ملخّص
في الفترة الممتدّة بين العامَين 2020 و2022، سافر مهاجرون تونسيون إلى دول أوروبا الغربية بشكل غير شرعي سالكين طريق صربيا بدلًا من طريق البحر المتوسط المحفوف بالمخاطر والخاضع لرقابة أشدّ. وتضمّنت عوامل الطرد في تونس تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد والرضوخ الحكومي، فيما شملت عوامل الجذب في أوروبا انتشار شبكات تهريب المهاجرين وتغاضي السلطات الصربية عن أنشطتها. صحيحٌ أن صربيا عمدت إلى إغلاق حدودها في وجه التونسيين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، لكن طالما أن دول العبور تستخدم ورقة الهجرة غير الشرعية لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، فستبقى هذه الأنشطة مستمرّةً على قدم وساق.
محاور أساسية
- ساهم تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس بعد تفشّي وباء كوفيد-19، والانقلاب الذي نفّذه الرئيس قيس سعيّد في تموز/يوليو 2021 وأدّى إلى عزل البلاد عن الجهات المانحة الدولية والمستثمرين، في مفاقمة الهجرة غير الشرعية.
- ثبُت أن طريق صربيا أكثر أمانًا وأقل رقابةً من طريق البحر الأبيض المتوسط.
- فضّل المهاجرون من ولاية تطاوين المهمّشة طريق صربيا، وحصلوا على مساعدات مالية من تونسيين يعيشون في أوروبا ويتحدّرون من هذه الولاية الجنوبية.
- رحّبت الدولة التونسية أيضًا بطريق صربيا. فكلّما زاد عدد المهاجرين، ازدادت التحويلات المالية. ومنح هذا الطريق الحكومة فرصة الإنكار المعقول لأن التونسيين لم يحتاجوا آنذاك إلى تأشيرة للدخول إلى صربيا وتركيا.
- كان أحد عوامل الجذب في أوروبا انتشار شبكات التهريب، التي كان الكثير منها من شمال أفريقيا، وتولّت تنظيم عبور المهاجرين من صربيا إلى المجر ودول أخرى.
- شكّل التباس موقف صربيا في التعاطي مع الهجرة غير الشرعية عامل جذب آخر. فقد استخدمت بلغراد ورقة المهاجرين للحصول على النفوذ السياسي، إلى أن منعت دخول التونسيين إلى أراضيها من دون تأشيرة.
خلاصات وتوصيات
- نظّمت شبكات التهريب نفسها وفقًا للانتماءات الإثنية واتّسمت بقدرتها الكبيرة على التكيّف، ما سمح لها بتلبية الارتفاع الكبير في الطلب على خدماتها في العامَين 2021 و2022.
- أدّى التنافس بين مختلف شبكات التهريب إلى تنظيم تدفّق المهاجرين باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، ووضع إجراءات للتحويلات المالية، وآليات النقل والسكن.
- تمكّنت صربيا، من خلال السماح للمهاجرين بعبور أراضيها، من تحقيق تفوّق نسبي على الاتحاد الأوروبي في سياق تبدّد آمالها بالانضمام إليه، وخلافاتها الحدودية مع كوسوفو، والضغوط التي تتعرّض لها من أجل حملها على الالتحاق بالعقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا.
- مع أن صربيا أغلقت الطريق أمام التونسيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وجّهت ممارساتها رسالة إلى الاتحاد الأوروبي مفادها أن انضمامها إلى الاتحاد هو السبيل الوحيد لمعالجة قضية المهاجرين بطريقة حاسمة.
- قد تستمرّ دول العبور في غضّ الطرف عن الهجرة غير الشرعية إذا كانت تساعدها في تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو جيوسياسية يصعب بلوغها بوسائل أخرى.
- يتعيّن على الاتحاد الأوروبي توفير آفاق استراتيجية للدول الواقعة في جواره، تستند إلى الازدهار المشترك بهدف خفض وتيرة الهجرة. وما لم يبلور الاتحاد الأوروبي آلية فعّالة ومشتركة للتعامل مع الهجرة غير الشرعية، فسيبقى عرضةً للضغوط.
مقدّمة
بين العامَين 2020 و2022، تسارعت على نحو ملحوظ وتيرة الهجرة التونسية غير الشرعية إلى أوروبا الغربية عن طريق صربيا، إذ كان المهاجرون يبحثون عن طرق بريّة بديلة عن الطريق البحري عبر البحر المتوسط. وقد مارس الاتحاد الأوروبي ضغوطًا على صربيا من أجل إغلاق طريق غرب البلقان أمام التونسيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ولا تزال تداعيات ذلك مستمرة حتى اليوم، ولا سيما أن بعض الدول لديها ربما مصالح وطنية أوسع ستدفعها إلى تبنّي إجراءات مماثلة في المستقبل، في حين أن الجهات غير الدولتية المنخرطة في مثل هذه الأنشطة ستستفيد من إبقاء هذا الطريق مفتوحًا.
أظهر طريق صربيا الذي سلكه تونسيون ومهاجرون آخرون من جنسيات مختلفة، كثرٌ منهم من شمال أفريقيا، أن الهجرة غير الشرعية أصبحت، في عالمنا الشديد الترابط، سلاحًا غير تقليدي يُستخدَم من أجل الحصول على النفوذ السياسي، وجني الموارد، والتأثير على دول أقوى وأكثر ثراءً. تُدرك البلدان الواقعة إلى جنوب الاتحاد الأوروبي وشرقه تداعيات الهجرة الجماعية غير الشرعية التي تتسبّب بحدوث تشنّجات وانقسامات حادّة داخل الاتحاد، وسَعت في مناسبات عدة إلى الضرب على هذا الوتر من أجل دفع الاتحاد الأوروبي إلى تقديم تنازلات محدّدة.
تعيّن على الاتحاد الأوروبي، في إطار مساعيه من أجل ضبط الهجرة غير الشرعية، ولا سيما من دول شمال أفريقيا، معالجة تحديات كثيرة. ولم تقتصر هذه التحديات على عوامل الطرد السكاني القوية في دول المنشأ وحسب، بل شملت أيضًا عوامل جذب في أوروبا، من بينها أجندات السياسة الخارجية، ومصالح دول العبور غير المُنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الأهداف الجشعة لشبكات المرتزقة المعنية بتهريب المهاجرين بصورة غير شرعية وغيرها. وتجلّى ذلك خصوصًا في العام 2015 حين سمحت تركيا للمهاجرين وطالبي اللجوء بالإبحار نحو أوروبا للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل إبرام اتفاق تحظى أنقرة بموجبه على مساعدة بقيمة 6 مليارات دولار مقابل استضافتها للاجئين. إضافةً إلى الاتفاق المالي الذي أُبرم في العام 2016، وافق الاتحاد الأوروبي على تخفيف القيود المفروضة على منح تأشيرات دخول للمواطنين الأتراك، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع أنقرة، واستئناف المحادثات المتوقفة بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.1 وقد أحدثت جمهورية بيلاروس أزمة مهاجرين في العام 2021 حين عمدت إلى تيسير إجراءات دخول المهاجرين الوافدين من الشرق الأوسط إلى أراضيها، ثم تسهيل عبورهم حدودها المشتركة مع دولٍ أعضاء في الاتحاد الأوروبي.2 وشكّلت هذه الإجراءات ردًّا على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على البلاد.
صحيحٌ أن صربيا لم تُحدث أزمات توازي في حجمها ما تسبّبت به تركيا وبيلاروس، إلا أنها نظرت إلى قضية الهجرة غير الشرعية باعتبارها ورقة تمنحها نفوذًا أكبر في إطار علاقتها المعقّدة مع الاتحاد الأوروبي. نتيجة الارتفاع المطّرد في أعداد المهاجرين وتشديد الضوابط على طول طريق البحر الأبيض المتوسط، بدأت شبكات التهريب العابرة للحدود الوطنية في البحث عن بدائل أقل خطورة، على الرغم من أنها أطول وأكثر كلفةً. استفاد المهاجرون غير الشرعيين من إمكانية سفر التونسيين إلى تركيا وصربيا من دون تأشيرة، واعتمدوا على شبكات التهريب في شمال أفريقيا لمساعدتهم على عبور الحدود الصربية المجرية ومتابعة طريقهم إلى النمسا ودول أخرى في أوروبا الغربية.
ونتيجةً لذلك، سجّلت أعداد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الذين رُصدوا على طريق غرب البلقان ارتفاعًا ملحوظًا من 190 مهاجرًا في العام 2020، إلى 842 في العام 2021، لتبلغ 6,782 مهاجرًا في العام 2022.3 وقد سلك هذا الطريق بشكل خاص آلاف الشباب المتحدّرين من ولاية تطاوين التونسية المهمشّة والواقعة على مقربة من الحدود الليبية. وعبّر هذا الواقع عن توجّه أوسع نطاقًا،4 إذ كشفت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) عن عبور 145,600 مهاجر لا يحملون الوثائق المطلوبة طريق صربيا في العام 2022، أي بزيادة قدرها 136 في المئة عن العام 2021.5 وهذا أعلى رقم يُسجَّل على هذا الطريق منذ العام 2015، ويُمثّل حوالى نصف حالات الدخول غير القانونية المبلَّغ عنها إلى دول الاتحاد الأوروبي في العام 2022.6
يقدّم طريق صربيا خير دليل على آليات التحكّم بتدفّقات المهاجرين في زمن العولمة والشعبوية. وقد نجم هذا الوضع عن التقاء مصالح جهات دولتية وغير دولتية، وكيانات قانونية وغير قانونية، وشمل الدولتَين الصربية والتونسية والشبكات الناشطة في تهريب المهاجرين. واستفادت جميع هذه المكوّنات في المرحلة الأولى من غياب الاستجابة المتّسقة لهذا الوضع من جانب الاتحاد الأوروبي، ما سمح لها باستغلال مواطن الضعف من أجل تحقيق أهدافها المالية أو الاجتماعية أو الجيوسياسية.7 وهذه حقيقة سيتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يأخذها في الحسبان بشكل مستمر. ويشير ذلك إلى أن التركيز فحسب على معالجة عوامل الطرد المحفّزة على الهجرة غير الشرعية في دول المنشأ قد لا يكون كافيًا، إذ إن عوامل الجذب في الدول المحيطة بالاتحاد الأوروبي ستبقى مهمة على الأرجح، على الرغم من اختلافها بين دولة وأخرى وفقًا للظروف.
