المصدر: Getty

المأزق السنَّي في العراق

لا شيء أقلّ من حدوث تغيير حقيقي في الحكومة المركزية وتبلور قيادة موحّدة لتمثيل صوت السنّة، يمكن أن يساعد في إطلاق صحوة سنّية أخرى.

نشرت في ٣ مارس ٢٠١٦

دام احتلال تنظيم الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً لأجزاءٍ من العراق أطول ممّا تصوّره معظم المحلّلين والمسؤولين في البداية. وكان الحل، بحسب العديد من صانعي القرار في الغرب، تمكين سنّة العراق للانخراط مجدّداً مع الحكومة المركزية -  على غرار الصحوة السنّية التي أطاحت في من سبق تنظيم الدولة الإسلامية، أي القاعدة في العراق، خارج المناطق نفسها. ابتداءاً من العام 2016، يتطلّب فهم أسباب فشل استراتيجية مماثلة، نظرة متباينة للديناميكيات الداخلية والخارجية، بعيداً عن جماعة سنّية عراقية واحدة متراصة.  

فهم إقصاء/تهميش سنّة العراق

  • لم يُقنع رئيس الوزراء حيدر العبادي العديد من سُنّة العراق أنه يستطيع أن يقدّم شيئاً مختلفاً عن سالفه، نوري المالكي، الذي ساهمت سياساته في إقصاء/تهميش السنّة من الدولة ومن العملية السياسية. 
  • خاب أمل سُنة العراق في احتكار بعض النُخب الشيعية السلطة، وفي عدم معاقبة الميليشيات الشيعية ذات الاعتبارات الطائفية، وهي جزء من قوّات الحشد الشعبي.  
  • يدعم بعض سنّة العراق تنظيم الدولة الإسلامية ويبقى الغالبية لايكترثون لها. على سبيل المثال، يبدو أن شريحة كبيرة من سكّان الموصل تدعم التنظيم أو لاتكترث له. 
  • ليس هناك سلطة موحّدة، أو قضية، أو هوّية تقود الحركة السنّية، مايصعّب على سُنّة العراق الانخراط مع الدولة والتأقلم مع الظروف المتغيّرة. 
  • تُفكّك التباينات الداخلية السياسية أكثر فأكثر الالتئام المجتمعي (مثل العمل أو عدم العمل مع العبادي) والاختلافات الإيديولوجية (مثلاً حول ضرورة التعبئة على أساس حزب سنّي أو جبهة سنّية).  
  • بعد سقوط الموصل، في العام 2014، في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، تبدّل مسار معظم القادة السنّة وسعوا إلى استقلال محلّي أوسع. 

الآثار السياسية على الولايات المتحدة وعلى الحلفاء ذو التفكير المشابه 

لايمكن للقوة العسكرية وحدها أن تتغلّب على تنظيم الدولة الإسلامية. يجب إقناع من لايزالون يدعمون التنظيم أو لايبالون أن بغداد تمثّلهم شرعاً. أيضاً، قد تساعد على ذلك ضمانات على تقاسم السلطة، واستقلالاً محلّياً أكبر، وقواتٍ شبه عسكرية تحت قيادة الحرس الوطني، وعفواً محدوداً ومرتبطاً بإعادة الدمج السلمي، والجهود في الحكم ضمن ميليشيات.

أمّا معرفة إلى من يجب توجيه الكلام فهو أمر أساسي. إذ يطالب جيل جديد من القادة السياسيين، والعشائريين، والدينيين، بقوّة التكلم باسم أهل السنّة العراقيين. كما أن مواصلة العمل مع الحرس القديم أو الفعاليات بقدرٍ ضئيلٍ من الشرعية سيُطيل هذا التفكّك/ التحلّل. 

علاوةً على ذلك، اختيار الحلفاء مهمّة دقيقة. فإن دعم القوات المُطيعة للقانون، فيما يتمّ إدانة أولائك المتهمين بأعمال عنف – بما في ذلك مايخصّ قوّات الحشد الشعبي – سيساعد الفعاليات الخارجية على إعادة المطالبة بالشرعية.     
إضافةً إلى ذلك، سيمنع تعزيز اللجنات المستقلّة القادة الفرديين من زيادة مركزية السلطة. كذلك فإن اجتثاث تسييس القضاء،  ومساندة اللجنة الانتخابية، وحكم أفضل في عملية اجتثاث البعث، ستساعد الحكومة على تعزيز الثقة في سنّة العراق. 

مقدمة

لاتزال الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتياً منذ سنتين تحكم أجزاءاً من العراق، حيث فقدت الحكومة المركزية جميع  سلطاتها المستقلّة. ووفقاً لتقديرات مختلفة، لايزال نحو 25 في المئة من العرب السنَّة في العراق يدعمون هذه الجماعة.1 وفي الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد، يبدو أن غالبية السكان يؤيّدون الدولة الإسلامية، أو لا يكترثون لها.2 

في البداية، ظنّ العديد من المحلّلين أنه سيتم طرد هذه الجماعة السلفية-الجهادية بالسرعة نفسها تقريباً التي دخلت بها المدن والبلدات العراقية. إلا أن قلّة قليلة من الناس فقط تصوّرت أن الدولة الإسلامية يمكن أن تصمد وأن تواصل حصد قدرٍ من التأييد. لكن اليوم، ونحن في أوائل العام 2016، أصبح الكثيرون يعتقدون أن الدولة الإسلامية سوف تبقى "لفترة طويلة"، على حدّ قول رئيس مجلس النواب سليم الجبوري. 

لم يستطع العديد من المحللين طرح تفسير مقنع لسوء التقدير الأوّلي هذا. ذلك أن فهم استمرارية وطول العمر المحتمل للدولة الإسلامية في العراق، يتطلّب فهماً أعمق لمشاكل التمثيل والحوكمة التي واجهها العرب السنّة، ولازالوا يواجهونها، في حقبة بعد صدّام حسين. 

في استطلاع رأي أجري في العام 2015، عبّر 13 في المئة فقط من السكان العرب السنَّة في العراق عن اعتقادهم بأن الحكومة المركزية في بغداد تسير في الاتجاه الصحيح.3 بيد أن هذا الرأي غير المفاجئ ليس مجرّد نتيجة للاضطهاد على يد حكومة مركزية يهيمن عليها الشيعة، أو مجرّد نتيجة لفكّ ارتباط السنَّة بالدولة وبالعملية السياسية. فكلتا العمليتين متقاطعتان وكان لهما تأثيرهما. علاوة على ذلك، فإن غياب المؤسّسات التمثيلية القوية-الأحزاب السياسية أو القيادة المتّسقة-جنباً إلى جنب مع صراع داخلي سنّي، هو الذي خلق أزمة التمثيل في الجماعة السنّية، وبالتالي سهّل بروز الدولة الإسلامية. 

إن غياب المؤسّسات التمثيلية القوية هو الذي سهّل بروز الدولة الإسلامية. 

تعود هذه المشاكل بجذورها إلى العام 2003 على الأقلّ، عندما أعادت الولايات المتحدة وحلفاؤها هيكلة نظام الحكم في العراق. وقد تميّزت عملية الدمقرطة بظهور سياسة الهوية، التي صنّفت السكان وفق خطوطٍ طائفية.4 فكان النجاح يتوقّف على تمثيل الطائفة أو العرق لا على المعتقد الإيديولوجي أو أي مؤشّر آخر يستند إلى قضية بعينها. وكما يقول سبهان الملا جياد، النائب السابق لمحافظ صلاح الدين: "تم إبلاغ الزعماء الشيوعيين أنهم أصبحوا الآن زعماء سنّة".5 

في ظل هذه الحقائق الجديدة، كان الأكراد والشيعة سريعين وفعّالين في تعبئة أنفسهم سياسياً: فالأكراد يملكون قومية إثنية تقود حركة انفصالية يطالب بموجبها 95 في المئة من القواعد الشعبية بالانفصال عن العراق؛ كما يملك الشيعة مؤسّسة دينية مركزية يحرّكها شعور بالمظلومية أو الاضطهاد ولطالما كانت تنتظر لتقوم بالتعبئة السياسية داخل البلاد.6 غير أن الأقلّية العربية السنّية في العراق التي تشكّل نحو 20 في المئة من السكان، تحوّلت بين عشية وضحاها من كونها حاكمة إلى كونها محكومة. وعلى عكس منافسيهم الشيعة أو الأكراد، لم يكن السنّة مستعدّين ولا راغبين في ممارسة لعبة السياسة الطائفية. وقد أنكر الكثير منهم الواقع الجديد، حين كانت مجتمعاتهم المحلية تفتقد السلطة والامتيازات. 

نتيجة لذلك، يُواجه العرب السنّة في العراق معضلة فقدان الثقة السياسية والتمثيل. أما مأزقهم فهو حصيلة حمّى التنافسات بين المجتمعات المحلية وداخل كل مجتمع محلي. خارجياً، لايثق السنّة بالحكومة المركزية التي يقودها الشيعة ويجاملها الأكراد، ولايعتقدون أن بغداد تمثّل مصالحهم أو رفاهيتهم. ومن حيث القوة العسكرية، غالباً مايتساءل السنّة لماذا يُسمح للشيعة بأن تكون لهم قوات شبه عسكرية مرخّصة من الدولة، في شكل قوات الحشد الشعبي، ويُسمح للأكراد بأن تكون لهم قوات البشمركة المرخّصة من الدولة، فيما ترفض الحكومة طلبات العشائر السنّية للحصول على التمويل والأسلحة. وداخلياً، غالباً مايكون مختلف القادة الذين يزعمون النطق باسم السكان العرب السنّة، على خلاف مع بعضهم البعض ومع غيرهم من الفعاليّات الاجتماعية، أي شيوخ العشائر وعلماء الدين ورجال الأعمال. كما أنهم يفتقرون إلى وجود حزب سياسي يُعتدّ به، يستطيع حشد مصالحهم في العملية السياسية. 

يُواجه العرب السنّة في العراق معضلة فقدان الثقة السياسية والتمثيل. أما مأزقهم فهو حصيلة حمّى التنافسات بين المجتمعات المحلية وداخل كل مجتمع محلي.

لكي نفهم التحدّيات المُتصوّرة التي يواجهها المجتمع العربي السنّي بصورة أفضل، من المفيد أن نُقيّم التنافسات داخل هذا المجتمع بصورة منفصلة (تلك المتعلّقة بالحكومة المركزية) وتلك الموجودة بين مكونات هذا المجتمع (النزاعات الداخلية على السلطة)، ونحلّل جهود التعبئة الجديدة التي تقوم بها القيادة للتغلّب على مشكلة فك الارتباط الحالية. ويشمل هذا تفحّص وجهات النظر حول قضايا مثل الفيدرالية والسلطة التنفيذية وتقاسم السلطة، ودور السلطة القضائية واللوائح البرلمانية الداخلية، واللاعبين البرلمانيين، والأطراف شبه العسكرية، وقوانين العفو، من بين قضايا رئيسة أخرى. ويستند هذا التحليل إلى مقابلات ولقاءات فردية، وجماعية مع قادة المجتمع السنّي ومع مواطنين. كانت طبيعة السؤال البحثي تتطلّب بالضرورة تفسير استيعاب النخب الحالية للقضايا المختلفة. والحال أن الطريقة التي صاغ بها ممثّلو المجتمع السنّي إجاباتهم لم تقلّ أهمية عن دقّة إجاباتهم. كان الهدف من هذا النهج هو الحصول على فهم عميق وتفسيري - وهو مايطلق عليه عالم الاجتماع والفيلسوف والاقتصادي السياسي الألماني ماكس فيبر في القرن العشرين (Verstehen”" - أي الفهم الجادّ والتقمّصي للسلوك البشري) - للكيفية التي ينظر بها قادة العرب السنّة إلى مشاكلهم واستراتيجيات التعبئة في العراق بعد العام 2003. في بعض الحالات، طلب بعض من تمت مقابلتهم عدم الكشف عن أسمائهم. 

ينصبّ التركيز حصراً على العرب السنّة في العراق في محاولة لفهم لماذا، في العام 2016، تعتقد حكومات العالم ووسائل الإعلام أن القضاء على الدولة الإسلامية يتطلب "تسليح السنّة" أو "تمكين السنّة"، ومع ذلك لايمكنهم عزل القادة الشرعيين الذين يمثّلون من يسمّون أهل السنّة أو التعرّف على مشاكل ومطالب هذه الجماعة التي غالباً مايساء فهمها، كما أنها بعيدة كل البعد عن كونها كتلة واحدة مترابطة. 

