المصدر: Getty

شيوخ، رجال شرطة، ومشرفون: الجهات الأمنية المتنافسة في اليمن

في اليمن، يعمل عدد كبير من أرباب الأمن الجدد والتقليديين على الأرض ويتنافسون في مابينهم على المستوى المحلي. وتعكس التغييرات في الحوكمة الأمنية الانقسامات السياسية السريعة وإعادة تنظيم العلاقات الأمنية.

 أحمد ناجيإليونورا أردماغني, و ماريكي ترانسفلد
نشرت من قبل
المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية
 on ٢ أبريل ٢٠٢٠

المصدر: المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية

فيما تدخل الحرب في اليمن عامها السادس، يعمل عدد كبير من أرباب الأمن الجدد والتقليديين على الأرض ويتنافسون في مابينهم على المستوى المحلي. وتعكس التغييرات في الحوكمة الأمنية الانقسامات السياسية السريعة وإعادة تنظيم العلاقات الأمنية: ففي حالات كثيرة، الجهات المتصدرة لمهام الحماية هي الجهات التي تمارس الإكراه في الوقت نفسه.1 في نظر المجتمعات المحلية، تؤدّي جهات أمنية متعددة الأدوار نفسها وتقوم بمهام متشابهة أو متداخلة. ومع استمرار العنف واللااستقرار، كان على اليمنيين، وهذه مفارقة، التعامل مع عدد متزايد من الجهات الأمنية المحلية و"الوطنية" والخارجية في حياتهم اليومية، ولاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين. بالطبع، لكل منطقة خصائصها؛ إنما يمكن تحديد بعض النزعات العامة، بما يضعنا أمام مشهدٍ تتأرجح فيه المجتمعات المحلية بين اللامركزية والحوكمة الذاتية، من أسفل الهرم إلى أعلاه.

لايزال اليمن منقسماً إلى ثلاثة كيانات سياسية-عسكرية أساسية متنافسة في مابينها وتدّعي الشرعية، وهي الحكومة المعترف بها دولياً التي انتقل مقرّها إلى عدن، و"شبه الدولة" التي أنشأها المتمردون الحوثيون وتتخذ من العاصمة صنعاء مقراً لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي نصّب نفسه في عدن والمناطق المحيطة بها. وفي شرق اليمن، لاتزال السلطات المحلية خاضعة رسمياً إلى الحكومة المعترف بها دولياً (مثلما حال في محافظتي مأرب والمهرة).

لكن، داخل هذه "الدويلات" المتصارعة، ماذا يحدث على مستوى المجتمعات المحلية؟ ومَن يتولّى فعلاً مسؤولية فرض الأمن على الأرض؟ ومنذ العام 2015، ماذا تغيّر أو لم يتغيّر على صعيد الأمن والحوكمة المحلية؟ الجهات الأمنية في اليمن هي عادةً مزيج هجين، مثلما كان الحال خلال حكم علي عبدالله صالح: فقد درجت ميليشيات مدعومة من الدولة، ومعظمها ذو منشأ قبلي، على دعم الجهات الحكومية الرسمية (الجيش والشرطة والحرس الجمهوري) والتعاون معها في مهام الحوكمة الأمنية.

على المستوى المحلي، لاتزال السلطات التقليدية مثل شيوخ القبائل وعقال الحارات2 تمثّل "هيكليات دعم غير نظامية" للمجتمعات المحلية. في الواقع، يؤّدي هؤلاء عادةً دوراً بارزاً في توفير الأمن، بحيث يحلّ شيوخ القبائل مكان الحكومة المركزية أو ينسّقون مع الجهات الرسمية.3 وقد أفضت الحرب الأهلية إلى تغيير في الطابع الهجين للخدمات الأمنية، بحيث اكتسب وجهاً جديداً. والحال هو أن التهجين المتنامي بين الجهات العسكرية الرسمية وغير الرسمية لم يؤدِّ إلى مزيد من التشويش بين الحدود النظامية وغير النظامية وحسب، بل إن الميليشيات – لا الجيش – باتت من الآن فصاعداً في صلب الهيكليات العسكرية الهجينة في اليمن.4

يرمي هذا التحليل إلى تقديم صورة عن الحالة الراهنة لهذا القطاع المهم، من خلال التركيز على المدركات المجتمعية المتعلقة بالأمن في اليمن، الذي يرزح تحت وطأة النزاع. فانطلاقاً من الهيكلية الأمنية-العسكرية الهجينة، ماذا عن عناصر الأمن على المستوى المحلي؟ وماهو دور شيوخ القبائل وعناصر الشرطة؟ وإلى أي حد ساهم الحوثيون في تغيير التوازنات القائمة في مجال توفير الأمن، ولاسيما في المناطق الواقعة شمال غرب البلاد؟ وهكذا يمكن، على ضوء التطابقات وأوجه الاختلاف المتعددة على الصعيد المحلي (المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين/المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين؛ المناطق المدينية/الريفية؛ الشمال الغربي/الشمال الشرقي؛ الساحل الجنوبي/الداخل الجنوبي)، تحديد الجهات التي تتولى راهناً فرض الأمن في البلاد.