العوامل المحفّزة على الهجرة في تونس
منذ منتصف العام 2020، أصبح طريق صربيا ممرًّا بديلًا للتونسيين الراغبين في الهروب من الوضع الاقتصادي المزري والمأزق السياسي الذي تتخبّط فيه البلاد. ففي ظل تشديد الضوابط في البحر الأبيض المتوسط، شكّل طريق غرب البلقان معبرًا لآلاف الشباب وعائلاتهم، باعتباره ينطوي على مخاطر أقل من الطريق البحري، ويمنح الدولة التونسية فرصة الإنكار المعقول أمام شركائها الدوليين.
أنهكت التداعيات الناجمة عن وباء كوفيد-19 كاهل تونس، بعد أن سجّلت نموًا ضعيفًا طوال عقد من الزمن، ما سرّع وتيرة موجات الهجرة.8 وفي العام 2020، تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 9 في المئة، وخسر أكثر من 200,000 تونسي وظائفهم،9 وأقفلت آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أبوابها،10 وازدادت نسبة السكان الذين يعيشون ما دون خط الفقر من 15 إلى 21 في المئة.11 وفي تموز/يوليو 2021، نفّذ الرئيس التونسي قيس سعيّد انقلابًا استولى خلاله على السلطة، ثم عمد إلى تجميد عمل البرلمان، وإعفاء رئيس الوزراء من مهامه، وتعزيز صلاحياته القضائية، الأمر الذي فاقم المأزق السياسي في البلاد وفاقم عزلة تونس عن محيطها الخارجي من جهات مانحة ومستثمرين وشركاء دوليين.12 لذا، باتت الهجرة الخيار الوحيد لعشرات آلاف التونسيين، ولا سيما أولئك المتحدّرين من المناطق المحرومة. في هذا السياق، أظهر مسح وطني أُجري في العام 2021 أن 40 في المئة من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا يرغبون في مغادرة البلاد.13
لكن هذا الشعور لم يكن جديدًا، إذ إن موجات الهجرة غير الشرعية انطلقت في مطلع التسعينيات، وبلغت ذروتها في العام 2011 بعد سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. ففي ذلك العام، استغل 28,800 تونسي انهيار الضوابط الحدودية التونسية ليعبروا البحر الأبيض المتوسط.14 وعلى مدى نصف عقد، بقيت تدفّقات المهاجرين من تونس، ومن ضمنهم الأشخاص من غير التونسيين الذين استخدموا البلاد كنقطة عبور، ثابتة إلى حدٍّ كبير، إذ بلغ متوسط الوافدين إلى أوروبا 2,500 شخص سنويًا، ثم بدأت هذه الأرقام بالارتفاع تدريجيًا في العام 2017.15 وفي مطلع العام 2020، ازدادت هذه الأرقام بشكل حاد، على الرغم من اعتماد تونس وإيطاليا إجراءات أكثر تشدّدًا لضبط حدودهما البحرية، بحيث وصل في ذلك العام 12,900 مهاجر تونسي بصورة غير شرعية إلى إيطاليا، فيما تم اعتراض سبيل 13,500 شخص.16 وتسارعت وتيرة هذا الارتفاع في العام 2021، فبلغ سواحل إيطاليا 15,700 تونسي، فيما مُنع 25,700 مهاجر آخر من إكمال رحلتهم.17 وفي العام 2022، واصلت الهجرة غير الشرعية من تونس مسارها التصاعدي، إذ وصل 18,100 شخص إلى إيطاليا، ومُنع 38,400 آخرين من استكمال عبورهم، ما أظهر بوضوح نجاح الإجراءات الأكثر تشدّدًا في ضبط الحدود.18
في هذا الإطار، تُعتبر معضلات تطاوين، وهي مصدر أساسي للهجرة غير الشرعية في تونس، خير مثال على الديناميكيات القائمة. وربما تُعزى أبرز الأسباب التي حثّت شريحةً من التونسيين على مغادرة البلاد إلى تردّي الوضع الاقتصادي في الولاية خلال السنوات الماضية وتبدّد آمال ما يُعرف باسم حراك الكامور الاحتجاجي الذي دارت أحداثه في الولاية على مدى أشهر خلال العام 2017.19 وتكمن المفارقة في أن تطاوين تزخر بالموارد الهيدروكربونية، إذ تسهم حقول النفط والغاز الطبيعي فيها بنسبة 20 في المئة من إنتاج تونس للغاز الطبيعي و40 في المئة من إنتاج البلاد للنفط،20 إلا أنها تعاني قصورًا فادحًا في التنمية، في ظلّ شلل قطاعها الخاص، وارتفاع نسبة البطالة فيها بشكل يفوق متوسط نسب البطالة في جميع ولايات تونس. ففي العام 2021، سجّلت البطالة في تطاوين أعلى معدّلاتها في البلاد، إذ بلغت 32.5 في المئة، مقارنةً مع المتوسط الوطني البالغ 15.3 في المئة.21 علاوةً على ذلك، تسجّل تطاوين أحد أعلى معدّلات البطالة في أوساط حملة الشهادات العليا في البلاد، قُدّرت نسبتها بـ58 في المئة في العام 2019.22 تاريخيًا، هاجر سكان هذه الولاية إلى فرنسا، التي تضمّ أعدادًا كبيرة من المهاجرين المتحدّرين من جنوب تونس.23 إضافةً إلى ذلك، كانت ليبيا قبل العام 2011 تمثّل سوق عمل جذابًا لشباب تطاوين، لكن هذا الدور انتهى بعد اندلاع الصراع هناك.24
ومن أجل فهم الاستياء المتنامي الذي دفع الشباب إلى الهجرة من تطاوين، لا بدّ من مقاربته على ضوء ثلاثة عوامل أشعلت إوار أزمة متشعّبة في الولاية. يتمثّل العامل الأول في تراجع دور ليبيا كشريان حياة اقتصادي لسكان تطاوين، إذ فاقم تدهور الاقتصاد الحدودي، وما رافقه من فقدان آلاف الأشخاص وظائفهم وحرمان أهالي المنطقة من مداخيل هم في أمس الحاجة إليها، المشاكل الجسيمة التي تعانيها هذه الولاية في الأساس.25 أما العامل الثاني فهو العسكرة المتزايدة في المنطقة الحدودية، إذ لم يُلحق هذا الواقع الضرر بالاقتصاد الحدودي فحسب، بل قلّص أيضًا مناطق الرعي، وفاقم أزمة الزراعة الرعوية التي تواجه تحدّيات كبرى نتيجة الجفاف وتغيُّر المناخ. وتضرّر اقتصاد تربية الماشية المحلّي بسبب ارتفاع الأسعار وما ترتّب عنه من نقص في أعلاف الحيوانات.26 ويكمن العامل الثالث في الاستياء المحلّي نتيجة فشل حراك الكامور الاحتجاجي الذي طالب الدولة بإطلاق مبادرات لاستحداث فرص عمل وتحقيق مشاريع تنموية في تطاوين.27 وعلى الرغم من أن المحتجّين تمكّنوا من انتزاع تنازلات من السلطات من خلال التوصّل إلى اتفاق في حزيران/يونيو 2020 اعترف بالكثير من مطالبهم، فإن الدولة لم تنجح في الوفاء بوعودها منذ استيلاء سعيّد على الحكم، ما تسبّب بتنامي السخط المحلّي.28
نتيجةً لذلك، هاجر آلاف الشباب من المناطق الحدودية الجنوبية، بدءًا من العام 2020، أو حاولوا ذلك.29 وحظيَ طريق صربيا بشعبية كبيرة لسببَين رئيسَين: أولًا، هو أكثر أمانًا من الطريق البحري، حيث يُعدّ احتمال قبض السلطات على المهاجرين مرتفعًا أيضًا؛ وثانيًا، استطاع المهاجرون التعويل على دعم المهاجرين من جنوب تونس المقيمين بشكل أساسي في فرنسا، الذين حوّلوا لهم الأموال لتغطية تكاليف رحلاتهم، ما خفّف العبء المالي الناجم عن عبور طريق غرب البلقان الذي يستغرق مدةً أطول. وعلى الرغم من غياب أرقام محدّدة لأعداد المهاجرين، يبدو أن آلاف الأشخاص قد سلكوا هذا الطريق في العام 2022، وفقًا لتقديرات مراقبين من تطاوين.30 ويشكّل التونسيون من المناطق الجنوبية الشرقية 12.7 في المئة من الشتات التونسي، فيما يعيش أكثر من 7 في المئة من سكان هذه المناطق في خارج تونس.31
لقد كانت الدولة التونسية مستفيدًا رئيسًا من طريق صربيا الذي وفّر لها مزايا مهمة. فقد منح في الدرجة الأولى آلاف الشباب غير الراضين عن واقعهم طريقًا بديلًا للخروج من بلادهم بعد أن أصبح عبور وسط البحر الأبيض المتوسط أصعب بسبب تشديد الإجراءات الأمنية. وتشكّل تحويلات المهاجرين إلى ذويهم مصدرًا للعملات الصعبة التي تشتدّ الحاجة إليها في تونس. وخلال العقد الممتدّ بين العامَين 2011 و2021، أصبحت التحويلات بالعملات الأجنبية أحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد، إذ حقّقت عائدات أعلى من عائدات القطاع السياحي والاستثمارات الأجنبية المباشرة.32 كذلك، شهدت هذه التحويلات في تلك الفترة مسارًا تصاعديًا، إذ فاقت في العام 2021 بنسبة 28 في المئة ما كانت عليه في العام 2020، وشكّلت لوحدها 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي التونسي.33 وفي العام 2022، تجاوزت تحويلات المهاجرين 9 مليارات دينار (3 مليارات دولار)، ما يمثّل زيادة بنسبة 13.5 في المئة عمّا كانت عليه في العام 2021.34
