دولتان أم دولة واحدة؟ نظرة ثانية إلى المأزق الإسرائيلي-الفلسطيني

التقارب المادّي بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني يزداد باطّراد، بينما يتباعدان سياسياً. ولا بد لأي حل أن يلبّي حاجات الطرفين كليهما.

 إدوارد بي.جيرجيانمروان المعشّرناثان ج. براونخليل الشقاقيسميح العبدطارق دعناجلعاد شير, و داليا شيندلين
نشرت في ٢٧ فبراير ٢٠١٩

منذ مؤتمر مدريد الذي لمّ شمل الإسرائيليين والفلسطينيين في مدريد العام 1991 للمرة الأولى في مفاوضات مباشرة وجهاً لوجه، برز إجماع دولي على أن أي حل مُقبل لابد أن يتضمن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة تعيش بسلام وأمن إلى جانب دولة إسرائيل. كما نوقشت في العديد من المنتديات القضايا المتصلة بالحدود الفعلية للدولتين، ومصير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكيف سيتم تشاطر مدينة القدس، وكيف ستُحل قضية اللاجئين. ومع أن الطرفين اقتربا مراراً من الاتفاق على جوهر هذه الأطر، إلا أن الصفقة لم تُبرَم.

يواجه هدف حل الدولتين اليوم تحديات خطيرة. فقد تجاوز عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية 650 ألف شخص، مايثير شكوكاً أساسية حيال مستقبل دولة فلسطينية مجاورة جغرافياً. كما أن الجهود الدبلوماسية الأميركية التي تبذلها إدارة دونالد ترامب، تهدف على ما يبدو إلى إعادة تعريف القضايا المحورية مثل القدس، واللاجئين، وغزة، بأساليب تنفّر الفلسطينيين والحلفاء الأوروبيين على حدٍّ سواء. وفي إسرائيل، يُهدّد إقرار قانون الدولة القومية الجديد بتحويل سكان إسرائيل العرب والآخرين إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وهي خطوة يعتبرها كثيرون شرعنةً فعلية للتمييز العنصري. وفي الوقت نفسه، لم تُسهم الانقسامات بين الضفة الغربية وغزة، إضافةً إلى الصراعات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، في طرح مشروع فلسطيني وطني. علاوةً على ذلك، ثمة دلائل واضحة على إدراك متعاظم في صفوف الفلسطينيين والإسرائيليين بأنه قد يستحيل تحقيق حل دولتين يلبّي الحاجات الدنيا لكلا المجتمعين.

لم تُفلح في الحدّ من هذا الوضع السلبي المتقلّب خمس وعشرون سنة من الدبلوماسية -بما فيها اتفاقيات أوسلو، وقمة كامب ديفيد ومعايير كلينتون، وقمة طابا، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق للشرق الأوسط، ومحادثات عباس وأولمرت في سياق عملية أنابوليس، وجهود كيري لتحقيق السلام وغيرها.

مع ذلك، المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية لن تختفي. إذ تعني التوجهات الديموغرافية وإقامة المستوطنات أن التقارب المادّي بين المجتمعين المحليّين يزداد باطّراد، بينما يتباعدان سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً.

يحاول هذا التقرير دراسة الوقائع والتوجهات من منظور تحليلي جديد. للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذا التقرير المؤلّف من بابين يعكس نظريتين مختلفتين كل الاختلاف حول كيفية حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: إذ يطرح أحد البابين الحجة المُحبّذة لحل الدولتين، بينما يرى الآخر أنه آن الأوان للتمعّن في فكرة الدولة الواحدة بجميع تنوعاتها.

بيد أن هذين البابين لا يختلفان حول حقائق الوضع الراهن، كما أنهما لا يتباينان كثيراً حول المسارات المحتملة. فمن الممكن استخدام الحقائق نفسها لاستخلاص نتائج مختلفة في كلتا الحالتين: هل نحتاج إلى أفكار جديدة، أم إلى عزيمة وإرادة سياسية جديدتين تدعمان الأفكار السابقة؟

يُبرز هذان البابان كذلك واقعاً سياسياً مهمّاً: لا بد لأي حل أن يلبي احتياجات الطرفين كليهما. فالحلول المفروضة فرضاً ستبوء بالفشل. والجزء الذي أعدّه معهد بيكر لاينكر أن واقع الدولة الواحدة آخذٌ بالبروز وأن حل الدولتين يعاني المشاكل، لكنه يرى أنه لاينبغي التخلّي نهائياً عن حل الدولتين، لأنه يوفر الإطار الأكثر تماسكاً لدولة إسرائيلية ديمقراطية تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. أما الجزء الذي أعدّته مؤسسة كارنيغي، فيدرك أن واقع الدولة الواحدة آخذٌ بالتبلور، سواء كان مرغوباً به أم لا، ويدعو إلى تمحيص الحلول التي تأخذ هذا الواقع في عين الاعتبار بدلاً من التعامي عنه.

في الوقت الذي تُتَداول فيه مثل هذه الآراء حول حل النزاع مع عدم طرح سياق مناسب لها، يحاول هذا التقرير أن يحلّل ويطرح، على نحو موضوعي، الخيارين الأساسيين لسلام متفاوض عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويوضّح النتائج المترتبة عليهما لكل من الأطراف المعنية والمجتمع الدولي. ونأمل أن يحقّق ذلك الفائدة لا بوصفه تذكيراً بالجهود السالفة بل كذلك حاضناً لجهود مُقبلة.

إدوارد بي. جيرجيان مروان المعشّر
مدير نائب الرئيس للدراسات
معهد بيكر للسياسة العامة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

حل الدولتين – فعل الماضي أم المستقبل

إدوارد بي. جيرجيان

مع سميح العبد، وجلعاد شير، وخليل الشقاقي

مقدّمة

شهد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، خلال الشطر الأكبر من أوائل القرن الحادي والعشرين حالة من الركود ومن قصور المبادرات الدبلوماسية. واليوم، بعد سبعين عاماً من بدء النزاع، غدا التقدّم نحو حل الدولتين، وفق معظم المقاييس، أكثر تحدّياً. فقد باتت الوقائع على الأرض معقّدة متراكبة. والاتجاهات السياسية على جميع الجبهات أضعفت صفوف المنادين بالسلام، والمحادثات تتعثّر، والنماذج التاريخية حول المفاوضات وقضايا الوضع النهائي باتت موضع تساؤل.

بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب أداء مهامّها في كانون الثاني/يناير 2017، متعهّدةً بأنها ستُجري تعديلاً على الافتراضات الراسخة حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع العالم. ومن الواضح أن ترامب وفريقه ركّزوا اهتمامهم على "الصفقة النهائية" بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعكفوا، حتى أواسط العام 2018، على استكشاف ووضع تفاصيل مقترحاتهم التي يتكتمون عليها للاتفاق.

تشي أغلب التقارير بأن السنوات القليلة المُقبلة ستشهد منعطفاً حاسماً في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وتدل الحقائق على الأرض، والمعطيات الديموغرافية، والسياسات المحلية، والتوجهات الجيوسياسية، على أن تواصل مرور الزمن سيُخل بالمبادئ الجوهرية التي حدّدت معالم حل الدولتين لعقود زمنية عدة. كما أن الفشل في معالجة النزاع وقضاياه الجوهرية، مثل الأرض مقابل السلام، لايصب في مصلحة أميركا، وإسرائيل، وفلسطين، والمجتمع الدولي، غير أنه، مع استمرار المأزق الراهن، قد يفرض على جميع الأطراف المعنية المزيد من الوقائع الحافلة بالتحدّيات وعدم الاستقرار.

يرمي هذا الفصل إلى تقييم "حالة حل الدولتين"، على الرغم من أن زخم التوجّه نحو مثل هذا الحل بات يتّسم بدرجة عالية من الإشكالية؛ ويدعو إلى الإبقاء على حل الدولتين بوصفه أفضل الخيارات المطروحة الآن لإنهاء الصراع. وإضافةً إلى تحديد المعالم الرئيسة لأهمية حل الدولتين باعتباره المنطلق الأساسي لأي مفاوضات مُقبلة وتقديم عرض موجز لما يمكن أن يتضمّنه هذا الحل، يناشد هذا الفصل الولايات المتحدة بأن تكون وسيطاً مهمّاً وموثوقاً به لدى الطرفين في مفاوضات الوضع النهائي. يُضاف إلى ذلك أن التحليلات المستقلة للانطباعات الإسرائيلية-الفلسطينية التي يطرحها في هذا الفصل كلٌّ من جلعاد شير، وخليل الشقاقي، وسميح العبد، ستلقي الضوء على الدور الديناميكي الذي يلعبه الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني والنشاط السياسي المحلي في التوصّل إلى اتفاق.

إعادة صياغة حل الدولتين

بعد إخفاق المبادرات الدبلوماسية، وتفاقم تعقيد الوقائع على الأرض، من البديهي أن يُطرح التساؤل عما إذا كانت نافذة حل الدولتين تُغلَق أو هي أُغلقت بالفعل. لكن البدائل لحل الدولتين تطرح، في حد ذاتها، مشاكل خطيرة، سواء حول استمرار الوضع القائم، أو تشكيل دولة واحدة ثنائية القومية، أو اتحاد كونفدرالي بين إسرائيل وفلسطين، أو كونفديرالية أو رابطة بين فلسطين ودول عربية أخرى (بخاصة الأردن ومصر)، أو أي مقترحات أخرى. ويتعيّن على المناقشات التي ستدور حول هذه المقاربات البديلة أن تحدّد بصورة مناسبة أرضية مشتركة كافية بين الأطراف المعنية، تكون بمثابة إطار جادّ للتفاوض. باختصار، لازالت هذه النقاشات حول بدائل حل الدولتين في طور جنيني، ولا تفيد الجهود الدبلوماسية الراهنة. كما أن التنازلات، والتنسيق، والتعاون حول السياسة المطلوبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق أي شكل من "حل الدولة الواحدة" لاتبدو مقبولة سياسياً من جانب أيٍّ من الطرفين. ولازال استمرار السعي إلى إقامة دولتين لشعبين يتمتعان بالسيادة، هو المسار الأبقى والأكثر نفعاً لجميع الأطراف في المدى البعيد. قد تتغيّر آليات التفاوض حول الحل والمحافظة عليه (وربما يتطلّب الأمر أفكاراً ومقاربات جديدة)، كما قد يتغيّر حجم القضايا التي ستجري مناقشتها والاتفاق عليها، غير أن الحل النهائي سيظل على حاله من دون تغيير.

إن المناداة بدولتين لشعبين لم تتغيّر بصورة جذرية خلال السنوات العديدة التي طُرحت فيها هذه الفكرة مرة بعد أخرى، غير أن درجة الإلحاح تصاعدت في أيامنا هذه. فثمة مؤيدون للوضع القائم في إسرائيل، حيث تحتل قضية الأمن مرتبة متقدّمة، غير أن استمرار هذا الوضع له مقابل مهم آخر. إذ إن السيطرة الفعّالة على الضفة الغربية وغزة تظل عالية الكلفة من حيث الموارد، كما أنها تحدّ من قطف الفرص الاستراتيجية والاقتصادية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتؤدّي إلى تفجّر الصراعات على نحو متقطّع، وتثير قضايا مهمة. ربما الأمر الأهم من ذلك كله هو أن استمرار الوضع القائم سيؤدّي إلى إثارة تساؤل حول هوية إسرائيل كدولة يهودية وكيان ديمقراطي، وهي الرؤية التي قامت على أساسها الدولة. ومن المؤكّد أن الرد السلبي على "قانون الدولة القومية" الذي أُقِّر في تموز/يوليو 2018 سيتضاءل إذا ما قورن بالرد الدولي الذي سيقابَل به أي جهد لتأكيد سيادة إسرائيل على ملايين الفلسطينيين. ومهما كان عدد السيناريوات المحتملة خلال السنوات المُقبلة، فإنها قد تفضي إلى تردّي الأوضاع والخيارات. فسياسة الغموض والالتباس تنطوي على مخاطر متزايدة، فيما قد يؤدّي تأسيس الدولتين إلى تسهيل متابعة الجهود الرامية إلى إقامة بنية شاملة فعّالة لتحقيق السلام الإقليمي، بما في ذلك الترتيبات والإجراءات الخاصة بمواجهة فعّالة للمخاطر التي تمثلها جهات دُولتية وغير دُولتية. وسيتطلب الإقرار بهذه الوقائع ومتابعة قضية السلام شجاعة سياسية وسياسات فعّالة أمام رأي عام تساوره الشكوك. لكن الحاجة إلى ذلك بالغة الأهمية.

إن المناداة بدولتين لشعبين لم تتغيّر بصورة جذرية خلال السنوات العديدة التي طُرحت فيها هذه الفكرة مرة بعد أخرى، غير أن درجة الإلحاح تصاعدت في أيامنا هذه.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين، الذين عانوا الكثير خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي، يعني تحقيق دولة واحدة مستقلة أن أمامهم خيارات صعبة. فالفصل القائم راهناً بين الضفة الغربية وغزة، والانقسام الذي يعتري السياسات الفلسطينية، والعجز في بعض نواحي الحوكمة، والعناد، والخطب الرنّانة غير البنّاءة، لا تساعد المشروع الوطني الفلسطيني. ثمة حاجة إلى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وفق مبادئ اللجنة الرباعية، وإلى جهود إصلاح المؤسسات الفلسطينية، وإلى إحياء الإيمان بأن المشروع الوطني الفلسطيني لم يمت. كما أن الوضع المتردّي في غزة يستلزم العمل الفوري وتعبئة المجتمع الدولي. ويجب على القادة الفلسطينيين أن يلتزموا أمام شعبهم بإيجاد الحلول، وقد يكون ذلك نقطة انطلاق محورية لتحقيق تقدّم أوسع نطاقاً. وبالنسبة إلى طرفَي النزاع، قد تتعزّز معالم القيادة اليوم وفي المستقبل إذا ما تم توضيح رؤية السلام، واتخاذ مواقف براغماتية، والسعي إلى إيجاد قواسم مشتركة مع الاستعداد، في الوقت نفسه، لاتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة لتحقيق رفاه الشعبين، على المدى الطويل. كما ينبغي الاسترشاد بالتمييز الحاسم بين الحلول الوسط السياسية المنصفة، من جهة، وبين الاستسلام من جهة أخرى.

أطر حل الدولتين

الأطر التي يدور فيها حل الدولتين قائمة منذ أمد بعيد ولاحاجة إلى إعادة اختراعها. والأهم أنه على الرغم من أجواء القنوط التي تلفّ النزاع في الوقت الحاضر، لاتزال هذه الأطر تحظى بدعم من الطرفين، كما سيتضح لاحقاً في هذا الفصل. العنصر الجوهري من حل الدولتين يتطرق إلى المبادئ التالية:

  • الإطار الدولي: لا بدّ أن تسترشد المفاوضات بالمبادئ التي يجسّدها القراران الدوليان 242 و338. إن منطوق الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242 "يؤكد أن تنفيذ مبادئ "الميثاق" الذي يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، يجب أن يشمل تطبيق كلا المبدأين التاليين:
    1. انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية المسلحة من أراضٍ احتُلّت في النزاع الأخير.
    2. إنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها، واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات أو استخدام القوة". كما يؤكّد القرار 242 على ضرورة التوصّل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
  • الأراضي والمستوطنات: ستعتمد المفاوضات حول الأراضي وحول الحدود الآمنة المعترف بها بين إسرائيل وفلسطين على حدود الرابع من حزيران/يونيو1967. كما ينبغي الاتفاق على أي تعديلات في الحدود، وأن تقوم على تبادل مُنصف ومتفق عليه لتبادل الأراضي (1:1) وفقاً للحاجات الحيوية لكلا الطرفين، بما فيها تلاصق الأراضي والاعتبارات الديموغرافية. كما ينبغي تنفيذ تجميد المستوطنات، إما بصورة شاملة أو مقتصرة على تلك الواقعة خارج المناطق التي ستكون داخل حدود إسرائيل، على النحو الذي سيتم الاتفاق عليه بين الطرفين في أي تسوية دائمة.
  • اللاجئون: ينبغي التفاوض والاتفاق بين الطرفين على حل شامل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وستدعو الحاجة إلى مساعدة إقليمية ودولية أساسية في معالجة هذه المشكلة من أجل توفير الخيارات وفرص التأهيل للاجئين.
  • القدس: ستكون القدس الكبرى مقرّاً لعاصمتي الدولتين، على أساس حدود العام 1967، مع الإقرار بأن تكون الأحياء اليهودية جزءاً من إسرائيل، والأحياء الفلسطينية جزءاً من فلسطين. وسيمنح حق الوصول الكامل وحرية العبادة للديانات كافة، كما ستتم إدارة "البلدة القديمة" وفق نظام خاص.
  • الأمن: عند انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، سيتم الاتفاق بين الطرفين على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وترتيبات أمنية خاصة، بما فيها نشر قوة دولية في وادي الأردن باتفاق الطرفين، يصاحبها وضع ترتيبات أمنية إقليمية تنسجم والالتزامات الواردة في اتفاقيات السلام الإسرائيلية-المصرية والإسرائيلية-الأردنية.
  • الموارد: سيشمل حل النزاع تخصيصاً منصفاً ومعقولاً لجميع الموارد المشتركة العابرة للحدود.
  • العلاقات بين الدولتين: تنطلق العلاقات من مبدأ المساواة في سيادة الدولة، مع تنمية الأوضاع التي تؤدي إلى علاقات حسن جوار بين الدولتين.
  • البنية التحتية والتنمية: ينبغي تقديم الدعم القوي لبناء البنية التحتية المادية والمؤسسية في دولة فلسطين، من أجل إقامة دولة فلسطينية مزدهرة مترابطة الأطراف وآمنة وديمقراطية.
  • العلاقات الإقليمية: سيكون التقدّم في سيرورة السلام الإسرائيلي-الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ من المساعي الرامية إلى إقرار سلام شامل بين إسرائيل من جهة، وجميع الدول العربية والإسلامية من جهة أخرى، وفقاً للخطوط العريضة لمبادرة السلام العربية للعام 2002.

لا بد أن تُمثّل هذه الأطر العامة جوهر خطة السلام. ومن المؤكد أن ثمة قضايا أخرى لابدّ من النظر فيها والتفاوض حولها ومعالجتها – ومنها الجداول الزمنية، والترتيبات الأمنية المحدّدة، والأنظمة الاقتصادية، والاستثمار – غير أن الإخفاق في مواجهة القضايا الجوهرية لن يؤدّي إلى سلام ثابت ودائم.