 دورات الانخراط وعدم الانخراط

فك ارتباط السنّة بعد العام 2003 

منذ العام 2003، مرّت زعامة العرب السنّة والسكان بدورات من الانخراط وعدم الانخراط مع الحكومة المركزية، لكن هذا تمّ على حساب مكانتهم، حين شارك الشيعة خصوصاً والأكراد بصورة كاملة وحصدوا فوائد ذلك.7

كانت المرحلة الرئيسة للانخراط، وفق هذا النمط، هي مايُسمى أبناء العراق أو الصحوة السنّية من أواخر العام 2007 حتى العام 2010. خلال مرحلة الصحوة، قاتلت العشائر والمجتمعات المحلية السنّية، بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها، تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان قد ملأ فراغ السلطة الناجم عن انحسار الحكومة المركزية خلال الحرب الأهلية. وقد عبّأ شيوخ العشائر وعلماء الدين قواعدهم للتخلّي عن مقاومتهم، والنأي بأنفسهم عن تنظيم القاعدة، والمشاركة مع الحكومة المركزية في العملية السياسية. 

اتّسمت تلك الفترة بتحقيق نجاحات عسكرية أدّت إلى تهميش تنظيم القاعدة في العراق، كما حقّقت أيضاً نجاحات في انتخابات مجالس المحافظات في العام 2009 وانتخابات 2010 البرلمانية الوطنية. ففي العام 2010، فاز ائتلاف ""العراقية" المفضّل لدى العرب السنّة (تم حلّه بعد ذلك)، برئاسة العلماني إياد علاوي، بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، حيث حصد91 مقعداً، وهزم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي حصل على 89 مقعداً. ولأول مرة بعد العام 2003، تم تكليف من اختاره السنّة ليصبح رئيساً للوزراء. كان ذلك مؤشّراً واضحاً على مزايا الانخراط مع الحكومة المركزية، وسابقة تدلّ على أن تحقيق النجاح السياسي ممكن حتى بالنسبة إلى الأقلّيات. 
ومع ذلك، اتّبعت الزعامة السنّية، غالباً، سياسة الانسحاب من العملية السياسية، التي تفقد بموجبها الثقة في الحكومة المركزية، وتلجأ إلى مصادر تمثيل بديلة أو غير مُشرّعة قانونياً. هذا إضافةً إلى أن فك الارتباط مع الحكومة المركزية يؤدّي إلى فراغ سياسي وأمني، مايسهّل ظهور الجماعات السلفية الجهادية، مثل الدولة الإسلامية ومختلف تجلّياتها السابقة، على غرار تنظيم القاعدة. 

حدثت الفترة الأولية من فك الارتباط بعد العام 2003 مباشرة، حين رفض العرب السنّة المذهولون عملية تغيير النظام بقيادة الولايات المتحدة، والتي قذفت بالشيعة والأكراد إلى مقاعد السلطة في بغداد. وقد تم منع جزء من الزعامة السنّية من المشاركة السياسية، بسبب مزاعم بأن لها صلات بحزب البعث والنظام السابق، فيما اتّبع ممثّلون آخرون للسنّة سياسة المقاطعة. وهكذا، سعى حارث الضاري، الذي كان يرأس هيئة العلماء المسلمين، لأن يبرز كزعيم السنّة؛ ودعا في فتوى له إلى "تمرّد وطني" ومقاطعة شاملة للعملية السياسية. 

شعر كثير من القادة أنهم مضطرّون إلى الالتزام بفتوى الضاري. وترتّب على ذلك عدم مشاركة العرب السنّة في عملية صياغة الدستور. وعليه لم يكن لهم رأي يُذكر في القانون الأهم والأعلى الجديد في العراق. علاوة على ذلك، لم يقترع السنّة، في العام 2005، في دورتين انتخابيتين، إحداهما برلمانية والثانية للتصديق على الدستور. في محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنّية بلغت نسبة إقبال الناخبين 2 في المئة. وهذا ناقض بصورة حادّة نشاط الجماعة الشيعية، التي اضطرّت للالتزام بفتوى آية الله علي السيستاني بأن "الواجب" هو المشاركة في هذه العملية؛ ومع الجماعة الكردية، التي كانت تُطلّ على التصويت في الانتخابات البرلمانية والمصادقة على الدستور من منظور الاستقلال. وقال عضو في البرلمان شارك في لجنة صياغة الدستور، (طلب عدم الكشف عن هويته) لكاتب هذه الدراسة: "حاولت مساعدة أهل السنّة، غير أن الشيعة والأكراد كانوا أقوياء جداً".8 ونتيجة لذلك، لم يكن السنّة ممثَّلين بصورة متناسبة في الدستور العراقي أو الجمعية الوطنية الانتقالية، ولم يكن لهم رأي يذكر في الأسس التي تقوم عليها الدولة العراقية الجديدة، بسبب اختيارهم التنحّي جانباً. 

من هذه الزاوية، إذاً، لايمكن وضع اللوم في مأزق العرب السنّة ودورات فكّ الارتباط في العراق فقط على عاتق الحكومة المركزية التي سيطر عليها الشيعة في مرحلة ما بعد العام 2003. فقد تبنّى ممثّلو العرب السنة خيارات استراتيجية ووقعوا في شِراكٍ زادت موقفهم الضعيف أصلاً سوءاً في العراق الجديد. فالعديد من الزعماء الذين برزوا وكانت لديهم فرصة لتمثيل الجماعة السنّية العراقية بعد العام 2003 ولم يعاقبوا بسبب قانون اجتثاث البعث، لم يكونوا حريصين على المشاركة التي تعدّ جزءاً أساسياً من التمثيل. 

لايمكن وضع اللوم في مأزق العرب السنّة ودورات فكّ الارتباط في العراق فقط على عاتق الحكومة المركزية التي سيطر عليها الشيعة في مرحلة ما بعد العام 2003.

لم يقتصر الأمر على أن السنّة كانوا يفتقرون إلى هيكل قيادي واضح وحسب، بل الأهم من ذلك أنهم كانوا يفتقرون إلى الهوية الطائفية اللازمة للتعبئة السياسية الناجحة في العراق بعد العام 2003. فقد رفضوا دولة المكوّنات الجديدة، ورفض الكثيرون استخدام كلمة "السنّة" أو "المكوّن" علناً. أما الأكراد والشيعة فلم تكن لديهم مشاكل تُذكر في الإشارة إلى أنفسهم وفق طابع يتمحور حول الطائفة. وفي حين كان بوسعهم استخدام الرموز أو الأساطير الكردية أو الشيعية لتعبئة جماهيرهم، لم تقم الزعامة السنّية بذلك ولا كانت راغبة في اللجوء إلى مثل هذه التكتيكات.9 وفي نظام سياسي قائم على الهوية، عنى ذلك تراجع السنّة أمام نظرائهم الذين اكتسبوا شرعيتهم من خلال الطائفية. 

ولاية المالكي الثانية (2010-2014) وقمع السنّة 

فترة فك ارتباط السنّة القائمة اليوم، هو مامكّن الدولة الإسلامية من الاستمرار. فقد كانت في جزء منها نتيجة للفشل الناجم عن الولاية الثانية للمالكي كرئيس للوزراء في العام 2010، عندما خسر الانتخابات لصالح علاوي المدعوم سنّياً، لكنه تمكّن من البقاء في السلطة.  والأخطر من ذلك أنه شرع في حملة لتكريس المركزية المُفرطة للسلطة، أدّت إلى إسكات معارضيه وتسبّبت في حدوث أزمة تمثيل. خلال هذه السنوات، تم تهميش الكثير من الزعامات السنّية أو جرى نفيَها إلى إقليم كردستان، أو إلى الخارج، أو سُجنت. ونتيجة لذلك، فقد المواطنون العراقيون السنّة كل ثقة وأمل  في الانخراط في العملية السياسية. وقد أكّد جياد أنه بسبب ذلك، "ليس لدينا - في العراق - دولة تمثيلية. لا بل حتى ليس لدينا دولة".10

أراد المالكي، الذي دبّت الريبة في أوصاله بعد أن كاد يخسر رئاسة الوزراء، إضعاف خصومه وخاصة أولئك الذين ادّعوا أنهم يمثّلون أهل السنّة. كان على رأس أولوياته نزع الشرعية عن علاوي، الذي كان قد فاز في الانتخابات جزئياً بأصوات السنّة. أقنع علاوي أن يختار منصباً تنفيذياً وهمياً كرئيس لمجلس الأمن القومي، لكنه لم يستكمل تلك الخطة. وفي الواقع جعل المالكي علاوي يبدو ضعيفاً وساذجاً. بعد ذلك، نزع المالكي شرعية صالح المطلك، أحد ممثّلي القائمة العراقية عن السنّة. فقد دعاه المالكي ليصبح نائباً لرئيس الوزراء، وطوال مدة ولايته، لكنه جعل هذا الزعيم السنّي يبدو ضعيفاً وغير قادر على الوقوف في وجه رئيس الوزراء. لا بل إنه جمّد عمل المطلك في بعض الأحيان. كان ذلك جزءاً من استراتيجية فرّق تسُد إزاء الزعامة السنّية: فقد أغرى المالكي خصومه بمناصب حكومية وأموال ليتمكّن من إخضاعهم لحكمه ثم كشفهم باعتبارهم تابعين.11 ونتيجة لذلك، سرعان ما انقسمت قائمة العراقية إلى تيارات مختلفة، الأمر الذي عرّض تماسك ائتلاف علاوي إلى الخطر. 

أراد المالكي، الذي دبّت الريبة في أوصاله بعد أن كاد يخسر رئاسة الوزراء، إضعاف خصومه وخاصة أولئك الذين ادّعوا أنهم يمثّلون أهل السنّة.

بدأ المالكي أيضاً يستهدف قانونياً ممثّلي السنّة البارزين من خلال نفوذه الشخصي على القضاء. ففي كانون الأول/ديسمبر 2011، أصدر مذكّرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، الذي أُجبر على الفرار من حكم بالإعدام. وفي حملة مماثلة، نظّم المالكي غارة على طريقة  فرقة التدخل السريع (سوات-SAWT) على منزل وزير المالية رافع العيساوي، ما أجبر ممثلاً بارزاً آخر للسنّة على الاستقالة. وفي العام 2015، حُكِم على العيساوي غيابياً بالسجن سبع سنوات. وعلى الرغم من أن ذلك حدث عملياً خلال تولّي خليفة المالكي، حيدر العبادي، رئاسة الوزراء، يواصل المالكي ممارسة نفوذه على السلطة القضائية ويفاقم أزمة التمثيل. واليوم لا العيساوي ولا الهاشمي موجودان في العراق، ويجد المسؤولون السابقون المُبعدون صعوبة في استعادة شرعيتهم كممثّلين لجمهورهم. 

في أوائل العام 2011، ظهرت الحركة الاحتجاجية (الحراك الشعبي) في المناطق السنّية التي كانت لها صلة ما بالربيع العربي الذي اجتاح بشكل واسع الشرق الأوسط. كان الناشطون العراقيون السنّة، الذين يشعرون بالغبن لأن قياداتهم كانت مستهدفة، يريدون أن يكون لهم تمثيل أفضل في بغداد. لكن تم سحق الربيع العربي في العراق بعنف، ونشر المالكي قوات الأمن العراقية لقمع الناشطين. والأخطر أنه وصفهم بأنهم "إرهابيون" أو "متمرّدون" مرتبطون بتنظيم القاعدة.12 تم الاشتباه بالكثير منهم بالضلوع في الإرهاب، وأرسلوا إلى مراكز استجواب سرّية في المنطقة الخضراء في بغداد، حيث أشرف أحمد، نجل المالكي نفسه، على حملات الاعتقال والتعذيب.13 هذا القمع لحركة الاحتجاج، جعل أزمة التمثيل التي كانت تتفاقم في الشارع السنّي تزداد سوءاً. 

