في الفترة بين العاميْن 2011 و2015، ارتفع عدد سكان الأردن بنحو 2.5 مليون شخص – بما يشمل النمو السكاني وتدفق الوافدين إلى البلاد – وهو ما يكافئ مقدار النمو السكاني الذي تحصّل في الأعوام الخمسة عشر السابقة. وكان أكبر مصدر لهذه الزيادة يتمثّل بالسوريين الفارّين من الصراع المحتدم في سورية، والذين يمثلون اليوم قرابة 10 في المئة من سكان المملكة.
بالنظر إلى ما ترتب على ذلك من ضغوط اقتصادية، عملت الحكومات الأردنية المتعاقبة مع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي على تحويل هذه الأوضاع إلى فرصة للإنماء. ومن المرجّح أن تثبُت، على المدى الطويل، نجاعة المبادرات التي جرى إقرارها، وإن كانت التحديات الاقتصادية البنيوية، بخاصة تلك المتصلة بالتعامل مع الأعداد الكبيرة من العمال الذين لايحملون أذونات عمل، قد تحد من هذه النجاعة، في المستقبل القريب.

في العام 2016، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأردن، للعام الثاني على التوالي، إلى 2.3 في المئة، في حين بقيت معدلات النمو للفرد الواحد منخفضة، عند مستويات قريبة من الصفر، منذ العام 2012. ولايمكن تفسير أرقام كهذه بربطها بأزمة اللاجئين وحدها. فالأمر يتعلّق أيضاً بغلق مسالك التجارة البرية مع العراق وسورية، البلدين اللذين استوعبا، معاً، قرابة 16 في المئة من صادرات الأردن في العام 2014. ووفق دراسة لصندوق النقد الدولي في العام 2016، تسببت الصراعات في سورية والعراق بتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأردني بنسبة 1 في المئة في العام 2013.

فاقم هذا التباطؤ في النمو العجزَ البنيوي الطويل الأجل لسوق العمل الأردني، عن خلق وظائف عالية النوعية تكفي لاستيعاب عمال جدد. وحتى عندما كانت معدلات النمو قوية، عند نحو 5 في المئة سنويا، كان معدل نمو التوظيف في القطاع الخاص ضعيفا، أو سالبا. وبحسب دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية (ILO) في العام 2015، جرى إيجاد 45000 وظيفة منذ العام 2010، في مقابل 75000 من الداخلين الجدد إلى سوق العمل. ونتيجة لذلك، سجل معدل البطالة ارتفاعاً تاريخياً ببلوغه 15.9 في المئة خلال الربع الثالث من العام 2016، فيما كان أكثر من ثلث الشباب عاطلين عن العمل. كما انخفض معدل مشاركة القوى العاملة، الذي يقيس النسبة المئوية للسكان في سن العمل الموظفين أو الباحثين عن وظائف في سوق العمل، بما يقارب 4 في المئة، أي من 40 في المئة في العام 2010 إلى 36 في المئة فقط خلال 2016.

القوى العاملة السورية

أُجري آخر إحصاء لسكان الأردن في العام 2015 وقُدّر إجمالي عدد السوريين في الأردن بحوالى 1.27 مليون شخص، بينهم 650000 مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما أن اللاجئين الذين تزيد نسبة الشباب بينهم عن نسبة الشباب بين السكان الأردنيين في المعدل، يغلب عليهم أيضاً قلة التأهيل.

يكاد سوق العمل أن يكون مقسماً بالتساوي بين الأردنيين والمهاجرين، بما يقارب 1.4 مليون وظيفة لكل من الفريقين. لكن عدد أذونات العمل الصادرة عن وزارة العمل لا تتجاوز 400000. وتتباين تقديرات عدد السوريين الناشطين في السوق بين 90000 وما يزيد عن 140000، لايحمل أذونات عمل سوى 37000 منهم. ولهذا، الحضور السوري، وهو حضور ضخم، يتشكّل في ظرف غير صحي يعود إلى أن كثيرين في الأردن يعملون اليوم من دون تراخيص.