معالجة الحدود والمستوطنات

سميح العبد

من المحاور الجوهرية لأي اتفاقية نهائية، التوصّل إلى تقسيم متبادل مقبول ودائم بين إسرائيل وفلسطين على أساس خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، بما في ذلك تبادل متّفق عليه للأراضي، مايضع حدّاً للاحتلال. كذلك، من العوامل الأساسية لدفع عملية السلام قدماً، وضع خريطة طريق تحدّد أراضي إسرائيل وفلسطين. فالتفاهم المُحتمل حول قضية الأراضي سيمكّن إسرائيل من دمج مناطق مستوطنات متّفق عليها في إطار السيادة على الأراضي المعترف بها لإسرائيل، وإخلاء أو إعادة توطين المستوطنين إلى خارج الأراضي الفلسطينية. ويمكن للتعديل المتّفق عليه للحدود بين إسرائيل وفلسطين أن يسمح لما يقرب من 80  في المئة من المستوطنين الإسرائيليين البقاء حيث يقيمون اليوم. وفي الجانب الفلسطيني، فإن ترسيم حدود دائمة أمر حاسم لبناء الدولة؛ إذ إنه يولّد اليقين الضروري لإنجاح التدابير الرامية إلى إعادة توطين اللاجئين والإجراءات الاقتصادية لبناء الدولة، ويسمح للحكومة الفلسطينية بإقامة بنية تحتية مادية فعّالة لبناء دولة فلسطينية مزدهرة.

عند بدء المفاوضات، وفيما يمضي الطرفان قدماً إلى الأمام، سيكون تجميد المستوطنات خطوة حاسمة ودليلاً على حسن النية، لأن المستوطنات كانت، مراراً وتكراراً، إحدى العقبات الكبرى في المفاوضات. فقد أسفرت المفاوضات حول الأراضي، في ظل مواصلة إسرائيل توسيع المستوطنات، إلى تعقيد مسار المفاوضات كلياً في الماضي، وستزيد من تعقيده مستقبلاً. وتتسبّب سيطرة إسرائيل على مساحات شاسعة من الضفة الغربية إلى تعقيد المفاوضات على نحو مطّرد، وتعسّر الحوكمة الفلسطينية، وتعاظم المشقّة في حياة الفلسطينيين اليومية.

الضفة الغربية اليوم مجزّأة، وتقع معظم الأراضي تحت سيطرة إسرائيل. يعيش ما يزيد على 650000 مستوطن إسرائيلي في مستوطنات تمثّل 2.7 في المئة من مساحة الضفة الغربية والقدس الشرقية.1 ويستمر توسيع المستوطنات، فيما تتعاظم عمليات البناء بوتيرة كبيرة منذ العام 2017. وعندما تؤخذ في الاعتبار "مناطق السلطة والصلاحيات" خارج المستوطنات، ترتفع نسبة مساحة مناطق الاستيطان لتصل إلى 9.3 في المئة من أراضي الضفة الغربية. يُضاف إلى ذلك أن المستوطنات ترتبط مع بعضها البعض ومع إسرائيل من خلال شبكة من الطرق المتطوّرة التي تشمل 2.3 في المئة من المنطقة. علاوةً على ذلك، اعتُبرت نسبة 20 في المئة من الضفة الغربية منطقة عسكرية مغلقة، كما أن نسبة 20 في المئة أخرى من الضفة الغربية صُنِّفت كـ"أراضٍ تابعة للدولة". كذلك، تقع نسبة 9.4 في المئة من الضفة الغربية اليوم بين جدار الفصل وحدود العام 1967، ما يعني عزلها وفصلها بالفعل عن الأراضي الفلسطينية. وبصورة إجمالية، فإن نحو 60 في المئة من الضفة الغربية يخضع إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وما بقي لنحو 2.9 مليون فلسطيني هو العيش في 169 "جزيرة" مبعثرة في المنطقتين أ و ب (ما يشكّل 40 في المئة من الضفة الغربية).

الضفة الغربية اليوم مجزّأة، وتقع معظم الأراضي تحت سيطرة إسرائيل.

مع تقدّم المفاوضات، سيكون تجميد المستوطنات خطوة مهمة من جانب الحكومة الإسرائيلية لإثبات حسن النية. وبالنسبة إلى الفلسطينيين، من شأن تجميد المستوطنات بناء الثقة وتعزيز الموثوقية، وهو ما كان غائباً لما يربو على عشرين سنة من المحادثات. كما أن ذلك سيحافظ على إمكانية تحقيق حل الدولتين، ويتيح الفرصة لإجراء التحسينات على الأرض وتطوير البنية التحتية بصورة يلمسها ويشعر بها الفلسطينيون بشكل فوري. كما سيعزز ذلك دعم حل الدولتين والقيادة الفلسطينية الحالية على حدٍّ سواء. وبالنسبة إلى الإسرائيليين، سيسمح تجميد المستوطنات للمفاوضات بالمضي قدماً، وسيخفّف من مخاوف المجتمع الدولي من أن إسرائيل تعتزم ضم الضفة الغربية وإنكار الحقوق السياسية للفلسطينيين. كما سيسهّل تجميد المستوطنات إجراء تعديلات واقعية على توقعات جماعات المستوطنين، ويضع الأسس لوقائع جيوسياسية محدّدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تؤيّد حل الدولتين.

الاعتبارات السياسية المحلية والرأي العام: التحديات والفرص

على ضفّتَي النزاع، أصيب الرأيان العامّان الإسرائيلي والفلسطيني بصورة متزايدة بخيبة الأمل من حل الدولتين. ففي إسرائيل، دفعت الهواجس الأمنية الهيئات السياسية نحو اليمين بشكل كبير. وتبيّن استطلاعات الرأي العام أن التوصّل إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يحتل أولوية متدنية بالنسبة إلى أغلبية الإسرائيليين، وأن الوضع الراهن يدعو إلى الرضى. أما في الأراضي الفلسطينية، فيشعر كثيرون بأن أوسلو والمشروع الوطني الفلسطيني مُنيا بالفشل، وبدأت بالتالي النقاشات حول البدائل.

مع ذلك، وفي حين أن الاتجاهات السياسية لدى الجانبين تبدو مُثبطة، إلا أن الرأي العام يتميّز بالديناميكية، وهو قابلٌ للتغّير وفقاً للأجواء السياسية. وقد أظهر الرأي العام أن من الممكن إعادة بناء الثقة، وأن القيادة عنصر مهم، وأن الإيمان بإمكانية تحقيق السلام يلعب دوراً حاسماً.

في الأجزاء التالية من هذا التقرير، يعالج جلعاد شير وخليل الشقاقي البيئة المعقّدة لاستطلاعات الرأي العام في إسرائيل وفلسطين، وتحدياتها والفرص المطروحة.

الديناميكيات السياسية الإسرائيلية

جلعاد شير

ثمة سلسلة طويلة من العقبات التي تحول اليوم، ولأسباب عدة، دون الوصول إلى اتفاق نهائي حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: فهناك فجوات عريضة في الروايات التاريخية التي يعتمدها الإسرائيليون والفلسطينيون، وهي تزداد اتساعاً مع مرور الوقت. وهناك ارتياب وعدم ثقة متبادل مابين القيادتين والمجتمعين؛ فالطرفان مختلفان كل الاختلاف حول الوضع النهائي للقضايا الخلافية الجوهرية؛ والقادة يمانعون التحرّك إلى الأمام، ولايبدون مستعدين لتحمّل المخاطر التي تنطوي عليها الدعوة إلى إحلال السلام؛ وليس هناك، في هذه الأيام، وسيط مؤتمن وموثوق به بصورة مشتركة لتيسير عملية التفاوض. يُضاف إلى ذلك أن التطورات في الشرق الأوسط الأوسع وفي طول العالم العربي وعرضه خلال العقد الأخير، فاقمت تعقيد الطابع مترابط الأبعاد للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وأنزلت هذه القضية إلى مرتبة متدنية في قائمة أولويات أنظمة الحكم العربية، كما كشفت عن توجهات أخرى تشغل صنّاع القرار في المنطقة وخارجها. ثم أن هناك معوقات تعترض هذه العملية داخل الأنظمة السياسية الإسرائيلية والفلسطينية.

ثمة سلسلة طويلة من العقبات التي تحول اليوم دون الوصول إلى اتفاق نهائي حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

تكشف استطلاعات الرأي عن معلومات قيّمة لمواقف الرأي العام الإسرائيلي حيال القضايا الجوهرية في النزاع – وهي القدس، والمستوطنات، والأمن – وعن العوامل التي قد تحفّز على التوصّل إلى اتفاق حول الدولتين وتجعل هذا الاتفاق ممكناً سياسياً. حالياً، اتجاهات الرأي العام في إسرائيل غير مؤاتية إلى حد كبير لحل الدولتين، مع أنه ما من رؤية بديلة يفضّلها الإسرائيليون. ويقدّم استطلاع مؤشر الأمن القومي الحديث الذي قام به معهد دراسات الأمن القومي عرضاً مفصّلاً لنقاط أساسية عدة لدى الرأي العام الإسرائيلي حول النزاع، والتحوّلات التي تطرأ عليه وفق خطوط ديموغرافية:

  • يعتقد 21 في المئة فقط من اليهود الإسرائيليين أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني يمثّل الخطر الخارجي الأكبر على دولة إسرائيل، ويرى 83 في المئة من اليهود الإسرائيليين أن إسرائيل قادرة على أن تصد بنجاح أي هجمات إرهابية كُبرى متتالية. وتبيّن هذه النسب المئوية أن الرأي العام الإسرائيلي لايستعجل الوصول إلى حل مع الفلسطينيين. عوضاً عن ذلك، يعتقد الإسرائيليون أن دولتهم ستنجح في احتواء التهديدات والتعامل مع تحديات النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
  • انخفضت نسبة تأييد الإسرائيليين لإقامة دولة فلسطينية خلال السنوات العشر الماضية. ففي العام 2008، كانت النسبة 46 في المئة وارتفعت إلى 58 في المئة بعد خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في العام 2010 عن السياسة الخارجية في جامعة "بار إيلان"، حيث أعلن بصراحة عن تأييده حل الدولتين. لكن تأييد إقامة دولة فلسطينية تضاءل تدريجياً إلى أن بلغ 43 في المئة في العام 2017.2
  • يكشف المؤشر عن أن تأييد الرأي العام الإسرائيلي لحل الدولتين كان 55 في المئة العام 2017، غير أن هذه النسبة انخفضت خلال السنوات الخمس السابقة عما كانت عليه في العام 2012، أي 69 في المئة. وتؤيّد أغلبية الرأي العام العلماني (72 في المئة) حل الدولتين، غير أن التأييد في أوساط الرأي العام المتديّن متدنٍّ للغاية، أي 20 في المئة فقط. ويمثّل هذا الحل قضية إشكالية في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، حيث تعتقد فئات مختلفة منه أن ثمة حلولاً بديلة.
  • يوضح المؤشر أن 39 في المئة من الرأي العام اليهودي الإسرائيلي يعتقدون أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو مواصلة الجهود للوصول إلى اتفاقية دائمة؛ ويرى 18 في المئة أن الخيار الأفضل هو ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل؛ ويعتقد 17 في المئة أن الخيار الأفضل سيكون وضع ترتيبات انتقالية للفصل عن الفلسطينيين. ويرى 15 في المئة آخرون أن الخيار الأفضل هو المحافظة على الوضع القائم، فيما يعتقد الباقون الذين يشكلون 11 في المئة، أن الخيار الأفضل هو ضم جميع أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل.
  • عندما طُرحت مقترحات عدة ترمي إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني – وهي حل الدولتين، أو الكونفيدرالية، أو الدولة الديمقراطية مزدوجة الجنسية – بدا أن 46 في المئة من اليهود الإسرائيليين لازالوا يؤيدون حل الدولتين، بينما يؤيد 33  في المئة الكونفيدرالية، ويفضّل الباقون الدولة الديمقراطية مزدوجة الجنسية. ويصنِّف معظم مؤيّدي حل الدولتين أنفسهم سياسياً كيساريين أو وسطيين؛ و63 في المئة منهم هم علمانيون. ويعرّف معظم مؤيّدي الكونفيدرالية أنفسهم كيساريين، مع أن يهوداً يمينيين ومتدينين (يمثّلون 5 في المئة و10 في المئة على التوالي) يشاركونهم هذا الموقف. أما تأييد الدولة الديمقراطية مزدوجة الجنسية فضعيفٌ ومتقلّب، وتبلغ نسبة المؤيدين هنا أعلى مستوياتها في أوساط اليهود الأرثوذكس المتشدّدين و"المتدينين" (الأرثوذكس الحديثين) (يمثّلون 40 في المئة و31 في المئة على التوالي).3
  • مع ذلك، فإن نظرة إجمالية على الطيف السياسي بأكمله، ستبيّن لنا أن حل الدولتين لازال يتمتع بالنسبة الأعلى من التأييد بين مختلف الفئات، بمن فيها تلك التي تصنّف نفسها بوصفها من "اليمين المعتدل". والجماعات التي تصنّف نفسها بوصفها على "يمين" الطيف السياسي هي وحدها التي تؤيّد حل الدولتين وحل الدولة الواحدة بالنسبة نفسها (20 في المئة). ومن بين مؤيّدي "الدولة الواحدة"، الخيار الذي يحظى بالدعم الأكبر (29 في المئة) هو ترحيل الفلسطينيين. أما مواطنو إسرائيل العرب فإن 88 في المئة منهم يؤيّدون حل الدولتين، فيما يفضّل 12 في المئة منهم حل الدول الواحدة. ولاعجب بالطبع في أن مواطني إسرائيل العرب لايؤيّدون على الإطلاق المخططات الأخرى (مثل الأبارتايد أو الترحيل أو غير ذلك).4

كما يبيّن الاستطلاع أعلاه، فإن الرأي العام الإسرائيلي منقسمٌ على نفسه حيال الحلول غير المحدّدة. ولتحديد العقبات التي تواجه المفاوضات في المستقبل، أجرى مؤشر الأمن القومي تحليلاً للقضايا الأساسية بالنسبة إلى المجتمع الإسرائيلي، والتي ستكون بالتأكيد نقاطاً محورية في المحادثات المستقبلية. ولتعيين هذه القضايا وفهم حوافز الدعم، عُرضت على المستجيبين اتفاقية سلام دائم على أساس الدولتين. وعرضت عليهم في وقت لاحق سياسات تحفيزية عدة ترتبط بالاتفاقية المبدئية.5

اشتملت اتفاقية الدولتين المبدئية على (أ) دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ (ب) انسحاب إسرائيلي إلى "الخط الأخضر" (أي خط الهدنة للعام 1949، الذي يشار إليه غالباً بحدود الرابع من حزيران 1967) مع تبادل للأراضي بصورة مشتركة؛ (ت) لمّ شمل العائلات في إسرائيل لمئة ألف من اللاجئين الفلسطينيين؛ (ث) القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين؛ (ج) وضع الحي اليهودي والحائط الغربي ضمن نطاق السيادة الإسرائيلية، والأحياء الإسلامية والمسيحية والحرم الشريف ضمن نطاق السيادة الفلسطينية؛ و(ح) إنهاء النزاع والادّعاءات. وقدّم هذا الاستطلاع وجهات نظر متبصّرة حول شعبية تلك النتيجة والفرص الممكنة لتعزيز مساندة الإسرائيليين لحل الدولتين والشعبين. من المحصلات الأساسية:

  • أعرب 35 في المئة من اليهود الإسرائيليين عن تأييدهم للشروط الخاصة بهذه الاتفاقية المبدئية، بينما عارضها 55 في المئة منهم، مقارنةً مع 85 في المئة من العرب الإسرائيليين الذين أيّدوها. وبصورة إجمالية، أيّد 43 في المئة من الإسرائيليين الاتفاقية المبدئية. وكانت نسبة الدعم للحزمة الأولية هي الأعلى بين المستجيبين الأقل تديّناً. ويبدو أن التشكّك في أوساط اليهود الإسرائيليين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشكوكهم الجديّة بإمكانية التنفيذ. وهذا ما أكدته نتائج مسوح سابقة بيّنت أن الثقة بالفلسطينيين – أي رغبة الرأي العام الفلسطيني في السلام – كانت من العوامل المؤثّرة.
  • من بين جميع الإسرائيليين، بمن فيهم العرب، يعتقد ما يقارب النصف (48 في المئة) أن حل الدولتين لازال قابلاً للحياة، بينما يرى 42 في المئة أن المستوطنات انتشرت بحيث غدا هذا الحل غير قابل للحياة. بل إن اليهود الإسرائيليين بصورة خاصة، يرون بنسبة أعلى أن حل الدولتين غير قابل للحياة (46 في المئة، مقابل 42 في المئة يرون أنه قابل للحياة). مع ذلك، تبلغ نسبة التأييد في أوساط اليهود الإسرائيليين للفكرة العامة لحل الدولتين 46 في المئة، بينما ترتفع لدى العرب الإسرائيليين إلى 83 في المئة. ومن بين اليهود الإسرائيليين الذين يعتقدون أن حل الدولتين لازال قابلاً للحياة، يؤيد 50 في المئة الاتفاقية المبدئية.
  • إضافةً إلى ذلك، يعتمد تأييد هذه الاتفاقية، في جانب منه، على الاعتقاد بأن ثمة فرصة بالفعل لإقامة دولة فلسطينية في غضون السنوات الخمس المُقبلة، ومع ذلك، فإن نسبة أقل من الناس يؤيّدون البدائل الثلاثة الممكنة لحل الدولتين: دولة واحدة بحقوق متساوية؛ أو دولة واحدة بلا حقوق؛ أو ترحيل، أو إعادة توطين، أو نقل الفلسطينيين.
  • على الرغم من رفض الأغلبية للاتفاقية المبدئية، يمكن أن تتعدّل معارضتها بصورة كبيرة إذا ما أُضيفت سياسات تحفيزية محددة. والأمر الأكثر إيجابية هنا هو أن 44 في المئة من اليهود الإسرائيليين الرافضين سيغيرون موقفهم إذا التزمت الحكومة الفلسطينية باستمرار التعاون الأمني القائم حالياً، بما فيه إشراك قوى الأمن الإسرائيلية بالمعلومات الاستخباراتية، والحيلولة دون وقوع الهجمات، واعتقال المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب؛ وسيؤدي ذلك إلى رفع نسبة التأييد إلى أغلبية 59 في المئة.