في مايأتي بعض النزعات والتغييرات في الحوكمة الأمنية في اليمن منذ العام 2015

سقوط الأوهام بشأن القوات المحلية: الطابع المحلي لايعني أنها غير مسيّسة. لطالما كانت للقوى الأمنية المحلية (بما في ذلك الشرطة وخفر السواحل) ولاءات سياسية، وهي ليست أطرافاً "ثالثة" "محايدة" في النزاع. في الواقع، الولاء السياسي هو المعيار المحفِّز في عملية الاختيار المعتمدة في سياسات تجنيد الأشخاص. وتبعاً لذلك، القوى الأمنية المحلية هي كناية عن سلاسل محلية تابعة لشبكات محسوبيات أكبر حجماً. ولكونها ليست طرفًا ثالثًا، فقد كانت محل إشكال في اتفاقَين اثنين (اتفاق الحديدة الذي جرى التوصل إليه بوساطة من الأمم التحدة في العام 2018؛ واتفاق الرياض الذي أُبرِم بوساطة سعودية في العام 2019) فلم يتم التوافق على القوات الأمنية لتقوم بأداء دور محوري وغير متحيّز في تطبيق الترتيبات الأمنية الانتقالية على المستوى المحلي (مثلاً سحب القوات العسكرية وإعادة نشرها). وهنا يكمن سوء الفهم الأساسي: فالقوى الأمنية المحلية لايمكنها أن تكون جهات أمنية متوازنة بحد ذاتها نظراً إلى أنها تجسّد الأجواء المسيّسة. فعلى سبيل المثال، يرد في اتفاق الحديدة أن مسؤولية أمن مدينة الحديدة وميناء رأس عيسى وميناء الصليف "تقع على عاتق قوات الأمن المحلية". وينص اتفاق الرياض (الملحق 2: الترتيبات العسكرية) على عودة القوات الموالية للحكومة وللمجلس الانتقالي الجنوبي التي تحركت باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ آب/أغسطس 2019، إلى مواقعها السابقة و"تحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة". وهكذا، فإن التصور العام لوجود مؤسسة أمنية محلية تصطدم بالواقع على الأرض، مايؤدّي إلى تعقيد العملية الانتقالية أو حتى وقفها.

"الحوكمة الأمنية التنافسية" في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المعادية للحوثيين. في المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين، تتنافس جهات أمنية عدّة (الجيش وعناصر الشرطة؛ وشيوخ القبائل) على الحوكمة الأمنية المحلية في المنطقة نفسها، مايولّد أنماطاً متقلّبة على مستوى توفير الأمن. وتحدث هذه النزعة في المناطق الموالية للحكومة كما في المناطق المقرّبة من المجلس الانتقالي الجنوبي، مايسلّط الضوء على المستوى المرتفع للانقسام السياسي في المعسكر المناهض للحوثيين. في عدن، يؤثّر تضارب المصالح بين الجهات الأمنية في التجوّل في المدن، فقد تتعمد بعض نقاط التفتيش الأمنية رفض تصاريح أمنية صادرة عن وحدة أمنية أخرى في نطاقها المحلي نفسه، وذلك بسبب التنافس بين المسؤولين الأمنيين. تؤثّر الولاءات السياسية المتنافسة سلباً في الحضور والعمل المؤسسيَّين على المستوى المحلي أيضاً. فعلى سبيل المثال، يخضع رؤساء مراكز الشرطة في محافظتَي عدن ولحج إلى سلطة قادة الشرطة على مستوى المحافظة (ينتمي هؤلاء القادة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي)، وليس لسلطة وزارة الداخلية. أما رؤساء مراكز الشرطة في مدينة تعز الموالية بمعظمها للحكومة فهم يخضعون في الأغلب إلى سلطة وزارة الداخلية، ويرتبطون عموماً بحزب الإصلاح المتأثر إيديولوجياً بجماعة الإخوان المسلمين.