شملت حملة المالكي لمركزة السلطة أيضاً تعطيل البرلمان، المؤسّسة الوحيدة القادرة على التعبير بصورة مباشرة عن هموم المواطنين من خلال الأعضاء المنتخبين. وأوضح ناشط سنّي للمؤلف أنه في خلال ثماني سنوات، مَثُلَ المالكي أمام البرلمان لاستجوابه مرة واحدة فقط. علاوة على ذلك، كان المالكي خلال تلك المرة اليتيمة هو الذي يطرح الأسئلة.14 والحال ليس أفضل في عهد العبادي، خليفة المالكي، على الرغم من أنه يتحدّر من خلفية برلمانية. ذلك أن ممثّلي السنّة مقتنعون بأن القرارات التنفيذية في العراق لايتم اتخاذها من جانب البرلمان، بل من طرف التحالف الوطني العراقي، وهي قائمة انتخابية تتكوّن من الأطراف السياسية الشيعية الرئيسة، بما فيها حزب الدعوة الحاكم.15 

استهدف المالكي أيضاً المؤسّسات المستقلة، وبذلك زاد من نفور السكان العرب السنّة. على سبيل المثال، في نيسان/أبريل 2012، سجن المالكي رئيس المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات، فرج الحيدري، بسبب اتهامات مزعومة بالفساد. ومنذ ذلك الحين، تمكّن من ممارسة تأثير كبير على هذه المفوضية المسؤولة عن الانتخابات العامة، بما في ذلك التدقيق وإسقاط الأهلية عن المرشحين الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقا بحزب البعث. ويشكو كثير من العرب السنّة من أن ممثليهم يُستهدَفون ظلماً من خلال حملة اجتثاث البعث هذه، وهم يعتقدون أن الحكومة تستخدم اتهامات "بعثية" وهمية للتأثير على نتائج الانتخابات. ففي العام 2010، على سبيل المثال، تم تجاهل أحد عشر مقعداً فاز بها السنّة، بسبب صلاتهم المزعومة بحزب البعث. وبالتالي، سياسات اجتثاث البعث هذه تعيق التمثيل السنّي وتُمعن في إضعاف الثقة في الحكومة المركزية. وأعرب الشيخ منير هاشم العبيدي، وهو زعيم ديني معروف بتنظيمه احتجاجات مناهضة للحكومة خلال فترة ولاية المالكي الثانية، عن اعتقاده أنه "لن تكون هناك مصالحة، إلى أن تتوقف حملة اجتثاث البعث".16

ثم هناك مسألة التمثيل النسبي التي تُطرح مع بدء حملة الانتخابات. هنا، أيضاً، تشعر الجماعة السنّية كما لو أن نتائج الانتخابات تتناقض مع الحقائق الديموغرافية. فعلى سبيل المثال، خلال الانتخابات الوطنية للعام 2014، ادّعى كثير من قادة السنّة أن السنّة (من خلال ائتلاف "ديالى هويتنا" وأجزاء من ائتلاف الوطنية) حصلوا على حوالي 35 في المئة فقط من الأصوات، على الرغم من أن السنة، كما يقولون، يشكّلون 70 في المئة من سكان المحافظة.17 وعلى الرغم من صعوبة التأكّد بدقّة من أرقام السكان في أي محافظة، أدلى زعماء من نينوى وصلاح الدين بروايات مماثلة عن عمليات تزوير، حيث لم تكن نتائج الانتخابات متطابقة مع الحقائق الديموغرافية المتصوّرة. 

يشعر السنّة أيضاً أنه تم الاستخفاف بهم في جهودهم الرامية إلى تغيير مناطق الحكم قانونياً من محافظات إلى أقاليم حكم ذاتي. فسلطة اتّخاذ مثل هذا التعديل، تقع على عاتق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، غير أن الإقليم الوحيد في العراق حتى الآن هو حكومة إقليم كردستان، الذي منح هذا الوضع بعد العام 2003. ويَذكر العديد من زعماء السنّة أن المالكي رفض محاولة محافظة ديالى إجراء استفتاء والبدء بالإجراءات القانونية للتحوّل إلى إقليم. لم يقتصر الأمر على رفض المالكي لطلبهم بصورة غير قانونية، من وجهة نظرهم، بل عمد أيضاً إلى نشر قواته في المحافظة وفرض الأحكام العرفية فيها.18 واليوم، بدأ ممثّلو العرب السنّة بالمطالبة بحقهم  في تأسيس إقليم، لكنهم يخشون من أن بغداد ستلغي ببساطة هذا الطلب. 

يمتدّ عدم التوازن المتصوّر بين التركيبة السكانية وبين التمثيل النسبي ليشمل قطاع الأمن. فقد قال لواء سابق في الجيش العراقي إن 70 في المئة من الضباط هم من الشيعة، مع أنهم، حسب قوله، يشكّلون أقلّ من 60 في المئة من السكان. وقال اللواء، وهو سنّي، إنه يخشى أنه منذ ظهور الدولة الإسلامية، تجري ترقية أعداد أقلّ من السنّة إلى رتبة لواء. إلا أن شيخاً من صلاح الدين شكا للكاتب من أنه "حتى البعثي ماكان ليقول إن الجيش يجب أن يكون أكثره من السنّة".19 وعلى الرغم من أن وزير الدفاع، وأحد قادة القوات البرية، والمفتش العام في وزارة الدفاع، كلهم من السنّة العرب، يبقى الانطباع الذي يقول إن الوزارة تعجّ بالشيعة قائمة. الأهم من ذلك هو الفكرة بأن السنّة في المناصب العليا هم مجرّد قادة صوريين من دون أي تأثير ذي شأن. إضافةً إلى ذلك، غالباً ماتشكو المحافظات من تجاهل موافقاتها على ترشيح الضباط والجنرالات للحكومة المركزية، ما أدّى إلى عملية توزيع غير متساوية في وزارة الدفاع. وتتصوّر القيادة السنّية أن الوضع في المخابرات أسوأ حتى من ذلك. فوفقاً لناشط سنّي من الموصل، لايوجد عنصر سنّي واحد في المخابرات.20 وعلى الرغم من أن دقة هذه الأرقام موضع شكّ، تشير هذه النوعية من الأقوال إلى الطريقة التي يرى بها العرب السنّة في العراق مسألة تقاسم السلطة. 

ويعتقد كثير من السنّة أن هذه السياسات شجّعت على بروز ظاهرة مظلوميّة السنّة العرب، وتسبّبت في توجههم إلى رفض الانخراط اليوم بسبب انعدام الثقة في الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة. والواقع أنه في غضون سنواتٍ قليلة، ألغى المالكي جميع المكاسب التي تحققت خلال الصحوة السنّية. وهكذا، فإن عملية مركزة السلطة هذه سهّلت للدولة الإسلامية جزئياً الظروف المثالية للخروج من التهميش وللسيطرة على الموصل وغيرها من المحافظات. 

نظام العبادي: لامؤشّر على عودة انخراط السنّة 

فقدان الثقة في الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، والخوف من نفوذ طهران في العراق، حال بين العرب السنّة وبين مقاتلة الدولة الإسلامية، على الرغم من أن قادة العرب السنّة لايزالون خصوماً ألداء لهذه الجماعة. لكنهم يتساءلون عن الجدوى من إراقة الدماء في المعركة، طالما أن الشيعة سيأتون في نهاية المطاف ويُحكِمونَ سيطرتهم. وبالطبع، إن عقلية الغالب والمغلوب هذه تُعرقل المبادرات الرامية إلى تحرير الأراضي الواقعة تحت احتلال الدولة الإسلامية. 

عندما سقطت الموصل في أيدي الدولة الإسلامية في صيف العام 2014، جرى التشكيك بسلطة وشرعية المالكي التي انهارت في نهاية المطاف. وقد أدانه تحقيق برلماني، إلى جانب العشرات من المسؤولين الآخرين، لعدم قدرة المدينة على الصمود في وجه هجوم متشدّدي الدولة الإسلامية. كان يُعتقد على نطاق واسع أن الفساد، بما في ذلك في صفوف قوات الأمن، خلال عهد المالكي قد ساهم في سقوط الموصل من دون مقاومة تذكر.21 وهكذا اضطر المالكي إلى التنحّي وتسليم رئاسة الوزراء إلى حيدر العبادي. وعلى الرغم من أنه يتحدّر من حزب الدعوة نفسه، سارع العبادي إلى طرح نفسه كمصلح وكجزء من المعسكر المناهض للمالكي داخل الحزب. كما تعهّد رئيس الوزراء الجديد بمنازلة الدولة الإسلامية وإعادة الانخراط مع السكان السنّة المحرومين من حقوقهم. كان يرغب في تجاوز مرحلة فك ارتباط السنّة بالحكومة المركزية التي ميّزت السنوات الأربع السابقة. 

غير أن جهود العبادي الإصلاحية فشلت في استرضاء السنّة. فبعد عام واحد من حكمه، انخفضت نسبة السنّة الذين يعتقدون أن حكومته أكثر شمولاً للجميع من حكم المالكي من 50 في المئة في كانون الأول/ديسمبر 2014 إلى 36 في المئة في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2015. وعلاوة على ذلك، أبدى 58 في المئة من السنّة اعتقادهم أنهم ممثَّلون بصورة غير عادلة في حكومة العبادي.22

 في حقبة ما بعد الموصل، لاتزال الجماعة العربية السنّية تُواجه مشاكل في علاقتها مع الحكومة المركزية. وكما سبقت الإشارة، تم إغراء الزعيم السنّي صالح المطلك بتولّي منصب رفيع في النظام، كنائبٍ لرئيس الوزراء. لكن عند الحديث عن مستوى سلطته، يقرّ المطلك قائلاً: "هذا لايعني أننا نضع القرارات التنفيذية".23 لذا، طفا على السطح في عهد العبادي إحساس بأن السلطة التنفيذية تواصل تجاهل صوت السنّة، على الرغم من أن تمثيلهم جزء من الحكومة. 

لاتزال الجماعة العربية السنّية تُواجه مشاكل في علاقتها مع الحكومة المركزية.

في حقبة ما بعد الموصل أيضاً، يعرقل ظهور قوات الحشد الشعبي، التي تموّلها الدولة وتُضفي عليها الشرعية، ثقة السنّة في حكومة العبادي ويقلّل من احتمال عودتهم إلى الانخراط في العملية السياسية. ينظر السنّة إلى قوات الحشد الشعبي التي أنشأها المالكي باعتبارها تتكوّن من "ميليشيات شيعية"، وبأن الكثير من هذه الميليشيات عميلة طائفية لإيران. في العام 2014، لفتت منظمة العفو الدولية الانتباه، في تقرير بعنوان "حصانة مطلقة: حكم الميليشيا في العراق"- Absolute Impunity: Militia Rule in Iraq، إلى جرائم عدّة منسوبة إلى جماعات تعمل تحت مظلّة الحشد الشعبي.24 وقد أشارت القيادة السنّية إلى هذا التقرير، في لقاءات مختلفة، باعتباره تبريراً لوجهة نظرها بشأن الحشد الشعبي. وبالمثل، في كانون الثاني/يناير 2016، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً تدّعي فيه أن "ميليشيات أغلبها شيعية تقاتل الدولة الإسلامية، مثل كتائب بدر أو عصائب أهل الحق أو كتائب الإمام علي، قامت بانتهاكات منهجية واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي".25

كثيراً مايشكو شيوخ العشائر من تعرّض ديارهم وممتلكاتهم إلى هجمات من قوات الحشد الشعبي، بسبب صلاتهم المزعومة بالنظام قبل العام 2003. ويخشى ممثلو العرب السنّة من أن هذه الميليشيات سترتكب أعمال عنف بدوافع طائفية في مناطقهم. فبعد تحرير تكريت، على سبيل المثال، ظهرت روايات عما تُسمّى أعمال القتل الانتقامية. وقال رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، أحمد الكريم، إن المقاتلين الشيعة واصلوا نهب وحرق المباني في المدينة.26 وبالمثل، في كانون الثاني/يناير 2016، تحدّثت مزاعم عن أن أفراد الحشد الشعبي أحرقوا مساجد السنّة واعتدوا على المواطنين السنّة في المقدادية بمحافظة ديالى. وبعد هذه الهجمات، ظهرت روايات تدّعي أن الحشد الشعبي رفض دخول رئيس البرلمان سليم الجبوري إلى المقدادية، مسقط رأسه.27 وتظهر مقاطع فيديو من هذه الفترة تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي قوات مسلّحة تشتم وتقتل السنّة العزّل. وكردّ فعل على ماحدث، قاطع النواب والوزراء السنّة جلسات البرلمان والحكومة.28

بعد أيام قليلة، وعلى الرغم من حادث المقدادية، رفّع هادي العامري قائد منظمة بدر (الذي يرتبط بإيران بصورة وثيقة)، والشخصية البارزة في الحشد الشعبي، قائد شرطة ديالى إلى رتبة لواء،29 وهي الخطوة التي فاقمت فجوة الثقة. ويتساءل ممثّلو السنّة في البرلمان عن السبب في أن العامري، وهو قائد قوات شبه عسكرية، يمتلك السلطة لترقية قادة الشرطة، كما يتساءلون علاوة على ذلك، عن تخصيص العبادي مليار دولار أميركي للميليشيات الشيعية، في حين أن المحافظات والقوى السنّية لاتزال تجهد للحصول على المال والسلاح.30

ويرى ممثّلو السنّة أن إضفاء العبادي الشرعية على قوات الحشد الشعبي، أمر مثير للقلق. وكان العبادي، في سياق تأكيد اعترافه بالحشد الشعبي، أبلغ الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2015 أن الحشد جزء من الدولة الرسمية.31 ردّاً على ذلك، أثار رجل دين سنّي محلي آخر، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، مسألة المذبحة التي ارتكبتها الدولة الإسلامية بحق أكثر من 1500 طالب أعزل من سلاح الجو في معسكر (سبايكر) في تكريت في حزيران/يونيو 2014 قائلاً: "لماذا السنّة إرهابيون ولكن الشيعة ليسوا كذلك؟ الشيعة يرتكبون جرائم أسوأ من سبايكر!"32 والواقع أن الكثير من السنة مقتنعون بأن العديد من الجماعات شبه العسكرية، مثل عصائب أهل الحق، لن تتخلّى عن السلاح وستواصل القتال، تحرّكها في ذلك إيديولوجية شيعية شاملة ومعادية للسنّة. 