وقد جرى التوسّع في هذه الحوافز في استطلاعات رأي أخرى تتناول القضايا التي تشجّع على اتّخاذ موقف مؤيّد، وتخفيف المخاوف والاعتراضات على حل الدولتين. وأشارت استطلاعات رأي أخيرة إلى أن السياسات المحفّزة التالية ستزيد بصورة كبيرة نسب تأييد اقتراح جديد في أوساط الإسرائيليين والفلسطينيين:6

  • سيظل الأمن قضية محورية بالنسبة إلى الرأي العام الإسرائيلي. فقد أعرب 56 في المئة من اليهود الإسرائيليين و55 في المئة من العرب الإسرائيليين عن تأييدهم إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية ونزع السلاح (أي الأسلحة الثقيلة) في قطاع غزة. وفي ما يتعلق بهذه النقطة، فإن 48 في المئة من اليهود الإسرائيليين و69 في المئة من العرب الإسرائيليين أبدوا تأييدهم لتأسيس قوة متعددة الجنسيات يتم تشكيلها ونشرها في الدولة الفلسطينية لضمان الأمن والسلامة لكلا الجانبين.
  • إذا سمحت الاتفاقية لليهود بزيارة هيكل سليمان، فإن 47 في المئة من اليهود الإسرائيليين أفادوا بأنهم سيؤيدونها. وإذا أُضيفت هذه المجموعة إلى من أعلنوا عن دعمهم للاتفاقية، فإن 61 في المئة من اليهود الإسرائيليين سيدخلون في عداد المؤيدين لها بهذا الشرط.
  • أفاد 40 في المئة من اليهود الإسرائيليين بأنهم سيؤيدون الاتفاقية إذا نصّت على أن يكون في الدولة الفلسطينية نظام سياسي ديمقراطي يقوم على حكم القانون، والانتخابات الدورية، وحرية الصحافة، والبرلمان القوي، والقضاء المستقل، والحقوق المتساوية للأقليات الدينية والإثنية، وإجراءات مشدّدة لمكافحة الفساد.
  • أظهر الإسرائيليون دعماً متزايداً لخطة تضمّنت الإقرار المتبادل بأن إسرائيل وفلسطين هما وَطًنا هذين الشعبين: 59 في المئة من اليهود الإسرائيليين – بمن فيهم 40 في المئة من المستوطنين في الضفة الغربية – و85 في المئة من العرب الإسرائيليين، يؤيّدون الاعتراف المتبادل.
  • من الحوافز الإضافية التي تستهوي كلا الطرفين، إدراج أي خطة من جانب ترامب في المستقبل ضمن مبادرة السلام العربية، ما من شأنه أن يؤدي إلى تعديل مواقف 37 في المئة من الإسرائيليين (55 في المئة من اليهود الإسرائيليين) الذين يعارضون الاتفاقية الآن.

تمثّل المدركات الفردية للأعراف المجتمعية عاملاً مهمّاً لدى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على حدٍّ سواء. فقد لاحظ المستجيبون أن الدعم لحزمة حل الدولتين منخفض لدى الرأي العام العريض في المجتمعين. ففي أوساط اليهود الإسرائيليين، يعتقد 62 في المئة أن أغلبية الرأي العام يعارضون حل الدولتين. ومع أن 35 في المئة من اليهود الإسرائيليين يؤيّدون الخطة، فإن 19 في المئة فقط يعتقدون أن معظم الرأي العام يؤيّدونها. والنسبة المئوية للمستجيبين الذين يعتقدون أن الفلسطينيين سيؤيّدون الحزمة المجمعة (29 في المئة) أعلى من النسبة المئوية لمن يعتقدون أن أغلب اليهود يؤيّدونها.

الديناميكيات السياسية الفلسطينية

خليل الشقاقي

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تأييداً مهمّاً في فلسطين لمفهوم حل الدولتين. ومع نهاية هذا العقد بدأ هذا التأييد بالانخفاض، وأعرب معظم الفلسطينيين الذين شملهم المسح عن رفضهم حل الدولتين.7 فقد أدت جهود السلام المتتالية إلى إقناع الكثير من الفلسطينيين بأن إسرائيل غير مستعدّة للسلام، وأن الإسرائيليين يرفضون القبول بتسوية تاريخية، وأن ما من شركاء إسرائيليين للفلسطينيين في حل الدولتين. إضافةً إلى ذلك، أقنعت الانطباعات عن فشل بناء الدولة محليّاً العديد من الفلسطينيين، بخاصة الشباب، أن أي دولة فلسطينية في المستقبل ستكون فاسدة وسلطوية. ونتيجةً لذلك، تزايدت المطالبة بحل الدولة الواحدة التي يتمتع فيها الفلسطينيون واليهود الإسرائيليون بالمساواة في الحقوق، وبنظام الصوت الواحد للشخص الواحد.

جذور هذا الاتجاه مهمة، وهي تشير إلى مرونة الرأي العام وارتباطه بالانطباعات حول إمكانية تحقيق السلام. وتكمن الأسباب الرئيسة للتشاؤم حيال حل الدولتين في الانطباع السائد بأن هذا الحل لم يعد عملياً أو قابلاً للحياة، وإلى الاعتقاد بأن الجانب اليهودي الإسرائيلي لا يؤيّده، وبأن تأييده ليس هو الموقف السائد في المجتمع الفلسطيني.

والحال أن معظم الفلسطينيين يعتقدون أن الإسرائيليين لايريدون السلام. ففي كانون الثاني/ديسمبر 2017،8 أعرب 37 في المئة فقط من الفلسطينيين عن اعتقادهم بأن أغلبية اليهود الإسرائيليين يؤيّدون السلام؛ وكان ذلك رأي 43 في المئة منهم قبل أقل من سنتين. وتبلغ درجة عدم الثقة بإسرائيل كشريك، وبإمكانية تحقيق حل الدولتين مستوى عالياً. فقد أفادت أغلبية كاسحة من الفلسطينيين (83 في المئة) في استطلاع كانون الأول/ديسمبر 2017 أنه لايمكن الوثوق بالإسرائيليين. وبالطبع، عدم الثقة هذا يقوّض الاستعداد للمخاطرة والوصول إلى حلول وسط. وفي شهر حزيران/يونيو 2017، وافق نحو ثلاثة أرباع الفلسطينيين على المقولة التالية: "لا يمكن القيام بأي شيء يكون في صالح الطرفين كليهما. فما هو صالحٌ لأحد الجانبين طالحٌ للجانب الآخر".9

إذا أخذنا في الاعتبار هذا القدر الهائل من عدم الثقة بإسرائيل والإسرائيليين في أوساط الفلسطينيين، لايمكننا المراهنة على الرأي العام كوسيط للتحوّل الإيجابي. لكن، إذا لم يكن الرأي العام قوة محرّكة لعملية السلام، فإنه ليس عقبة على طريقه. وإذا ما توصّل القادة إلى اتفاق سلام، يشير الاستطلاع إلى أن الرأي العام سيؤيّده على الأرجح.

إذا لم يكن الرأي العام قوة محرّكة لعملية السلام، فإنه ليس عقبة على طريقه. وإذا ما توصّل القادة إلى اتفاق سلام، يشير الاستطلاع إلى أن الرأي العام سيؤيّده على الأرجح.

مع ذلك، وحتى لو تم إقناع الرأي العام بتأييد المفاوضات ومفهوم حل الدولتين، فهناك مسألة أساسية ينبغي التعامل معها قبل اعتبار هذا الحل قابلاً للحياة. فمنذ بداية عملية السلام، كان ثمة قضايا يمكن اعتبارها من القيم المقدّسة والشروط المفصلية غير القابلة للتفاوض إلى حدٍّ بعيد. وتمحورت هذه القضايا، أساساً، حول القدس، وحق عودة اللاجئين، وبعض سمات سيادة الدولة، ولاسيما تلك المتعلّقة بالترتيبات الأمنية. بعبارة أخرى، علينا أن نحدّد، في ظل المصالح المتضاربة للطرفين، ما إذا كان من الممكن إيجاد حلول مشتركة ومتّفق عليها حول المكونات الأساسية الأكثر احتمالاً في حزمة حل الدولتين. ووفقاً لدراسات الرأي العام في أوساط الفلسطينيين، ولاسيما خلال السنوات الثلاث الفائتة، تخلُص التحليلات إلى نتيجة واحدة مفادها أن الرأي العام الفلسطيني لايقف حجر عثرة في سبيل السلام القائم على تنفيذ حل الدولتين الذي يعالج هذه القضايا الجوهرية.

ينبغي أن يكون واضحاً، في جميع الأحوال، أن من المشكوك فيه أن الرأي العام، الذي كان أحياناً قوة دافعة أثّرت في تغيير السياسات في السلطة الفلسطينية، قادرٌ على دفع قائد متردّد أو ضعيف إلى المخاطرة الكبيرة التي تنطوي عليها أي اتفاق دائم مع إسرائيل. ونظراً إلى الاعتقاد الراسخ لدى الرأي العام بأن طموحات إسرائيل على المدى الطويل تمثّل تهديداً وجودياً لتطلعات الفلسطينيين نحو تحقيق الاستقلال في دولتهم الخاصة، لايمكن المراهنة على قيام الرأي العام بالضغط على قيادته لإبرام التسوية، أو حتى الدخول في المفاوضات. مع ذلك، وبالقدر الذي يعود فيه جمود عملية السلام إلى القادة الذين يعتقدون أن جمهورهم ومناصريهم لايؤيّدون التسويات والحلول الوسط المطلوبة، فإن فهماً أعمق لمواقف الرأي العام قد يوفّر لهم حافزاً أقوى للمخاطرة. وواقع الأمر أنه إذا استطاع هؤلاء القادة الوصول إلى اتفاق سلام مع نظرائهم الذين يشاركونهم الرأي على الجانب الآخر، فسيجدون أن جمهورهم سيؤيد مثل هذا الاتفاق في استفتاء عام.

تنطوي هذه النتائج على بُعدين مهمّين في سياق السياسة العامة. الأول هو أن الرأي العام الفلسطيني لم يعلن بعد أن حل الدولتين قد مات وانقضى إلى غير رجعة، على الرغم مما هو قائم على أرض الواقع اليوم (أي توسيع المستوطنات، وتآكل أجهزة الحكم الفلسطينية)، ونوايا القادة وقدراتهم على الجانبين، والآراء القيمية للرأي العام والقادة على حدٍّ سواء. أما الثاني، فهو أن الرأي العام لايؤدّي دوراً قيادياً في ما يتعلق بصنع السلام الفلسطيني-الإسرائيلي. وإذا ما أخذنا في الاعتبار مستوى عدم الثقة المتبادل بين الطرفين، قد لايلعب أيٌّ منهما مثل هذا الدور على الإطلاق.

مع ذلك، ينبغي ألا يقفز القادة إلى استنتاج أن أيديهم مكبّلة وأن ما من مؤيّدين لهم في السعي نحو السلام. بل على العكس، إذا توفّرت لدى الرأي العام الفلسطيني الحوافز المناسبة، فيمكن إقناعه بدعم سلام قائم على تسويات وحلول وسط مؤلمة ينطوي عليها حل الدولتين.

إذا توفّرت لدى الرأي العام الفلسطيني الحوافز المناسبة، فيمكن إقناعه بدعم سلام قائم على تسويات وحلول وسط مؤلمة ينطوي عليها حل الدولتين.

وكما هي الحال في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، يمكن أن تتغيّر معارضة الفلسطينيين لحزمة الدولتين بصورة مهمة، حالما تُضاف إلى الحل سياسات محفّزة محدّدة وواضحة المعالم. على سبيل المثال، يمكن زيادة تأييد الاتفاقية الشاملة إلى 70 في المئة إذا وافقت إسرائيل على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين كجزء من الصفقة.10 وقد يكون الدخول إلى سوق العمل الإسرائيلي عنصراً فعّالاً بالقدر نفسه.11 يُضاف إلى ذلك أن الحوافز غير الملموسة، مثل المبادرات الرمزية، قد تكون فعّالة كذلك. على سبيل المثال، إن اعتراف إسرائيل بالنكبة الفلسطينية للعام 1948، أو إقرارها بجذور الفلسطينيين التاريخية والدينية في فلسطين التاريخية، سيكون فعّالاً للغاية. كذلك، من شأن اعتراف إسرائيل بالمسؤولية عن خلق مشكلة اللاجئين و/أو اعتذارها من اللاجئين عن المعاناة التي تعرّضوا إليها منذ العام 1948، أن يغيّرا موقف أقلية كبيرة من معارضي التسوية.12

لاتتطلّب كل الحوافز تنازلات من طرف واحد. فعلى سبيل المثال، سترفع حرية التنقل على كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، نسبة تأييد الفلسطينيين للصفقة إلى أكثر من 60 في المئة،13 كما أن حوافز فعّالة أخرى قد تحقّق مكاسب للطرفين. ولتحقيق ذلك، من العوامل شديدة الفعّالية وجود ضمانات من الولايات المتحدة والبلدان العربية بأن الاتفاقية ستُنفَّذ، وأن السلام الفلسطيني-الإسرائيلي سيكون جزءاً من سلام إقليمي أوسع قائم على مبادرة السلام العربية. علاوةً على ذلك، لاتتطلّب كل الحوافز تنازلات إسرائيلية. فالإجراءات التي قد تتّخذها الدولة الفلسطينية من تلقاء نفسها قد تكون فعّالة. مثلاً، قد يزيد من دعم الصفقة منح اللاجئين - الذين يعيشون الآن في مخيمات للاجئين في الأراضي الفلسطينية - منازل وقطع أرض في الدولة الفلسطينية المُقبلة. وبالمثل، قد يكون من المُجدي أيضاً معالجة مخاوف الرأي العام من أن الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون فاسدة وسلطوية، وذلك بضمان أنها ستكون ديمقراطية. يُضاف إلى ذلك أن القيادة قد تلعب دوراً كبيراً في زيادة دعم الفلسطينيين للتسوية: فدعم مروان البرغوثي، وهو قائد فلسطيني يقضي الآن أحكاماً عدة بالسجن مدى الحياة في أحد السجون الإسرائيلية، لصفقة سلام شاملة، قد يؤدّي إلى دعم أغلبية الرأي العام لها.14

لا تتطلّب كل الحوافز تنازلات إسرائيلية. فالإجراءات التي قد تتّخذها الدولة الفلسطينية من تلقاء نفسها قد تكون فعّالة.

ثمة خطوات أخرى يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي اتّخاذها للتقليل من انحسار الدعم الشعبي للتسوية وحل الدولتين:

  1. تعزيز قابلية الحياة لحل الدولتين، والتخفيف من حتمية حل الدولة الواحدة. وهذا يمكن أن يتم عبر وقف بناء المستوطنات وضمان عدم تطبيق القانون الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. فتوسيع المستوطنات يؤكّد اعتقاد الرأي العام بأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد تحوّل بحكم الأمر الواقع إلى دولة واحدة قائمة على نظام الفصل العنصري (الأبارتايد). ومن شأن هذه النتيجة أن تعمّق عدم ثقة الفلسطينيين بالإسرائيليين.
  2. يلعب البناء الناجح للدولة والمؤسسات – والأهم بناء نظام ديمقراطي ومكافحة الفساد – دوراً مؤثّراً في خفض عدد الذين ينتقلون من تأييد حل الدولتين إلى مساندة حل الدولة الواحدة. وتتزايد بصورة مطّردة أعداد الفلسطينيين الذين خلصوا في نهاية المطاف إلى الاعتقاد بأن العالم العربي ليس بحاجة إلى دولة عربية فاسدة سلطوية أخرى. كما أن خيبة الأمل في الحوكمة الفلسطينية خلال العقد الماضي، والانقسام الذي وقع بين الضفة الغربية وقطاع غزة جّراء الصراع على السلطة بين فتح وحماس، قد دفعا الفلسطينيين على نحو متزايد للنظر إلى السلطة الفلسطينية لا بوصفها أداة لتكوين الدولة تجسّد تطلعاتهم إلى السيادة والاستقلال، بل باعتبارها عبئاً على الشعب الفلسطيني. علاوةً على ذلك، إن فشل القيادة الفلسطينية في إرساء نظام سياسي ديمقراطي، وفي إبداء التسامح مع المواقف المعارضة، يعيق النقاش الحر والنزيه حول المواضيع الحساسة، بما فيها موضوع التسوية والمصالحة. ومع غياب الانتخابات منذ 2005-2006، يُنظَر إلى مؤسسات السلطة الفلسطينية وقيادتها على أنها تفتقر إلى الشرعية، ومن المشكوك فيه أن تستطيع قيادة كهذه ترويج التنازلات المؤلمة في أوساط رأي عام ينظر إليها بعين الريبة. والاعتبار الآخر هو أن الفلسطينيين والإسرائيليين يتجاوبون بصورة إيجابية مع ما يعتبرونه صفات إيجابية، وبصورة سلبية مع ما يعتبرونه صفات سلبية لدى الطرف الآخر. وتشير الاستطلاعات التي أُجريت في أوساط الإسرائيليين إلى أن التطلّعات المتعلّقة بالديمقراطية في الدولة الفلسطينية المُقبلة تشكّل قوة فلسطينية ناعمة شديدة التأثير، من شأنها أن تساعد على إقناع الإسرائيليين بدعم التسوية والحلول الوسط وحل الدولتين.
  3. تلحق تصريحات القادة الإسرائيليين والسياسيين اليمينيين في الحكومة الإسرائيلية الائتلافية حول حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين السياسية الشرعية، ضرراً بالغاً بمستقبل السلام، وتؤّكد أسوأ توقعات الفلسطينيين حول الخطر الذي تمثّله إسرائيل. لدى الرأي العام الآن إدراك حادّ لهذه المخاطر، حيث تعتقد الأغلبية العظمى من الفلسطينيين أن إسرائيل تمثّل خطراً وجودياً على بقائهم كجماعة وطنية. ومن شأن هذا الإدراك الحادّ للخطر أن يعيق التقدّم نحو السلام، لأنه يؤدي إلى تصلّب المواقف لدى الرأي العام. وينبغي على راسمي السياسات الإسرائيليين أن يوضحوا نوايا بلدهم على المدى البعيد، ويعدّلوا من سلوكهم لينسجم والنوايا، ويحسّنوا مستوى التواصل مع الرأي العام الفلسطيني.
  4. التفاعل الوحيد الذي يدور بين أغلب الفلسطينيين والإسرائيليين، هو ما يفرضه الجنود والمستوطنون المسلحون بقوة السلاح. هذا الافتقار إلى التفاعل الشخصي الاعتيادي يغذّي التصوّرات المُخطئة والميل إلى تصوير الجانب الآخر على نحو سلبي. لذا، قد يساعد تعزيز التفاعل اليومي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في خفض المستوى العالي الحالي للتصوّرات الخاطئة والجهل الجماعي بنوايا الطرف الآخر. فالانطباعات الحالية تساهم في تصلّب المواقف؛ والتصوّر المُخطئ لوجهات نظر الطرف الآخر باعتبارها مواقف متشدّدة، يقلّل من الحافز الذي يدفع المرء إلى الاعتدال في آرائه. من ناحية أخرى، فإن التصوّر المُخطئ لآراء الإسرائيليين باعتبارها مواقف متشدّدة، يعفي الرأي العام الفلسطيني من الضغط على قيادته للسعي نحو السلام، ويجعله أكثر ميلاً لإنحاء لائمة الفشل في الوصول إلى اتفاقية سلام على الطرف الآخر.