على ضوء اعتماد الدولة التونسية على التحويلات المالية وتزايد الضغوط من إيطاليا والاتحاد الأوروبي للحدّ من الهجرة غير الشرعية عبر البحر، وفّر طريق صربيا إلى تونس درجة من الإنكار المعقول للمسؤولية عن موجات المهاجرين الوافدين إلى أوروبا. ويُعزى سبب ذلك إلى أن التونسيين لا يحتاجون تأشيرةً لدخول صربيا وتركيا، ولم ترَ تونس أي فائدة تُجنى في الحدّ من سفرهم إلى هاتَين الدولتَين، ولم تتكبّد أي ثمن نتيجة السماح لهم بذلك. لكن بُعيد الانقلاب الذي نفّذه سعيّد في تموز/يوليو 2021، اتّضح للأفرقاء السياسيين التونسيين البارزين أن الهجرة ستؤدي دورًا أساسيًا في تحديد موقف المجتمع الدولي من نظام الرئيس. وفي هذا الإطار، حذّر راشد الغنوشي، آخر رئيس لمجلس نواب الشعب قبل أن يعلّق سعيّد عمل البرلمان، من أن غياب المساعي الرامية إلى إعادة إرساء الديمقراطية، "يمكن أن يرغم أكثر من 500,000 مهاجر تونسي على محاولة الوصول إلى السواحل الإيطالية في وقت قصير جدًّا".35 وأظهر ردّ سعيّد الدفاعي مدى حساسيته تجاه هذه المسألة، مُعلنًا أن المعارضة هي التي تدفع للتونسيين للذهاب إلى أوروبا، ما يُلحق الضرر بمصالح تونس وعلاقاتها مع الدول الأوروبية.36
أثارت موجة الهجرة من تونس قلق الاتحاد الأوروبي.37 فبين العامَين 2018 و2021، شكّل التونسيون أكثر من ثلث عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر.38 وشكّلوا أيضًا حوالى نصف المهاجرين البالغ عددهم أكثر من 25,000 شخص من جميع الجنسيات، والذين قبعوا في مراكز الاحتجاز الإيطالية في العام 2020.39 وفي ظل تزايد موجات الهجرة، زادت أوروبا ضغوطها على تونس مطالبةً إياها بضبط حدودها وتنفيذ تدابير سريعة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى وطنهم. وفي 17 آب/أغسطس 2020، توصلّت إيطاليا وتونس إلى اتفاق حول الهجرة، بعد زيارة أجراها وزيرا الخارجية والداخلية الإيطاليان إلى تونس،40 لكن تفاصيل هذا الاتفاق لم تخرج إلى العلن. وبحسب وثيقة نشرها صحافيون استقصائيون إيطاليون، شمل الاتفاق حول الهجرة منح تونس تمويلًا بقيمة ملايين اليورو مقابل التزامها بإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى وطنهم.41 ويُذكر أن هذا الاتفاق المالي تضمّن تخصيص 8 ملايين يورو (حوالى 9.1 ملايين دولار) لخفر السواحل التونسي وإنشاء صندوق بقيمة 30 مليون يورو (حوالى 34 مليون دولار) على مدى ثلاث سنوات (2021-2023) بهدف مساعدة تونس على مكافحة الهجرة غير الشرعية.42
وعلى الرغم من السخط الشعبي والانتقادات التي وجهّتها منظمات المجتمع المدني على خلفية غياب الشفافية بشأن الاتفاق، اكتفت السلطات التونسية بالتزام الصمت. ففي سياقٍ من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الحادّة وتفاقم عزلة نظام سعيّد عن المانحين والمستثمرين الدوليين، عبّرت هذه الخطوة عن رغبته في استخدام الاتفاقات حول الهجرة لتأمين دعم الشركاء الدوليين، أو على الأقل تخفيف معارضتهم لتقويض الديمقراطية في عهده.43
الأكيد أن سعيّد عزّز انتشار القوات البحرية وخفر السواحل على طول الحدود البحرية التونسية، لكن ذلك أسفر عن ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين تم اعتراض سبيلهم في البحر في العام 2021 بواقع ستة أضعاف عن العام 2018.44 وأدّى التعاون في الحدّ من تدفّق المهاجرين إلى تسريع عمليات إعادة قبولهم. ففي العام 2020، جرت إعادة 1,922 تونسيًا من إيطاليا، ما يمثّل 73.5 في المئة من إجمالي عدد العائدين من جميع الجنسيات، وهو رقم أكبر بكثير من عدد المصريين والألبان.45 وقد بلغ عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الذين تم ترحيلهم 1,872 شخصًا في العام 2021،46 و1,700 شخص بحلول تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022.47
قدّم طريق صربيا ميزة ثالثة، إذ وفّر صمّام أمان اجتماعيًا للسلطات التونسية وشركات النفط العاملة في تطاوين. كان من المحتمل أن يؤدّي فشل الحكومة والشركات في الوفاء بالوعود التي قطعاها لحراك الكامور إلى اندلاع احتجاجات جديدة، لذا تنفّس الجانبان الصعداء مع رحيل الشباب الذين كانوا ربما سيقودون الحراك. وكان يمكن لذلك أن يعرقل إنتاج النفط مجدّدًا، كما حدث في العام 2020، ولا سيما في خضم أزمة الطاقة التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا.48 وفيما أفرغت موجات الهجرة المنطقة من شبابها، استنتج مراقبون أن هذا الواقع قلّل احتمال اندلاع حراك احتجاجي جديد قريبًا.49 وفي موازاة رحيل الآلاف من الشباب المتمردين، أُدين عددٌ كبير من قادة احتجاجات الكامور ومنظّميه في العام 2022 أمام محاكم عسكرية وسجنوا على خلفية أفعال تعود إلى أحداث العامَين 2017 و2020.50
لطالما عوّضت الهجرة في تونس عن فشل المسؤولين في تلبية تطلّعات الشباب والاستجابة لمطالبهم. وينطبق هذا الواقع بشكل خاص على الشباب المتحدّرين من بيئات اجتماعية واقتصادية محرومة. في هذا الإطار، أظهر تقرير صدر في آذار/مارس 2022 عن مجموعة من المنظمات غير الحكومية، واستند إلى عيّنة من المهاجرين الذين تم ترحيلهم من إيطاليا، أن غالبية المهاجرين التونسيين هم بشكل أساسي رجال من بيئات محرومة لديهم مؤهلات مهنية محدودة.51 يُشار إلى أن 75 في المئة من المهاجرين العائدين تتراوح أعمارهم بين عشرين وثلاثين عامًا، ولا يتعدّى تحصيلهم العلمي المستوى الابتدائي أو الثانوي، و50.9 في المئة منهم عاطلون عن العمل. علاوةً على ذلك، لا يتقاضى نصفهم أي دخل، فيما يكسب 11 في المئة منهم ما بين 200 و400 دينار (أي ما بين 70 و120 دولارًا) شهريًا، ويتقاضى 19 في المئة ما بين 400 و600 دينار (أي ما بين 120 و200 دولار) شهريًا. ومن بين الأشخاص الذين تمكّنوا من العبور، استطاع 26 في المئة الوصول إلى إيطاليا بعد محاولات عدّة.52
وعلى ضوء هذا الوضع، اكتسى طريق صربيا حيّزًا كبيرًا من الأهمية، فيما اصطدمت عوامل الطرد المحفّزة على الهجرة غير الشرعية في تونس بالجهود المتنامية التي يبذلها الاتحاد الأوروبي للحدّ من تدفّق المهاجرين. مع ذلك، لم تقتصر الاستفادة من طريق صربيا على تونس والتونسيين وحدهم، إذ تُعدّ عوامل الجذب في هذا الإطار مهمة للغاية أيضًا في مختلف أنحاء منطقة المتوسط.
عوامل جذب الهجرة غير الشرعية عبر صربيا
ثمة عوامل جذب كثيرة في أوروبا دفعت مجموعةً من الجهات الدولتية وغير الدولتية إلى استغلال المزايا التي ينطوي عليها طريق صربيا. برزت جاذبية طريق البلقان نتيجة رغبة بلغراد في الاستفادة من تدفّقات المهاجرين، وذلك جزئيًا من أجل ترقية أهدافها السياسية الخاصة في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي. وصبّت هذه الخطوة أيضًا في صالح بعض المؤسسات الأمنية في صربيا، وخدمت الممارسات الفاسدة لبعض أعضائها. ونتيجةً لهذه الديناميكيات، نشأت بيئة خصبة لازدهار شبكات التهريب النشطة.