يرتبط بكل ذلك أن الوجود والنفوذ الإيرانيَين في العراق بعد احتلال الموصل، بات صارخاً في وضوحه. ففي أحد البرامج التلفزيونية، ناشد المذيع المحافظ السابق لنينوى أثيل النجيفي السماح لقوات الحشد الشعبي بأن "تضع حدّاً على الأقل" للدولة الإسلامية. فكان ردّه: "أعتقد أن كل الشرّ يأتي من إيران".33 بعبارة أخرى، النجيفي ليس على استعداد لمهاجمة الدولة الإسلامية إذا بدا أن ذلك سيمكّن طهران بأي حال من الأحوال. 

لقد شوهد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وهي القوات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني، في ساحات القتال في المدن العراقية منذ سقوط الموصل. وفي تغيير غير مألوف لتوجهاته (في السابق كان شخصيّة سرّية غامضة في الظل) يظهر سليماني حتى لالتقاط الصور الفوتوغرافية في عراق ما بعد الموصل. إن ظهور مسؤول إيراني باعتباره القائد الأعلى في العراق، يثير مخاوف العرب السنّة. علاوة على ذلك، أصبح هادي العامري هو القائد العسكري الأعلى في العراق، وهذا يشكّل أيضاً مصدر قلق بالنسبة إلى العرب السنّة، الذين يتذكرون أن العامري قاتل ضد العراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988). ويبدو النفوذ الإيراني في أجلى صوره في وزارة الداخلية، حيث يتمتّع فيلق بدر بقيادة العامري (أكبر مجموعة في الحشد الشعبي) بسلطة حصرية تقريباً. 

ثمة عامل آخر في بيئة ما بعد الموصل يحول دون عودة السنّة إلى الانخراط، يتمثّل في ضعف العبادي كرئيس للوزراء، وفي مقابل استمرار المالكي كسلطة. إذ يستمرّ المالكي في تولّي سلطات كبيرة، باعتباره قيادياً بارزاً في حزب الدعوة، ومؤسّساً للحشد الشعبي، ولايزال وثيق الصلة  بمختلف الميليشيات، مثل عصائب أهل الحق. كما أن رئيس الوزراء السابق، الذي لايزال يمارس نفوذه عبر القضاء، ويستخدم ملفات الفساد كأداة سياسية. وعلى غرار سياسات المالكي باستهداف المعارضين عبر الأحكام القضائية، حكم القضاء في كانون الأول/ديسمبر 2015، على وزير المالية السابق والزعيم السنّي رافع العيساوي بالسجن سبع سنوات، ماتسبّب في انتقادات واسعة بين قواعده الشعبية. ويعتقد الكثيرون أيضاً أن نظام السجون يواصل اعتقال العرب السنّة بصورة غير متكافئة في عهد العبادي. ووفقاً لخبير قانوني عراقي سنّي، طلب عدم الكشف عن هويته، فإن العديد من السجون في العراق غير قانونية لأنها تدار من جانب وزارة الداخلية بدلاً من وزارة العدل، المكلّفة بموجب الدستور الإشراف على السجون.34 وقال الشيخ منير هاشم: "تنقلت بين خمسة سجون، وأنا أقول إن نسبة 90 في المئة من السجناء هم من السنّة". ولايزال الكثير من العرب السنّة مقتنعين بأن مراكز السلطة في بغداد لم تتغيّر على الرغم من أنه حدث تغيير في القيادات". 

هناك قلق آخر ناجم عن أجواء ما بعد الموصل، يتمثّل في وضع النازحين واحتمال عودتهم. فقد بدأ القادة العرب السنّة بإطلاق ادعاءات بأن السياسيين والحشد الشعبي يمنعون العائلات من العودة إلى منازلها غداة التحرير. وعلى سبيل المثال، اتّهم لقاء الوردي، عضو البرلمان، الأحزاب السياسية بمنع عودة العائلات إلى محافظة صلاح الدين.35 وقد أصبحت قضية عودة النازحين إحدى المظالم الرئيسة لدى الجماعة السنّية. 

وأخيرا، لايزال الاتجاه لربط السنّة بالدولة الإسلامية يشكّل معضلة كبيرة بالنسبة إلى الجماعة السنيّة، ويساهم في الحيلولة دون انخراطها مجدّداً مع الحكومة المركزية. إلى حدّ ما، ومنذ سقوط الموصل، امتدّت عملية اجتثاث البعث الآن لتشمل "اجتثاث الدولة الإسلامية". ويخشى السنّة من أن تستخدم الحكومة المركزية مزاعم وجود صلات بالدولة الإسلامية لاضطهاد المعارضين، من دون مراعاة الإجراءات القانونية ومن دون إجراءات عفو - تماماً كما فعل المالكي عندما كان رئيساً للوزراء. وبينما يعارض السنّة الدولة الإسلامية، كما سبقت الإشارة، من الصعب على المرء أن يجد عشيرة ليس لديها أفراد يرتبطون بالتنظيم. 

المشاحنات بين السنّة

الوحدة المفقودة والأحزاب السياسية 

لايعود مأزق السنّة العراقيين، المتمثّل في شعورهم بالإقصاء في بلدهم، فقط بسبب إيغال الحكومة المركزية في مركزيتها وجورها. إذ على النقيض من نظرائهم الشيعة والأكراد الذين كانوا أكثر قدرة على التكيّف مع الظروف المتغيّرة، أدّى عدم وجود سلطة مركزية أو قضية أو هوية موحِّدة لقيادة السنّة، إلى مفاقمة الصراع الداخلي بينهم. فعلى الرغم من الإشارات العامة في وسائل الإعلام إلى "السنّة"، باعتبارهم مجموعة موحّدة، إلا أن الجماعة السنّية في الواقع تتكوّن من عدد كبير من الممثّلين ذوي الأهداف المختلفة جداً حتى حين يزعمون أنهم يتحدّثون نيابة عن الجمهور نفسه. 

ومع ذلك، فالتماسك الداخلي لدى الجماعة السنّية مُمكن، وقد خَدَمَ في واقع الأمر كعنصر ضروري في أوقات العودة إلى عملية الانخراط. على سبيل المثال، عندما خاض ائتلاف العراقية بزعامة علاوي الانتخابات ككتلة واحدة في العام 2010، كان يمثّل جبهة سنّية موحدة، وكان يحظى حتى بموافقة العشائر، وهي التوليفة التي نجحت في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات. 

ومع ذلك، فقد انهار التماسك الداخلي مرة أخرى اليوم في سياق عملية انسحاب السنّة، ودفع أطرافاً عدّة إلى الادّعاء بأنها جميعاً تمثّل الجمهور نفسه. على سبيل المثال، في الانتخابات البرلمانية في العام 2014، شاركت 25 كتلة انتخابية في الاقتراع على 15 مقعداً في الأنبار، وادّعت كل هذه الكتل تقريباً أنها تتحدث باسم القاعدة الشعبية السنّية نفسها، التي تمثّل الأغلبية في المحافظة. وبالمثل، توسّعت الحركة الإسلامية لالتشمل هيئة علماء المسلمين بزعامة الضاري وحسب، بل أيضاً مجلس علماء العراق والمجمع الفقهي العراقي. ولدى الجماعتين الأخيرتين بعض الصلات بـ(الحزب الإسلامي العراقي)، وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، وهذا يثير التساؤل عن سبب ظهور الكثير من الجماعات المختلفة التي تدّعي تمثيل الجمهور نفسه. 

منذ احتلال الموصل، بذلت القيادات السنّية العراقية جهوداً عديدة من أجل لمّ شمل مختلف القادة السياسيين السنّة بعقد مؤتمرات، بهدف إيجاد أرضية مشتركة وتشكيل جبهة موحّدة. فقد عُقدت مؤتمرات في بغداد وأربيل وعمان والدوحة وبيروت وأماكن أخرى في المنطقة، غير أن الخلافات لاتزال تعرقل إنشاء جبهة موحّدة. ففي مؤتمر عُقِد في بغداد، كان أكثر مالفت الأنظار إليه هو أن خلافاً دفع المشاركين إلى التراشق بالكراسي. 

إلى جانب مسألة الوحدة، يفتقر السنّة إلى وجود أحزاب سياسية وآلية مؤسّسية جادّة لتحقيق تمثيل أوسع. وبخلاف نظرائهم الأكراد أو الشيعة الذين يستفيدون من وظائف حزبية (اختيار المرشحين وحشد الدعم وهلم جراً) من خلال أحزاب سياسية عريقة، ليس لدى السنّة سوى الحزب الإسلامي العراقي. وعلى الرغم من أنه حزب عريق أيضاً، فقد اكتنفه الغموض لسنوات عدّة، إلا أنه عاد إلى الظهور كلاعب رئيس خلال حركة الاحتجاج المناهضة للمالكي (الحراك الشعبي) التي اجتاحت المناطق السنّية في العراق، والتي بدأت في العام 2011. ومع ذلك، باتت الشخصيات المنتمية الى الحزب أقوى اليوم من الحزب نفسه. والحال أن الحزب الإسلامي لايزال عصيّاً على الفهم، ويجهد لادعاء شرعية التحدث باسم السنّة. وفي ظل عدم وجود أي أحزاب سياسية قوية ولها ديمومة، تبدو الجماعة السنّية في وضع غير مؤاتٍ. فخلال كل دورة انتخابية، تخرج الأحزاب والائتلافات الجديدة للأدعاء بأنها تتحدث باسم السنّة، لكنها تفتقر إلى الذاكرة المؤسّسية أو الأرث اللازم للمضيّ قُدُماً. وفي ضوء غياب الوحدة أو الأحزاب السياسية الرسمية، يقتصر التمثيل على المبادرات الفردية المرحلية من بعض القادة. 

إلى جانب مسألة الوحدة، يفتقر السنّة إلى وجود أحزاب سياسية وآلية مؤسّسية جادّة لتحقيق تمثيل أوسع.

من يمثّل سنّة العراق اليوم؟ 

تتفاخر حكومة العبادي (على المستوى التنفيذي) بأنها تضمّ ممثّلين عن السنّة. وعلى سبيل المثال، أصبح وزير الدفاع خالد العبيدي وجها بارزاً في معركة الحكومة ضد الدولة الإسلامية، وله علاقة عمل جيدة مع العبادي. أما قاسم الفهداوي، محافظ الأنبار السابق، فله بعض التأثير كوزير للكهرباء. لكن، ولأنه لايزال يُنظر إلى تعيين قادة من العرب السنّة في السلطة التنفيذية على نطاق واسع باعتباره لفتة رمزية، يواصل هؤلاء مواجهة صعوبة في البروز كقادة أقوياء لهم قاعدة شعبية واسعة. 

لم يعد الكثيرون من الحرس القديم، مثل نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي ووزير المالية السابق رافع العيساوي، ممثّلين فعليين للسنّة، واضطر بعض هؤلاء القادة السابقين إلى العيش في المنفى. وقد تم تشويه سمعة آخرين بسبب إخفاقات الماضي. ومع ذلك، برز حرس جديد من القادة يطالب بالتحدّث باسم القاعدة السنّية. 

برز حرس جديد من القادة يطالب بالتحدّث باسم القاعدة السنّية. 