التطلّع إلى الأمام ودور الولايات المتحدة

مجمل القول، ترى هذه العجالة أن حل الدولتين لازال هو الخيار الأقدر على البقاء لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بما يتفق مع المصالح الوطنية لكلا الطرفين. والأطر التي أوضحنا معالمها الرئيسة في مطلع هذا الفصل لن تفاجئ من قضوا سنين عديدة لفهم وطرح حل لهذا النزاع. لكن مع مرور الوقت، طرأ تغيير على التيارات السياسية والعامة، وغدا من الضروري بذل الجهود للتوفيق بين اتفاقية سلام مستدامة وبين الرأي العام. وكما الحال دائماً، يعكس تَعقُّد النزاع تعقّد الاهتمامات في أوساط الناس المرتبطين به، من حيث تاريخهم، وسردياتهم، ومصالحهم وهوياتهم. لكن هذا التحدي تعاظم اليوم، وبدأت عقارب الساعة تتّجه إلى مخرجات أقل إيجابية.

وفي سياق البحث والسعي إلى تحقيق حل الدولتين، تظل الولايات المتحدة هي الشريك الخارجي المهم القادر على أداء دور مؤثّر إذا أرادت أن تكون وسيطاً موثوقاً به من جانب الطرفين، وملتزماً بالوصول إلى نتيجة عادلة. ولتحقيق ذلك، عليها أن تواصل التنسيق الاستراتيجي الوثيق مع شركاء إقليميين ودوليين. وبهذا الدور، تستطيع الولايات المتحدة أن تتعامل مع المفاوضات وفق الخطوط العريضة التالية:

  • ينبغي على أي مبادرة أميركية أن تحدّد الأفق السياسي بوضوح، وأن ترسم الأطر العامة والبنود المرجعية التي سبق واقترحناها في موضع آخر من هذا الفصل. ويتعيّن على الولايات المتحدة، بعد استشارة شركائها، أن تعلن عمّا تعتبره مبادئ وأطر المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية. وينبغي أن تكون هذه من العمومية بحيث تفسح المجال للمقايضة والمبادلة بين الطرفين كليهما وبين أصحاب العلاقة الإقليميين والدوليين، وأن تكون في الوقت نفسه محدّدة بصورة كافية لتسمح بإحداث اختراقات، وتحول دون الوصول إلى طريق مسدود في المفاوضات.
  • تستلزم آلية فض النزاعات بالضرورة مقاربة ثنائية يمكن من خلالها التفاوض حول مسائل مُتّفق عليها بشكلٍ كافٍ وتطبيقها، لتسهيل التوصّل إلى اتفاق في المدى الطويل. وتشمل هذه المقاربة المبدأ القائل: "ينبغي تنفيذ ما تم الاتفاق عليه"، الذي يعتمد على التفاهم بين الطرفين، وضمانات من المجتمع الدولي بأن جميع الترتيبات التي يجري تنفيذها لن تلحق الضرر بأيٍّ من القضايا الأخرى، وبأنها ستخضع إلى الأطر أو البنود المرجعية والأصول المرعية المُتّفق عليها لعملية المفاوضات. ويتمثّل جوهر هذا المبدأ في تعديل البيئة الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، على أرض الواقع فيما يستمر العمل، بصورة موازية، لتحقيق اختراقات في قضايا الوضع النهائي.
  • يتعيّن على الولايات المتحدة، لتعزيز آليات فض النزاع، أن توقّع على مذكرة تفاهم موازية أميركية-إسرائيلية وأخرى أميركية-فلسطينية، إضافةً إلى النموذج الناجح لرسائل التطمين التي أصدرتها الولايات المتحدة، بصورة فردية، للأطراف المتفاوضة في مؤتمر السلام في مدريد العام 1991.
  • من الضرورات الجوهرية الحصول على التأييد الإقليمي والدولي، مع التركيز الواضح على مبادرة السلام العربية، باعتبارها منطلقاً مرجعياً لإشراك دول المنطقة في مفاوضات السلام.

إن استمرار الوضع الراهن هو الخيار القائم الآن، غير أنه، على المديَيْن القصير والطويل، يمثّل وصفةً لعدم الاستقرار والصراع المتقطّع بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء. وربما لم تعد القضية الفلسطينية، بالنسبة إلى بعض الأطراف، قضية مفصلية مثلما كانت قبل عقود، لكنها لن تختفي. ولمصلحة جميع الأطراف الإقليمية والدولية، لا بد أن تكون التسوية المُتفاوَض عليها في قائمة الأولويات.

ربما لم تعد القضية الفلسطينية، بالنسبة إلى بعض الأطراف، قضية مفصلية مثلما كانت قبل عقود، لكنها لن تختفي. ولمصلحة جميع الأطراف الإقليمية والدولية، لا بد أن تكون التسوية المُتفاوَض عليها في قائمة الأولويات.

وكما أوضحنا في موضع آخر في هذا الفصل، فإن رياحاً مهمة لا يمكن إنكارها تجري بما لاتشتهي السفن للوصول إلى اتفاق. غير أن الدبلوماسية هي لعبة المدى الطويل، والسياسة هي مجالٌ لايمكن التنبّؤ به. ومهما كانت طبيعية السيناريو المُقبل، فإن المبادئ التي أوردناها والممهّدات ومنوال المفاوضات التي ستتبلور في الأشهر المُقبلة، ستؤثّر تأثيراً مهمّاً على تهيئة المسرح للمفاوضات المقبلة. ومن المؤمل ألا تتوقف الجهود المبذولة لتمهيد الطريق إلى حل الدولتين. والمطلوب، في هذه البيئة، توفّر الشجاعة والإرادة السياسية، والمقاربة المنصفة لمصالح الجانبين، والمرونة والمثابرة في المجال الدبلوماسي، لتتسنّى، على الأقل، المحافظة على الظروف المُفضية إلى اتفاق شامل في المستقبل. هذا التحدي ضخمٌ ومعقّد، غير أن القضايا المتنازع عليها عظيمة الخطر للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ماضي ومستقبل النقاشات حول الدولة الواحدة

مروان المعشّر وناثان ج. براون

بعد سبعة عقود من انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، برزت في تلك المنطقة دولة واحدة وحسب - لكن لم يتم حل المشاكل القائمة بين الشعبين المقيمين هناك.

وبعد أربعين سنة من تبنّي الفلسطينيين، رسمياً، هدف حل الدولتين، يبدو أن المشروع بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، لا لأن المجتمعين الإسرائيلي أو الفلسطيني رفضا الفكرة، بل لأن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعودوا يعتقدون بإمكانية تحقّقه. ومع أن ثمة انقساماً في المجتمعين حيال تفعيل حل الدولتين، كما تشير استطلاعات أخيرة، إلا أنه يغلب عليهما التشاؤم بصورة مطّردة حول ما إذا كان الطرف الآخر مستعدّاً للقبول بهذا الحل، بل هما أكثر تشاؤماً حول إمكانية تنفيذه، ويزداد التشاؤم حول آفاق تحققه في المستقبل القريب.15 وقد بدأت القيادة الإسرائيلية الحالية بالتخلي حتى عن التأييد اللفظي للفكرة؛ بل تقوم بخطوات عملية وقانونية تتنافى على مايبدو مع الفكرة القائلة إن الأراضي التي شملها الانتداب تضم جماعتين قوميتين. ثم أن القيادة الفلسطينية منقسمة بين أولئك الذين لم يؤيدوا الفكرة على الإطلاق، وبين أولئك الذين لافكرة لديهم عن كيفية متابعة الأمر. وفي المنطقة، قد دخلت الأجيال الناشئة مرحلة النضج السياسي مع عملية سلام تستند إلى حل الدولتين، الذي لم يعد أكثر من مجرّد ذكرى تاريخية. وفي أوساط الفلسطينيين، تحوّلت بؤرة اهتمام الجيل الجديد من التركيز على الدولة الفلسطينية إلى المطالبة بالحقوق.16

علاوةً على ذلك، لم تقتصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إثارة الاستياء، ولاسيما في صفوف الفلسطينيين، بل دفعت العديد من الجهات الفاعلة إلى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة تقوم بإبعاد المجتمع الدولي عن الجهود السابقة لتحقيق حل الدولتين. إذ هي اعترفت بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وليس لدولة فلسطينية، وتجاوزت القيادة الفلسطينية الحالية، وعملت على شقّ معبر اقتصادي لغزة مع مصر، ومن شأن ذلك أن يعمّق فصل القطاع عن الضفة الغربية. وسواء كانت هذه الدبلوماسية مقصودة أم لا، فإنها ستُبرز على الأرجح استحالة حل الدولتين، وتسرّع تفكير الفلسطينيين والإسرائيليين بأوضاع تتولّى فيها دولة واحدة ذات سيادة السيطرة على الأراضي الممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

يحلم بعض الأطراف على الجانبين – مثل حماس وكثير من القوميين الإسرائيليين وأنصار اليمين المتديّن – بدولة واحدة يُمنى فيها الطرف الآخر بالهزيمة التامة أو يخضع إلى السيطرة الكاملة. وسيفضي هذا الخيار إلى إدامة الصراع، ويؤدّي على الأرجح إلى تعاظم الكلفة البشرية. لكن، ثمة جهود أخرى للتفكير في بدائل الدولة الواحدة التي يمكن تحقيقها بطرق سلمية أكثر، وعبر تقليل احتمالات ديمومة الصراع.

تاريخ من البدايات الزائفة

في العام 1948، قُسِّمت أراضي فلسطين التاريخية غداة حرب بين الدول العربية وإسرائيل، فأصبحت ثلاثة أرباع الأراضي دولة إسرائيل، فيما بقيت تحت سلطة العرب، في ظل الحكم الأردني، الضفة الغربية لنهر الأردن، بما فيها مناطق واسعة من مدينة القدس، وتولّت مصر الحكم في شريط ساحلي ضيق من القطاع مركزه مدينة غزة. وفي العام 1967، وبعد حرب ثانية مع دول عربية، سيطرت إسرائيل كذلك على أراضي الضفة الغربية وغزة، وأخذت فكرة تسوية النزاع بحل الدولتين – أي عبر تحويل الضفة الغربية وغزة إلى دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل – تلقى تأييداً بصورة تدريجية في أوساط بعض الخصوم، ثم جرى تبنّيها رسمياً من جانب المجلس الوطني الفلسطيني العام 1988.

في العام 1991، بدأت القيادتان الفلسطينية والإسرائيلية عملية تفاوض أسفرت العام 1993 عن توقيع سلسلة من الاتفاقيات سُمّيت بمجملها اتفاقيات أوسلو، ونصت على إقامة سلطة فلسطينية يعيش في ظلّها الفلسطينيون في الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967. وبدا أن القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية ماضيتان قدماً لإقرار حل الدولتين على أرض الواقع، حتى وإن رفضت إسرائيل (والولايات المتحدة) الالتزام بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

ومنذ العام 1993، بدأ المجتمع الدولي يتبنى حل الدولتين على نحو مطّرد، واعترفت به، صراحةً أو ضمناً، خطط مثل خريطة الطريق التي قدّمها رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج دبليو بوش، ومبادرة السلام العربية، وقد أُعلنت كلتاهما في العام 2002. وقد أعربت قيادات مهمة وحتى أغلبيات شعبية في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي عن تأييدها لهذا المشروع، مع أن أقليات مهمة من الجانبين الجانبين رفضته.

مع ذلك، أخفقت ثلاثة عقود من الجهد الدبلوماسي في تحقيق حل الدولتين، وخلّفت وراءها مستوطنات إسرائيلية متوسّعة باطّراد، وكياناً فلسطينياً منقسماً، وجملةً من الترتيبات التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة، لكنها غدت راسخة وراكدة. والحال أن الوقائع السياسية، على ما يبدو، تستأصل إمكانية قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وربما الأكثر خطورة أن هدف تحقيق حل الدولتين لم يعد يثير إلا القليل من الاهتمام أو الأمل في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني على حٍّد سواء.

مواجهة الواقع

مع انحسار حل الدولتين، غدا من الضروري الإقرار بأن ثمة دولة واحدة قائمة بالفعل الآن في الأراضي المتنازع عليها، وهي تسيطر على الأمن وعلى شطر كبير من الاقتصاد: إنها دولة إسرائيل. ومع أن هذه الدولة الحالية الوحيدة تمثّل واقعاً لايمكن إنكاره، هل يمكن تحويل هذه الضرورة إلى فضيلة؟ بعبارة أخرى، هل يمكن تحويل الدولة الواحدة من موقع الهيمنة غير المحدّدة والمشحونة بالصراع إلى حل يلبّي حاجات كلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين معاً؟

ثمة أسباب قوية للشك في إمكانية تحقيق ذلك. لكن من الواجب مناقشة المقترحات والانتقادات المتعلّقة بحل الدولة الواحدة علناً وبشكل كامل. أو، الأحرى، أن تكون هذه النقاشات، التي لازالت جارية، أكثر ظهوراً، وأن تلقى المزيد من الاهتمام. لقد تحاشى اللاعبون الدوليون مثل هذه النقاشات لأسباب مفهومة. ففي الماضي، كان العديد ممّن أعلنوا وفاة حل الدولتين هم أنفسهم من عارضوه أول الأمر، وبالتالي فإن أخذ حل الدولة الواحدة على محمل الجد كان يرقى إلى تبنّيه. غير أن الرافضين لم يعودوا وحدهم المعنيّون بالبدائل. ففي نقاشاتهم الخاصة، كان حتى كبار المسؤولين في الدول التي تؤيد دبلوماسية حل الدولتين، يميلون إلى قبول الرأي القائل بأن عملية السلام لم تؤدِّ إلى أي نتيجة. وقد بدأ المراقبون المطّلعون على الأوضاع بالحديث عن وفاة حل الدولتين منذ سنوات عدة.

لايعود العزوف الدولي عن مناقشة بدائل حل الدولتين إلى رفض الاعتراف بالاتجاهات التي أدّت إلى تقويضه بقدر ما هو الخوف من مناصرتها. فالتبني الصريح لمقاربة بديلة، يهدّد بشرعنة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، والسكوت عن ضم إسرائيل للقدس وربما لأجزاء من الضفة الغربية، والتخلّي عن الاستثمار الدولي الهائل في السلطة الفلسطينية، وتشجيع اللاعبين الرافضين في الجانب الفلسطيني (ومنهم حماس). وهذه هي الأسباب القوية، غير أن أضرار الصمت أشد بكثير مما هو معروف. فالزعم بأن حل الدولتين لازال قابلاً للحياة، يحجب الوقائع الي أدّت إلى تقويضه. إن دبلوماسية حل الدولتين تستنزف الطاقة من أي جهود لمواجهة هذه الاتجاهات، حتى لو أصبحت آثارها على المدى البعيد أكثر خبثاً. وقد زاد توسيع المستوطنات صعوبة العثور على طريقة للفصل بين المجتمعين، لكنه يفشل في الوقت نفسه في تزويدهما بطريقة للعيش معاً.

واقع الأمر أن منطق الفصل - وهو المبدأ الإرشادي لحل الدولتين - يتجاهل مدى الترابط القائم بين هذين المجتمعين المحليين. فعدا عن وجود المستوطنين، ثمة عدد كبير من الفلسطينيين يعيشون في إسرائيل. وبالتالي، حدث تخالط وتمازج بين المجتمعين، والاقتصادين، وحتى على مستوى البنى التحتية الأساسية. وحتى عندما كانت عملية أوسلو تفعل فعلها، كانت هناك مقايضة حقيقية بين الازدهار وبين السيادة لأي كيان فلسطيني. ومع تدهور ترتيبات أوسلو، تخلّت القيادة الفلسطينية إلى حدٍّ كبير عن الانفصال الاقتصادي الجزئي عن إسرائيل. كما أن القيادة الإسرائيلية لم تتّبع قطّ أي منطق للانفصال الاقتصادي.17

من المؤكد أنه كانت على جانبَي النزاع جماعات تعتبر حل الدولتين غير مناسب لتلبية الحاجات أو الأهداف الوطنية. فعلى الجانب الاسرائيلي، نبع جزء كبير من المعارضة لدولة فلسطينية من التخوّف من تداعيات هذا الحل على الأمن الإسرائيلي، غير أن جزءاً آخر يُعزى إلى اعتبارات إيديولوجية كذلك، وإلى مقاومة التفكير بأن أجزاء من أرض إسرائيل ستكون خارج سيطرة الدولة اليهودية. أما على الجانب الفلسطيني، فقد أكّدت المعارضة على الطابع المفتّت لكيان الدولة الذي كان يتبلور منذ بعض الوقت. وحتى عندما بدا حل الدولتين قابلاً للحياة، فإن دبلوماسية هذه العملية واجهت مصاعب جمّة في مخاطبة الشتات الفلسطيني، وخاطرت بترك كثير من الفلسطينيين من دون جنسية أو دولة بصورة دائمة، مع أنهم عنصر أساسي من عناصر الهوية الوطنية الفلسطينية. قد يؤدي الانتقال إلى مقاربة اندماجية إلى استمالة أولئك الذين عملوا على تقويض الجهود السابقة، وستطرح هذه الخطوة فرصاً جديدة ومخاطر حقيقية كذلك. وهي تعامل الأرض كوحدة وتحاول التعامل مع المشكلة بالعودة إلى زمن نشوئها، أي إلى العام 1948، عندما حُرم الفلسطينيون من تحقيق تطلّعاتهم الوطنية، وطُرد العديد منهم من ديارهم، وليس إلى العام 1967 عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة.

إن النقاشات الفلسطينية حول البدائل أوسع نطاقاً من نواحٍ عديدة من تلك التي تدور في إسرائيل. ولا عجب، لأن الترتيبات القائمة الآن تناسب الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين. وعلى هذا الأساس، قبلت القيادة الإسرائيلية بالوضع القائم وفشلت في الإفصاح عن تفاصيل حل بديل لحل الدولتين، حتى فيما تسعى إلى تقويضه. وهي لم تفسّر كيفية المحافظة على طابع إسرائيل الديمقراطي واليهودي في غياب حل الدولتين، لأنها لاتتعرّض إلى أي ضغوط للقيام بذلك.