شبكات تهريب مُربحة وقادرة على التكيُّف
تندرج شبكات التهريب من شمال أفريقيا في صُلب عمليات الهجرة غير الشرعية عبر صربيا. في العام 2015، أسفر التدفّق الهائل للاجئين إلى أوروبا عن زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي بشكل كبير. فقرّرت مقدونيا إغلاق حدودها مع اليونان في شباط/فبراير 2016، وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تركيا في 20 آذار/مارس من العام نفسه، وأسهمت هاتان الخطوتان في خفض تدفّق المهاجرين عن طريق البلقان إلى حدٍّ كبير.53 لكن التدابير التي اتُّخذت لكبح جماح الهجرة غير الشرعية أفضت إلى تكاثر مجموعات التهريب في المنطقة.54 ونظرًا إلى أن هذه التدابير زادت المخاطر التي يواجهها المهاجرون، من احتجازٍ واعتداءٍ واعتقالٍ وترحيلٍ ولجوءٍ إلى طرق هجرة أخطر وأطول، بات الراغبون في الهجرة يعتبرون أن شبكات التهريب لا غنى عنها لإنجاح مساعيهم.55 واستغلّت هذه الشبكات بدورها الثغرات الإجرائية أو الأمنية في أوروبا، ما سمح لها بتنظيم حركة المهاجرين عبر الحدود على طريق البلقان.
نظّمت شبكات التهريب نفسها وفقًا للانتماءات الإثنية، وتراوحت بين شبكات شمال أفريقية، أو مغاربية، وسورية، وأفغانية، وتركية. وبدءًا من منتصف العام 2020، ركّزت شبكات تهريب المهاجرين من شمال أفريقيا عملياتها على الحدود الصربية المجرية، وعزّزت اتصالاتها في تركيا وشمال أفريقيا من أجل التواصل مع المهاجرين وتأمين مرافقتهم ونقلهم عبر المعابر الحدودية نحو دول أوروبا الغربية.56 وعادةً ما سُمّيت هذه الشبكات تيمّنًا بألقاب قادتها، واشتُقَّت في الغالب من مسقط رأسهم، مثل "الكزاوي"، نسبةً لمهرّب من كازابلانكا أو الدار البيضاء في المغرب، أو "التطواني" نسبةً لمهرب مغربي آخر من تطوان. وسلّط انتشار هذه الشبكات ذات الخصوصيات الإثنية أو الوطنية الضوء على أن سوق التهريب في دول البلقان لم تكن حكرًا على منظمة واحدة.
لقد سمح الانتشار الواسع لهذه الشبكات بتلبية الارتفاع المفاجئ في الطلب على خدمات التهريب عبر الحدود بين العامَين 2021 و2022. وأدّى التنافس بين مختلف الشبكات إلى تنظيم تدفّق المهاجرين باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، ووضع إجراءات للتحويلات المالية، وآليات النقل والسكن. فجمعت منصات التواصل الاجتماعي بين المهاجرين والمهرّبين، وساعدت في تنظيم هذه التدفّقات.57 والجدير بالذكر أن الشبكات المغاربية كانت منظّمة تنظيمًا جيدًا، إذ تولّى أفرادٌ عملية نقل المهاجرين في صربيا إلى المجر والنمسا، فيما كان آخرون مسؤولين عن تنظيم عبورهم الحدود الصربية المجرية.58
كشف استخدام هذه الشبكات لوسائل التواصل الاجتماعي، على غرار فايسبوك وواتساب وسيغنال، لجذب المهاجرين المحتملين، عن مدى فاعليتها،59 إذ حدّثت صفحاتها على فايسبوك بشكل يومي (ثم محت المضمون في وقت لاحق)، وأضافت صورًا ومقاطع فيديو للمعابر الحدودية، ووضعت قوائم بأسماء المهاجرين الذين نجحوا في الوصول بأمان إلى وجهاتهم النهائية في أوروبا الغربية. قدّمت هذه الصفحات إذًا صورة مفصّلة عن سوق هجرة تتنافس فيه شبكات التهريب لتقديم أفضل الخدمات وكسب رضى المهاجرين أو العملاء المستقبليين. وعادةً ما تم انتقاء الشبكات بحسب مصداقيتها وموثوقيتها واحترامها للمبالغ التي تتقاضاها، وقد أدّت منصات التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في تشكيل وجهات نظر المواطنين حول هذه القضايا.60 علاوةً على ذلك، عمد بعض المهاجرين أيضًا إلى توثيق رحلاتهم عبر تسجيلات الفيديو أو نقلها بالبثّ المباشر، مقدّمين نصائح وتوصيات للمهاجرين المُحتملين. وانتشرت بشكل سريع الشائعات حول طرق هجرة جديدة أو دول عبور محتملة أو صعوبات أو قيود يُمكن مواجهتها، ما سلّط الضوء على مرونة هذه الشبكات وقدرتها على التكيّف.
مال المهاجرون التونسيون إلى التفاوض مع المهرّبين لإبرام صفقات شاملة أطلقوا عليها اسم "التسليمة".61 وأتاحت هذه الصفقات للمهاجرين الاستفادة من خدمات المهرّبين من أجل عبور المجر والوصول إلى النمسا، في حين أن من دفع مبلغًا أدنى كان مضطرًّا لعبور المجر بمفرده.62 وتطلّب ذلك درجة عالية من التخطيط والتعبئة في أوساط الشبكات العابرة للحدود، إذ تعيّن على المهرّبين أن يغيّروا باستمرار مسارات رحلاتهم وأساليب نقل المهاجرين. فقد نُقِل المهاجرون داخل صربيا وصولًا إلى الحدود مع المجر، ومكثوا في مزارع ومصانع مهجورة بالقرب من الحدود المجرية، قبل تهريبهم إلى داخل المجر ثم إلى النمسا.63 وفي بعض الأحيان، كانت وجهاتهم دولًا أخرى في أوروبا الغربية.
تراوحت تكلفة الرحلة الواحدة للتونسيين بين صربيا وأوروبا الغربية من 4,000 إلى 7,500 يورو (أي من 4,300 إلى 8,100 دولار)، من دون احتساب نفقات السفر إلى تركيا ومن تركيا إلى صربيا، إذ لا يتم تسيير رحلات جوية مباشرة بين تونس وصربيا.64 في هذا الإطار، أدّت الجالية التونسيّة في الخارج دورًا حيويًا في تمويل هذه الرحلات بسبب القيود المالية المفروضة في تونس، إذ إن الحكومة التونسية لا تسمح للمسافرين بحمل أكثر من 6,000 دينار (أي حوالى 1,800 يورو) معهم سنويًا، لذا لجأ المهاجرون إلى أقاربهم بحثًا عن سبُل بديلة لتسديد الأموال إلى المهرّبين. فطلب كثرٌ من أقاربهم في أوروبا الغربية إرسال المبالغ باليورو، وقاموا بتسديدها لهم بالدينار التونسي.65 وقد حوّل الأقارب الأموال إلى صربيا باستخدام شركات تحويل الأموال، على غرار ويسترن يونيون.66 وكشفت هذه القنوات عن مرونة الترتيبات المالية القائمة لتلبية الارتفاع المفاجئ في الطلب على الهجرة عَقِب تفشي وباء كوفيد-19. وبحسب المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، حقّقت شبكات التهريب العاملة على طول طريق غرب البلقان (بدءًا من تركيا، ثم في صربيا والمجر) عائدات لا تقل قيمتها عن 50 مليون يورو (54 مليون دولار) في العام 2020.67 كذلك، تراوحت عائدات شبكات التهريب العاملة في المناطق الحدودية بين صربيا والمجر من 8.5 ملايين يورو إلى 10.5 ملايين يورو في العام 2020 (أي ما يعادل 9.7 ملايين دولار إلى 11.9 مليون دولار).68
التباس موقف الدولة الصربية في التعاطي مع الهجرة غير الشرعية
أدّى موقف السلطات الصربية الملتبس من شبكات الهجرة والتهريب العاملة داخل حدودها دورًا مهمًا في إنعاش ممرّ غرب البلقان بعد العام 2015 وزيادة جاذبتيه للتونسيين خصوصًا، ولسكّان شمال أفريقيا عمومًا.
أُعيد افتتاح هذا الممر في سياق من انعدام الثقة بين الاتحاد الأوروبي وصربيا. فقد اشتبه الاتحاد الأوروبي بأن السلطات الصربية تمارس لعبة مزدوجة، من دون أن يوجّه لها تهمة علنية بذلك.69 فمن جهة، أكّدت بلغراد من جديد التزامها العمل من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى استشعر الاتحاد بأن صربيا تقدّم مساعدة غير مباشرة لروسيا من خلال تأجيج الشقاق داخل الاتحاد الأوروبي عن طريق السماح بتدفّق المهاجرين. وهذا تكتيك استخدمته سابقًا دول حليفة لروسيا، مثل بيلاروس، على طول الحدود مع الاتحاد الأوروبي.70 لم تعمد صربيا إلى استعمال المهاجرين كسلاح مثلما فعلت بيلاروس في العام 2021، ولكنها استغلّت بحنكةٍ ورقة الهجرة. فقد لمست، من خلال السماح للمهاجرين بعبور الأراضي الصربية، فرصةً سانحة لتحقيق تفوّق نسبي على الاتحاد الأوروبي في سياق تبدّد آمالها بالانضمام إلى الاتحاد، وخلافاتها الحدودية مع كوسوفو، والضغوط التي تتعرّض لها من أجل حملها على الالتحاق بركب العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا.71 وقد أدّى إجهاد التوسّع في الاتحاد الأوروبي إلى الحدّ من الحوافز الصربية للامتثال إلى شروط الاتحاد في السياسة الخارجية، وتنظيم الهجرة، وحتى الحوكمة الديمقراطية.72
بدا أن الخلافات بين صربيا والاتحاد الأوروبي تتأثّر بشدّة نتيجة انعدام التقدّم في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد، والتي بدأت في العام 2014.73 وتسبّبت الخلافات حول العقوبات التي فُرِضت على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا في العام 2022 بزيادة حدة التشنّجات. فقد رفضت بلغراد، على الرغم من دعمها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت الغزو، تعليق رحلات الخطوط الجوية الصربية من موسكو وإليها.74 ومثلما حدث في العام 2014، بعد الاحتلال الروسي للقرم، تردّدت بلغراد في الاصطفاف إلى جانب الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات تجارية ومالية على روسيا.75 ورفضت صربيا أيضًا وقف استيراد الغاز الطبيعي الروسي تماشيًا مع الهدف الذي حدّدته المفوضية الأوروبية،76 حتى إنها وقّعت اتفاقًا جديدًا مع موسكو لشراء الغاز في أيار/مايو 2022.77
أثّرت هذه التشنّجات على الموقف الصربي من الهجرة غير الشرعية. فقد سجّلت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل 145,600 حالة عبور غير شرعي في العام 2022،78 وهو أعلى رقم يُسجَّل على الطريق الصربي منذ أزمة العام 2015، ويوازي تقريبًا نصف حالات العبور غير الشرعي إلى الاتحاد الأوروبي المبلَّغ عنها في العام 2022.79 شكّلت موجات الهجرة هذه، إضافةً إلى وصول مهاجرين من جنسيات لم يسبق لها أن سلكت هذا الطريق بأعداد كبيرة، تهديدًا لدول الاتحاد الأوروبي بحدوث تدفّق كبير للمهاجرين عن طريق غرب البلقان، بعدما كان قد خُيِّل لهذه الدول أن المشكلة حُلَّت في العام 2016.