ثمّة عدد قليل من القادة الذين يطرحون مثل هذه الادعاءات في البرلمان. ويُعتبر سليم الجبوري أحد أكثر النواب السنّة نشاطاً اليوم. فبصفته رئيساً للبرلمان، اشتهر بكونه زعيماً رصيناً وممثّلاً لجيل الشباب، وهو يحظى بدعم واسع في البرلمان. والأهم من ذلك أنه يتمتّع بعلاقات جيّدة مع العبادي. للجبوري  أيضاً علاقات مع الحزب الإسلامي، الذي يدّعي أنه لايزال الحزب السياسي السنّي الرسمي الوحيد في العراق. 

في البرلمان برزت كتل عدّة، منها "تحالف القوى"، وهي الكتلة النيابية التي تتكوّن من أعضاء بارزين مثل الجبوري وظافر العاني. وهناك كتلة برلمانية أخرى هي "الحل"، التي يتزعمها في البرلمان محمد الكربولي. 

أما خارج المؤسّسات الحكومية، فلايزال أسامة النجيفي، الذي لم يعد يشغل منصب نائب الرئيس بسبب حزمة إصلاحات العبادي، يحاول جمع السنّة تحت قيادته. قاد النجيفي أكبر كتلة انتخابية سنّية، ائتلاف متّحدون للإصلاح، خلال الانتخابات البرلمانية في العام 2014 وحصد 23 مقعداً. وقد شارك الحزب الإسلامي في هذه الكتلة. وعلى الرغم من تفكّك الائتلاف منذ ذلك الحين، حيث انحاز الجبوري والحزب الإسلامي أكثر إلى الحكومة، يبقى أسامة النجيفي وشقيقه أثيل، محافظ نينوى السابق، شخصيتين مؤثّرتين ويحاولان تمثيل القاعدة الشعبية السنّية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عقد أسامة مؤتمراً في عمان، وفي بادرة نادرة للنجاح أعلن عن تسوية متفاوض عليها في شكل لجنة التنسيق العليا.36 ضمّت اللجنة عدداً من أعضاء البرلمان والمسؤولين السنّة البارزين. ومع ذلك، فقد كانت نشوة الاحتفال كعمر الزهور. فعلى الفور تقريباً، أعلن مختلف زعماء العشائر معارضتهم للجنة الجديدة وادّعوا بأنها لاتمثّل العشائر.37 بعدها انضمّت أطراف سياسية فاعلة إلى الحملة، مثل كتلة "الحل" البرلمانية، وادّعت أن اللجنة غير شرعية، وأن فيها أعضاء "طائفيين".38

نشط أثيل النجيفي، المقيم في أربيل، أيضاً، للَمّ شمل قادة  السنّة والمقاتلين، تحضيراً لمرحلة ما بعد الدولة الإسلامية في الموصل. وهو أبلغ كاتب هذه الدراسة بأن فكرة الحرس الوطني، الذي سيتكوّن من قوى عشائرية، ليست جديدة، وأنه يخطّط لحشد جيوش إقليمية للدفاع عن نينوى في مواجهة الدولة الإسلامية. وأن كل مايبحث عنه النجيفي هو الدعم الإقليمي، الذي يأتي أساساً من تركيا.39 وعلى هذا النحو، لايزال أسامة وأثيل النجيفي طرفين فاعلين قويين يدّعيان تمثيل السنّة، ويحظى الاثنان بدعم من رجال أعمال أثرياء مثل خميس الخنجر وأكاديميين مثل يحيى الكبيسي. 

لايزال إياد علاوي يمثّل الحركة العلمانية. وبعد عجزه عن تشكيل الحكومة في العام 2010، غيّر علاوي اسم الجماعة من "العراقية" إلى "الائتلاف الوطني" وفاز بـ21 مقعداً في انتخابات 2014 (وهي نتيجة مختلفة تماماً عن فوزه بـ91 مقعداً كزعيم لكتلة العراقية). ومع ذلك، يتعرّض علاوي إلى النقد بسبب فشله على يد المالكي الذي جعله يبدو ضعيفاً من خلال قبول تعيينه في منصب وهمي رئيساً لمجلس الأمن القومي. ومع ذلك، لاتزال جماعته المؤلفة من نواب سنّة وشيعة علمانية بشكل راسخ وترفض التعبئة على أساس طائفي. 

ظهر بعض الممثّلين على مستوى المحافظات، ومن بينهم صهيب الراوي، محافظ الأنبار، الذي نشط في الحرب ضد الدولة الإسلامية. وينحدر الراوي من الحزب الإسلامي ويتمتّع بعلاقة قوية مع العبادي. وفي محافظة صلاح الدين، ظهر المحافظ السابق رائد الجبوري كزعيم محتمل، وقد تودّد إليه العبادي ليصبح وزيراً لمنصب تم بعد ذلك إلغاؤه كجزء من حزمة الإصلاحات. 

لايزال الإسلاميون مؤثّرين أيضاً. إذ تستفيد هيئة علماء المسلمين من التأييد، وإن لم يكن بالقوّة نفسها التي كان عليها في السابق. فقد توفي مؤسّسها، حارث الضاري، في العام 2015، ويتولّى إدارة الجماعة الآن ابنه مثنى الضاري. لاتزال إيديولوجية الهيئة سلفية ومناهضة للدولة. وكما أشرنا، برز مجلس علماء العراق والمجمع الفقهي العراقي لتمثيل السنّة إستناداً إلى تفويض إسلامي. وتتمتّع كل من هذه الجماعات بعلاقات جيدة مع الحزب الإسلامي، حيث يدّعي مجلس علماء العراق أنه يقف في صف الحزب الإسلامي في المسائل البرلمانية.40 

لاتزال فلول حزب البعث المنحلّ نشطة. واليوم ينقسم الحزب إلى فصيلين، يضمّ الأول أنصار عزت إبراهيم الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي في عهد صدام حسين، والطريقة النقشبندية، وهي فرقة صوفية من الإسلام السنّي نافذة في شمال العراق. ويتزعّم الفصيل الثاني محمد يونس الأحمد، الذي يقود "حركة العودة"، وهي حركة بعثية سرّية داخل العراق. كلا الفصيلين اللذين لهما علاقات مع الدولة الإسلامية ومطلوبان من الحكومة المركزية، ولذلك فهما يعملان عبر شبكات سرّية. 

أخيراً، وبعيداً عن العامل السياسي، لايزال عدد كبير من شيوخ العشائر يتمتّعون بالنفوذ في المجتمع العراقي. فكل زعيم سياسي ينتمي إلى عشيرة وأحياناً يصبح كذلك بأيعاز من الشيوخ. وعلى أي حال، لايزال الصراع بين العشائر وداخلها واقعاً إشكالياً في العراق، ويحول دون ظهور تحالف موحّد للعشائر يمكنه أن يتحدث بصوت سنّي عشائري واحد. 

خلاصة القول، يبدو أن إقناع جميع الكتل السياسية والعشائرية والدينية للعمل معاً لبلورة موقف موحّد للسنّة في العراق مهمة صعبة. وفي ظل عدم وجود سلطة مركزية ولا نظام قوي للأحزاب السياسية، فإن تمثيل السنّة ليس مؤسّسياً بل يتوقّف على الأفراد الذين يتنقلون جيئة وذهاباً بين اللجان وكتل التحالفات على النحو الذي يرونه مناسباً لهم. 

الانخراط أو عدم الانخراط مع بغداد

لاتزال النزاعات الداخلية العديدة تُبقي العراقيين العرب السنّة في حالة انقسام. ويتمحور أكبر نزاع داخلي حول ما إذا كان ينبغي الانخراط مع الحكومة المركزية أو فك الارتباط معها. ففي ديالى وصلاح الدين، قرّر المحافظان أنه من الأفضل العمل مع حكومة العبادي، وهو النهج يرفضه قادة في الأنبار. كما قرّر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري العمل مع العبادي، وهو ما أثار ضدّه انتقادات.41 وبالمثل، يشكو الكثيرون من أن الحزب الإسلامي، الذي تزعم في السابق حركة الاحتجاج في العام 2011، أصبح الآن حليفاً لحكومة العبادي. ومن وجهة نظر زعماء العرب السنّة الرافضين، يُعتبر العمل مع الحكومة بمثابة دليل على وجود زعيم ضعيف وفاسد. كما يعتقد البعض أن الحكومة المركزية في بغداد هي في الحقيقة قوة سلبية تعمل على تقسيم الطائفة السنّية وقهرها. ويشيرون إلى أن ثمّة حاجة لأن يساعد المجتمع الدولي في دفع السنّة إلى التوحّد.42 

يخاطر أي زعيم سنّي ينخرط مع الحكومة المركزية بفقدان سمعته، إذا مافشل في تحقيق نتائج.

يخاطر أي زعيم سنّي ينخرط مع الحكومة المركزية بفقدان سمعته، إذا مافشل في تحقيق نتائج، كما كان الحال مع إياد علاوي وصالح المطلك. وبالمثل، وعلى الرغم من نصيحة الكثير من زعماء السنّة الذين حذّروا من الثقة ببغداد، وافق أحمد عبد الله الجبوري، محافظ صلاح الدين، على أن يصبح وزيراً في حكومة العبادي. وبعد أقل من عام، ألغى العبادي منصب الجبوري كجزء من حزمة إصلاح الحكومة. وقد استغل الكثيرون الفرصة لوصف الجبوري بأنه ساذج، لأنه قَبِلَ أصلاً منصباً في الحكومة. 

والواقع أنه غالباً مايتّضح أن أي إشارة إلى المحسوبية التي تسبغها الدولة على الزعماء السنّة، سواء عن طريق السلطة أو المال، تكون على حساب المستفيدين منها، الذين يفقدون دعماً واسعاً ويوصَمون لاحقاً بالكذب، إن لم يكن بالفساد. ويرى البعض أن "التمثيل عبر المنصب"، أي منح الشرعية والمنزلة النخبوية لبعض الزعماء من جانب الحكومة عن طريق المنصب لا عن طريق الشعب أو الزعامة الحزبية عن طريق التصويت، غير ملائم أصلاً ويزيد من حدّة الصراع بين العشائر. على سبيل المثال، كانت الصحوة السنّية بزعامة أحمد أبو ريشة من عشيرة البو ريشة. وقد زوّدت الدولة هذه العشيرة بالمال والسلاح والأرض كي يصدّ بنجاح تنظيم القاعدة في العراق. لكن اليوم، فقدت عشيرة البو ريشة شرعيتها كزعيمة بين القبائل. ويقول منتقدوها إنه ماكان ينبغي أبداً مباركتها لأنها عشيرة صغيرة جداً. وفي نقاش مائدة مستديرة، اتّفق معظم زعماء السنّة على أن عدد أفراد العشيرة لايزيد عن 2000، مقارنة مع أكثر من 6 ملايين عضو في عشيرة الجبور أو 3 ملايين في شمر و3 ملايين في عشائر الدليم.43 وبقرارها القاضي بدعم عشيرة أبو ريشة، وهي خطوة دعمتها الولايات المتحدة، تغاضت الدولة بشكلٍ خطر عن مدى شرعية العشيرة. ومن بين الشكاوى اليوم أن أبو ريشة استخدم الأموال لبناء ثلاث عشرة فيلا، كما أن نصف أفراد العشيرة يرتبطون الآن بتنظيم الدولة الإسلامية.44 وبالتالي، الرأي العام السائد هو أن قادة الصحوة السنّية الأصليين لايتمتّعون بالشرعية، ويجب عدم النظر في إشراكهم في صحوة أخرى بعد هزيمة الدولة الإسلامية. 

تلعب الأموال دوراً في نزع الشرعية عن الأفراد وكذلك العشائر. إذ يُعرف زعماء القبائل الذين استفادوا مالياً (وسياسياً) من نظام المالكي بأنهم "مالكيون". وقد وصف أحد النشطاء هذه الممارسة بالقول إن المالكي يسدّد للشيوخ دفتراً (مايعادل 10 آلاف دولار) في مقابل الدعم السياسي. واليوم فَقَدَ الكثير من هؤلاء الشيوخ، من وجهة نظر خصومهم، شرعيتهم لأنهم أداروا الظهر لها. والواقع أن أي شخص ارتبط بالنظام السابق أو استفاد مالياً من الحكومة باتت سمعته ملطّخة. 

نقاط خلاف أخرى 

ليست مسألة من ينطق باسم العرب السنّة وما إذا كان ينبغي الانخراط مع الحكومة المركزية، بل هي نقاط النزاع الداخلي الوحيدة داخل الجماعة السنّية. فهناك على الأقل أربعة نزاعات أخرى متكرّرة تساهم في الانقسامات داخل الجماعة وتعرقل وحدتها. 