إن الانتقال إلى التفكير بحل الدولة الواحدة، بشتى تنويعاته، لا يعني أنه تم العثور على معادلة ترضي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍّ سواء. فجميع هذه التنويعات تقدّم مساهمات حقيقية لخدمة السلام والعدالة والأمن، لكنها تشكّل، في الوقت نفسه، مخاطر حقيقية أيضاً بتقويض جميع هذه الأهداف. لكن من الصعب تقديرها لأن الحجج لازالت تجريدية إلى حدٍّ بعيد. كما أن مقترحات الدولة الواحدة لاتقارب إلا بالكاد، مستوى التفاصيل التي تبلورت خلال مفاوضات الطرفين حول ترتيبات الحدود والأمن في أوسلو وفي نقاشات أخرى. وربما تدفع الوقائع على الأرض بدائل الدولة الواحدة لتحتل مركزاً محورياً على مسرح الأحداث، غير أن ذلك لن يكون قابلاً للحياة مع مرور الوقت. وعلى مقدِّمي الاقتراحات طرح أفكار أكثر تفصيلاً.

إن الانتقال إلى التفكير بحل الدولة الواحدة، بشتى تنويعاته، لا يعني أنه تم العثور على معادلة ترضي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حدٍّ سواء.

إن عنصر الجدّة في فكرة الدولة الواحدة ليس السبب في غياب التفكير المفصّل حول الموضوع. فواقع الحال أن هذا المقترح قديمٌ بالفعل، وقد تكرّر مرّات عدة وبأشكال مختلفة. وتعود أصوله الأولى إلى عشرينيات القرن الفائت حين طرحته منظمة "بريت شالوم" اليهودية، وتبنّت صيغة مختلفة منه منظمة التحرير الفلسطينية (التي تأسّست في العام 1965) في أواخر الستينيات وخلال السبعينيات وحتى الثمانينيات. وعرض بعض السياسيين الإسرائيليين البارزين، مثل وزير الدفاع الأسبق موشيه آرنز ورئيس الدولة الحالي روفن ريفلين، أفكاراً تفضي إلى وجهة الدولة الواحدة، حتى عندما تحاشى الآخرون استخدام هذا المصطلح أو رفضوا التعرّف إلى تفاصيله. وقد تحدّث آرنز عن حل "اللادولة" الذي لن يؤدي إلى فصل الأراضي، بل سيضمن استمرار الوضع القائم.18 ويذهب ريفلين أبعد من ذلك، إذ ينادي بالضم وبمنح الفلسطينيين حقوق الجنسية.19 ويطرح كلاهما هذه الحجج في إطار صهيوني، لكن المسارين قد يتطوّران باتجاه دولة ثنائية القومية، بصرف النظر عن نوايا القادة.

كثيراً ما يطالب أشخاص تتضارب توجّهاتهم السياسية بالتحرّك خارج إطار الدولتين. لكن ربما آن الأوان ليتحدّثوا مع بعضهم البعض. وواقع الحال أن هذه النقاشات غدت أكثر تواتراً وأكثر تفصيلاً في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، كما جرى بعضها بين أعضاء من الجانبين خلال محادثات المسار الثاني الأكثر هدوءاً.20 وتنطلق هذه النقاشات من واقع أن ثمة دولة قائمة راهناً، لكنها لا تقدّم حلّاً مُرضياً. عوضاً عن ذلك، تحوّلت الجهود الدبلوماسية في تسعينيات القرن المنصرم إلى صراعات سياسية واجتماعية عنيفة أحياناً، وتجّسدت في نقاط التفتيش، والملتقيات الأكاديمية الدولية، وسياج غزة، والأحرام الجامعية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنظمات الدولية.

حل الدولة الواحدة

ينبغي، من أجل تجاوز الشعارات السابقة، أن يأخذ الجانبان عبارة "حل الدولة الواحدة" على محمل الجد. فإن فرض نتيجة الدولة الواحدة من أحد الجانبين (ضم الضفة الغربية وغزة؛ أو هزيمة عسكرية ساحقة لإسرائيل) لن يشكّل حلّاً على الإطلاق. ومعادلة حماس التقليدية – أي دولة إسلامية في فلسطين بكاملها – ترعب الإسرائيليين بدلاً من أن تستهويهم، بل إن حماس ربما بدأت تنأى بنفسها عن هذه الخطة وتميل إلى فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى مع إصرارها على عدم الاعتراف بإسرائيل. ويسعى كثيرون من اليمينيين الإسرائيليين إلى تشجيع القبول المحلّي والدولي لواقع الدولة الواحدة الراهن، لكن بطريقة تستعدي الفلسطينيين بدلاً من دمجهم. إذن، قد يكون استمرار واقع الدولة الواحدة هو الأرجح، بيد أنه لن يقدّم حلًّا مُجدياً. ولن تؤخذ في الاعتبار السيناريوات التي تطرح مقاربة تنص على ازدواجية الجنسية، ولايتمتع فيها الفلسطينيون بالحقوق السياسية الكاملة في ظل نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)؛ وهذا أيضاً ليس حلّاً حقيقياً. لذا، يجدر النظر في تنويعات لنتيجة الدولة الواحدة تمنح حقوقاً مماثلة لكلا المجتمعين المحليّين.
تُرى، ما نوع الدولة التي تطرح حلّاً مناسباً؟ ثمة ثلاثة تنويعات.

نموذج الشخص الواحد، الصوت الواحد

بالنسبة إلى بعض الأطراف، يتمثّل الحل الأكثر إنصافاً في دولة واحدة موحّدة يتمتع فيها جميع الأفراد بحقوق المواطنة على قدم المساواة، بصرف النظر عن العرق، أو الإثنية، أو الدين.21 وهذه الدولة، مهما كان اسمها، ستنطلق من قيم الحرية العالمية، وستتحول إلى "دولة لمواطنيها"، من دون أن تخصّ قومية أو جماعة معيّنة. العنصر الراديكالي الذي يبدو في الاقتراح هو التأكيد على رسوخ الهويات الأخرى.

هل هناك من يعارض هذه اليوتوبيا الليبرالية؟ قد يعالج هذا النموذج مسألة الحقوق الفردية، إلا أنه يقوم على إنكار الحقوق الجماعية التي يتمسّك بها الطرفان بلا هوادة. وهو لايتيح لأيٍّ منهما تحقيق تطلّعاته الوطنية والتعبير عن هويته بشكل لاتشوبه شائبة، كما أنه يهمّش النزعة القومية الشديدة لدى الجماعتين.

كذلك، يثير هذا النموذج مخاوف شتّى لدى الطرفين. فالاتجاهات الديموغرافية تشير إلى أنه قد يهدّد النزعة القومية اليهودية، وإلى أن أغلب الإسرائيليين، على الأرجح، لن يقبلوا بهذه الدعوة إلى المساواة، لأنهم سيعتبرونها بمثابة وفاة لدولتهم الحالية. ويخشى العديد من الفلسطينيين الذين كافحوا طويلاً لبناء حركة وطنية وتوجيهها نحو خيارات واقعية، من أن هدف الدولة الواحدة سيُشرعِن ويُسبغ الطابع القانوني على المستوطنات الإسرائيلية، وينتقص من المكاسب الدبلوماسية التي قاتل الفلسطينيون من أجلها على مدى عقود عدة.

نموذج ثنائي القومية أو فيدرالي

النموذج الثاني هو دولة واحدة تعترف بالحقوق الفردية والجماعية على حدٍّ سواء، حيث تحافظ على الحقوق الفردية للجميع، إلا أنها تمنح كلّاً من الجماعتين فرصة للتعبير المؤسّسي الحازم عن الحقوق الجماعية. يماثل هذا النموذج، في بعض جوانبه، النموذج السابق. في العام 2011، لاحظت لمى أبو عودة أن الكثير من الفلسطينيين يرَوْن أن "حل الدولتين فَقَدَ بالفعل قدراً كبيراً من جاذبيته التاريخية"، ودعت إلى النظر في خيار "دولة دستورية ليبرالية، يكون فيها العرب واليهود مواطنين وطنيين"، وتُعامَل الهوية الفلسطينية بوصفها هوية متميّزة يمكن تحديد معالمها في بنية فيدرالية.22 وبعد ذلك بسنتين، أعرب توني جُدْت عن اعتقاده بأن "البديل الحقيقي الذي سيواجه الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة سيكون بين إسرائيل كبرى مطهَّرة عرقياً وإثنياً، ودولة واحدة اندماجية ثنائية القومية لليهود والعرب وللإسرائيليين والفلسطينيين"؛ وقد تجنّب جُدْت أي توصيف للترتيبات المؤسسية، ووصف البديل الثاني بأنه يجسّد "التعددية الثقافية".23

على العموم، تأتي المناداة بالثنائية القومية ممن لاتستهويهم النزعة القومية بصفة خاصة (حتى في الأوساط التي ينتمون إليها)، لكنهم مستعدّون لتقديم التنازلات لها، مع أن تلك التنازلات نادراً ما تتجاوز دلالاتها الرمزية. وفي مخططات الثنائية القومية، تتشارك المجموعتان الأرض وبعض سمات الدولة المشتركة، لكنهما تظلّان منفصلتين قومياً. وقد تتم المحافظة على الصهيونية بصورة من الصور؛ كما يمكن الاستمرار في اعتبار الدولة وطناً قومياً للشعب اليهودي، لكنها ستكون في الوقت نفسه وطناً للشعب الفلسطيني ولن تبقى دولة يهودية وحسب. سيكون في وسع الفلسطينيين أن ينقشوا معالم هويتهم في تضاريس دولة موحّدة، لا على المستوى المركزي وحسب، بل كذلك عبر اللامركزية.

على الرغم من أن هذا النموذج يضمن الحقوق الوطنية، إلا أنه لايقتصر على مطالبة الإسرائيليين بفك ارتباطهم مع الكثير من أدوات الدولة التي دعت إليها التيارات الصهيونية الأساسية منذ أواخر عهد الانتداب، بل هو سيعني كذلك فك ارتباط الفلسطينيين، جزئياً، بالمطالبة بدولة فلسطينية، وتلك حركة قديمة بالقدر نفسه، إن لم تكن أقدم. وفي هذا السياق، بدأ الفلسطينيون مرحلة التحوّل الفكري تلك، لكن ما من دلائل كثيرة على أن الإسرائيليين فعلوا ذلك أيضاً. يُضاف إلى ذلك أن العلاقة بين الحقوق الفردية والوطنية ينبغي أن تحدَّد بطريقة تشعر معها القيادتان الوطنيتان بالثقة. وهناك أمثلة إيجابية عدة يمكن محاكاتها لأنها اتسمت بالاستقرار على المدى الطويل.

فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة التي أوصت بالتقسيم في العام 1947، تقريراً جانبياً اقترح إقامة دولة فيدرالية ثنائية القومية.24 وعندما يُعاد التفكير أحياناً بأن هذا المسار يشكّل أحد الحلول الممكنة، فإنه يجري بطريقة تخلط بين حل الدولة الواحدة وحل الدولتين. ومن شأن ذلك أن يحوّل النزاع بين اليهود والفلسطينيين من صراع بين كيانين قوميّين إلى نزاع دستوري حول القوة والسلطة النسبية للحكومة المركزية والعنصرين التكوينيّين فيها. لكنه ينطوي على المخاطرة بتحويل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى صراع يدور داخل حدود الدولة ولا يمكن حلّه أو حتى إدارته. وتحمل هذه المقاربة كذلك خطر التخلّي عن اليهود والعرب الذين يعيشون في الجانب الخطأ من الحدود التي تتم التسوية بشأنها.

تنطوي ]إقامة دولة فيدرالية ثنائية القومية [على المخاطرة بتحويل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى صراع يدور داخل حدود الدولة ولا يمكن حلّه أو حتى إدارته.

من البدائل الممكنة هو نظام فيدرالي متراكب لا يضم وحدتين، بل وحدات كثيرة.25 فالمجتمعان الإسرائيلي والفلسطيني ليسا كيانين مُتناغمين داخلياً بصورة تامة، ويمكن للواحد منهما أن يتّجه إلى تنظيم لامركزي يسمح لجماعتين متجانستين دينياً وإثنياً، أو متميّزتين ثقافياً، بالتعايش معاً في ظل حكومة مركزية تضمن الأمن والحقوق الأساسية للجميع. يتميّز هذا النموذج بأنه يتيح للتنوّع الذي يتّسم به كلٌّ من الجانبين أن يبرز بصورة أقوى. وبهذا المعنى، فإن ذلك هو الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون جرّاء القيود المفروضة على الحركة بين مناطق الحكم الذاتي. فهي مقسّمة بين إسرائيل؛ والقدس؛ وغزة؛ والمناطق "أ"، و"ب"، و"ج" في الضفة الغربية. وسيكون من المفيد اتّخاذ ترتيبات لم يفرضها الإسرائيليون، بل تقوم على منظومة مشتركة من الحقوق والمؤسسات المركزية التي لازالت تسمح لهذين المجتمعين بالاستقلال الذاتي.

مع ذلك، سيعتمد الحل القابل للتنفيذ على وضع ضمانات تتطلّب الثقة بين مجتمعين يساورهما فقدان الثقة بصورة عميقة. وثمة حفنة من النماذج الناجحة عن فيدراليات مستدامة شكّلتها هذه التطورات، وهي فيدراليات كوّنتها وحدات صغيرة تتلاقى معاً في أغلب الحالات، وليست وحدات مقسّمة لنظام مركزي. ومن الصعب أن نتصوّر تحوّل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، على نحو ما، إلى هيئة يتولّى الإشراف عليها مجتمع يهودي-فلسطيني مختلط، أو أن نتخيّل قوات الدفاع الإسرائيلية وقد انضمّت إليها وحدات فلسطينية على قدم المساواة.

نموذج السيادة المشتركة

أقرّ أحد مهندسي عملية أوسلو، يوسي بيلين، قبل ثلاث سنوات، بأن "من الواضح، عند استحضارنا لما حدث من تطورات، أنه كان علينا أن نتحدّث طيلة الوقت عن الكونفيدرالية، أي عن التعايش وليس الطلاق".26 وعنى بذلك تسوية تتداخل فيها إسرائيل وفلسطين ولا تنفصلان، وهي الفكرة التي كانت متداولة في وقت مبكّر من المحادثات غير الرسمية مع الفلسطينيين، ثم وُضعت جانباً. ولهذا السبب، لم تتبلور الفكرة بصورة كاملة.

لكن، برزت رؤى أكثر طموحاً منذ ذلك الحين. وانطلق الجزء الأكثر ابتكاراً منها من أن الاستشهاد بسيادة وستفاليا كان ينطوي على مفارقة تاريخية ولم يكن مناسباً، على الأقل لأنه ارتبط بالدول القومية. ونظراً إلى أنه كان يقوم على افتراض وحدة الأراضي وتجانس الشعب، يمكن انتقاده بأنه لا يلائم الواقعين الإسرائيلي والفلسطيني. ووفقاً لهذه النماذج، فإن أراضي فلسطين التاريخية بأكملها هي التي يدّعي كلٌّ من اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين العرب أنها لهم وحدهم دون غيرهم.

طرح "مشروع الدولتين المتوازيتين"، الذي قدّمه السفير السابق ماتياس موسبرغ من جامعة لُنْد، واحداً من تلك الاقتراحات، واستهوى مجموعة من الخبراء، من بينهم بعض الفلسطينيين والإسرائيليين. ويستخدم المنادون بمثل هذه المقاربة مصطلحات مثل "التداخل"، و"التراكب"، و"التشابك"، إضافةً إلى "التوازي" لوصف تلك التدابير.27 وتتطلّع هذه الاستشرافات إلى ما هو أبعد من الدول القومية القائمة على أرض واحدة، وتقوم على تصوّر دولتين متوازيتين، تتداخل فيهما السيادة على أرض فلسطين التاريخية بأكملها، من البحر الأبيض المتوسط حتى نهر الأردن، على أن تحتفظ كلٌّ من الدولتين بهويتها المنفصلة، وبرموزها القومية، وهياكلها السياسية. لكنهما ستتميزان بغياب حدودهما الداخلية، مايتيح لمواطنيهما حرية التنقّل والنفاذ إلى الأرض، والموارد، والفرص الاقتصادية.28

إن ما تتباهى به هذه النماذج على المستوى النظري، تفتقر إليه من ناحية التفاصيل العملية، مع أن مشروع لُنْد حاول تذليل هذا الأمر بطرح آراء حول كيفية ترتيب الأمن الداخلي والأمن الخارجي عن طريق قوات متعدّدة. غير أن المقاربات، حتى في تلك الناحية، لا تقنع النقّاد.29 فعندما يخوضون في التفاصيل، تبدو هذه الأفكار شبيهة بالترتيبات الكونفيدرالية، أو ربما بالفيدرالية الأكثر تعقيداً التي وصفناها أعلاه. لكن هذه التفاصيل لاتبرز على العموم إلا عندما يتواصل الإسرائيليون، والفلسطينيون، والنقّاد بشكل مباشر. وعندما يجري تجاهل هذه الأفكار أو رفضها بوصفها آراء طوباوية، فإنها تبدو مبهمة إلى درجة محيّرة.

أما من لا يتقبّلون أيّاً من هذه البدائل، فأمامهم بطبيعة الحال خيارات أخرى. هناك، على سبيل المثال، خيار إطالة الوضع القائم إلى ما لا نهاية، وتحويله إلى ترتيبات مماثلة لنظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، أو الترحيل القسري. ويمكن إعادة الضفة الغربية إلى الأردن، وغزة إلى مصر، مع أنه من الصعب تصوّر أن تقبل أيٌّ من الدولتين بهذه الخطوة. في مطلق الأحوال، لاتطرح هذه الخيارات حلولاً حقيقية: فهي تمثّل ببساطة استمرار الصراع بطريقة مجحفة وغير واقعية، وقد تفضي على الأرجح إلى عدم الاستقرار إذا ما استمرت المساعي نحوها على المدى الطويل. لكن لابدّ من الإشارة إليها للتحذير من الاتّجاهات الراهنة، ومما يمكن أن تتمخّض عنه من أفكار إذا لم تتبلور مواقف أكثر جاذبية. وقد بيّن النزاع في سورية في الآونة الأخيرة أن من المحتمل أن تتجلّى تحت ضغوط الواقع الهمجي وبسرعة مهولة، سيناريوات لم تكن تخطر في البال في الماضي.

ولّد انهيار دبلوماسية حل الدولتين مجموعة من البدائل التي لايُعتبر أيٌّ منها مثالياً. وقد أعرب كثيرون عن اعتقادهم بأن حل الدولتين سيتحقّق لأن كل الخيارات الأخرى إما غير عملية أو أنها ستؤدي إلى أوضاع أسوأ. وفي هذه الحالة، ستكون الحجة الوحيدة لحل الدولتين على الأرجح أن سائر أسوأ منه. وحتى لو صحّ ذلك، فإن الرغبة في الخيار الأفضل لاتعني بالضرورة أن ذلك سيتحقق. فهل من سبيل لإضفاء طابع عملي على البدائل التي عرضناها آنفاً للردّ على تساؤلات النقّاد؟

ولّد انهيار دبلوماسية حل الدولتين مجموعة من البدائل التي لايُعتبر أيٌّ منها مثالياً.