"الحوكمة الأمنية المحتكَرة" في المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين: دور المشرفين. في المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين، خسر شيوخ القبائل دورهم البارز في توفير الأمن، شأنهم في ذلك شأن الشرطة. حالياً، يجد شيوخ القبائل أنفسهم مهمّشين وخاضعين إلى الأجهزة الأمنية الجديدة التابعة للمتمردين في الشمال، والتي يرأسها المشرفون. لقد احتكر الحوثيون الحوكمة الأمنية، فحلّوا أيضاً مكان عدد كبير من عناصر الشرطة ذوي الولاء المشكوك فيه. يتلقّى المشرفون تقارير وشكاوى من السكّان، فيجمعون في عملهم بين توفير الأمن والفصل في الشكاوى: فعلى سبيل المثال، تحوّلت نقاط التفتيش الدائمة أو المؤقتة إلى مراكز أمنية متنقّلة تُستخدَم أيضاً بمثابة سجون. ينتمي المشرفون إلى جماعة أنصار الله (وفقاً للتسمية التي يطلقها الحوثيون على تيارهم)، وكانوا يعملون تحت إمرة اللجنة الثورية السابقة برئاسة محمد علي الحوثي،5 ويتحدّرون بأكثريتهم الكبرى من محافظتَي صعدة وحجة اللتين تشكّلان معقلاً للحوثيين شمال البلاد. يمارس المشرفون حكمهم على "منظومة ظل" مركزية وهرمية: في الواقع، تتخطى سلطتهم سلطة المؤسسات (بما في ذلك سلطة الحكومة التي أعلنها الحوثيون)، نظراً إلى أنهم مسؤولون فقط أمام المشرف على مستوى المحافظة،6 ويتبعون مباشرةً لمكتب قائد الجماعة عبد الملك الحوثي. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين مثل الحديدة، قام عقال الحارات أيضاً بتكييف مهامهم، فتحوّلوا من توفير الأمن على مستوى المجتمع المحلي إلى العمل مخبرين لدى المشرفين.

ماوراء "الدويلات": الروابط الشخصية والدور الأساسي للثقة. في سياقٍ يطبعه الالتباس المؤسسي والتفكك الأمني، تصمد الروابط الشخصية و"شبكات الثقة"، مثلما هو حال الوسطاء المحليين في سورية.7 تسلّط هذه النزعة الضوء على أزمة الأنماط الأمنية المنظّمة (على المستوى المحلي أيضاً)، وفي مقابل ذلك، صعود الشبكات غير النظامية للثقة والدعم: يمكن إعادة تنظيم هذه الشبكات سريعاً، إنما يصعب تتبّعها ورصدها. وبسبب وجود الشبكات الشخصية وشبكات الثقة، تتواصل بعض الجهات الأمنية المحلية في مابينها، مثلما هو الحال في مدينة مأرب الموالية للحكومة. ولكن هذه الظاهرة لاتُترجَم اجتماعاتٍ نظامية وتنسيقاً متواصلاً بين عناصر الشرطة والجيش وشيوخ القبائل وعقال الحارات. قد يتحوّل ذلك في نهاية المطاف إلى جهود أكثر تنسيقاً فقط في حال استتباب الاستقرار، مايُفسح المجال لتشكل نمط الحوكمة الأمنية متعددة المستويات.

المناطق المدينية والريفية: جهات أمنية مختلفة ومصادر مختلفة للشرعية. الجهات الأمنية المؤسسية، مثل عناصر الشرطة، موجودة بمعظمها في المناطق المدينية، في حين أن شيوخ القبائل لايزالون لاعبين أمنيين مؤثّرين في المناطق الريفية (مع استثناء لافت في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين). تكتسي الشرعية القانونية-المؤسسية للجهات الأمنية أهمية في السياقات المدينية أكبر منها في المناطق الريفية، حيث تسود الشرعية القائمة على الكاريزما وصلة القرابة في النظرة اليومية للسكان المحليين. ويتعلق هذا أيضاً بالإرث الذي تركه حضور الدولة أو غيابها قبل اندلاع الحرب الأهلية في العام 2015. ففي مدنٍ على غرار تعز وعدن، تتأثّر الشرطة بنقص التمويل والتدريب والمعدات، مثلما يحدث في باقي المناطق اليمنية؛ ولكنها أكثر حضوراً في تلك المدن بالمقارنة مع المناطق الريفية. في الحديدة، لاتزال الشرطة قائمة رسمياً ولم تحدث انشقاقات في صفوفها بعد سيطرة المتمردين على المدينة، ولكن المشرفين الذين عيّنهم الحوثيون يحجبون دورها بفعل الأمر الواقع. وفي المناطق الريفية في البلاد، درجت العادة أن يتولى أبناء القبائل لا عناصر الشرطة توفير الأمن، ويحدث ذلك في المجتمعات المحلية الأقرب إلى الحوكمة الذاتية. وفي محافظة المهرة الواقعة شرق البلاد عند الحدود مع سلطنة عمان، كانت لشيوخ القبائل تقليدياً اليد العليا في توفير الأمن، بحيث يحلّون مكان السلطات الحكومية في واحدة من أبعد المحافظات الحدودية في اليمن.8 ونظراً إلى صعود التيار الحوثي، لاوجود للجهات الأمنية المؤسسية في محافظة صعدة شمال البلاد، ولاسيما بعد اندلاع انتفاضة 2011 ضد الحكومة المركزية.