تسعى وثيقة "العقد مع الأردن" (Jordan Compact)، التي تمّ الإعلان عنها في مؤتمر لندن في شباط/فبراير 2016، إلى معالجة أزمة اللاجئين السوريين. ووفقاً لتلك الوثيقة، سيسعى الأردن إلى خلق 200000 وظيفة للسوريين طالما بقوا في البلاد، وكان مقرراً تأمين الخمسين ألفاً الأولى منها بحلول نهاية العام 2016، وهو هدف لم يتحقق. وتقتضي هذه العملية خلق حوافز للشركات وللعمال السوريين لشرعنة أوضاع العمال عبر تخفيف القيود على دخول سوق العمل.

وقد دعا اقتصاديون واختصاصيون في الشؤون العامة إلى إصدار أذونات عمل للسوريين كإجراء من شأنه تحسين مستوى معيشة اللاجئين. وبالفعل، ازداد عدد السوريين الذين تحصّلوا على أذونات عمل في الأردن بأكثر من ستة أضعاف منذ العام 2015. لكن الاستجابة جاءت دون المتوقع بكثير، ما دفع الحكومة إلى أن تمدد، مرتين، مهلة الإعفاء من رسوم طلب الالتحاق بعمل، وقد وقع التمديد الأول في تموز/يوليو 2016، والثاني في كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته. ووسعت الحكومة، مؤخرا، شروط العمل لتطال المقيمين في مخيمات اللاجئين الذين يمثلون قرابة 10 في المئة من إجمالي عدد السوريين في البلاد. وساهم هذا في مفاقمة قلق أهل المدن، مثل سكان إربد القريبة من الزعتري، أكبر مخيم لاجئين في البلاد، الذين يخشون زيادة المنافسة من جانب السوريين في سوق العمل.

لكن، ما سبب ضعف استجابة السوريين في ما يخص تراخيص العمل؟ تشير الدلائل الأولية المأخوذة عن مجموعات بؤرية عملت عليها منظمة العمل الدولية (ILO)، العام الماضي، إلى أن القيود المفروضة على تغيير جهة العمل هي من أسباب ركود الاستجابة. ففي اثنين من قطاعات العمل الرئيسية المتاحة للسوريين، وهما قطاعا البناء والزراعة، يُعدّ ربط العامل بصاحب عمل واحد- كشرط للحصول على ترخيص العمل– أمراً يصعب الالتزام به. ويتوجس اللاجئون أيضاً من إضفاء الطابع الرسمي على انخراطهم في سوق العمل، مخافة أن يفقدوا قدرتهم على الحصول على المساعدات من المنظمات الإنسانية، كما يتوجسون من التكاليف الإضافية المتأتية من اشتراكات الضمان الإجتماعي الإجبارية.

تحدٍّ تواجهه التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي

يفرض العدد الكبير للعمال في الأردن تحدياً خطيراً. فهو يهدد، على المدى القصير، فعالية قناة رئيسة يُراد عبرها خلق الوظائف للسوريين، وفقاً لما ينص عليه "العقد مع الأردن"، ونعني بذلك الوصول التفضيلي للبضائع الأردنية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أن اتفاقاً للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي جرى تفعيله في العام 2002، فقد واجهت الصناعة الأردنية صعوبة في الإفادة منه. ومن المرجح أن يكون لذلك تأثير عميق على توظيف السوريين. وخلال العقد السابق، تنامت الصادرات الأردنية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بحوالى 46 في المئة، في حين زادت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الأردن بما مقداره 52 في المئة. عملياً، يتفاقم العجز التجاري الأردني مع الاتحاد الأوروبي كل عام، خلال الفترة الزمنية نفسها، ويبلغ حالياً 4 مليارات دولار أميركي تقريباً.

قد تكون أسباب هذا الخلل في التوازن مرتبطة بقضايا بنيوية تؤثر على الصناعة الأردنية، خاصة ارتفاع تكاليف النقل والمغالاة في قيمة العملة. لكن التشدّد في المواصفات المطلوب توافرها في منشأ المواد الخام المستخدمة في التصنيع هي من الملامح الفريدة للاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وهي على وجه الخصوص مصدر متاعب للأردن تحديداً، نظراً إلى ندرة الموارد الطبيعية فيه.