التحرّك في الاتجاه الصحيح

يتّضح من استعراض هذه الخيارات أن كلّاً منها يعاني ثغرات جديّة، ويثير هواجس حادّة لدى هذا الطرف أو ذاك، أو لدى كليهما على حدٍّ سواء. وسيواجَه بالرفض القاطع أي حل يمسّ الهوية الوطنية الفلسطينية أو الإسرائيلية، أو يثير أسئلة عن الادّعاءات الوطنية المطالِبة بالسيادة المطلقة، أو يقوّض السيطرة على أجزاء من الأرض.

تفتقر جميع الأفكار المطروحة إلى تفاصيل أساسية، ومن المفضَّل النظر إليها باعتبارها رؤى عامة لنتائج بديلة وليس كمخطّطات مفصّلة. فالتفاصيل لاتنبثق من أحلام من يتصوّرون هذه الرؤى، بل من المحادثات والنقاشات المتبادلة، ومن انخراط الناشطين على الأرض. باختصار، لن ينتهي الغموض الذي يكتنف هذه الحلول إلا إذا أُخذت على محمل الجدّ من جانب الجهات الفاعلة المتخاصمة. وهذه العملية لازالت في بداياتها الأولى.

لكن أهم من الغموض الذي يشوب سيناريوات الدولة الواحدة المتنوعة، والمعارضة التي تلاقيها، هو أنها لا طائل من ورائها بسبب غياب أي عملية لتطبيقها. بعبارة أخرى، لاتكمن المشكلة الأعمق في كلٍّ منها في كيفية عملها، بل في توفّر الوسائل الكفيلة بتنفيذها. فمنذ سنتين ونصف السنة، خلُصت محاولة أخرى لفهم تداعيات اليأس من حل الدولتين إلى القول: "إذا أخذنا الواقع السياسي في الحسبان، فإن حل الدولة الواحدة لايطرح أي حل قابل للحياة للصراع".30

بيد أن العوائق قد تبدو أخف وطأة إذا تراخى التشدّد في إقصاء خيار الدولة الواحدة من النقاشات الدولية. ففيما نوقش حل الدولتين بتفاصيله الدقيقة، بحيث ظهرت صورة واضحة لمعالمه الرئيسة، لم تبرز صورة أو مجموعة من الصور عن حل الدولة الواحدة. ومع أن النقاشات جرت في شتى اللقاءات أو المنتديات الخاصة والعامة، إلا أن أغلبها دارت داخل كل تجمّع وطني. ولم تجتذب أي فكرة الكتلة الحرجة المطلوبة داخل أيٍّ من المجتمعين لإفساح المجال أمام التسويات والحلول الوسط أو الإعلان عن تفاصيل حول خيار معيّن. وبطبيعة الحال، تظل جميع المفاهيم طوباوية إذا ما اقتصر وضعها على جماعات صغيرة لاتشارك في أجنداتها جهات فاعلة مهمة. وطالما ظلّت مجموعات صغيرة متقاربة فكرياً هي التي تتابع هذه الأفكار، فهي لن تتّخذ شكلاً واقعياً. لذا، ربما آن الأوان لبدء المحادثات.

لقد اتُّخذت بالفعل بعض الإجراءات التمهيدية. وربما كان الجهد الأبرز لتوسيع النقاشات ما قام به المنظّر السياسي بشير البشير وفريقه البحثي في مشروع "بدائل التقسيم" المشترك مع "منتدى برونو كرايسكي للحوار الدولي" الذي التقت في إطاره مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين على مدى ثلاث سنوات لمناقشة تفاصيل مختلف تنويعات حل الدولة الواحدة. ولا يعني ذلك أن مثل هذه النقاشات قد تسفر عن خيارات أكثر واقعية؛ فالجهود التي لا تقتصر فقط على التركيز على النتائج النهائية، بل أيضاً على العمليات ككل، قد تحسّن تلك الخيارات.

أحد العناصر المشتركة الواضحة في بدائل حل الدولتين جميعها هو أنها، في واقع الممارسة، مرهونة بصورة عميقة بطريقة ظهورها. وستمثّل العملية إلى حدٍّ كبير المعنى العملي لكل نتيجة.

ينبغي ألا يشعر اللاعبون الدوليون أن استكشاف بدائل لحل الدولة الواحدة يعني التخلّي عن الدبلوماسية.

إن بعض العوامل التي تدفع بحل الدولة الواحدة إلى المقدّمة يتجلّى مفعولها على المدى الطويل، مثل الاتجاهات الديموغرافية، وتعاقب الأجيال، وهي بالتالي لاتتأثر بدبلوماسية المدى القصير. لكن بعضها الآخر يعتمد بصورة أكبر على المواقف والتفاهمات بين مختلف الجهات الفاعلة وقطاعات المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني التي قد تكون أكثر مرونة وطواعية. وفي ظل أجواء من الارتياب والخوف العميقين بين المجتمعين، فإن فقدان الثقة نفسه الذي أدّى إلى تقويض حل الدولتين قد جعل الحديث بشكل بنّاء عن بديل الدولة الواحدة أكثر صعوبة. وذلك هو السبب الذي يدعو إلى إجراء تلك المحادثات علانية.

ينبغي ألا يشعر اللاعبون الدوليون أن استكشاف بدائل لحل الدولة الواحدة يعني التخلّي عن الدبلوماسية. ويمكن أن يقوم المعنيون بمواصلة طرح الأفكار الجديدة عبر تشجيع النقاشات، من خلال وسائل عدة هي:

  • ضم مُفسدي الماضي. اعتمدت دبلوماسية حل الدولتين إلى حد كبير على مايمكن تسميته "معسكر السلام" في المجتمعين. غير أن خصوم حل الدولتين كانت لهم إسهامات جادّة في النظامين السياسيين كليهما، ولعبوا بالتالي أدواراً بارزة في استخدام حق النقض (الفيتو) في مراحل أساسية عدة. وقد حانت الآن فرصة ذهبية لتوسيع النقاشات. وثمة سببان للتواصل مع من اعتُبروا من المفسدين في الماضي. الأول أن معاملتهم كمفسدين جعلتهم أكثر ميلاً إلى استخدام الفيتو، لأنه تم إقصاؤهم عن النقاشات الجديّة. أما السبب الثاني فهو أن بعض الجماعات - مثل المستوطنين الإسرائيليين، ومؤيدي حماس - قد تكون أكثر رغبة في التحدّث عن حلول خارج إطار حل الدولتين.
  • المحافظة على المؤسسات والمجتمع الفلسطيني. أدّت وفاة عملية أوسلو إلى حرمان بعض المؤسسات الفلسطينية المحورية، ولاسيما السلطة الفلسطينية، جانباً كبيراً من الشرعية. ويبدو أن القيادة الفلسطينية العليا لم تعد تعتبر السلطة الفلسطينية نواة الدولة الفلسطينية، وبدأت تركّز بدلاً من ذلك على منظمة التحرير الفلسطينية التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة. ويُنذر ذلك بإعطاء الفلسطينيين دولة فاشلة حتى قبل أن يحصلوا على دولة، وهذا الخطر آخذ بالتبلور الآن وسيعيق التوجّه إلى أي حل. وسيكون دعم المجتمع الدولي للسلطة الفلسطينية مرهوناً بوضعها الحالي أو بما قد تكون عليه، وهو، في جميع الأحوال، ليس دولة قيد الإنشاء.
  • مقاومة الاتّجاهات المؤذية. في ظل غياب دبلوماسية الدولتين، يمكن اتخاذ خطوات لتثبيط التطورات التي قد تجعل أي حل أكثر صعوبة. ومن الواضح أن اندلاع العنف يقع في هذه الفئة، التي تشمل كذلك الاتجاهات اللاليبرالية التي تكبح التعبير السياسي على الجانبين. إن العنف يفاقم الارتياب العميق أصلاً؛ والاتّجاهات اللاليبرالية تحول دون إجراء النقاشات التي ينبغي تشجيعها.
  • البدء بالمبادئ المفصلية. بدلاً من رسم الخطوط العريضة لحل طوباوي مفصّل على الفور، يمكن تشجيع النقاشات التي تعالج العناصر الجوهرية في أيٍّ من الحلول. وتستطيع الجهات الفاعلة الدولية الإصرار على المبادئ الكونية التي نص عليها بالتفصيل ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي القيم التي يتبنّاها الطرفان بصورة عامة (نظرياً على الأقل)، كما أن في وسع هذه الجهات المساعدة في تسوية النزاعات الدولية، والتنبيه إلى الحقوق الأساسية التي تتوجّب مراعاتها. ويمكن تشجيع مختلف القادة الإسرائيليين والفلسطينيين على المشاركة في هذه النقاشات من أجل بلورة الأهداف الوطنية، بدلاً من طرح المطالب المؤسّسية المتشدّدة.

ينبغي، على العموم، تكريس الجهود للتشجيع على المحادثات داخل كلٍّ من المجتمعين وبين مختلف جماعاتهما. وقد حان الوقت لكسر كل المحرّمات الدولية المفروضة على حل الدولة الواحدة.

هل حل الدولة الواحدة حتمي؟ النقاش الفلسطيني

طارق دعنا

بدأ الفلسطينيون الآن بتفهّم الانتقادات المُتبصّرة التي وُجِّهت إلى اتفاقيات أوسلو قبل نحو ربع قرن. إذ إن المستلزمات الأساسية لقيام الدولة الفلسطينية غائبة تقريباً. والنظام السياسي الفلسطيني منقسم على نفسه انقساماً عميقاً، ويفتقر إلى الاستقلال الذاتي المُجدي، كما تشظّت بصورة حادّة قواعده المجتمعية وتبعثرت أراضيه، ولازال الاقتصاد الفلسطيني يعتمد، بنيوياً، على إسرائيل وعلى المعونات الدولية. ومع أن الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية وجهات فاعلة دولية أخرى تؤيّد معادلة الدولتين، إلا أن الفلسطينيين يلاحظون أنه لم تُتَّخذ أي خطوات في ذلك الاتجاه.

البحث عن العدالة

في السنوات الأخيرة، أخذت أعداد متزايدة من المفكّرين، والأكاديميين، والناشطين السياسيين بطرح رؤى وبدائل لحل الدولتين، وأعربت الأغلبية الغالبة من هؤلاء عن تفضيلهم لقيام كيان واحد شامل. وقد تمحورت المناقشات التاريخية والراهنة حول عناصر معيّنة في ذلك الكيان الواحد المحتمل – سواء اتّخذ، على سبيل المثال لا الحصر، شكل دولة ديمقراطية، أو ديمقراطية ثنائية القومية والجنسية، أو تشاركية، أو فيدرالية، أو تقوم على التعددية الثقافية، وتشمل الأراضي الممتدّة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. غير أن تصاعد النقاشات في الآونة الأخيرة ينطلق من تفهّم واقعي لغياب مسار الدولتين. إذ يبدو أن رؤية الدولة الواحدة، من منظور مؤيّديها، تطرح حلّاً قابلاً للحياة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتقدّم إطاراً أخلاقياً وعادلاً لإعادة تصوّر الدولة على أساس المساواة في المواطنة وفي التمثيل الديمقراطي.

ينطلق تصاعد النقاشات في الآونة الأخيرة من تفهّم واقعي لغياب مسار الدولتين.

طرحت النقاشات الفلسطينية الراهنة ثلاث حجج أساسية، لكن متكاملة، لدعم بديل الدولة الواحدة. الأولى أن حل الدولة الواحدة يقدّم الوسائل الكفيلة بمراجعة نتائج "النكبة" الفلسطينية العام 1948، للتعويض عن المظالم الماضية والحالية، بما فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين. والحجة الثانية أن الواقع على الأرض هو دولة واحدة بحكم الأمر الواقع تعتمد على التوسّع الاستعماري والتمييز العنصري المؤسّسي الذي يمنح امتيازات لفئة قومية على حساب أخرى. أخيراً، على الرغم من سياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل، يبقى أن السكان الإسرائيليين والفلسطينيين مترابطون على نحو لا فُكاك منه، مع اختلاط بعضهم ببعض من ناحية الأرض والنشاط الاقتصادي، وإن بصورة غير متكافئة.31 ويجب إصلاح هذا التفاعل غير المنصف لينسجم والمتطلّبات الأساسية لقيام دولة لجميع مواطنيها.

دعم اجتماعي متعاظم

أعربت شرائح من الجيل الشاب في الضفة الغربية وغزة عن قبولها لفكرة الدولة الواحدة، تدريجياً، غير أن هذا المفهوم لم يتبلور على العموم في أوساط السكان الفلسطينيين. وقد بدأ تلمّس هذا الاتجاه بعد انهيار محادثات كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000، والانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أعقبت ذلك في أيلول/سبتمبر، وارتباطها المتزايد بتضاؤل آفاق حل الدولتين. وقد بلغ دعم حل الدولة الواحدة 20 في المئة في 2001، وارتفع إلى 24 في المئة في 2010، وبلغ أعلى مستوياته، تاريخياً، في 2017 عندما أيّده نحو ثلث الفلسطينيين.32 وربما يعود هذا الاتجاه إلى خيبة الأمل من الوضع القائم، والتي قد تتعاظم في السنوات المُقبلة.

من المهم بالقدر نفسه أن حل الدولة الواحدة مقبولٌ بشكل ملموس بين الفلسطينيين في إسرائيل وفي الشتات. فما يزيد على نصف الفلسطينيين في إسرائيل، على سبيل المثال، يؤيّدونه.33 وهذا مفهومٌ إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه الفئة تطالب منذ أمد بعيد بالحقوق المدنية والسياسية داخل إسرائيل، وأن مفاهيم المساواة والمواطنة هي من العناصر المفصلية في أنشطة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني العربية. كما أن فلسطينيي الشتات، بمن فيهم مفكّرون مرموقون وناشطون في الغرب، ما فتئوا يواصلون حملاتهم لدعم برنامج الدولة الواحدة. وربما يعود إحياء فكرة الدولة الواحدة بين تلك الجماعات إلى كتابات المفكّر إدوارد سعيد الذي استهلّت مقالته في صحيفة نيويورك تايمز في العام 1991 هذا النقاش، وأثّرت في جماعات حديثة النشأة مثل "مجموعة الدولة الواحدة" و"مبادرة الدولة الواحدة".34

البحث عن الزخم السياسي

مع أن هذه الأفكار تثير نقاشات واسعة في أوساط المثقفين الفلسطينيين، وعلى نحو متزايد في صفوف الرأي العام عموماً، إلا أنها لا ترتبط بأي منظمة أو حركة فعّالة. هي، بعبارة أخرى، موضوع نقاشات يومية ودعم متزايد، غير أنها لم تقترن بأي مشروع أو برنامج محدّد، ولم تحظَ بعد بزخم في المشهد السياسي اليومي.

هذه الأفكار ليست جديدة. فقد تَمثّل الهدف الأصلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية لجميع مواطنيها، وقد نص على ذلك الميثاق الوطني الفلسطيني المعدّل للعام 1968.35 وقد دعت الوثائق المبكرة لمنظمة التحرير، مثل "نحو دولة فلسطينية في فلسطين للمسلمين، والمسيحيين، واليهود" إلى قيام دولة ديمقراطية لاطائفية تدمج السكان اليهود والعرب كمواطنين على قدم المساواة.36 وأكّدت هذه الوثيقة كذلك الأهمية المركزية لرفض الصهيونية كشرط لازم للوصول إلى تسوية حقيقية بين السكان العرب واليهود.

بيد أن هدف الدولة الواحدة لم يعمّر طويلاً، لأنه استُبدل في العام 1974 ﺑِ"برنامج النقاط العشر" الذي أفضى، آخر الأمر، إلى حل الدولتين وعملية أوسلو. فقد حشرت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أنفسهما، دونما تمحيص، في دائرة حل الدولتين الضيقة، ما حدّ من قدرتهما على تبنّي مقاربة مُبتكرة. ومع أن حل الدولتين يبدو أنه يضمحل على أرض الواقع، لاتزال القيادة الفلسطينية تبدو عاجزة وغير راغبة في استكشاف البدائل، وفي بلورة استراتيجية وطنية تتجاوز الفضاء الضيّق الذي فرضه إطار أوسلو. ومع أن عدداً من المسؤولين في السلطة الفلسطينية ألمح في الأشهر الأخيرة إلى الحقوق المتساوية داخل دولة تمتدّ من النهر إلى البحر، إلا أن هذا المنظور لاينطلق من إعادة توجّه استراتيجي لدى القيادة، بقدر ماينطلق من التخوّف من تحرّك أميركي-إسرائيلي لإنهاء الإجماع الدولي حول معادلة الدولتين.

من هنا، النقاش الأجدى هو الذي يدور داخل المجتمع الفلسطيني، لا في أوساط القيادة الرسمية. وفي نظر العامة، فإن السلطة الفلسطينية تآكلت في الواقع، ويُنظر إليها بازدراء متزايد. وفي أحسن الحالات، ستواصل السلطة الفلسطينية المحافظة على الوضع القائم الذي يضمن استقرارها، بصرف النظر عن الديناميكيات المتغيّرة على الأرض. وهي تعتمد في ذلك، أساساً، على القمع الداخلي واستدراج الفصائل السياسية المنشقّة. وفي أسوأ الحالات، إذا واصلت السلطة الفلسطينية احتكارها القسري للميدان السياسي المحلّي، يُرجّح أن تقف في وجه الحركات الوليدة التي تسعى إلى إيجاد البدائل، بما فيها كفاح محتمل لمتابعة خيار الدولة الواحدة.

يمكن إطلاق أحكام أخرى مماثلة على حكومة حماس في غزة، والتي تصب جهودها على المحافظة على سلطتها في القطاع الذي أصابه الدمار. وقد تأخرت حماس في تبنّي صيغة الدولتين، في أعقاب الإعلان عن بيانها السياسي الجديد في العام 2017، كما أنها تميل إلى طرح برنامج يخدم أهدافها وحدها، وتروّج عن نفسها بصورة براغماتية معتدلة في محاولةٍ لنيل اعتراف المجتمع الدولي. لكن، على الرغم من ذلك، فشلت حماس في إظهار أنها تفهم الواقع الفلسطيني المعقّد، أو أن لديها استراتيجية محدّدة للتعامل معه.

كذلك، جهدت جماعات أخرى لإقرار هذا المفهوم. فقد عجز اليسار الفلسطيني عن تذليل أزمته القائمة منذ أمد بعيد. وعلى الدوام، لم تكن له رؤية ولا سطوة، مع أنه كان من المتوقّع أن تتبنّى القوى التقدّمية فكرة الدولة الواحدة، وتضع بالتفصيل مقاربة مناسبة للتعامل معها. وبالمثل، فإن بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي تؤيّد فكرة الدولة الواحدة، لكنها تعاني من الإقصاء الاجتماعي ومن الشجب الإيديولوجي. وهي تنتسب أساساً إلى حركات غير صهيونية أو معادية للصهيونية، مثل حركة "المقاطعة من الداخل" وجمعية "زوخروت"، التي تؤمن بأنه لايمكن تحقيق حل سلمي وعادل إلا من خلال عمليّتَي "نزع الصبغة الصهيونية" و"إزالة الاستعمار".37 ويشير الواقع الراهن إلى أن هذا العدد القليل من جماعات المثقّفين، والناشطين، وحركات المجتمع المدني يمثّل نواة النضال المستقبلي المشترك لإقامة دولة واحدة ديمقراطية.