كان التلاعب بموجات الهجرة ممكنًا أيضًا بفضل التواطؤ بين شبكات التهريب وعناصر الشرطة الصربية، بالتزامن على الأرجح مع تغاضي وكالة الاستخبارات الأمنية التي يقودها مسؤول موالٍ للروس عن ذلك.80 وقد أتاح هذا الواقع للسلطات الصربية فرصة الإنكار المعقول، ولا سيما نظرًا إلى التواطؤ المعروف في صربيا بين الأجهزة الأمنية وشبكات الجريمة المنظّمة.81 كانت شبكات التهريب تضمّ شرطيين فاسدين على قائمة مستخدَميها كإجراء احترازي ضد عمليات إنفاذ القوانين، وإنما أيضًا لمساعدتها على مزاحمة الشبكات المنافسة.82 وهكذا ازدهر اقتصاد الحماية عند الحدود الصربية المجرية مع توسّع سوق الهجرة. وقد لجأت مجموعات تهريب كبيرة إلى ممارسات التخويف أو العنف ضد المجموعات الأصغر، وكذلك ضد المهاجرين الذين لا يستعينون بـ"خدماتها". وغالبًا ما أسفر ذلك عن مواجهات مسلّحة. على سبيل المثال، في 2 تموز/يوليو 2022، وقع اشتباكٌ بين مجموعتَي تهريب في بلدة سوبتيتسا عند الحدود مع المجر.83
كان يُفترَض أن تسهم العملية الهادفة إلى انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي في الحدّ من نفوذ شبكات الجريمة المنظّمة وروابطها مع الدولة، لكن ذلك لم يحدث. بل على النقيض، أصبحت تلك الروابط أقوى في ظل الحزب التقدّمي الصربي الحاكم حاليًا بقيادة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش.84 وكانت هذه العلاقات موضع انتقاد علني من الاتحاد الأوروبي باعتبارها عنصرًا أساسيًا في تقويض الحوكمة في صربيا، ما يعرقل انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.85 ومنذ ذلك الحين، سلكت الأمور منحىً أسوأ، إذ خُفِّض تصنيف صربيا من دولة "حرّة" إلى دولة "حرّة جزئيًا"، يستشري فيها الفساد على نطاق واسع، وترزح معارضتها السياسية وإعلامها المستقل ومجتمعها المدني تحت وطأة الضغوط الممارسة عليها.86 في ظل هذه الأجواء التي تنطبع بغياب الشفافية، وانعدام المساءلة، وممارسة الإكراه على المجتمع المدني ووسائل الإعلام، يصبح من الأسهل على أجهزة الدولة التلاعب بقضية الهجرة غير الشرعية.
بصورة عامة، وجّه التباس موقف بلغراد من تنظيم الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، رسالةً مفادها أن الدول الواقعة عند أطراف الاتحاد قد تقرّر أن تحذو حذوها. توصَف البلدان التي تلعب هذه الورقة بـ"أنظمة الاستقرار السلطوي".87 يمتلك "نظام الاستقرار السلطوي" القدرة على استخدام الاستقرار المزعوم بمثابة ورقة مساومة للحصول على الشرعية الخارجية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، على الرغم من شوائبه على صعيدَي الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد استخدمت دول في جوار الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا وصربيا والمغرب ومقدونيا، الاستقرار للحصول على المعونات الاقتصادية والدعم السياسي من الغرب مقابل المساعدة على تسوية المشاكل الإقليمية، مثل ضبط موجات اللجوء والهجرة. أما الاستراتيجية الصربية فكانت مدفوعةً أكثر برغبة في اقتناص اللحظة الجيوسياسية لتذكير العواصم الأوروبية التي تساورها شكوك بشأن توسيع الاتحاد، ولا سيما باريس ولاهاي، بأنها مخطئة في اعتقادها أن بإمكانها إبقاء مصير دول البلقان معلَّقًا إلى ما لا نهاية في عملية توسيع الاتحاد الأوروبي.88
نهاية الممر الصربي؟
دفعت التشنّجات المتعاظمة بين صربيا والاتحاد الأوروبي ببروكسل إلى اتهام بلغراد بعدم التعاون وعدم الاستعداد لمواءمة إجراءاتها في مجال تأشيرات الدخول مع إجراءات الاتحاد الأوروبي. في هذا الصدد، اعتبر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن المشكلة هي في الأنظمة المُعتمدة في صربيا لإعفاء دول في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط من تأشيرة الدخول، ومنها بوروندي ومصر والهند والمغرب وتونس.89 في تشرين الأول/أكتوبر 2022، هدّد مفوّض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية بالتوقف عن إعفاء صربيا من الحصول على تأشيرة لدخول منطقة شنغن إذا لم تضع حدًّا للهجرة غير الشرعية عبر أراضيها.90
كان لهذا التهديد مفعولٌ فوري، ففي أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2022، أُرغِم نحو 60 مهاجرًا تونسيًا وصلوا إلى بلغراد من تركيا على العودة إلى اسطنبول.91 وبعد أقل من شهر، أي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، فرضت بلغراد شروطًا على مواطني تونس وبوروندي للحصول على تأشيرة دخول، ما أشار ظاهريًا إلى انتهاء الهجرة الجماعية من تونس عبر الطريق الصربي. صحيحٌ أن صربيا رضخت في نهاية المطاف لضغوط الاتحاد الأوروبي، إلا أنها استطاعت من خلال ممارساتها أن توجّه رسالة له بأن انضمامها إلى الاتحاد هو السبيل الوحيد لمعالجة قضية المهاجرين بطريقة حاسمة، وحتى ذلك الوقت، سيبقى الالتباس سائدًا على هذه الجبهة. والحال هو أن على صربيا، إذا أرادت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أن تنتهج سياسةً لمنح تأشيرات دخول تكون متوائمة مع سياسات دول الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن على بلغراد أن تعتمد عاجلًا أم آجلًا إجراءات لمنح تأشيرات دخول لا تنطبق فحسب على المواطنين التونسيين، إنما أيضًا على مواطني البلدان الأخرى الذين لا يحتاجون حاليًا إلى تأشيرات لدخول منطقة شنغن. إذًا، كانت حركة المهاجرين غير الشرعيين عبر صربيا مفيدة جزئيًا في الضغط على الاتحاد الأوروبي لتسريع عملية التوسيع. واكتسب ذلك فعاليةً متزايدة في ضوء استنزاف قدرات الاتحاد الأوروبي على استيعاب اللاجئين والمهاجرين، بسبب موجة اللجوء من أوكرانيا. فقد تسجّل نحو 5 ملايين لاجئ أوكراني في برامج الحماية الوطنية في أوروبا منذ الغزو الروسي لبلادهم في شباط/فبراير 2022.92
في الأشهر التي أعقبت فرض القيود، لم يكن واضحًا كيف ستتكيّف شبكات التهريب مع الوضع الجديد، وما إذا كانت الإجراءات ستكبح أيضًا تدفّق المهاجرين من جنسيّات أخرى. ولكن يتبيّن في ضوء الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في العام 2016 أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين قد تنخفض، إلا أن الوضع الجديد سيُرغم شبكات التهريب على التكيّف مع نقل أعداد أقل من المهاجرين. كذلك، أظهر إغلاق الحدود بعد الاتفاق مع تركيا كيف لجأت شبكات التهريب الصغيرة الحجم إلى الجرائم الصغيرة للتعويض عن الإيرادات التي خسرتها، في حين أن الشبكات الأكثر تطوّرًا بحثت عن طرق بديلة لمواصلة تهريب المهاجرين، ما تطلّب مستويات أعلى من الفساد.93
والاحتمال كبيرٌ أيضًا بأن يحاول المهرّبون من بلدان شمال أفريقيا والمهاجرون التونسيون غير الشرعيين أن يسلكوا طرقًا أطول وأكثر خطورة وكلفة للالتفاف على القيود. وقد جرّب بعض المهاجرين بالفعل العبور إلى صربيا من بلغاريا، معرّضين أنفسهم لخطر التوقيف والترحيل، أو لمخاطر أسوأ من ذلك في الغابات بين البلدَين. علاوةً على ذلك، إذا مُنِع المهاجرون من تونس وبوروندي من الدخول إلى صربيا، لا يزال بإمكان المهاجرين من دول أخرى سلوك هذا الطريق أو إيجاد طرق جديدة. هذا هو مثلًا حال الكوبيين الذين بدأوا باستغلال قدرتهم على السفر من دون تأشيرة إلى روسيا وصربيا لعبور طريق الهجرة البلقاني إلى الاتحاد الأوروبي.94
منذ العام 2015، ينصبّ تركيز دول الاتحاد الأوروبي بصورة أساسية على "إخماد النيران" في ما يتعلق بقضايا الهجرة، فتتعامل هذه الدول مع الأزمات من خلال إغلاق الطرقات وإبرام الصفقات. وقد كان الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في العام 2016، والتهديدات التي أرغمت صربيا على إغلاق طريق غرب البلقان تدابير مؤقّتة بهدف كسب الوقت. والحال هو أن الاتحاد الأوروبي سعى إلى استنساخ الاستراتيجية التي اعتمدها مع تركيا عبر تنفيذها في أماكن أخرى، ما يُلقي بمسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق الجهات الخارجية، عبر دفع حكومات دول العبور إلى إرغام المهاجرين واللاجئين على ملازمة أماكنهم. لقد وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع أثيوبيا ونيجيريا والسنغال من هذا المنطلق.95 وهذا ما حدث أيضًا بصورة أساسية على طريق وسط البحر المتوسط. ففي أعقاب موجة الهجرة غير الشرعية من ليبيا بين العامَين 2014 و2019، وافقت إيطاليا على تمويل مراكز احتجاز تديرها الميليشيات داخل ليبيا، حيث قبع آلاف المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يحاولون العبور إلى أوروبا.96
