. والمثال الأبرز في هذا الصدد هو شركة العريش للأسمنت التي شيّدت مؤخراً مصنع الإسمنت الأكبر في مصر بقيمة مليار دولار أميركي. اعتبارا من عام 2018 ، بلغت طاقة المصنع لإنتاج الأسمنت 12.6 مليون طن سنويًا ، وتبلغ الطاقة الإنتاجية في مصر حوالي 79 مليون طن. غير أن الجيش أشار سابقاً إلى أن أعمال البناء والمشاريع الجديدة سوف تؤدّي إلى زيادة حجم السوق.

وقد دفع توسُّع الامتداد الاقتصادي للقوات المسلحة بصندوق النقد الدولي إلى التحذير في أيلول/سبتمبر 2017 من أن "تدخّل الكيانات التابعة لوزارة الدفاع قد يتسبب بتعطيل" استحداث الوظائف وتطوير القطاع الخاص. وكان السيسي نفسه قد أشاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 بقدرة القوات المسلحة على تنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة بوتيرة أسرع بثلاث إلى أربع مرات من القطاع الخاص – في إشارة إلى نيّته التعويل على الجيش لتنفيذ هذه المشاريع التي تُفضي إلى زيادة النفوذ الاقتصادي للقوات المسلحة.

ثانياً، تُستخدَم هذه المشاريع أداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف أنصار النظام. والمثال الأبرز في هذا المجال هو توسعة قناة السويس التي صُوِّرت بأنها ضرورية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية. وفي عام 2014، زعم رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، أنه يُتوقَّع أن تصل الإيرادات إلى مئة مليار دولار في السنة. ولكن الأرقام تُظهر أن الحجم الإجمالي للاقتصاد المصري بلغ 249 مليار دولار في أواخر عام 2018، في حين أن مجموع العائدات  التي أمّنتها قناة السويس في السنة نفسها لم يتجاوز 5.7 مليارات دولار.

وجرى تمويل توسعة قناة السويس بصورة أساسية من خلال إصدار سندات محلية في أيلول/سبتمبر 2014، بمعدّل فائدة بلغ 12 في المئة. وترافق ذلك مع حملة ترويجية وصفت المشاركة في التمويل بأنها واجب وطني. لم يُحقّق المشروع المنافع المتوقَّعة، وشهدت إيرادات القناة تراجعاً في السنوات الأولى. ففي عام 2014، أي قبل التوسعة، بلغت الإيرادات 5.5 مليارات دولار. وفي عام 2015، تراجعت إلى 5.1 مليارات دولار، ثم إلى 5 مليارات دولار عام 2016، لتشهد ارتفاعاً من جديد عام 2018 مع بلوغها 5.5 مليارات دولار. لم يتمكّن المشروع من توليد إيرادات كافية لتسديد الأقساط، ما أرغم وزارة المالية على تسديد مبلغ الـ 600 مليون دولار، لأن هيئة قناة السويس لم تكن تملك الاحتياطي الضروري. ومع ذلك، صرّح الرئيس السيسي في مقابلة تلفزيونية في حزيران/يونيو 2016 أن الهدف من التوسعة التي بلغت كلفتها 8 مليارات دولار كان رفع معنويات الشعب المصري لا تحقيق منافع اقتصادية ملموسة. وقد سلّط حفل تدشين المشروع الضوء على هذه الجهود، مع تأدية مروحيات عسكرية ومقاتلات "إف 16" عروضاً عبر التحليق على علو منخفض، وحضور الرئيس السيسي في زيّه العسكري الكامل، ومشاركة عدد من رؤساء الدول. وكان الهدف من هذا الاستعراض إظهار قوة النظام وعظمته.

ومن المشاريع العقيمة المشابهة جسر روض الفرج المعلّق الذي افتتحه الرئيس السيسي في 15 أيار/مايو. وقد تولّت تشييده الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالاشتراك مع شركة "المقاولون العرب" المحلية للإنشاءات. وعملت حملة إعلامية على الترويج للجسر الذي وصفته بأنه الجسر المعلّق الأكبر في العالم، وصوّرته بالإنجاز الذي تحوّل إلى "حديث العالم بأسره". ومن الأمثلة الأخرى بناء المسجد والكنيسة الأكبر في البلاد، والعاصمة الإدارية الجديدة التي دشّنها السيسي في كانون الثاني/يناير 2018. وصُوِّر تدشين الكنيسة بأنه "حيوي" للأقباط في مصر. علاوةًعلى ذلك، أُطلِق على المسجد اسم الفتاح العليم في إشارة واضحة إلى الرئيس. وتشمل هذه المشاريع أيضاً بناء البرج الأطول في أفريقيا والمتحف الأكبر في العالم المخصّص لحضارة واحدة. ومن المتوقع أن تبلغ كلفة المتحف الذي أِطلِق عليه اسم "المتحف المصري الكبير" مليار دولار، ويُرتقَب أن يكون الافتتاح عام 2020. قد تكون لبعض هذه المشاريع منافع ما، لكن مصر تواجه عدداً من الضغوط الملحّة في مجال البنى التحتية، بما في ذلك ترميم السكك الحديد التي تنقل يومياً 1.4 مليون راكب في المعدل والتي باتت قديمة ومتهالكة. يُشار في هذا السياق إلى أنه جرى مؤخراً تخصيص 300 مليون جنيه مصري (18 مليون دولار) للسكك الحديد، في حين أن الحاجة هي إلى استثمار سنوي قدره نحو عشرة مليارات جنيه (602 مليون دولار). وفي عام 2017 وحده، شهدت السكك الحديد 1657 حادثاً، أي بزيادة بلغت نسبتها 33 في المئة في الأعوام الأخيرة.

من التحديات التي تطرحها هذه المشاريع الضخمة هي أنها تُنفَّذ على حساب مشاريع من شأنها إحداث تحسينات اقتصادية ملموسة تساهم في رفع المستوى المعيشي للمصريين العاديين الذين يرزحون تحت وطأة مشقات اقتصادية متزايدة. فقد ارتفعت معدلات الفقر من 27.8 في المئة عام 2017 إلى 30.2 في المئة عام 2018، ما يتسبب استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ماجد مندور محلل سياسي وكاتب عمود Chronicles of the Arab Revolt عبر "أوبن ديموكراسي". لمتابعته عبر تويتر: @MagedMandour.

تصحيح: في النسخة الأصلية ، ادعى أن عدد إنتاج الأسمنت بلغ 52 مليون طن ، في حين كان في الواقع 12.6 مليون طن. كذلك ، تم تصحيح اسم رئيس وكالة قناة السويس من عهد ميمش إلى الرئيس الحالي ، مهاب مميش.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.