دور شيوخ القبائل في توفير الأمن يتوقف على الجغرافيا السياسية. في المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين، خسر شيوخ القبائل جزءاً كبيراً من نفوذهم في توفير الأمن مقارنةً بالتوازنات التي كانت قائمة قبل الحرب. أما في المناطق حيث تتولى الحكومة المعترَف بها زمام الأمور ظاهرياً، فقد أصبح شيوخ القبائل في موقع أقوى على مستوى توفير الأمن مقارنةً بما كانوا عليه في العام 2015. وبما أن الحوكمة القبلية تحلّ تكراراً مكان غياب الدولة المركزية أو عدم فعاليتها، تؤشّر هذه النزعة إلى اعتبارَين اثنين. أولاً، لقد تمكّن النمط المركزي للحوكمة الأمنية الذي نظّمه الحوثيون من تقويض الهيكلية القبلية المحلية وتقسيمها، فلم يترك للقبائل حيّزاً كافياً لممارسة شكل من أشكال الحكم الذاتي، مثلما هو الحال في شمال غرب اليمن. ثانياً، أتاح سيناريو الحوكمة الأمنية التنافسية الذي وضعته الحكومة المعترَف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي، لشيوخ القبائل الاحتفاظ بالتأثير أو كسبه في شمال شرق البلاد (مأرب) وجنوبها (حضرموت والمهرة)، من خلال الاستثمار في الفراغ الأمني وهيكلية الحوكمة الفضفاضة. وعلى سبيل المثال، عارضت القبائل الكبرى في المهرة بنجاح إنشاء قوات نخبة في المحافظة موالية للإمارات العربية المتحدة.9

يمكن أن تكون الجهات الأمنية من خارج المجتمع المحلي. لاتُشبه الجهات الأمنية المحلية بالضرورة النسيج الاجتماعي حيث تعمل. ومن شأن هذه الديناميكية أن تولّد توترات مجتمعية، مايزيد احتمال حدوث صدامات. فضلاً عن ذلك، توسّع وجود الجهات الأمنية غير المحلية منذ بدء الحرب الأهلية. ووفقاً لما وردت إليه الإشارة آنفاً، يتحدّر المشرفون الذين عيّنهم الحوثيون، ولاسيما في المناطق الخاضعة إلى سيطرتهم شمال غرب البلاد، من محافظتَي صعدة وحجة، أي أقصى شمال اليمن حيث الانتماء المذهبي للزيدية؛ وهذا يعني أنهم يعملون أيضاً في مناطق أكثرية سكّانها من المذهب السنّي الشافعي، مثل الحديدة وإب، أو في مدن مختلطة مثل العاصمة صنعاء. وفي المناطق الخاضعة إلى سيطرة الحكومة المعترَف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي، غالباً مايعمل الضباط العسكريون من أصول جنوبية في المناطق المجاورة، وتساعدهم في ذلك روابطهم الشخصية المتصلة في بعض الحالات بولائهم المستمر لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة. وفي محافظة المهرة، شكّل السعوديون قوات محلية موالية للرياض ينتمي معظم عناصرها إلى محافظات جنوبية أخرى مثل لحج وأبين والضالع.10