إلى أين؟

لن تؤثّر الانطباعات والرغبات كثيراً في الاتّجاهات السياسية المُقبلة، إلا إذا اقترنت بالرؤية، والحشد، والتخطيط الاستراتيجي. ويبدو أن واقع الدولة الواحدة يضع أُسسه بنفسه، من دون قيادة أو رؤية توجّه مساره. وإذا كان حل الدولة الواحدة في طريقه إلى التحقّق، فما نوع الدولة التي ستنجم عنه؟

ما من سبب منطقي للاعتقاد بأن دولة ديمقراطية هي في طريقها إلينا، ومن المؤكّد أن ذلك لن يتم في المستقبل المنظور. ويمكن أن تُعلَن الدولة الواحدة واقعياً وبصورة رسمية إذا ما أقدمت إسرائيل على ضم الضفة الغربية، جزئيّاً أو كليّاً. والعوامل الفاعلة الآن ترجّح مقاربة الجناح اليميني الإسرائيلي الذي يرفض السيادة الفلسطينية ويضمن السيطرة الإسرائيلية التامة من النهر إلى البحر؛ وتشمل هذه العوامل تقاسماً غير متكافئ للسلطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعماً أعمى لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة، وتقارباً مُقلقاً بين إسرائيل وبين دول عربية رئيسة، وعدم أهلية القيادة والهيئات السياسية الفلسطينية، وأجواء فوضوية إقليمياً ودولياً. وقد تقوم الخطة التي تتزعّمها الولايات المتحدة، والتي لم تتّضح حتى الآن، بدفع هذا السيناريو إلى الأمام، غير أن بعض التسريبات تشير إلى أن تلك الخطة قد تعفي إسرائيل من "العبء الديمغرافي"، من خلال ترتيبات شبه فيدرالية مع الأردن.38 وإذا ما قُدّر لهذا السيناريو أن يمرّ، فإن نزعة الرفض الفلسطينية ستعيد تشكيل النسيج الوطني على نحو جوهري، وبصورة موازية مع تحويل الاتجاه بعيداً عن خيار الدولتين الزائف. والخيار الوحيد الباقي هو السيادة المشتركة، مع المساواة في الحقوق، وقيام كيان ثنائي القومية.

ما من سبب منطقي للاعتقاد بأن دولة ديمقراطية هي في طريقها إلينا، ومن المؤكد أن ذلك لن يتم في المستقبل المنظور.

لن يكون حل الدولة الواحدة مستحيلاً في المدى الطويل. وعندما تؤخذ في الاعتبار الطبيعة المستعصية لصراع امتدّ قرناً كاملاً، ينبغي اعتبار هدف الدولة الواحدة نضالاً مطوّلاً تكتنفه شتّى التعقيدات والمصاعب. وثمة سيناريوان يمكن للقيادة الفلسطينية الرسمية أن تتبنّى من خلالهما، رسمياً، خيار الدولة الواحدة كهدف ترمي إليه:

  • يتمثّل السيناريو الأول، والأقل احتمالاً، في أن صدمة الرئيس دونالد ترامب المدعوّة "صفقة القرن"،39 أو الخطوة الإسرائيلية الأُحادية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، قد تحفّز القادة والأحزاب السياسية الفلسطينية على وضع خلافاتها جانباً وتبنّي موقف استراتيجي جديد. وفي هذه الحالة، ستكون الدولة الواحدة خياراً محتملاً، علماً بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية قد أيّدتاه في مناسبات عديدة. ويتطلّب هذا الخيار من الفلسطينيين وضع سردية مضادّة على الأرض، وتفكيك السلطة الفلسطينية مع المحافظة على المؤسسات الوطنية، وإبطال التزامات أوسلو، وإنهاء التنسيق الأمني، وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها السلطة العليا. وستتحوّل السلطة الفلسطينية إلى كيان وطني مختلف بخطاب سياسي مختلف، يركّز على حشد المؤيّدين ويتواصل مع المجتمع الدولي لكسب التأييد لمشروع الدولة الواحدة. لكن، إذا كانت ردود فعل السلطة الفلسطينية والأحزاب السياسية مدفوعة بمجرّد الرغبة في ضمان استمرارية النخبة واستقرار مؤسّساتها في ظل تلك الظروف، فمن المرجّح أن تمثّل هذه النقلة بداية النهاية لمرحلة طويلة من الركود في النشاط السياسي الفلسطيني.
  • يتمثّل السيناريو الثاني، والأكثر احتمالاً، في حتمية ظهور قوى وقيادة جديدة في السنوات المُقبلة. وهو سيعتمد على ظهور أجيال جديدة من الشباب الذين ستزوّدهم معاناتهم في ظل نظام الأبارتايد بوعي جديد ونظرة جديدة إلى العالم. ومع تزايد تعرّضهم إلى التمييز والقمع، ستتعزّز مشاركتهم في النضال البديل، بصرف النظر عن الحوافز الاقتصادية التي قد تُستخدم لتهدئتهم. ففي حين يبيّن استطلاع حديث أن أغلبية الشباب الفلسطيني يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ، وأن ثقتهم بالقيادة والأحزاب السياسية آخذة في الانحسار، فإن ثلثي هؤلاء أعربوا عن ثقتهم بقدرتهم على تولّي القيادة في المستقبل.40 ومن المرجّح أنهم سيتبنّون تجربة جنوب أفريقيا في مكافحة الأبارتايد من خلال العصيان المدني، والمقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، على الصعيد الدولي. وستناضل الأجيال المُقبلة من أجل تحقيق المساواة والحقوق السياسية والتمثيل، لأن ذلك سيكون المجال الوحيد في البلاد.

وحتى لو لم تُتّخذ هذه الخطوة الرسمية في المستقبل القريب، سيبدو حل الدولة الواحدة، على الأرجح، أكثر واقعية من أي وقت مضى بالنسبة إلى أعداد متزايدة من الفلسطينيين.

السلام في أزمان مستقبلية: دليل الحائرين

داليا شيندلين

منذ أن تولّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة للمرة الثانية في العام 2009، أدلى بالعديد من التصريحات المتضاربة حول حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لكن سياساته الفعلية كانت أكثر حسماً: فقد كانت المفاوضات عقيمة في عهده، ذلك أن أحد شركاء الائتلاف الحكومي، وهو حزب البيت اليهودي، يرفض حل الدولتين رفضاً قاطعاً، ويؤيّد ضمّاً جزئياً للضفة الغربية. كذلك، اتّخذ حزب نتنياهو (الليكود) قراراً أساسياً داخلياً بدعم الضم مستقبلاً. وفي ظل قيادته التي استمرت حوالى عقد كامل، كانت إسرائيل تعمّق ضم الأراضي بحكم الأمر الواقع يوماً بعد يوم.41 لكن، ما الذي يقوله الإسرائيليون، أو لا يقولونه، عن الوضع الحالي للنزاع؟

من الذي يتصدّر الدعوة إلى حل الدولتين؟

قضية السلام مع الفلسطينيين بالكاد مُدرجة على جدول الأعمال في إسرائيل بصورة عامة. وتبيّن الدراسات المسحية حول الأولويات الوطنية أن "حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني" يأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة على قائمة المراتب، ودائماً بعد موضوعَي الاقتصاد والأمن.42 في المقابل، كان السلام في تسعينيات القرن الماضي يحتل المرتبة الأولى أو الثانية بانتظام في القائمة. بالنسبة إلى الإسرائيليين، لايمثّل الأمن الجانب الآخر للسلام، بل هو مفهوم متمايز تماماً. ففي أوساط التيار الذي يسمّي نفسه اليسار الإسرائيلي (الذي يمثّل 20 في المئة من المجتمع الإسرائيلي)، يحتل السلام المرتبة الأولى أو الثانية. والجناح الذي يسمّي نفسه يمينياً (أي نحو 45 في المئة من جميع الإسرائيليين)، يختار الأمن ويصفه في مرتبة أعلى من جميع القضايا الأخرى بهامش واضح. ولا يتذكّر العديد من الإسرائيليين هذه المشكلة إلا في حالات العنف.

وحتى عندما ينظر الرأي العام الإسرائيلي في مسألة السلام، فإن الدعم لإطار الدولتين أخذٌ بالتآكل منذ العام 2010، عندما كانت نسبة مؤيّديه تبلغ 71 في المئة. وبحلول شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، أعرب 46 في المئة فقط من اليهود الإسرائيليين عن تأييدهم للفكرة العامة، وهي النسبة نفسها لتأييد الفلسطينيين لهذا المسار. وشهد الجانبان الانخفاض نفسه في التأييد في حزيران/يونيو 2018، حيث بلغت هذه النسبة لدى كلٍّ منهما 43 في المئة.43 وعندما تؤخذ في الاعتبار النسبة الأعلى من تأييد العرب الإسرائيليين لحل الدولتين، فإن نسبة التأييد الإجمالية في أوساط الإسرائيليين في استطلاعات كانون الأول/ديسمبر ستشكّل أغلبية 52 في المئة. ولا يعود هذا الانخفاض إلى اعتبارات إيديولوجية تماماً، بل إلى الشعور بأن هذا الحل لم يعد قابلاً للتطبيق. ففي كانون الأول/ديسمبر، أعرب اليهود الإسرائيليون عن اعتقادهم بأن حل الدولتين لم يعد قابلاً للحياة بأعداد تجاوزت أعداد من اعتبروه كذلك، بهامش صغير هو 46 في المئة مقابل 42 في المئة على التوالي. وترتبط الانطباعات حول عدم قابلية الحياة إلى حدٍّ بعيد بمعارضة مسار الدولتين، وترتبط الانطباعات حول قابلية الحياة بارتفاع نسبة التأييد.

دعم الرأي العام الإسرائيلي لإطار الدولتين أخذٌ بالتآكل منذ العام 2010، عندما كانت نسبة مؤيّديه تبلغ 71 في المئة.

ومع أن حل الدولتين سيطر على الأوساط السياسية لنحو خمس وعشرين سنة، من الجدير بالذكر أن نافذة التأييد في أوساط الرأي العام اليهودي الإسرائيلي كانت أضيق من ذلك بكثير. فاعتباراً من العام 1993، كان تأييد الإسرائيليين اليهود (وفق بيانات المتابعة المتاحة) لحل الدولتين يتصاعد بصورة مطّردة مما يزيد قليلاً عن الربع ليصل إلى الأغلبية في أواخر ذلك العقد. وظل مستوى تأييد الأغلبية مستقرّاً على الأغلب طيلة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، غير أنه آخذٌ بالانخفاض منذ ذلك الحين.44

وقد حثّت شخصيات إسرائيلية مرموقة في برامجها المعلنة على المضي قدماً باتجاه حل الدولتين في اتفاقية الوضع النهائي، لكن نفوذهم كان محدوداً. فتسيبي ليفني، من حزب الاتحاد الصهيوني المعارض وزعيمة المعارضة في إسرائيل حالياً، تنادي بالوصول إلى اتفاقية حول الوضع النهائي تحافظ على هوية إسرائيل اليهودية والديمقراطية، وتحول دون الانزلاق إلى الدولة الواحدة والعزلة الدولية. كذلك، حذّر رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك من التوجّه نحو دولة قائمة على الفصل العنصري في المستقبل إذا تحرّكت إسرائيل نحو الدولة الواحدة؛ وبالمثل، قال رئيس الدولة الإسرائيلي روفن ريفلين إن إسرائيل قد تُعتبر نظام فصلٍ عنصري إذا ما وسّعت نطاق سيادتها على الضفة الغربية مع حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الكاملة.45 لكن أغلب هذه الشخصيات يعلنون عن هذه الآراء وهم في صف المعارضة أو خارج الحكومة، وليسوا من عناصر القيادة – وقد يكون ذلك إما سبباً أو تأثيراً؛ وفي كلتا الحالتين، لم تولّد هذه التحذيرات زخماً ما. يُضاف إلى ذلك أن ما يخفّف من وقع الرسالة التي يرسلونها التناقضات القائمة في المعسكر الذي يعتبره الإسرائيليون يسارياً. فالرئيس السابق لحزب العمل إسحاق هرتزوغ، الذي كان إلى عهد قريب زعيم المعارضة، نادراً ما يرى أن السلام جزءٌ من جدول الأعمال. وقد صدرت عن خلفه في زعامة الحزب آفي غاباي تصريحات مماثلة على ما يبدو لمواقف الجناح اليميني، هذا إذا لم يلتزم الصمت حول هذا الموضوع.46

ومع أن استخدام مصطلح "الأبارتايد" في معرض الحديث عن النزاع كان سابقاً من المحرّمات في إسرائيل، إلا أن التحذيرات الأخيرة من الأبارتايد ومسار الدولة الواحدة لم يستثر المشاعر في إسرائيل لتأييد التغيير أو للتعبير عن الغضب من استخدام هذه الكلمة. تُرى، لماذا لا ينزعج المواطنون الذي يتباهون بالديمقراطية من ذلك؟ إذا أخذنا في الاعتبار أن كبار المسؤولين مثل إيهود باراك تحدّثوا عن الأبارتايد بعد سنوات من وروده على لسان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والعديد من الفلسطينيين، ربما يعتبر الرأي العام الإسرائيلي هذه التهمة بمثابة تحذير له.

ثمة سبب ممكن آخر لهذا التجاهل. فالتحذير من فصل عنصري وشيك ربما فقد مفعوله كشبح يخيّم على الأفق، إذ هناك دولة واحدة ذات سيادة بين النهر والبحر بنوعين من الرعايا: مواطنون إسرائيليون يعيشون في ظل حكومة منتخبة وقانون مدني؛ وفلسطينيون غير مواطنين يخضعون إلى سلطة الجيش الإسرائيلي المطلقة. وغزة أرض لا دولة لها تحكمها حماس داخلياً، وتحيط بها قبضة إسرائيل الحديدية بمساعدة مصر. وقد ابتلعت المستوطنات من الأراضي وألغت الاتصال الجغرافي إلى حدٍّ يعيق قيام دولة فلسطينية، وتركت مراكز سكانية فلسطينية كثيفة تحيط بها مساحات تخضع إلى السيطرة الإسرائيلية.

من الممكن أن "الأبارتايد" لم يعد يُشعر الإسرائيليين بالخزي، لا لأنهم يعتقدون أنه لن يحدث أبداً، بل لأسباب مخالفة لذلك: فهو، في جوهره، مماثل للوضع القائم الآن. وقد بيّن مسح أجرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتْسيليم" في العام 2017 وأكّد نتائجه مسح مستقل آخر، أن ما يقارب نصف الإسرائيليين اليهود أفادوا أنهم سيؤيّدون الضم الكامل للضفة الغربية مع إعطاء الفلسطينيين حقوق الإقامة ولكن ليس الجنسية، والمحافظة على البنية التحتية لضمان الفصل بين الجماعتين. وربما لايعتبر الإسرائيليون الوضع الراهن مثالياً، لكن نتائج الانتخابات تبيّن أن أغلبهم يقبلون به.

البدائل

الوضع الذي يشبه حالة الطوارئ في غزة والانفجار الضمني الداخلي البطيء في الضفة الغربية، يجعلان التشخيص الصحيح والعلاج الممكن أكثر إلحاحاً. يُشار إلى أن إسرائيل أيضاً ستشهد المزيد من تآكل الديمقراطية والعنف إذا لم يُفَضَّ النزاع.

مع تضاؤل آفاق الوصول إلى حل الدولتين، عَمَد مروان المعشّر وناثان ج. براون إلى مراجعة ثلاثة أنماط من الحوكمة التي تعترف بالاستحالة الماديّة والسياسية لتحقيق الفصل الكامل. وتتراوح الخيارات للأطر السياسية الاندماجية بين دولة واحدة ديمقراطية، وبين كونفيدرالية الدولتين. ثمة نواقص في كلٍّ من تلك الخيارات، غير أن التقييم النقدي المتّسق الذي أجراه المؤلّفان على كل حالة يحتاج إلى إيضاح مفصّل. فما من خطة كاملة، لكن ليس كل نواحي الخلل متساوية.

هل أيٌّ من هذه الخيارات قابل للحياة من المنظور الإسرائيلي؟ إن المجتمع الإسرائيلي لا يوفّر خريطة للتقييم. ففي مسح كانون الأول/ديسمبر 2017، أعرب ثلث الإسرائيليين وثلث الفلسطينيين عن دعمهم لدولة واحدة ديمقراطية. وقد ارتفعت خلال السنتين الماضيتين نوعاً ما نسبة من يؤيّدون كونفيدرالية الدولتين في أوساط الإسرائيليين اليهود، إلى نحو الثلث، كما ارتفعت النسبة في أوساط الإسرائيليين العرب الذين يؤيّدون جميع خطط السلام بمعدّلات عالية. (وقد أيَّد 35 في المئة من الفلسطينيين مساراً فيدرالياً في مسح آب/أغسطس 2018). لكن هذه المقاربة تكاد تكون غير معروفة في الخطاب العام، بل إن الحلول الأخرى، مثل الفيدرالية أو البنية القائمة على نظام الكانتونات، لم تُختبر في مسوح علنية.

في غضون ذلك، يلتزم راسمو السياسات اليمينيون في إسرائيل الصمت حول الخطط الشاملة، باستثناء أفكار الضم التدريجية المجتزأة. أما مجموعة يسار الوسط، فيتمسّكون بحل الدولتين، بينما جنح البعض، من ضمنهم أحد أعضاء حزب العمل البارزين، نحو اليمين مع الأفكار المؤيّدة للضم.47 في هذه الأجواء، تستطيع الجماعة السياسية أن تقدّم مساهمات حقيقية، لا عبر وضع التفاصيل لخيارات الحوكمة وحسب، بل كذلك عبر اقتراح كيفية تقييمها على ضوء الوقائع السياسية والأولويات لدى كلٍّ من الطرفين.