النزاع الداخلي الأول له علاقة بمسألة سياسات الهوية، وما إذا كان ينبغي أن تعمل التعبئة السياسية وفق خطوطٍ طائفية، أي تمثيل السنّة، أو ما إذا كان ينبغي أن تعمل وفق خطوطٍ وطنية. وعلى الرغم من أن الجماعة السنّية تأخرت في دخول لعبة سياسات الهوّية لأنها كانت غير قادرة وغير راغبة في التعبئة على أساس الطائفة في البداية، فقد غيّر بعض الزعماء آراءهم منذ سقوط الموصل. 

اليوم يستخدم الإسلاميون الخطاب والرموز المتمحورة حول السنّة لشرعنة تمثيلهم. فهم ينظرون إلى مشاكلهم باعتبارها نتيجة لنزعة التشيّع النابعة من إيران، ولذلك يدعون إلى ردّ سنّي. لا بل أعرب بعضهم عن الاهتمام حتى بفكرة وجود إقليم سنّي. تدعم شخصيات وطنية أخرى هذه الفكرة مثل ماهر شوكة، الذي تكلّم عن فكرة حكومة إقليمية سنّية شبيهة بحكومة إقليم كردستان.45 ومع ذلك، لايزال بعض العلمانيين يمقتون اللجوء إلى الطائفيّة. فقد شكت عضو في البرلمان عن كتلة "العراقية" في مناسبات عدّة من تنظيم ورشة عمل تقوم فقط على "التمثيل السنّي"، وقالت إن استخدام التصنيفات الطائفية لايسهم سوى في تعقيد المشاكل في العراق. وقال عضو سنّي علماني في البرلمان: "هذا ما أرادته الولايات المتحدة...انقسامات على أساس المكوّنات الاجتماعية للمجتمع".46 وعلى غرار الكثير من العلمانيين الآخرين، شكا هذا النائب من الانقسامات الطائفية الجديدة التي تمت عسكرتها في العراق بعد العام 2003 ومن بروز سياسات الهوية. هاتان المدرستان تتواجهان وتتصادمان حول كيفية تعبئة الناس جماعياً. وتشكّل الطائفية إحدى أكثر الخلافات السنّية الداخلية شيوعاً. 

يتعلّق النزاع الثاني بمسألة اجتثاث البعث. فعلى الرغم من أنه ينظر إلى حدٍّ كبير إلى الجهود المبذولة لتطهير نفوذ الحزب الحاكم السابق، باعتبارها جزءاً من محاولات الحكومة للقضاء على ممثليهم، ينقسم السنّة أيضاً بشأن هذه المسألة. وكما أشرنا أعلاه، لايزال حزب البعث نشطاً إلى حدّ ما، لكنه يلجأ إلى العنف، وله صلات مع الدولة الإسلامية. وبالنسبة إلى الكثير من زعماء السنّة، لامكان لهؤلاء الأعضاء "الطائفيين" في الحركات السياسية، وهم لايرغبون في إدراج صوت البعث في هذه الحركات. ومع ذلك، يجادل قادة آخرون، وعلى نحو متزايد، إن البعثيين يجب أن يكونوا جزءاً من الحوار، لأنهم مواطنون عراقيون تستهدفهم حكومة مركزية تحرّكها الطائفية.47

النزاع الثالث يدور حول دور الأطراف الخارجية. إذ كثيراً ماينتقد القادة نظراءهم بسبب علاقتهم مع قوة أجنبية. مثلاً، يتمحور أحد الخلافات حول دور الولايات المتحدة في القضاء على الدولة الإسلامية. فقد بدأ بعض زعماء السنّة العراقيين يدعون، على نحو متزايد وبسبب مخاوف بشأن إيران أساساً، إلى دور أميركي أكبر. لكن آخرين يصرّون على أن التعاون مع واشنطن لايزال إشكالياً، حتى بشأن قضية يتّفقون على ضرورة حلّها.

علاوة على ذلك، يحظى بعض الزعماء بدعم أطراف إقليمية، وهم يخدمون إلى حدّ ما مصالح إقليمية. وهذا يؤدّي إلى مزيد من الخلافات ومحاولات نزع الشرعية. فبعض زعماء السنّة ينتقدون أسامة وأثيل النجيفي بسبب علاقاتهما الوثيقة مع الحكومة التركية. وحين دخلت قوات تركيّة الأراضي العراقية في كانون الأول/ديسمبر 2015 لمواجهة تهديدات الدولة الإسلامية، انبرى الأَخَوان النجيفي للدفاع عن التوغّل التركي. مثلاً، قال أثيل إن الحكومة المركزية أقرّت هذه الخطوة. لكن سليم الجبوري أدان هذه الخطوات باعتبارها انتهاكاً لسيادة العراق، وانتقد الأخوين النجيفي على ردهما.48 لايزال الكثير من زعماء السنّة حذرين من دور تركيا في البلاد. فقد وقف الحزب الإسلامي، الذي هو أقرب تقليدياً إلى قطر، ضدّ تركيا. إضافةً إلى ذلك، يتّهم بعض زعماء السنّة العراقيين الجبوري بأنه وثيق الصلة بإيران. وقال شيخ من تكريت لمُعدّ هذه الدراسة: " السبب في أنه أصبح رئيس البرلمان... هو لأن لديه علاقات قوية مع إيران". وفي محاولة منهم لنزع الشرعية عن منافسيهم، يتّهم زعماء العرب السنّة بعضهم البعض بالولاء لشبكات دعم خارجي مختلفة بدل الحصول على الدعم من الداخل. ولذلك، تشكّل الانقسامات الداخلية جزءاً من الخلافات حول الشراكات الإقليمية لكل زعيم. 

تشكّل الانقسامات السنّية الداخلية جزءاً من الخلافات حول الشراكات الإقليمية لكل زعيم. 

يتركّز النزاع المشترك الرابع حول شرعية الزعيم المنفي. فبما أن العديد من زعماء العرب السنّة أصبحوا نازحين، فإنهم يجازفون بفقدان الدعم الشعبي من قواعدهم الشعبية التي لاتزال تقطن مناطق النزاع. وفي لعبة وجهات المنفى، كما أوضح الكاتب البارز غانم العابد من الموصل، تُعتبر أربيل أكثر شرعية من عمّان، التي هي بدورها أكثر شرعية من أنقرة. وعلى حدّ تعبيره، "إذا كنت لا أعرفك، فكيف سيعرفك المواطنون؟"49 وغالباً ماتصطدم المداولات السنّية الداخلية بالجدل حول مقر إقامة الزعيم وكيف يؤثّر ذلك على شرعيته/أو شرعيتها. وعادة مايشير أعضاء البرلمان إلى أنهم على الأقل موجودون في بغداد، على عكس زعماء السنّة في المنفى.50 علاوة على ذلك، غالباً مايُعتبر النازحون الذين يعودون غير مُخلصين بسبب فرارهم في المقام الأول. 

العشائر

تمتّعت العشائر في العراق بتاريخ طويل من شبه استقلال، حيث حكم  الشيوخ ضمن اعتبارات مختلفة عن باقي أنحاء البلاد، بما في ذلك تقديم الأسلحة والمال والأرض.51 بيد أن هذا الوضع تغيّر في السنوات الأخيرة. فقد أثارت مسألة فقدان الموارد صراعاً داخلياً، بما في ذلك عدم الثقة في الحكومة المركزية، وحتى السخط تجاه الممثّلين السياسيين السنّة وتساؤلات حول من هو في الحقيقة زعيم عشيرة. وفي الوقت نفسه، أقحمت الدولة الإسلامية نفسها في الحياة العشائرية، وجنّدت أفراد العشائر في تنظيمها، وارتكبت الفظائع، وتسبّبت في انقسامات بين الموالين والمعادين لها في صفوف العشائر. 

العلاقة بين الشيوخ والسياسيين محفوفة عادة بالتوتّر لأن الجماعات العشائرية، كما يشير عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية ريتشارد تابر، كانت تاريخياً مُعارضة للدولة.52 ومع ذلك، كانت الإمبراطوريات تميل في الماضي إلى تحقيق المزيد من النجاح من خلال تجنّب العشائر وليس محاولة السيطرة عليها.53 في العراق، وصل ذلك الأسلوب إلى كونه معاملة خاصة إلى درجة أن الكثير من العراقيين كانوا يعتبرون أن نظام صدام حسين نظام عشائري. إذ قال الشيخ إبراهيم نايف مشعان الحردان، والذي لايعدّ زعيماً عشائرياً لعشيرتي البوذياب والبوعيثة وحسب، بل أيضا أكاديمياً متخصّصاً في قبائل العراق، "الجميع يعرفون أن الشيوخ لديهم استقلالية. والحكومة تعرف ذلك".54

في عهد صدام حسين، زوّد نظام البعث الشيوخ بالسلاح والأرض والمال والسلطة. واستمر ذلك حتى بعد إطاحة نظام صدام حسين، عندما تولّى الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس، خلال حقبة إعادة الانخراط، إدارة سياسة دفع الأموال للعشائر وتسليحها كجزء من الصحوة السنّية. ومع ذلك، بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق، وفي خضمّ صعود المالكي كحاكم سلطوي، تبدّدت الكثير من مصادر التمويل تلك. وقد أدّى توقف شبكة توزيع الموارد إلى إضعاف شبه الاستقلال الذي كان يتمتّع به الشيوخ. واليوم، وفي ظل توقف الحكومة المركزية عن توفير السلاح والمال والأرض، فَقَدَ شيوخ العشائر ثقتهم في الحكومة وباتوا يشعرون بالعزلة. 

داخلياً، لايثق شيوخ القبائل حتى بالقادة السياسيين السنّة الذين يُظهرون القليل من الاحترام للمجاملات العشائرية. ويؤكد الشيوخ أن القيادة السياسية فاسدة وغير فعّالة. فبالنسبة إليهم، يقاتل من يسمّون زعماء السنّة في بغداد بعضهم البعض من أجل منصب وتقاسم الكعكة، والأسوأ من ذلك، أنهم لايستخدمون الشبكات العشائرية لإعادة توزيع الموارد. ومن جانبهم، يفضل العديد من الزعماء السنّة عدم الثناء على  العشائر، خوفاً من تمكين ممثلين بدلاء. وعلى الرغم من أنهم يدركون أن العشائر موجودة في كل مكان في العراق. بيد أنهم يشكون أيضاً من أن القبائل لاتقول لهم ماذا تفعل هي.55

في فترة ما بعد صدام مباشرة، كانت صورة مؤسّسة العشيرة سلبية بسبب علاقتها مع النظام. وفي الوقت نفسه، برزت أزمة الشرعية بعد العام 2003 بشأن من يستحق أن يُنصّب زعيماً عشائرياً فعلياً، إذ بات الكثير من الشيوخ الذين شغلوا بطبيعة الحال مناصب رفيعة في الأجهزة الأمنية أو السياسية للنظام السابق، يُعتَبرون الآن أعداء للدولة الجديدة. وعليه اضطرّوا إلى الفرار من مناطقهم، وبالتالي من عشائرهم. ويفقد هؤلاء الزعماء، الذين استقرّوا في أربيل أو عمان أو في أماكن أخرى لسنوات، شرعيتهم لأن قيادات شابة جديدة برزت لملء الفراغ. واليوم، يتّهم الشيوخ من كبار السن الشباب الأدعياء بأنهم زعماء وهميون. على سبيل المثال، يتّهم البعض علي حاتم السليمان، الذي برز كصوت أنباري صاخب ضدّ المالكي، بأنه ليس شيخاً بارزاً، وفقاً للقانون العشائري.56

وبالمثل، وبما أن الدولة الإسلامية، أي داعش، اجتاحت مساحات واسعة من أراضي العراق، فإن نسقاً من قادة الأطراف الفاعلة الجديدة يدّعون الآن أنهم زعماء عشائريون. إن ذلك ومعها الادعاءات المتنافسة بامتلاك الشرعية، تتسبّب في صراع داخلي عشائري بشأن من تؤول إليه زعامة مختلف العشائر. وقد استفادت الدولة الإسلامية من حقيقة أن حكومة المالكي لم تعوّض العشائر بصورة كافية، وبالتالي لم تحافظ على شبكات التوزيع العشائرية. وعلى هذا النحو، تمكّنت الدولة الإسلامية من اختراق العشائر من خلال تزويد أفرادها بالأموال والأرض والأسلحة. كان زعماء العشائر عاجزين عن الحفاظ على الإمساك بزمام عشائرهم، حيث أغرت الدولة الإسلامية أفراد هذه العشائر بتعويضات أفضل. وكما قال مستشار عشائري في الرمادي بحسرة أن داعش "قدّمت فرص تمويل أفضل".57

الارتباط بالدولة الإسلامية، سواء كان حقيقياً أو ضمنياً، هو أيضاً وسيلة لنزع الشرعية عن الشيوخ المنافسين. مثلاً، زعم فارس الملا جياد، وهو شيخ من قبيلة الجنابيين، أن "منزلي ليس داعشياً، لكنهم يقولون ذلك". بالنسبة إليه، هم يقولون ذلك في محاولة لنزع الشرعية عن عشيرته ومكانته كزعيم عشائري. 