يُنظَر على نحو متزايد إلى قوات الشرطة بأنها من الجهات التي تتولى توفير الأمن، لكنها تفتقر إلى العتاد والخبرات. فيما خلا المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ينظر اليمنيون على نحوٍ مطّرد، منذ العام 2017، إلى قوات الشرطة بأنها من الجهات التي تتولى توفير الأمن، على الرغم من أنها تعاني من نقص التمويل والعتاد ومن ضعف الخبرة في مختلف أنحاء البلاد. وفقاً لاستطلاع أجراه المركز اليمني لقياس الرأي العام في العام 2019، أشار 61 في المئة من المجيبين في مختلف أرجاء البلاد إلى أنهم يريدون أن تكون الشرطة صاحبة سلطة.11 ولكن ليس ثمة رابط مباشر بين وجود الشرطة وتوفير الخدمات حتى تاريخه. ففي مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة، أعيد تفعيل قوات الشرطة تدريجاً من خلال تجنيد عناصر جدد بعد الانشقاقات والخسائر التي تسبب بها النزاع في صفوف الشرطة. وقد حصلت شرطة عدن الخاضعة إلى سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، على أسلحة وعتاد وتدريب من أبو ظبي. وتعمل محافظة حضرموت أيضاً على بناء القدرات في مراكز الشرطة من خلال تأمين مايكفي من الموارد والعناصر المدرّبين.12 وفي بعض المحافظات، أدّت السلطات الأجنبية أو المحلية دوراً مباشراً في (إعادة) بناء قوات الشرطة التي تجمعها روابط ضئيلة بـالكيانات اليمنية المتنافسة. في الواقع، لقد عمل الإماراتيون ثم السعوديون على إعادة تنظيم الشرطة في المهرة، وفي هذا الإطار، جرى تدريب قوات أمنية جديدة منذ العام 2017 على مقربة من الحدود مع عُمان.13 وأنشأت السلطات المحلية في الجوف (شمال شرق اليمن) قوة للشرطة تمارس عملها منذ العام 2018، وتُسدَّد رواتب العناصر والتكاليف الإدارية من الضرائب المحلية.14

ختاماً، لدى تحليل الأمن اليمني على مستوى المجتمع المحلي، تبدو هرميات السلطة أكثر تقلّباً وتبايناً مما تُظهره المنظورات الدراسية المستندة إلى المقاربات الهرمية من الأعلى إلى الأسفل والمتمحورة حول النخب. وتبعاً لذلك، على اليمنيين أن يتعاملوا مع جهات أمنية متعددة ومتنافسة. ووفقاً لاستطلاع أجراه المركز اليمني لقياس الرأي العام في العام 2019، يعتبر السكان المقيمون في المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين أن التهديدات الأمنية الأساسية في مناطقهم تتمثّل في "غياب الدولة" ووجود "الميليشيات" و"المجموعات المسلّحة". وفي ذلك مؤشّر على أن الرأي العام لايزال ينظر إلى غياب اللاعب الحكومي الأساسي بأنه عامل من عوامل عدم الاستقرار: في العام 2017، أتى 16 في المئة فقط من المجيبين على صعيد البلاد على ذكر الشرطة/السلطات الأمنية رداً على سؤال عن الجهة التي تتولى توفير الأمن في منطقتهم.15 وبعد خمس سنوات من الحروب الأهلية المتداخلة،16 تتأرجح المجتمعات المحلية في اليمن بين اللامركزية من أسفل الهرم إلى أعلاه (حيث تتمتع باستقلال ذاتي إلى حد كبير لكنها تبقى مرتبطة بالحكومة المعترف بها) والحوكمة الذاتية (مع روابط ضئيلة أو من دون أي روابط مع الحكومة المعترف بها)، وتحاول الجهات الأمنية إرساء توازن بين هاتَين المقاربتين بما يشبه "تأرجح البندول"، في مايتعلق بمستقبل العلاقات بين المركز والأطراف، على المدركات والتوقعات الأمنية للمجتمعات المحلية بصورة أساسية.

هوامش

1 Marie-Christine Heinze and Hafez Albukari, “Opportunities for SSR in Yemen”, in Marie-Christine Heinze (ed.), Addressing Security Sector Reform in Yemen. Challenges and Opportunities for Intervention During and Post-Conflict, Center for Applied Research in Partnership with the Orient (CARPO)-Konrad Adenauer Stiftung, Report, 20 December 2017 https://carpo-bonn.org/en/addressing-security-sector-reform-in-yemen/.

2 العاقل هو ممثل عن المجتمع منتخب محلياً يؤمّن الربط بين الجهات الأمنية الرسمية والمجتمع المحلي، ويؤدّي أيضاً مهام الشرطة في المناطق الريفية. وقد جرى الاعتراف بدوره في قانون الانتخابات اليمني 13/2001 الذي يُعرّف العاقل بأنه مسؤول عن إنفاذ العدالة: لهذا السبب، يكمّل العاقل في حالات كثيرة المنظومة الحكومية الرسمية.