في تموز/يوليو الماضي، طال التغاضي عن متطلبات قواعد المنشأ مُصَنّعي سلع معينة يعملون في ثماني عشرة منطقة اقتصادية وصناعية أردنية. وكان من المتطلبات الإضافية الرئيسة من قبل الاتحاد الأوروبي أن يشغل السوريون 15 في المئة من الوظائف في الشركات العاملة بالتصدير، وهو رقم يُتوقع أن يرتفع إلى 25 في المئة في العام 2019. بالطبع، المرونة في متطلبات قواعد المنشأ مرحبٌ بها ومن المرجح أن تترتب عليها نتائج إيجابية مهمة، على المدى الطويل. لكنها تثير تساؤلات حول العدالة في التعامل مع المُصنّعين الأردنيين المستعدين للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي والقادرين على ذلك، وفقاً للقواعد الجديدة، لولا أن زيادة حجم العمالة قد تكون عبئاً غير مناسب أو غير ضروري بالمرة. في المقابل، لو قرر المُصنّعون استبدال العاملين لديهم، من أردنيين ومهاجرين آخرين بسوريين، فهذا قد يكون من شأنه تعزيز ظاهرتين سلبيتين اثنتين: البطالة المتنامية بين الأردنيين، وزيادة أعداد المهاجرين العاملين من دون أذونات عمل.

وذُكر أن سبع شركات، حتى الآن، خُوّلت الحق في التصدير وفق أحكام الاتفاق الجديد، لكن يبقى عليها ألا تباشر بذلك إلا عندما تحل القضايا المتصلة بانطباق المواصفات الأوروبية على المنتجات الأردنية. وبالنظر إلى أن قرابة ثمانية أشهر مرّت منذ أصبح الاتقاق ساريا، فقد لايتحقق صافي نتائجه الإيجابية في السرعة التي تقتضيها حالة اللاجئين السوريين.

في ضوء هذه الاعتبارات، وبالنظر إلى أن الاتفاق ينص على أن التعديلات على الشروط الواردة فيه سوف تكون موضعَ تدّبرٍ بعد أربعة أعوام، يتعيّن أن يبحث الاتحاد الأوروبي عن مقاربة أكثر مرونة. والشروط المتصلة بقواعد المنشأ، التي تسمح للمُصنّعين باستخدام قدر أكبر من المدخلات من خارج الأردن والاتحاد الأوروبي، والتي جرى تخفيفها، قد تكون بحاجة إلى مزيد من التخفيف. كما أن النص على ضرورة أن يمثل السوريون ما لا يقل عن 15 في المئة، وتُرفع في ما بعد إلى 25 في المئة، من القوى العاملة لدى مُصنّع ما، يمكن أن يخفض، أو أن يقتصر تطبيقه على التعاقدات مع العمالة الجديدة وحدها.

لاريب أن الجهود النشطة للحكومة الأردنية في معالجة أوضاع مزعزعة هي جهود جديرة بالثناء، وبوسعها أن تلعب دوراً حاسماً في تسهيل دخول اللاجئين سوق العمل. ولن تترتب على ترحيل العمال من غير الحاملين للوثائق المطلوبة وعلى الحد من تدفق المزيد من العمال المهاجرين، على الأرجح، إلا نتائج محدودة بالنظر إلى حجم الظاهرة. وإنزال العقوبة بأصحاب العمل الذين يستخدمون، من دون مبرر قوي، عمالاً لايحملون الوثائق المطلوبة، من شأنه أن يرفع تكاليف توظيفهم لدرجة تنهي المحفز على مثل ذلك العمل. وإذا جرى تسهيل العملية البيروقراطية الخاصة بإصدار تراخيص العمل للسوريين، فقد يسمح ذلك للشركات الأردنية وللعمال السوريين بالاستفادة من فوائد اتفاق التجارة الموسع مع الاتحاد الأوروبي، مع تخفيف قدر من الضغوط على اقتصاد البلاد في الوقت نفسه.