اليوم، لاتوجد عشيرة واحدة ليس لديها أو لم يكن لديها أفراد ينتمون إلى الدولة الإسلامية أو يدعمونها. وقد انقسمت العديد من العشائر إلى أفراد مؤيّدين لداعش وآخرين مناهضين لها. كما ارتكبت العشائر التابعة للدولة الإسلامية جرائم ضد العشائر المعارضة لها. فبعد أن استولت الدولة الإسلامية على الرمادي، أعدمت القوات العشائرية الشيخ ماجد علي السليمان واثني عشر من أقاربه، بينهم طفلة تبلغ عامين من العمر.58

جهود التعبئة 

الأنشطة 

على الرغم من كل نزاعاتهم مع الحكومة المركزية ومع الدولة الإسلامية وحتى مع بعضهم البعض، يتحرّك زعماء العرب السنّة لانتشال مجتمعاتهم المحليّة من الفراغ الحالي. ويبدو أن هذه الزعامة التي تفكّر مسبقاً بدورها في مرحلة ما بعد الدولة الإسلامية في العراق، واثقة من أن داعش ظاهرة مؤقتة، وأن قواعدها يمكن أن تتجاوز مرة أخرى هذه المرحلة للانخراط في العملية السياسية مجدّداً. 

على الرغم من كل نزاعاتهم، يتحرّك زعماء العرب السنّة لانتشال مجتمعاتهم المحليّة من الفراغ الحالي.

وكما سبقت الإشارة، تسعى بعض الأطراف في الزعامة العشائرية إلى تحقيق هذا الهدف، من خلال العمل مع نظام العبادي. فقد أطلق سليم الجبوري، الذي التقى العبادي في عدد من المناسبات، دعوات إلى الطائفة السنّية للعمل مع رئيس الوزراء. الجبوري والعبادي لديهما خلفية برلمانية، وعلى هذا النحو فهما يقدّران حكم السلطة التشريعية. وبالمثل، يحبّذ وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي التعبئة الأمنية من خلال العمل مع الحكومة. ومن وجهة نظره، وكذلك من وجهة نظر العبادي، من المهم أن تكون كل الجماعات شبه العسكرية، بما في ذلك الحرس الوطني عندما يأخذ شكلاً محدّداً، تحت قيادة الدولة وسيطرتها. 

على صعيد آخر، يعمل ممثّلو العرب السنّة على تأكيد شرعيتهم وعلى استخدام البرلمان بوصفه هيئة التمثيل الرسمية، للضغط وإغاثة قواعدهم. وهكذا، قدّم أعضاء كتلة تحالف القوى البرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 قائمة من سبعة مطالب تشمل مساعدات مالية ودعماً لعودة النازحين السنّة، والإفراج عن السجناء السياسيين الأبرياء، وتحقيق توازن عرقي - طائفي في المناصب الحكومية الخاصة في الوزارات، ودمج القوى العشائرية السنّية كجزء من قوّات الحشد الشعبي.59

في هذه الأثناء، يعمل زعماء سنّة عرب آخرون مع العواصم الأجنبية للحصول على الدعم. فإضافةً إلى جهود النجيفي للضغط على أنقرة بهدف بناء قوة عسكرية يمكنها مكافحة الدولة الإسلامية في الموصل، اجتمع أثيل وأسامة النجيفي ورجل الأعمال السنّي البارز خميس الخنجر مع مسؤولين أميركيين، في محاولة لتوفير دعم في الميدان وربما تأسيس مجموعة ضغط لصالح العرب السنّة في واشنطن. كما أنهم يسعون إلى تحسين التمثيل الخارجي لمجتمعهم في العواصم الأجنبية الاستراتيجية، خاصة واشنطن. 

أما بالنسبة إلى الصراعات الداخلية بين السنّة، فتنشط القيادة في تنظيم وحضور المؤتمرات داخل وخارج العراق، في محاولة لإيجاد حلول لها. وفي أيلول/سبتمبر 2015، شاركت مجموعة واسعة من ممثّلي السنّة في البرلمان والإسلاميين وحزب البعث في مؤتمر في الدوحة. لكن المؤتمر  فشل في نهاية المطاف، نظراً إلى الخلافات الداخلية واعتراض بغداد على الحضور البعثي. 

المفقود هنا هو وجود حركة احتجاج منظّمة (الحراك الشعبي)، حيث تشكّل القدرة على التعبئة الاحتجاجية وظيفة هامة لعودة السنّة إلى عمليّة الانخراط. وعلى الرغم من أن الشيعة يتظاهرون ضد قادتهم في بغداد، ويقوم الأكراد بالأمر نفسه في أربيل، لايزال الصوت الجماعي السنّي هادئاً، ويختلف تماماً عن العام 2011، عندما كان العرب السنّة يحتجّون بحيويّة ضدّ حكومة المالكي. لكنهم اليوم لايحتجّون على الحكومة المركزية ولا على زعاماتهم التي تتلاشى. وردّاً على سؤال عن السبب في أن الحراك الشعبي هادئ نسبياً، أشار أكثر النشطاء السابقين في الحراك إلى مشاكل أكبر تشمل قتال الدولة الإسلامية، أو الدفاع عن النفس في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الحشد الشعبي، أو معالجة أزمة النزوح. 

بالإضافة إلى المحاولات السياسية للتعبئة، بدأت الزعامة السنّية بالتعبئة عسكرياً، حتى في ظل نقص الأسلحة والتمويل. ويشمل جزء من هذه المحاولات الانضمام إلى قوات الحشد الشعبي التي يسيطر عليها الشيعة. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2015، سمح العبادي بتعيين 40 ألفاً من المقاتلين السنّة تحت مظلة الحشد الشعبي.60 وعلى الرغم من الجدل حول هذا العدد، حيث يدّعي الكثير من المسؤولين السنّة أنه أقرب إلى 16 ألفاً، هناك مع ذلك جزء من السنّة يقاتلون جنباً إلى جنب مع الشيعة في الحشد الشعبي. 

عدا الحشد الشعبي، ثمّة عشائر سنية مختلفة تُرسل مقاتلين لمحاربة الدولة الإسلامية. ويدّعي محمد الكربولي، عضو البرلمان عن محافظة الأنبار، أن حوالي 2200 مقاتل من العشائر في الأنبار يقاتلون، على الرغم من أنهم لم يحصلوا على تمويل أو أسلحة من الحكومة المركزية منذ فترة.61 وفي كانون الثاني/يناير 2016، أعلن أثيل النجيفي عن ظهور (الحشد الوطني)، الذي كان يعمل على تشكيله لبعض الوقت بدعم تركي من أجل تحرير نينوى. وهو يضم قوة من حوالي 6 آلاف مقاتل.62

وأخيرا، لايزال جزء من السكان السنّة معادياً بعناد للدولة. إذ يستمرّ المرتبطون بالدولة الإسلامية في مهاجمة الحكومة والقوات شبه العسكرية المرخّصة من الحكومة، مثل الحشد الشعبي أو قوات البشمركة. كما يواصل البعثيون غير المرغوب فيهم المتحالفون مع الدوري أو يونس، الدعوة إلى مقاطعة الدولة. وطالما بقيت الجماعة السنّية منقسمة وبقي موقف الحكومة المركزية عدائياً، سيبقى هذا النسق من قادة الأطراف موجوداً . 

خاتمة 

في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، اعترفت إدارة أوباما بأن استراتيجية الصحوة السنّية الثانية سارت على نحو أبطأ مما كانت تأمل. جاء ذلك بعد أكثر من عام من المناشدات لتسليح السنّة أو تمكينهم، بعد استيلاء الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية. كان مردّ سوء التقدير ناجماً عن سوء فهم أساسي للعرب السنّة المتنوعين والمنقسمين في عراق اليوم. 

بالنسبة إلى الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية، فإن اختيار الطرف الذي سيتم الانخراط معه، يمثّل مسألة حسّاسة من شأنها أن تؤثّر على أي عملية عودة محتملة للسنّة إلى عملية الانخراط. إذ يعتبر السنّة العراقيون أن قرار إدارة أوباما بدعم ولاية المالكي الثانية بهدف تحقيق "الاستقرار"، على الرغم من أنه كان قد خسر انتخابات العام 2010، يمثّل إشكالية. وبالمثل، ينبغي أن يكون اعتراف العبادي بالحشد الشعبي أكثر حذاقة، إذ على الرغم من أن هناك جماعات شبه عسكرية تنضوي تحت مظلة تحترم القانون العراقي، هناك أيضاً جماعات تتّهمها المنظمات الدولية مثل "هيومن رايتس ووتش" بارتكاب انتهاكات. وبالنسبة إلى الجماعة السنّية العراقية، يحول العمل مع، أو إلى جانب، الأطراف الفاعلة التي ترتكب مخالفات دون بروز الثقة. 

ليست هناك جماعة سنّية واحدة متراصة. على العكس من ذلك، تتكوّن هذه الجماعة من عدّة أطراف سياسية (بإيديولوجيات مختلفة) وشيوخ عشائر ورجال دين ورجال أعمال. ويتوقف أي أمل لعودة السنّة مجدّداً إلى الانخراط، أو إلى صحوة سنّية ثانية على توحيد هذه الأطراف، على نحو أقرب إلى وحدة كتلة "العراقية" في العام 2010. الأهم من ذلك أن الصحوة لاينبغي أن تعتمد على نموذج واحد يُطبّق على الجميع، بل يجب أن يكون خاصاً بكل محافظة. ففي المحصلة أن نينوى، محافظة سنّية لكنها متعدّدة الأعراق للغاية. وتتضمّن العديد من الأديان، ولديها اعتبارات مختلفة تماماً عن الأنبار، وهي محافظة ذات أغلبية سنّية أكثر تجانساً. إضافةً إلى ذلك، وبدلاً من الاعتماد المُفرط على الحرس القديم نفسه، يجب أن يكون هناك فهم أفضل للأطراف الشرعية الفاعلة في الميدان التي يمكنها بالفعل ادّعاء التحدث باسم شريحة كبيرة من السكان. 

الأهم من ذلك، أنه لا بدّ من فهم المتطلّبات المتغيّرة لهذه الجماعة الحيوية. ففي مرحلة ما بعد الموصل، على سبيل المثال، كان هناك تحوّل بنسبة 180 درجة بشأن مسألة الفيدرالية. فالعديد من ممثّلي العرب السنّة الذين كانوا يُسمّون الفيدرالية "هدية التقسيم"، يتبنّون الآن هذا المفهوم. وقال أحد الزعماء لكاتب هذه الدراسة، "أتذكّر في إحدى المرات في العام 2004، أثناء المفاوضات بشأن الدستور، أنني كنت الوحيد في القاعة الذي يعتقد أن الفيدرالية ليست فكرة سيئة. لكن الفكرة كانت يومها من المحرّمات".63 الكثير من هؤلاء النواب يريدون الآن تحويل محافظاتهم إلى أقاليم، حتى من الناحية القانونية، ويدور النقاش حول ما إذا كانت ستتم إقامة هذه الأقاليم على أساس الجغرافيا (أي أن تصبح كل محافظة إقليماً) أو على أساس الهوية (أي تشكيل إقليم سنّي قد يمتدّ ليشمل المحافظات الحالية). 

ليست هناك جماعة سنّية واحدة متراصة. على العكس من ذلك، تتكوّن هذه الجماعة من عدّة أطراف سياسية وشيوخ عشائر ورجال دين ورجال أعمال.

علاوة على ذلك، الأمر الصعب بالنسبة إلى الزعامة السنّية، هو إقناع جماهيرها، ممن ليست لديهم ثقة تذكر بأنه سيتم منحهم الحصانة والحماية بسبب أي علاقة أقاموها بالدولة الإسلامية أو عبّروا عن عدم مبالاتهم تجاهها، مقابل انقلابهم على الدولة الإسلامية والانخراط مجدّداً مع الحكومة. وأوضح زعيم عشائري لكاتب الدراسة قائلاً: "المشكلة هي أننا إذا قاتلنا، سيقولون لنا بعد ذلك [الحكومة العراقية] ’لقد قتلتم فلاناً وفلانا، ونحن لن نسمح بذلك".64 وعليه ستفيد الزعامة السنّية من عفو عام حتى ولو تضمّن تحذيرات إلى شمل الانخراط لمتهمين حقاً بارتكاب جرائم، لأن هذا سيساعدهم على تجاوز أزمة الثقة وإقناع قواعدهم بأن شروط العودة مجدّداً باتت ناضجة. 