ولكن هذه الترتيبات لا تكون فعّالة إلا في ظل حالة من التقاء المصالح بين الاتحاد الأوروبي وهذه البلدان. ما هو أكيد في ما يتعلق بطرق الهجرة المحتملة إلى دول الاتحاد الأوروبي أن بلدان العبور قد تستمر في غضّ نظرها عن الهجرة غير الشرعية إذا كانت تساعدها في تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو جيوسياسية يصعب بلوغها بوسائل أخرى.97 تدرك تركيا وبيلاروس وصربيا، وكذلك البلدان الأضعف مثل تونس وليبيا، هذا الواقع، لذا يتعيّن على الاتحاد الأوروبي توفير آفاق استراتيجية أوسع لهذه البلدان. ومن الأفكار التي يمكن استكشافها في هذا الصدد تدابير لاستحداث فرص عمل في دول الجوار الواقعة جنوب أوروبا وشرقها، مثل قيام شركات أوروبية بإنشاء مرافق تصنيع في البلدان المجاورة التي يمكن أن يتدفّق منها المهاجرون، بدلًا من إنشاء هذه المرافق في دول شرق آسيا. والأساس المنطقي خلف هذا الطرح هو أن الازدهار المشترك يسهم في خفض الهجرة. والفكرة الثانية هي توسيع الهجرة الشرعية من خلال منح أذون عمل مؤقتة في بعض القطاعات، ما يتيح الهجرة الدائرية وفرصة تناوب العمّال على العمل بين وطنهم الأم والبلدان المضيفة. أما الفكرة الثالثة فهي تكوين شراكات استراتيجية تسهّل الاندماج الاقتصادي، وذلك أيضًا بهدف إرساء الاستقرار في البلدان الواقعة شرق الاتحاد الأوروبي وجنوبه من خلال تعزيز الازدهار. ولكن هذه التدابير تستهدف فقط عوامل الطرد المحفّزة على الهجرة، ولا تعالج عوامل الجذب في أوروبا. ففيما تنقسم أوروبا حول مسائل أساسية متعلقة بعملية توسيع الاتحاد الأوروبي، غالب الظن أن قضايا الهجرة ستبقى ورقة جامحة سوف تنزع بلدانٌ كثيرة إلى استخدامها من جديد.
خاتمة
واجه التونسيون تحدّيًا كبيرًا بعد أن قرّرت السلطات الصربية فرض تأشيرات عليهم ليتمكّنوا من دخول أراضيها. إضافةً إلى الأزمات التي تعاني منها تونس على مستوى المواد الغذائية وموارد الطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا، ألحق نقص الأمطار أضرارًا فادحة بالقطاع الزراعي في البلاد، ما أسفر عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتهديد سبل عيش سكان الأرياف. ولا شك أن ذلك سيؤدّي إلى استمرار مساعي التونسيين الرامية إلى الهجرة نحو أوروبا. وعلى الرغم من المشقات الاقتصادية في تونس، بقي الحراك الاحتجاجي محدودًا على نحو ملحوظ في العام 2022، ما يشير إلى أن البلاد تشهد نوعًا من الإعياء السياسي، مقرونًا بحالة من الاستكانة والركون لدى شرائح واسعة من السكان. تشرح هذه العوامل مجتمعةً لماذا ستبقى الهجرة على الأرجح واقعًا ملموسًا في المستقبل المنظور.
في غضون ذلك، تتوقّع الدول الأوروبية أن تواصل حركة الهجرة غير الشرعية ارتفاعها المطّرد خلال العام 2023.98 يُشار إلى أن الهجرة كانت مدفوعةً في العام 2022 بتداعيات الحرب في أوكرانيا، ولا شك أن هذه الظاهرة ستستمر في العام 2023 على وقع ارتفاع الأسعار مختلف أنواع السلع، ولا سيما أسعار المواد الغذائية وموارد الطاقة. وسيعتمد حجم الهجرة غير الشرعية في العام 2023 على دهاء شبكات التهريب وقدرتها على التكيّف مع فرض إجراءات وضوابط جديدة، واغتنام الفرص، والعثور على طرق جديدة لتسلكها. وما لم يبلور الاتحاد الأوروبي آلية فعّالة ومشتركة للتعامل مع الهجرة غير الشرعية، فسيبقى عرضةً للضغوط والاستغلال. ونظرًا إلى غياب الإجراءات الموحّدة لإدارة موجات الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى غياب آلية فعّالة لتقاسم مسؤولية طالبي اللجوء، فسيبقى الاتحاد في مهبّ الأزمات كلّما شهدت دوله تدفّقًا كبيرًا للمهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها.
تقدّم تونس خير دليل على المرونة التي تتّسم بها التحركات البشرية العابرة للحدود الوطنية في عالمنا اليوم الشديد الترابط. فالجهات غير الدولتية في وسعها تعديل أساليب عملها بسرعة، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على استراتيجيات مختلف الدول المنخرطة في عمليات الهجرة. ويكشف لنا النموذج الصربي الكثير من الأمور حول تنظيم الهجرة، والقضايا الجيوسياسية المرتبطة بذلك، والعلاقات التي تجمع بين الجهات الدولتية والجهات غير الدولتية في محاولة استغلال قضية الهجرة غير الشرعية خدمةً لمصالحها الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن نجاح الاتحاد الأوروبي راهنًا في إغلاق طريق صربيا في وجه المهاجرين التونسيين لا يعني بالضرورة أن هذه الممارسات لن تستمر على قدم وساق في أماكن أخرى. فالدوافع التي تحدو بالكثير من الدول الواقعة عند أطراف أوروبا إلى السماح للمهاجرين بمواصلة التدفّق عبر أراضيها ستبقى قائمة في المستقبل.
شُكر
يودّ المؤلّف أن يتوجّه بالشكر إلى كلٍّ من تسنيم عبد الرحيم، وساسا دجوردجفيك، وأنيسا أغوفيك من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية لمساهماتهم القيّمة في هذه الدراسة.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية(X-Border Local Research Network)، وهي جزء من برنامج الصراعات العابرة للحدود – الأدلة والسياسات والاتجاهات (X-Border Conflict Evidence, Policy and Trends) (XCEPT) التابع لوزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، والمموّل من الحكومة البريطانية من خلال مشروع UK Aid. شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية عبارة عن شراكة بين مؤسسة آسيا ومركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط ومعهد الأخدود العظيم، تهدف إلى إجراء الأبحاث من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية. وهي تدعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبلورة البرامج الإنمائية، وبناء قدرات الشركاء المحليين. إن النتائج والتحليلات والخلاصات الواردة في هذه الدراسة تخصّ مؤلّفها فقط، ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط أو الحكومة البريطانية.
هوامش
1 Kyilah Terry, “The EU-Turkey Deal, Five Years On: A Frayed and Controversial but Enduring Blueprint,” Migration Policy Institute, April 8, 2021, https://www.migrationpolicy.org/article/eu-turkey-deal-five-years-on.
2 Mark Galeotti, “How Migrants Got Weaponized: The EU Set the Stage for Belarus’s Cynical Ploy,” Foreign Affairs, December 2, 2021, https://www.foreignaffairs.com/belarus/how-migrants-got-weaponized.
3 تمّ جمع الأرقام من: Migratory Map, February 24, 2023, https://frontex.europa.eu/we-know/migratory-map; انظر أيضًا: أليس بيسافنتو، "لماذا فرضت صربيا التأشيرة على التونسيين والتونسيات؟"، موقع انكفاضة، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، https://inkyfada.com/ar/2022/11/22/صربيا-فيزا-تأشيرة-تونس/
4 عيسى زيادية، "الهجرة عبر صربيا.. "خيط" الأمل الجديد لشباب تطاوين"، موقع انكفاضة، 5 أيلول/سبتمبر 2022، https://inkyfada.com/ar/2022/09/05/الهجرة-عبر-صربيا-خيط-الأمل-الجديد-لشب/
5 “EU’s External Borders in 2022: Number of Irregular Border Crossings Highest Since 2016,” Frontex, January 13, 2023, https://frontex.europa.eu/media-centre/news/news-release/eu-s-external-borders-in-2022-number-of-irregular-border-crossings-highest-since-2016-YsAZ29.