3 انظر: Nadwa Al-Dawsari, Informal Actors, Communities and the State. An assessment of informal support structures and the social contract in Western Yemen, OXFAM, December 2014.

4 Eleonora Ardemagni, “Patchwork Security: The New Face of Yemen’s Hybridity”, in Eleonora Ardemagni and Yezid Sayigh (eds.), Hybridizing Security. Armies and Militias in Fractured Arab States, Italian Institute for International Political Studies-Carnegie Middle East Center Joint Dossier, 30 October 2018 https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/patchwork-security-new-face-yemens-hybridity-21523. للاطلاع على دراسة تركّز على مدينة تعز: Maged Sultan, Mareike Transfeld and Kamal Muqbil, Formalizing the Informal. State and Non-State Security Providers in Government-Controlled Taiz City, Yemen Polling Center, Policy Report, 22 July 2019 https://www.yemenpolling.org/formalizing_the_informal/.

5 مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن، كانون الثاني/يناير 2020.

6 Mareike Transfeld, “Police, Aqil and Supervisors: Local Security Forces in Ansarallah-held al-Hodeidah”, in The Yemen War. Actors, Interests and the Prospects for Negotiations, Konrad Adenauer Stiftung, Policy Report, October 2019 https://www.kas.de/en/web/rpg/single-title/-/content/the-yemen-war.

7 الوسيط هو "جهةٌ تربط مجتمعاً محلياً بسلطات خارجية". انظر: Kheder Khaddour and Kevin Mazour, “Building from the Wreckage-Intermediaries in Contemporary Syria”, in Kheder Khaddour and Kevin Mazour (eds.), Local Intermediaries in post-2011 Syria. Transformation and Continuity, Friedrich Ebert Stiftung, June 2019 https://www.fes-syria.org/publications/. لمعلومات عن "شبكات الثقة"، انظر: Charles Tilly, Trust and Rule, Cambridge University Press, 2005.

8 Ahmed Nagi, Will Tribal Customs Save Yemen’s Mahra Governorate?, Peripheral Vision: Views from the Borderlands, Fall 2019 https://asiafoundation.org/publication/peripheral-vision-views-from-the-borderlands-fall-2019/.

9 Ahmed Nagi, “Oman’s Yemeni Boiling Border”, Italian Institute for International Political Studies, ISPI Commentary, in Eleonora Ardemagni (ed.), Yemen’s Transnational War Legacies, ISPI Dossier, 26 March 2019 https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/omans-boiling-yemeni-border-22588.

10 يحيى السواري، "المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية"، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تقرير، 15 تموز/يوليو 2019، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/7693

11 Mareike Transfeld and Shaima Bin Othman, The State of the Police in Western Yemen, Yemen Polling Center, Research Debrief, January 2020 https://www.yemenpolling.org/4325/.

12 Badr Basalmah, Local Governance in Yemen: Challenges and Opportunities, Local Governance: Engine for Stability in Yemen, Berghof Foundation, May 2018 https://www.berghof-foundation.org/fileadmin/redaktion/Publications/Other_Resources/Berghof_Foundation_Yemen_locgov_Paper02LocalGovernance_WEB.pdf.

13 Middle East Monitor, Yemen opens new police departments near Oman border, 5 January 2017 https://www.middleeastmonitor.com/20170105-yemen-opens-new-police-departments-near-oman-border/.

14 Nadwa Al Dawsari, Running around in circles: How Saudi Arabia is losing its war in Yemen to Iran, Middle East Institute, 3 March 2020 https://www.mei.edu/publications/running-around-circles-how-saudi-arabia-losing-its-war-yemen-iran.

15 المركز اليمني لقياس الرأي العام، استطلاع على صعيد البلاد بتمويل من الاتحاد الأوروبي (ماعدا صعدة وسقطرة والمهرة)، 2019؛ المركز اليمني لقياس الرأي العام، استطلاع على صعيد البلاد بتمويل من الاتحاد الأوروبي (ماعدا صعدة وسقطرة)، 2017.

16 Eleonora Ardemagni, Yemen’s nested conflict(s): Layers, geographies and feuds, ORIENT-German Journal for Politics, Economics and Culture of the Middle East, No.2, 2019, pp. 35-41.

تم نشر هذا التحليل على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، بالتعاون مع مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والمركز اليمني لقياس الرأي العام.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.