على الرغم من أن بروز العبادي رئيساً للوزراء كان موضع احتفاء في البداية باعتباره نهاية لنظام المركزية المُفرطة الذي اتبعه المالكي، لم يتمكّن رئيس الوزراء الجديد من تحقيق نتائج مُرضية. ويرجع هذا جزئياً إلى أن مراكز القوى القديمة، وهم المالكي ومسؤولون آخرون على صلة بإيران مثل هادي العامري، لاتزال نشطة. ونتيجة لذلك، فإن دعم العبادي في أوساط العرب السنّة يتضاءل، الأمر الذي يفسّر خيبة أمل إدارة أوباما إزاء بطء عملية عودة السنّة مجدّداً إلى عمليّة الانخراط. فلا شيء أقلّ من حدوث تغيير حقيقي في الحكومة المركزية وتبلور قيادة موحّدة لتمثيل صوت السنّة، يمكن أن يساعد في إطلاق صحوة سنّية أخرى. 

هوامش

1 تمثّل هذه الأرقام دمجاً تقريبياً لحصيلة مختلف النقاشات مع زعماء عشائريين وناشطين، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

2 يستند هذا التقدير على معلومات من مصدر دبلوماسي تم تأكيدها بواسطة مختلف المصادر العشائرية والناشطين من الموصل، وقد أجرى معهم المؤلّف مقابلة.

3 Greenberg Quinlan Rosner Research, “Lack of Responsiveness Impacts Mood: August–September 2015 Survey Findings,” November 23, 2015, https://www.ndi.org/files/August%202015%20Survey_NDI%20Website.pdf.

4 أنظر، على سبيل المثال: Ali Allawi, The Occupation of Iraq: Winning the War, Losing the Peace (London: Yale University Press, 2013).

5 مقابلة مع سبهان الملا جياد، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2015.

6 Fanar Haddad, Sectarianism in Iraq: Antagonistic Visions of Unity (London: Hurst Publishers, 2011).

7 أنظر أيضاً: Stephen Wicken, Iraq’s Sunnis in Crisis, Middle East Security Report 2 (Washington: Institute for the Study of War, 2013).

8 مقابلة مع عضو سابق في البرلمان، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

9 Fanar Haddad, “A Sectarian Awakening: Reinventing Sunni Identity in Iraq after 2003,” Hudson Institute, August 4, 2014.

10 مقابلة مع سبهان الملا جياد، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2015.

11 Faleh A. Jabar, Renad Mansour, and Abir Khaddaj, “Maliki and the Rest: A Crisis within a Crisis, Iraq Crisis Report 2012 (London: Iraq Institute for Strategic Studies, June 2012): 9–11.

12 أنظر، على سبيل المثال: Priyanka Boghani, “In Their own Words: Sunnis on Their Treatment in Maliki’s Iraq,” PBS Frontline, October 28, 2014, accessed February 11, 2016, http://www.pbs.org/wgbh/frontline/article/in-their-own-words-sunnis-on-their-treatment-in-malikis-iraq/

13 Jabar et al., “Maliki and the Rest,”: .

14 مقابلة مع عضو سابق في البرلمان العراقي، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

15 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

16 مقابلة مع عضو في الحزب الإسلامي، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

17 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

18 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

19 مقابلة مع زعيم عشائري من صلاح الدين، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

20 مقابلة مع ناشط من الموصل، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

21 "تقرير لجنة الموصل: 30 شخصية مدانة بسقوط المدينة"، المدى، 16 آب/أغسطس 2015، تمت زيارة الموقع في 11 شباط/فبراير 2016. http://almadapress.com/ar/news/53935/تقرير-لجنة-الموصل-30-شخصية-مدانة-بسhttps://www.washingtonpost.com/world/middle_east/maliki-on-hot-seat-in-iraq-over-fall-of-mosul/2015/08/16/77508fb8-4442-11e5-9f53-d1e3ddfd0cda_story.html

22 Greenberg Quinlan Rosner Research, “Lack of Responsiveness.”

23 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

24 Amnesty International, Absolute Impunity: Militia Rule in Iraq (London: Amnesty International, 2014),  https://www.amnesty.org.uk/sites/default/files/absolute_impunity_iraq_report.pdf.

25 هيومن رايتس واتش، "العراق، أحداث عام 2015"، كانون الثاني/يناير 2016، تمت زيارة الموقع في 11 شباط/فبراير 2016 https://www.hrw.org/ar/world-report/2016/country-chapters/285704

26 عدنان أبو زيد، "بعد تحرير تكريت وطرد "داعش" منها... اتّهامات بحصول انتهاكات ونفي لها!"، موقع المونيتور، 23 نيسان/أبريل 2015، تمت زيارة الموقع في 22 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/04/iraq-tikrit-liberation-popular-mobilization-violations.html

27 "الميليشيات توسّع سيطرتها بالمقدادية وتمنع العبادي"، الجزيرة، 15 كانون الثاني/يناير 2016، تمت زيارة الموقع في 22 كانون الثاني/يناير 2016. المليشيات-توسع-سيطرتها-بالمقدادية-وتمنع-العبادي/http://www.aljazeera.net/news/arabic/2016/1/15

28 Maher Chmaytelli, “Iraqi Sunni Lawmakers to Boycott Government Session Over Sectarian Violence” Reuters, January 18, 2016, accessed January 22, 2016, http://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-iraq-violence-idUSKCN0UW2DA.

29 "العامري والعزاوي يقلدان قائد شرطة ديالى رتبته الجديدة"، أخبار السومرية، 20 كانون الثاني/يناير 2016، تمت زيارة الموقع في 22 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.alsumaria.tv/news/157445/العامري-والعزاوي-يقلدان-قائد-شرطة-ديالى

30 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

31 Renad Mansour, “From Militia to State Force: The Transformation of al-Hashd al-Shaabi,” Syria in Crisis (blog), Carnegie Endowment for International Peace, November 16, 2015, accessed January 22, 2016, http://carnegieendowment.org/syriaincrisis/?fa=61986.

32 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

33 تلفزيون الفيحاء: "أثيل النجيفي: نخاف من نشر التشيّع بعد دخول فصائل المقاومة"، شريط يوتيوب نشره أحمد وصّاق، 14 كانون الأول/ديسمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 22 شباط/فبراير 2016، https://www.youtube.com/watch?v=quCWinWDXdQ

34 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

35 "الهجرة البرلمانية تتهم جهات سياسية بإحداث ’تغيير ديموغرافي‘ في وحدة إدارية بصلاح الدين"، السومرية نيوز، 25 كانون الأول/ديسمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016. ar/الهجرة-البرلمانية-تتهم-جهات-سياسية-بإحدا/http://www.alsumaria.tv/news/155231

36 أعلن عن اللجنة على صفحته في موقع فيسبوك، صفحة أسامة النجيفي في فيسبوك، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، https://www.facebook.com/Osama.Al.Nujaifi/posts/887836651263510?comment_tracking=%7B%22tn%22%3A%22O%22%7D

37 صوت العراق، "عشائر الأنبار وتكريت تقاضي أسامة النجيفي وتكتله الجديد"، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.sotaliraq.com/newsitem.php?id=308033#axzz3sXIakcBF

38 وكالة كل العراق الإخبارية، "اللجنة التنسيقية طائفية تمثل ساحات الاعتصام وبيعها لدولة خليجية"، 9 كانون الأول/ديسمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.alliraqnews.com/modules/news/article.php?storyid=23556

39 مقابلة مع أثيل النجيفي، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

40 مقابلة مع عضو في مجلس علماء العراق، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

41 اجتمع الجبوري بالمالكي، المسبّب للخلاف، والذي أنقذ بالفعل الجبوري من اتهامات الإرهاب، ووعده بمنصب رئيس البرلمان، فحاز عليه في العام 2014. استناداً إلى مقابلة مع عضو من البرلمان العراقي، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016. أنظر أيضاً: "المالكي يؤكد للجبوري ضرورة التنسيق لإخراج البلاد من التحديات الحالية"، السومرية نيوز، 15 شباط/فبراير 2015، تمت زيارة الموقع في 17 شباط/فبراير 2016 http://www.alsumaria.tv/news/159808/news/ar; أنظر أيضاً: "سليم الجبوري.. الفلتة بين الإرهاب ورئاسة مجلس النواب"، الغد، 10 كانون الثاني/يناير 2016، تمت زيارة الموقع في 17 شباط/فبراير 2016 /سليم-الجبوري-الفلتة-بين-الإرهاب-ورئاسة-مجلس-النواب/http://alghadpress.com/ar/news/44571

42 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

43 المصدر السابق.

44 المصدر السابق.

45 Atlantic Council, “Launch of the Task Force on the Future of Iraq,” February 16, 2016, accessed February 16, 2016, http://www.atlanticcouncil.org/events/upcoming-events/detail/launch-of-the-task-force-on-the-future-of-iraq?utm_content=buffer19bbe&utm_medium=social&utm_source=twitter.com&utm_campaign=buffer.

46 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

47 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

48 حاولت كتلة الجبوري، في نهاية المطاف، عزل أثيل النجيفي من منصبه كمحافظ لنينوى في العام 2015، وائل نعمة، "الموقف من تركيا والعلاقات مع الحشد يهددان تنسيقية النجيفي بالانشقاق"، المدى، 9 كانون الأول/ديسمبر 2015، /الموقف-من-تركيا-والعلاقة-مع-الحشد-يهددان​/http://www.almadapaper.net/ar/news/500491

49 مقابلة مع ناشط من الموصل، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

50 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

51 Amatzia Baram, “The Iraqi Tribes and the Post-Saddam System,” Saban Center for Middle East Policy, Brookings Institution, July 8, 2003, accessed January 22, 2016, http://www.brookings.edu/research/papers/2003/07/08iraq-baram.

52 أنظر: Richard Tapper, ed., The Conflict of Tribe and State in Iran and Afghanistan (London: Croom Helm, 1983)

53 Thomas Barfield, “Tribe and State Relations: The Inner Asian Perspective,” in Tribes and State Formation in the Middle East, eds. Philip Khoury and Joseph Kostiner (Oxford: Oxford University Press, 1990), 179.

54 مقابلة مع شيخ من الأنبار، أربيل، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

55 مقابلة مع مستشار عشائري من الأنبار، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

56 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين من الحزب الإسلامي، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

57 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين سنّة، بيروت، كانون الثاني/يناير 2016.

58  Douglas Ollivant, “Sunnis vs. Shiites, Abadi vs. Maliki, Kurds vs. Everyone,” Foreign Policy, January 11, 2016, accessed February 11, 2016, http://foreignpolicy.com/2016/01/11/sunnis-vs-shiites-abadi-vs-maliki-kurds-vs-everyone/.

59 "تحالف القوى: لن نعرقل إصلاحات العبادي وننتظر منه ’ردّاً مكتوباً‘ على شروطنا السبعة"، المدى، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016،/تحالف-القوى-لن-نعرقل-إصلاحات-العباد/http://www.almadapress.com/ar/news/59663

60 "ارتياح سنّي من العبادي بعد ضمان 40 ألف مقاتل في الحشد ورواتب شهرية للنازحين"، المدى، 20 كانون الأول/ديسمبر 2015، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016، http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=61631

61  Dina al-Shibeeb, “Iraqi Sunnis Still Feel Excluded by Anti-ISIS Mobilization Fores,” Al Arabiya English, January 20, 2016, accessed January 24, 2016, http://english.alarabiya.net/en/perspective/analysis/2016/01/20/Iraqi-Sunnis-still-feel-excluded-by-anti-ISIS-forces-.html.

62 قناة سامراء الفضائية، "الشعب ينتظر/ نينوى آمال التحرير ... ضيف الحلقة أثيل النجيفي قائد الحشد الوطني"، شريط يوتيوب، تم نشره بواسطة "قناة سامراء"، 19 كانون الثاني/يناير 2016، تمت زيارة الموقع في 24 كانون الثاني/يناير 2016، https://www.youtube.com/watch?v=xZnJmn9JKc8&feature=youtu.be

63 مقابلة مع عضو سابق في البرلمان العراقي، بيروت، كانون الأول/ديسمبر 2015.

64 اجتماع مائدة مستديرة مع مسؤولين في الحزب الإسلامي، أربيل، كانون الأول/ديسمبر 2014.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.