لا بد من النظر في ثلاثة مبادئ أساسية لتقييم الحلول. الأول هو أن البدائل ينبغي أن تجد المقياس الصحيح لمستوى الفصل أو الدمج. ومع أن حياة الإسرائيليين والفلسطينيين متشابكة ومتداخلة جغرافياً واقتصادياً، لكلٍّ منها حاجات تتعلق بهوية وطنية منفصلة. فهل من اقتراح يعرض صيغة للتوازن السليم الذي يلبّي حاجات المجموعتين كلتيهما؟ والمبدأ الثاني هو أنه لا بد من تقييم البدائل ليس على أساس النموذج الدستوري الكلّي فقط، بل أيضاً عن طريق دراسة النتائج الجوهرية، مثل الفرص الاقتصادية، وفرص العمل، ومستوى العنف، والقيود على الحركة، وإمكانية الوصول إلى الأماكن المقدّسة، والحاجات الأساسية الأخرى للحياة اليومية. أما المبدأ الثالث، فهو أن الوصول إلى أي قرار سياسي يتطلّب من الأحزاب أن تؤمّن دعماً كافياً من الفئات الداخلية في كلا الجانبين، على غرار ما يحدث في لعبة المستويَيَن.48 ويوصي المؤلّفان بإشراك "المفسدين" في العملية. فلكي يتحقق ذلك، على الحلول أن تشمل قدراً من التساهل مع المفسدين خلال تلك العملية، لكن مع تجنّب استعداء الطرف الآخر؛ وقد تساعد هذه المقاربة في تصدّع صفوف المعارضة أكثر من تعزيز الوحدة داخل معسكر الرافضين.

حتى ذلك الحين...

ثمة فرصة ضئيلة لتحقيق سلام إسرائيلي-فلسطيني في وقت قريب.49 وكلما طال انتظار الحل، تزداد ظروف الوصول إليه سوءاً. في ظل هذه الأجواء، من الضروري تحديد الشروط التي ستساهم في إنجاح أي اتفاقية في المستقبل (وفقاً لتعريف "الاتفاقية" الوارد في دراسة المعشّر وبراون). وفي وضع مثالي، ستحظى هذه الشروط بقبول من جانب اليمين واليسار الإسرائيليين، ومن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. إضافةً إلى المزايا طويلة الأمد لاتفاقيات المستقبل، سيؤدّي الإسراع في اقتراح هذه الشروط إلى تحسينات فورية وإلى الشعور بالأمل - وهذان لا يقلّان أهمية عن العناصر الأخرى لصنع السلام، بيد أنهما غائبان، للأسف، من البيئة الحالية.

ثمة فرصة ضئيلة لتحقيق سلام إسرائيلي-فلسطيني في وقت قريب. وكلما طال انتظار الحل، تزداد ظروف الوصول إليه سوءاً.

في ما يلي اقتراح لبنود خطة عمل من شأنها الإسهام في الحاضر والمستقبل على حدٍّ سواء، وهي واقعية في سياق الأوضاع السياسية الراهنة في إسرائيل وفلسطين.

  • تشجيع المساواة الاقتصادية. يعني ذلك، في الممارسة الواقعية، تعزيز الاقتصاد الفلسطيني عن طريق السماح بتحرّك أوسع للبشر والبضائع، وتشجيع الاستثمار. ما من عواقب سلبية لهذا المسعى، بل إن بنيامين نتنياهو نفسه دعا إلى تحقيق "السلام الاقتصادي".50
  • الحدّ من العنف، وتفادي التصعيد. خلافاً لبعض المعتقدات، لا تؤدّي الحروب إلى المصالحة. ففي العقود الأخيرة، دفعت الصراعات كلا الطرفين المتنازعين إلى مواقف أكثر تشدّداً. ويمكن لفترات الهدوء الأطول أن تخلق شروطاً أفضل للمفاوضات في المستقبل، وأن تُعزّز الاعتقاد بإمكانية إحلال السلام في المستقبل، مع أن ثمة مخاطر معقولة كذلك في شيوع الهدوء.
  • بناء أو تشجيع التعاون حول الموارد المشتركة (المياه، والنفايات، والبيئة). تؤثّر أزمات المياه والكهرباء التي تعانيها غزة على موارد إسرائيل بشكل مباشر - وهذا مثال واحد على الحاجة الملحّة إلى الحلول. تتشارك المنطقة كلّها نظاماً إيكولوجياً وبيئة واحدة. وقد أقامت منظمات المجتمع المدني ببناء بنية تحتية من الإدارة والتخطيط التعاونيّين، وسيؤدي توسيع هذه الآليات إلى خلق بنى ريادية للمشاركة المستدامة في الموارد، في أي اتفاقية قد تُبرم في المستقبل.51
  • تجميد خرائط المستوطنات. قد يختلف مصير المستوطنات الحالية وفقاً لكل اتفاقية. لكن توسيعها سيساعد إسرائيل على تعزيز احتمالات أن يقوم في المستقبل مشروع دولة واحدة لا تتّسم بالمساواة، ويولّد التوتّرات الأمنية، ويستنزف الموارد المالية والعسكرية، ويعمل كحاضنة للرؤى الدينية والقومية المتطرّفة. وغنيٌّ عن البيان أن المستوطنات تدفع الفلسطينيين إلى النزعة الرافضة، التي تغذّي الصور النمطية الإسرائيلية عن الفلسطينيين باعتبارهم غير منفتحين وغير مستعدّين للنظر في ما تعتبره إسرائيل حلولاً معقولة.
  • تعزيز الديمقراطية الفلسطينية. مع أن الديمقراطية لا تضمن الاستقرار السياسي، إلا أنها تحوّل التظلّمات إلى عملية سياسية، لا إلى أعمال عنف. كذلك، يمكنها أن تحسّن واقع الفلسطينيين اليومي، وربما أن تمنح القادة الفلسطينيين قدراً أكبر من المصداقية لدى مفاوضيهم الإسرائيليين. كما أن إحياء مسائل الحقوق المدنية، والحكومة التمثيلية الخاضعة إلى المساءلة والمحاسبة، والمؤسسات المستقلة، سيساعد على تنمية علاقات الجوار في أي إطار عمل في المستقبل.

ستبدأ هذه المقترحات في بلورة مسيرة حاسمة نحو السلام. وفي خاتمة المطاف، سيدرك القادة في المستقبل ألّا عذر لديهم لعدم المضيّ معها قدماً.

هوامش

1 تشير النسبة المئوية إلى المساحة داخل السياج الذي أُقيم حول المستوطنات. وتبلغ مساحة أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، 5664.5 كم2.

2 معهد هاري إس. ترومان لبحوث تعزيز السلام في الجامعة العبرية في القدس والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (2008، 2010)؛ استطلاع إسرائيلي-فلسطيني مشترك ومركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (كانون الأول/ديسمبر 2017) "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك": http://www.pcpsr.org/ar/node/718

3 مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (كانون الأول/ديسمبر 2017) "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك".

4 مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (كانون الأول/ديسمبر 2017) "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك".

5 مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (كانون الأول/ديسمبر 2017) "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك".

6 مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (كانون الأول/ديسمبر 2017) "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك".

7 انظر، على سبيل المثال، نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار/مارس 2018: http://pcpsr.org/sites/default/files/Poll-67-Arabic-full%20text%20desgine.pdf

8 انظر: http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Arabic%20Joint%20poll%204%20summary2018.pdf

9 انظر: http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Joint%20poll%203%20summary%20Arabic.pdf

10 انظر: http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Joint%20poll%203%20summary%20Arabic.pdf

11 انظر: http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Joint%20Poll%202%20Summary%20Arabic%2015Jan2017.pdf

12 هذه الحوافز وغيرها واردة في "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي: استطلاع مشترك": http://www.pcpsr.org/ar/node/681

13 المصدر السابق.

14 المصدر السابق.

15 انظر، على سبيل المثال، نتائج آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، http://pcpsr.org/ar/node/726

16 بيري كاماك وناثان ج. براون ومروان المعشّر، "تجديد الهوية الوطنية الفلسطينية: الخيارات مقابل الوقائع"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2017، https://carnegie-mec.org/2017/06/28/ar-pub-72957

17 Arie Arnon, “Israeli Policy Towards the Occupied Palestinian Territories: The Economic Dimension, 1967–2007,” Middle East Journal 61, no. 4 (2007): 573–95, https://www.jstor.org/stable/4330449.

18 Moshe Arens, “Two States, One State, No State,” Haaretz, February 20, 2017, https://www.haaretz.com/opinion/.premium-two-states-one-state-nostate-1.5438052.

19 Naomi Zeveloff, “Israel’s President Backs One-State Solution – With Equal Rights for Palestinians,” Forward, February 13, 2017, https://forward.com/fastforward/362943/israels-president-backs-one-state-solution-with-equal-rights-forpalestinia/.

20 Bashir Bashir and Azar Dakwar, eds., “Rethinking the Politics of Israel/Palestine: Partition and Its Alternatives,” Bruno Kreisky Forum for International Dialogue, 2014, https://issuu.com/brunokreiskyforum/docs/rethinking_-_the_politics_of_israel.

21 للاطلاع على آراء بعض المنادين بهذا الرأي، انظر: Ali Abunimah, One Country: A Bold Proposal to End the Israeli-Palestinian Impasse (London: Macmillan, 2006); Virginia Tilley, The One State Solution: A Breakthrough for Peace in the Israeli Palestinian Deadlock (Ann Arbor, MI: University of Michigan Press, 2005); انظر أيضاً: Ghada Karmi, “The One-State Solution: An Alternative Vision for Israeli-Palestinian Peace,” Journal of Palestine Studies 40, no. 2 (2011): 62–76, https://www.jstor.org/stable/10.1525/jps.2011.xl.2.62.

22 Lama Abu-Odeh, “The Case for Binationalism: Why One State—Liberal and Constitutionalist—May Be the Key to Peace in the Middle East,” Boston Review 26 (2001): http://bostonreview.net/forum/lama-abu-odeh-case-binationalism.

23 Tony Judt, “Israel: The Alternative,” New York Review of Books, November 2, 2003, http://www.nybooks.com/articles/2003/10/23/israel-the-alternative/.

24 يمكن الاطلاع على نص التقرير في: Official Records of the Second Session of the General Assembly, Supplement No. 11, United Nations Special Committee on Palestine: Report to the General Assembly, vol. 1 (Lake Success, New York, 1947), >https://unispal.un.org/DPA/DPR/unispal.nsf/0/07175DE9FA2DE563852568D3006E10F3.

25 Benjamin Wittes, “Imagining a Federalist Israel: Notes Toward a Disruptive Fantasy,” Lawfare (blog), August 14, 2018, https://www.lawfareblog.com/imaginingfederalist-israel-notes-toward-disruptive-fantasy.

26 Yossi Beilin, “Confederation Is the Key to Middle East, Peace,” New York Times, May 14, 2015, https://www.nytimes.com/2015/05/15/opinion/yossi-beilin-aconfederation-for-peace.html.

27 Mark LeVine and Mathias Mossberg, eds., One Land, Two States: Israel and Palestine as Parallel States (Berkeley: University of California Press, 2014); انظر أيضاً: Nathan Witkin, “The Interspersed Nation-State System: A Two-State/One-Land Solution for the Israeli-Palestinian Conflict,” Middle East Journal 65, no. 1 (2011): 31–54, https://muse.jhu.edu/article/416661.

28 Mathias Mossberg and Mark Levine, “Why Israel and Palestine Should Get Rid of Their Borders and Become Two Overlapping States,” Huffington Post, August 7, 2014, https://www.huffingtonpost.com/mathias-mossberg/israel-palestine-get-rid-ofborders_b_5656281.html.

29 Seth Mandel, “‘Parallel States’ Plan for Israeli-Palestinian Peace Is a Recipe for Disaster,” Commentary, August 7, 2014, https://www.commentarymagazine.com/foreign-policy/middle-east/parallel-states-plan-for-israeli-palestinian-peace-is-arecipe-for-disaster/.

30 Muriel Asseburg and Jan Busse, “The End of a Two-State Settlement? Alternatives and Priorities for Settling then Israeli-Palestinian Conflict,” Stiftung Wissenschaft und Politik, April 2016, http://www.swpberlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2016C24_ass_Busse.pdf.

31 Cherine Hussein, The Re-Emergence of the Single State Solution in Palestine/Israel: Countering an Illusion (London: Routledge, 2015), 76.

32 انظر: Jerusalem Media and Communication Centre (JMCC), “On Palestinian Attitudes Towards Politics Including the Current Intifada” (Poll No. 41, June 18, 2001), http://www.jmcc.org/documentsandmaps.aspx?id=458; انظر أيضاً: JMCC,“Governance and Politics” (Poll No. 74, June 8, 2011), http://www.jmcc.org/documentsandmaps.aspx?id=832; وأيضاً: المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي (16 شباط/فبراير 2017)، http://www.pcpsr.org/ar/node/679

33 المصدر السابق.

34 Edward Said, “The One-State Solution,” New York Times, January 10, 1999, https://www.nytimes.com/1999/01/10/magazine/the-one-state-solution.html. انظر، على سبيل المثال: “The One-State Declaration” by London One-State Group, endorsed by various intellectuals and activists: https://electronicintifada.net/content/one-statedeclaration/793.

35 “The Palestinian National Charter: Resolutions of the Palestine National Council July 1–17, 1968,” Avalon Project, Yale Law School, 2008, http://avalon.law.yale.edu/20th_century/plocov.asp.

36 Leila Farsakh, “A Common State in Israel–Palestine: Historical Origins and Lingering Challenges,” Ethnopolitics 15, no. 4 (2016): 386, https://doi.org/10.1080/17449057.2016.1210348.

37 Mandy Turner, “Creating a Counterhegemonic Praxis: Jewish-Israeli Activists and the Challenge to Zionism,” Conflict, Security & Development 15, no. 5 (2015): 551, https://doi.org/10.1080/14678802.2015.1100018.

38 Moatasem Hamada, “Friedman’s Three Steps for the ‘Deal of the Century,’”Group 194, July 4, 2008: http://group194.net/english/article/58131.

39 Anne Gearan, “White House Vows to Stand Firm on Trump’s Recognition of Jerusalem as Israel’s Capital,” Washington Post, December 23, 2017, https://www.washingtonpost.com/politics/white-house-vows-to-stand-firm-on-trumpsrecognition-of-jerusalem-as-israels-capital/2017/12/23/250077aa-e68e-11e7-ab50-621fe0588340_story.html.

40 Arab World for Research and Development, “Youth Survey: Political Activism and Awareness” (April 12, 2016), http://www.miftah.org/Doc/Polls/PollAWRAD120416.pdf.

41 Rami Amichay, “Likud Party Calls for De-Facto Annexation of Israeli Settlements,” Reuters, December 31, 2017, https://www.reuters.com/article/us-israelpalestinians-likud/likud-party-calls-for-de-facto-annexation-of-israeli-settlementsidUSKBN1EP0M2.

42 كانت تلك نتائج بحثين قمت بإجرائهما لصالح منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتْسيليم" في العامين 2016 و2017، وهي مطابقة لبيانات جمعتُها لعددٍ من منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية.

43 خليل الشقاقي/المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية وداليا شيندلين/مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام، نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي، استطلاعا كانون الأول/ديسمبر 2017 وحزيران/يونيو 2018: http://www.pcpsr.org/ar/node/681

44 Yehuda Ben Meir, Olena Bagno-Moldavsky: Vox Pop: Israel PO 2004-2009,Institute for National Security Studies (Jewish population only).

45 “My Vision” [in Hebrew], Tzipilivni.co.il, n.d., http://www.tzipilivni.co.il/%D7%97%D7%96%D7%95%D7%9F/; انظر أيضاً: Allison Kaplan Sommer, “Ehud Barak Warns: Israel Faces ‘Slippery Slope’ Toward Apartheid,” Haaretz, June 21, 2017, https://www.haaretz.com/israel-news/ehud-barak-warns-israel-on-slippery-slope-to-apartheid-1.5486786; وأيضاً: Raoul Wootliff, “Rivlin Said to Warn Outpost Law Redolent of ‘Apartheid,’” Times of Israel, February 12, 2017, https://www.timesofisrael.com/rivlin-said-to-warn-outpost-law-redolent-of-apartheid/.

46 Chaim Levinson, Jack Khoury, and Almog Ben Zikri, “New Leader of Israeli Left: We Don’t Need to Evacuate Settlements if There’s a Peace Deal,” Haaretz, October 16, 2017, https://www.haaretz.com/israel-news/israeli-labor-leader-no-need-toevacuate-settlements-in-peace-deal-1.5458228.

47 Jacob Magid, “Labor MK Urges His Party to ‘Sober Up’ and Push to Annex Settlement Blocs,” Times of Israel, May 26, 2018, https://www.timesofisrael.com/labor-mk-urges-his-party-to-sober-up-and-push-to-annex-settlement-blocs/.

48 Robert D. Putnam, “Diplomacy and Domestic Politics: The Logic of Two Level Games,” International Organization 42, no. 3 (Summer 1988): 427–60.

49 عند وضع هذه الدراسة، كان فريق الشرق الأوسط في إدارة ترامب يعكف على وضع خطة سلام. وتشير الشائعات إلى أنها ستُطلق "قريباً". وليس هناك ما يدل على أن تلك الخطة سيكون لها تأثير مهم، وقد لا يتم الإعلان عنها على الإطلاق. لكن من الضروري التفكير في تطوّرات لا يمكن التنبّؤ بها، بما في ذلك سيناريو مُستبعد يتمثّل في حدوث اختراق تسبّبه ظروف يتعذّر التكهّن بها، وقد يستغرق تحليل تداعيات ذلك سنوات طويلة.

50 انظر على سبيل المثال: Martin Daly, Killing the Competition: Economic Inequality and Homicide (New Brunswick, NJ: Transaction Publishers, 2016); وأيضاً: Tim Krieger and Daniel Meierrieks, “Does Income Inequality Lead to Terrorism?” CESifo Working Paper No. 5821, March 2016. http://www.cesifo-group.de/DocDL/cesifo1_wp5821.pdf.

51 على سبيل المثال، انظر الموقع الإلكتروني الخاص بمنظمة "إيكوبيس الشرق الأوسط": http://ecopeaceme.org/?lang=ar

نبذة عن المؤلّفين

إدوارد بي. جيرجيان مدير معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس.

مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط.

ناثان ج. براون أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، حيث يتولّى إدارة معهد دراسات الشرق الأوسط. هو أيضاً باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

خليل الشقاقي مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.

سميح العبد زميل في برنامج ديانا تماري صباغ لدراسات الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة.

طارق دعنا أستاذ مساعد في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا. كما أنه مستشار سياسي لمنظمة "الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية".

جلعاد شير زميل أبحاث بارز ومدير المركز الإسرائيلي للمفاوضات التطبيقية في معهد دراسات الأمن القومي.

داليا شيندلين محلّلة دولية للرأي العام ومستشارة في استراتيجية تقيم في تل أبيب. هي أيضاً تساهم في مجلة +972، وتشارك في استضافة برنامج إذاعي على الإنترنت بعنوان Tel Aviv Review. هي كذلك مستشارة سياسية في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.