المصدر: الحياة

في العالم العربي، ثمة مجموعتان من الدول. دول الخليج التي تحقق إيراداتها من خلال عائدات النفط ومن ثم إعادة توزيع جانب من تلك الإيرادات على المواطنين، ولا تفكّر بفرض أي نوع من الضرائب. والمجموعة الثانية من الدول، هي الدول العربية غير النفطية التي يقل فيها مستوى الدخل الفردي بكثير عن ذلك السائد في الدول الخليجية، والتي اعتمدت في جانب من نشاطها على أسواق خارجية أو بعض مصادر الدخل الخارجية مثل المساعدات والإعانات وحوالات العاملين (تونس لبنان والأردن) أو مزيج من المساعدات ومصادر الريع مثل مصر التي تحتوي على مصادر طبيعية ولديها قناة السويس.
القاسم المشترك بين دول المجموعة الثانية، هو أنها لم تلجأ إلى اتباع أنظمة ضريبية معقدة تتبع مبدأ التصاعدية على دخول الأفراد وأرباح الشركات، بل اعتمدت بالدرجة الأولى على ما يعرف بالضرائب غير المباشرة التي لا تميّز كثيراً بين الأغنياء والفقراء، مثل ضريبة القيمة المضافة، والرسوم الجمركية على السلع المستوردة والرسوم الإضافية التي تفرض أحياناً في شكل اعتباطي لا يمكن تبريره من الناحية الاقتصادية.
للضرائب غير المباشرة ميزات كثيرة من ناحية الدولة الجابية، فهي سهلة التحصيل والتقدير، ولا تحتاج إلى كادر ضريبي متخصص. وهذا النوع من الضرائب في العادة لا يسبب قلقاً وإزعاجاً لمراكز القوى التقليدية في تلك الدول، بل على العكس فإن عبء هذا النوع من الضرائب كنسبة من الاستهلاك هو في مصلحة الأغنياء إذا ما قورن ذلك بدخل تلك الفئة ومستوى استهلاكها.
الميــزة الثالثة لهذا النوع من الضرائب سياسية بامتياز. فضريبة الدخل مثلاً تذهـــب مباشرة من جيب المواطن إلى خزينة الدولة مباشرة، لذا يشعر بها ويبدأ بطرح أسئلة حول مشروعية دفع ضريبة وكيف تُنفق. وهذا النوع من الأسئلة لا يرافق عادة الضرائب غير المباشرة التي لا تدفع مرة واحدة، بل ترتبط بالاستهلاك المتفرق على مدار الشهر أو العام. كل هذه الأسباب جعلت الدول العربية تبدأ بتطبيق الضرائب غيـــر المباشرة على أساس الانتقال إلى الضرائب المباشرة خلال فترة زمنية غير واضحة.
ما جرى في الدول العربية التي بدأت تطبيق الضرائب غير المباشرة قبل نحو عقدين من الزمن مع برامج الإصلاح الاقتصادي برعاية المؤسسات الدولية، هو أن الانتقال لم يحدث، وظلت حوارات الضريبة محصورة في فرق فنية تناقش تفاصيل مشاريع القوانين المقترحة. والأهم من ذلك أن الدول العربية لم تكن ترغب في تحقيق أي انفتاح سياسي قد يرافق هذا النوع من الضرائب طالما أن مصادر الريع والدخل خارج حدود الاقتصاد متوافرة.
ومع هـبـــوب رياح التغييــر في المنطقة والحديث عن الإصلاحات الشاملة السياسية والاقتصادية، فإن ما يُلاحظ هو الغياب الفاضح للحوار حول مبادئ الضريبية التصاعدية التي تعتبر مدخلاً مهماً لتغييرات سياسية وإحداث نوع من العدالة الاجتماعية. فجل الحديث يتركز حالياً على موضوع الفساد، ومواضيع تخصيص مؤسسات القطاع العام، والإعانات الاجتماعية. أما الجوهر والمدخل الذي يمكن أن يشكل اللبنة الأولى في رسم العقد الاجتماعي الجديد، الضرائب، فهو شبه مغيب.
وعلـــى مستـــوى النخب، فإن حــوارات الضريبة لا تحظـــــى بالأهميــــة الكافية، إما لأسباب فنيــــة تتعلق بطبيعـــة الموضوع، أو لوجود نوع من التواطؤ بين هذه النخب والقطاعـــات الرسميــــة التي تتولى جباية الضرائب. ومن شأن تحييد الموضوع وتغييبـــه عــــن الحوارات العامة التقليل من أهميته، إذ من شأن فرض ضرائــــب مباشرة رفع درجة المساءلة حول موضوع العدالة الضريبية والعدالـــــة فـــي الإنفــــاق والعودة إلى أصل الموضوع: إعادة توزيـــع الدخـــل وتحسيـــن فــرص الفقـــراء وذوي الدخل المحدود من الاستفادة من الضرائب التي تفرض على الأغنياء.
ولعـــل خيـــر تعبير عن السياسة الضريبية والعلاقة ما بين دافع الضريبة والحكومــــات في المنطقة العربية، هو تعبير أحـــد الخبراء بأن الدول العربية غير النفطية يسعى إلى الحصول على «رفاه الدول الاسكندنافية بمستوى ضرائب أفريقـــية»، وهــــو ما يعني استحالــــة تحقيق ذلك الأمر. فالضريبة التصاعدية في بعض الدول الاسكندنافية تصل أحياناً إلى 60 في المئة من الدخول والأرباح المتحققة.
مصر التـي تمــر بمرحلـــة انتقال مهمـــة، اتخـــذت خطـــوة مهمة في موازنة 2011 - 2012 حينمـــا فرضـــت ضريبة على الأربــاح المتحققة من العمليات الرأسمالية كأربـــــاح الأسهم والعقارات، ورفعت العـــبء الضريبي على شريحة الدخل العليا بنسبة خمسة في المئــــة، وهذا يعني التأسيس لمرحلة جديدة يمكن الالتفات بها إلى الطبقــة الوسطـــى وعـــدم أخذ جانب الأغنياء دائماً في السياسات الضريبية المتبعة.