6 المصدر السابق.
7 Alia Fakhry, Rodrick Perkes, Andras Racz, “Migration Instrumentalization: A Taxonomy for An Efficient Response,” Hybrid CoE Working Paper 14, March 2022, https://www.hybridcoe.fi/wp-content/uploads/2022/03/20220308-Hybrid-CoE-WP-14-Migration-instrumentalization-WEB.pdf.
8 Matt Herbert, “Losing Hope: Why Tunisians Are Leading the Surge in Irregular Migration to Europe,” Global Initiative Against Transnational Organized Crime, January 5, 2022, https://globalinitiative.net/analysis/tunisia-migration-europe/.
9 Moussa Diop, “Tunisie: Près de 200.000 Tunisiens Ont Perdu Leur Emploi à Cause du Covid-19, Selon le Patronat” [Tunisia: Around 200,000 Tunisians Lost Their Jobs Because of Covid-19 According to the Employers Union], Le 360 Afrique, November 3, 2020 https://afrique.le360.ma/tunisie/economie/2020/11/03/32431-tunisie-pres-de-200000-tunisiens-ont-perdu-leur-emploi-cause-du-covid-19-selon-le-patronat-32431/.
10 “L’impact du Covid-19 sur les Entreprises Tunisiennes,” [The Impact of Covid-19 on Tunisian Firms], Institut Arabe des Chefs d’Entreprises (IACE), March 2020, https://iace.tn/limpact-du-covid-19-sur-les-entreprises-tunisiennes/.
11 "الدراسة التشخيصية المنهجية عن تونس: إعادة بناء الثقة والوفاء بالتطلعات من أجل المزيد من الرخاء والشمول"، البنك الدولي، 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، https://www.albankaldawli.org/ar/country/tunisia/publication/tunisia-systematic-country-diagnostic-rebuilding-trust-and-meeting-aspirations-for-more-prosperity-and-inclusion
12 Sarah Yerkes and Thomas Hill, “Tunisian Foreign Policy under Kais Saied,” Carnegie Endowment for International Peace, January 11, 2023, https://carnegieendowment.org/2023/01/11/tunisian-foreign-policy-under-kais-saied-pub-88770.
13 Maurine Mercier, “ Tunisie, Une Personne sur Cinq Veut Quitter le Pays, Selon une Enquête Nationale” [Tunisia: One Out of Five Persons Wants to Leave the Country, According to a National Survey, Radio France Info, December 13, 2021, https://www.francetvinfo.fr/replay-radio/en-direct-du-monde/en-tunisie-une-personne-sur-cinq-veut-quitter-le-pays-selon-une-enquete-nationale_4862551.html.
14 Katharina Natter, “Tunisia’s Migration Politics Throughout the 2011 Revolution: Revisiting the Democratisation-Migrant Rights Nexus,” Third World Quarterly, Volume 43, Issue 7, 2022, pages 1551–1569 https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/01436597.2021.1940126?scroll=top&needAccess=true&role=tab.
15 Souhail Karam, “Surge in Migrant Crossings Brings Tunisia’s Crisis to Europe,” Bloomberg, November 3, 2022, https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-11-03/surge-in-migrant-crossings-brings-tunisia-s-crisis-to-europe?sref=QmOxnLFz#xj4y7vzkg.
16 Abeer Abu Omar and Souhail Karam, “There is No Hope Left: Five Charts Show Tunisia’s Descent,” Bloomberg, January 29, 2023, https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-01-29/-there-is-no-hope-left-five-charts-show-tunisia-s-descent?sref=QmOxnLFz.
17 المصدر السابق.
18 المصدر السابق.
19 عيسى زيادية، "الهجرة عبر صربيا.. "خيط" الأمل الجديد لشباب تطاوين"، موقع انكفاضة، 5 أيلول/سبتمبر 2022، https://inkyfada.com/ar/2022/09/05/الهجرة-عبر-صربيا-خيط-الأمل-الجديد-لشب/
20 Carole Nakhleh and Thomas Lassourd, “Assessing Tunisia’s Upstream Petroleum Fiscal Regime,” Natural Resources Governance Institute, September 2019, https://resourcegovernance.org/sites/default/files/documents/assessing-tunisia-upstream-petroleum-fiscal-regime.pdf.
21 "ولاية تطاوين بالأرقام"، وزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية، تشرين الأول/أكتوبر 2022، http://www.ods.nat.tn/upload/files/pdf/CHIFTATAOUINE.pdf
22 Lilia Blaise, “Tataouine: Tunisia’s Jobless Search for Answers After Deadly Protest,” Middle East Eye, June 13, 2017, https://www.middleeasteye.net/news/tataouine-tunisias-jobless-search-answers-after-deadly-protest.
23 Hassen Boubakri, “Émigration Commerçante en France et Nouveaux Comportements Immobiliers à Ghomrassen, Sud-Est Tunisien” [Business Migration to France and the New Behavior in the Real Estate Market in Ghomrassen, Southeastern Tunisia], Les Annales de la Recherche Urbaine, 1985, No. 25, pages 96–103.
24 Hassan Boubakri, “Les Migrations en Tunisie Après La Révolution” [Migrations in Tunisia After the Revolution], Confluences Méditerranée, 2013/4 (No. 87), p. 31–46, https://www.cairn.info/revue-confluences-mediterranee-2013-4-page-31.htm.
25 حمزة المؤدّب، "الحدود التونسية-الليبية المأزومة: السياسة الأمنية لتونس في مواجهة فصائل الميليشيات الليبية"، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، https://carnegie-mec.org/2020/11/04/ar-pub-83004
26 "أزمة الأعلاف تهدد الثروة الحيوانية في ولاية تطاوين"، باب نات، 14 تموز/يوليو 2016، https://www.babnet.net/rttdetail-128293.asp
27 حمزة المؤدّب، "حدودٌ متوتّرة: كيف أرغمت احتجاجات تطاوين الحكومة على تقديم التنازلات"، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 16 شباط/فبراير 2021، https://carnegie-mec.org/2021/02/16/ar-pub-83885
28 أشرف الشيباني، ""الحلم الأوروبي”: خط البلقان طوق نجاة شباب تطاوين من براثن البطالة"، موقع مشكال، 27 أيلول/سبتمبر 2022، https://meshkal.org/الحلم-الأوروبي-خط-البلقان-طوق-نجاة-شب/
29 المصدر السابق.
30 Khadija Mohsen-Finan interview with Hassen Boubakri, “En Tunisie, la Migration Est Un Projet Partagé par des Pans Entiers de la Société” [In Tunisia, Migration Is a Project Shared Among Large Swathes of Society], Orient XXI, October 19, 2022, https://orientxxi.info/magazine/en-tunisie-la-migration-est-un-projet-partage-par-des-pans-entiers-de-la,5928.
31 هيفاء مزلوط، "الهجرة التونسية في أرقام"، موقع انكفاضة، 18 كانون الأول/ديسمبر 2022،
https://inkyfada.com/ar/2022/12/23/أرقام-هجرة-تونسيون-تونسيات/
32 World Bank, Personal Remittances Received as a Percentage of GDP in Tunisia (1976–2020), https://data.worldbank.org/indicator/BX.TRF.PWKR.DT.GD.ZS?locations=TN.
33 أليس بيسافنتو،"التونسيون·ـات المقيمون بالخارج: حين لا يعترف المال بالحدود"، موقع انكفاضة، 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022،
https://inkyfada.com/ar/2022/12/02/تونسيون-مقيمون-بالخارج-تحويلات-مالية/
34 المصدر السابق.
35 Matt Herbert, “Tunisia: Growing Irregular Migration Flows Amid Worsening Political Fragility,” Global Initiative Against Transnational Organized Crime, July 2022, page 2,
https://globalinitiative.net/wp-content/uploads/2022/06/Human-smuggling-and-trafficking-ecosystems-TUNISIA.pdf.
36المصدر السابق.
37 Vincent Collen, “Migrants : L’Europe Veut Mieux Contrôler la Route des Balkans” [Migrants: Europe Wants to Improve Its Control Over the Balkans Route], Les Échos, December 5, 2022, https://www.lesechos.fr/monde/europe/migrants-leurope-veut-mieux-controler-la-route-des-balkans-1886016.
38 Matt Herbert, “Tunisia: Growing Irregular Migration Flows Amid Worsening Political Fragility.”
39 Yasha Maccanico, “Tunisian Deportees in Italy Denied Rights Under European ‘Migration Management’ Policies That Seek to Exclude,” Statewatch, May 12, 2022,
https://www.statewatch.org/analyses/2022/tunisian-deportees-in-italy-denied-rights-under-european-migration-management-policies-that-seek-to-exclude/.
40 Francesco Bangarra, “Italy gives Tunisia €11m Euro to Stem Migrants Flow,” Arab News, August, 18, 2020, https://www.arabnews.com/node/1721346/amp.
41 Mourad Teyeb, “What’s Behind Tunisia and Italy’s Phantom Migration Pact,” New Arab, February 10, 2022, https://www.newarab.com/features/whats-behind-tunisia-and-italys-phantom-migration-pact.
42 المصدر السابق.
43 Seif Soudani, “Un ‘Accord Tacite’ D’expulsion des Migrants Tunisiens en France?” [A Tacit Agreement to Expel Tunisian Migrants From France?], Courrier de l’Atlas, November 11, 2021, https://www.lecourrierdelatlas.com/un-accord-tacite-dexpulsion-des-migrants-tunisiens-en-france/.
44 Yasha Maccanico, Tunisian Deportees in Italy Denied Rights Under European ‘Migration Management’ Policies That Seek to Exclude.”
45 المصدر السابق.
46 المصدر السابق.
47 “Tunisia: 1,700 Tunisians Sent Back ‘Forcibly’ By Italy, Claims Former MP,” Middle East Monitor, November 22, 2022, https://www.middleeastmonitor.com/20221122-tunisia-1700-tunisians-sent-back-forcibly-by-italy-claims-former-mp/.
48 أشرف الشيباني، ""الحلم الأوروبي": خط البلقان طوق نجاة شباب تطاوين من براثن البطالة".
49 المصدر السابق.
50 "محكمة تطاوين: إيقاف الناطق باسم تنسيقية اعتصام الكامور"، الشارع المغاربي،
https://bit.ly/3Kzq82P
51 نُشرت هذه الدراسة التي تحمل عنوان "دراسة حول وضعية ومسارات المهاجرين.ات التونسيين.ات المرحلين.ات من إيطاليا"، بالاشتراك مع منظمة محامون بلا حدود وجمعية الدراسات القانونية حول الهجرة في إيطاليا والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، آذار/مارس 2022،
https://ftdes.net/ar/etude-sur-les-conditions-de-sejour-et-les-trajectoires-des-migrant-e-s-tunisien-ne-s-rapatrie-e-s-en-italie/
52 Yasha Maccanico, “Tunisian Deportees in Italy Denied Rights Under European ‘Migration Management’ Policies that Seek to Exclude.”
53 Manos Moschopoulos, “The ‘Balkan Route’ Three Years After Its Closure,” European Institute of the Mediterranean (IEMED), Mediterranean Yearbook, 2019, https://www.iemed.org/wp-content/uploads/2021/01/The-Balkan-Route-Three-Years-after.pdf.
54 Tuesday Reitano and Mark Micallef, “Breathing Space: The Impact of the EU-Turkey Deal on Irregular Migration,”Institute for Security Studies, December 8, 2016, https://reliefweb.int/report/turkey/breathing-space-impact-eu-turkey-deal-irregular-migration.
55 Gabriella Sanchez and Luigi Achilli, “Critical Insight on Irregular Migration Facilitation: Global Perspective,” European University Institute, 2019, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/62384/MPC_MSO_Book_2019.pdf?sequence=6&isAllowed=y.
56 Suhail Khmira and Faisal Edroos, “Tunisians Turn to Online Smuggling Networks for Land Route to Europe,” Middle East Eye, December 1, 2022, https://www.middleeasteye.net/news/tunisia-kazawi-army-smuggling-network-europe.
57 المصدر السابق.
58 مقابلة مع مهاجرين سافروا عبر طريق البلقان، باريس، شباط/فبراير 2023.
59 مغني الراب التونسي تاتي ج 13 كتب أغنية تكريمًا للكزاوي، قائد شبكة تهريب،
https://www.youtube.com/watch?v=g6x2dZsk8dE
60 مقابلة مع مهاجرين سافروا عبر طريق البلقان، باريس، شباط/فبراير 2023.
61 المصدر السابق.
62 أشرف الشيباني، ""الحلم الأوروبي”: خط البلقان طوق نجاة شباب تطاوين من براثن البطالة".
63 المصدر السابق.
64 مقابلة مع مهاجرين سافروا عبر طريق البلقان، باريس، شباط/فبراير 2023.
65 المصدر السابق.
66 Sasa Dragojlo, “Crossing Borders: In a Belgrade Café, Codes, Cash and a Cut for the State,” Balkan Insights, June 3, 2021, https://balkaninsight.com/2021/06/03/crossing-borders-in-a-belgrade-cafe-codes-cash-and-a-cut-for-the-state/.
67 Walter Kemp, Kristina Amerhauser, Ruggero Scaturo, “Spot Prices: Analyzing Flows of People, Drugs, and Money in the Western Balkans,” Global Initiative Against Transnational Organized Crime, May 2021, https://globalinitiative.net/wp-content/uploads/2021/05/Spot-Prices-Analyzing-flows-of-people-drugs-and-money-in-the-Western-Balkans-1.pdf.
68 المصدر السابق.
69 Dimitar Bechev, “Hedging its Bets: Serbia Between Russia and the EU,” Carnegie Europe, January 19, 2023, https://carnegieeurope.eu/2023/01/19/hedging-its-bets-serbia-between-russia-and-eu-pub-88819.
70 Suzanne Lynch and Jacopo Barigazzi, “EU Fumes That Serbia is Fanning New Migrant Route,” Politico, October 14, 2022, https://www.politico.eu/article/eu-fumes-that-serbia-is-fanning-new-migrant-route/.
71 Dimitar Bechev, “Hedging its Bets. Serbia Between Russia and the EU.”
72 Paul Taylor, “EU Must Seize the Geopolitical Moment in the Balkans,” Politico, December 14, 2022, https://www.politico.eu/article/eu-balkans-accession-russia-china-geopolitics/.
73 Dimitar Bechev, “What Has Stopped the EU Enlargement in the Western Balkans?” Carnegie Europe, June 20, 2022, https://carnegieeurope.eu/2022/06/20/what-has-stopped-eu-enlargement-in-western-balkans-pub-87348.
74 “After Criticism From the EU, Serbia Will Reduce Number of Flights to Moscow,” Schengen Visa News, March 18, 2022, https://www.schengenvisainfo.com/news/after-criticism-from-the-eu-serbia-will-reduce-number-of-flights-to-moscow/.
75 Dimitar Bechev, “What Has Stopped the EU Enlargement in the Western Balkans?”
76 Luke McGee, “Serbia’s Gas Deal with Putin Has Created a Fresh Headache for Europe,” CNN, June 1, 2022, https://edition.cnn.com/2022/06/01/europe/serbia-russian-gas-eu-analysis-intl-cmd/index.html.
77 المصدر السابق.
78 “EU’s External Borders in 2022: Number of Irregular Border Crossings Highest Since 2016,” Frontex, January 13, 2023, https://frontex.europa.eu/media-centre/news/news-release/eu-s-external-borders-in-2022-number-of-irregular-border-crossings-highest-since-2016-YsAZ29.
79 المصدر السابق.
80 “Serbia Appoints Pro-Russian Politician as New Spy Chief,” Euronews, December 2, 2022, https://www.euronews.com/2022/12/02/serbia-appoints-pro-russian-politician-as-new-spy-chief.
81 Walter Kemp, “Crooked Kaleidoscope Organized Crime in the Balkans,” Global Initiative Against Transnational Organized Crime, June 2017, https://globalinitiative.net/wp-content/uploads/2017/07/OC_balkans.pdf;
انظر أيضًا:
Predrag Petrović and Jelena Pejić Nikić, “Security Sector Capture in Serbia: An Early Study,” Belgrade Centre for Security Policy, Belgrade, June 2020, https://bezbednost.org/wp-content/uploads/2020/06/NED-eng-screen-fin.pdf;
انظر أيضًا:
Jelena Pejić Nikić, “Fighting Organized Crime in a Captured State: Is Serbia’s ‘War on Mafia’ Genuine?” Italian Institute for International Political Studies (ISPI), October 8, 2021, https://www.ispionline.it/en/publication/fighting-organized-crime-captured-state-serbias-war-mafia-genuine-31920.
82 Sasa Dragojlo, “With Police Connections, Serbian-Syrian Translator Turned People-Smuggler,” Balkan Insight, June 22, 2022, https://balkaninsight.com/2022/06/22/with-police-connections-serbian-syrian-translator-turned-people-smuggler/.
83 Sasa Dragojli, “Shootings, Stabbing Reported Near Serbian Migrant Camp,” Balkan Insight, June 24, 2022, https://balkaninsight.com/2022/06/24/shootings-stabbing-reported-near-serbian-migrant-camp/.
84 Sasa Dragojlo, “In Serbia, State’s Ties to Crime Become Hard to Miss,” Balkan Insight, February 16, 2021, https://balkaninsight.com/2021/02/16/in-serbia-states-ties-to-crime-become-hard-to-miss/.
85 European Commission, Directorate-General for Communication, “A Credible Enlargement Perspective for An Enhanced EU Engagement with the Western Balkans: Six New Flagship Initiatives to Support the Transformation of the Western Balkans,” Publications Office, 2018, https://data.europa.eu/doi/10.2775/902991;
انظر أيضًا:
Bojan Elek, “The Fight Against Organized Crime in the Balkans: The EU’s Push and Pull,” Italian Institute for International Political Studies (ISPI), October 15, 2021 https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/fight-against-organized-crime-balkans-eus-push-and-pull-31875.
86 Freedom House, “Serbia: Freedom in the World 2022,” Country Report, https://freedomhouse.org/country/serbia/freedom-world/2022.
87 Srda Pavlovic, “Montenegro’s ‘Stabilitocracy’: The West’s Support of Đukanović is Damaging the Prospects of Democratic Change,” LSE Blog, December 23, 2016, https://blogs.lse.ac.uk/europpblog/2016/12/23/montenegros-stabilitocracy-how-the-wests-support-of-dukanovic-is-damaging-the-prospects-of-democratic-change/.
88 Paul Taylor, “EU Must Seize the Geopolitical Moment in the Balkans.”
89 Jacopo Brigazzi, “EU Preps Plan to Quell Migrant Influx from the Balkans,” Politico, November 24, 2022, https://www.politico.eu/article/eu-preps-plan-to-quell-migrant-influx-from-the-balkans/.
90 Sasa Dragojlo, “Serbians’ EU Visa-Free Travel Threatened by Migration Policy,” Balkan Insights, October 14, 2022, https://balkaninsight.com/2022/10/14/serbians-eu-visa-free-travel-threatened-by-migration-policy/.
91 “Une Soixantaine de Tunisiens Détenus à L’aéroport de Belgrade” [Some Sixty Tunisians Are Detained at Belgrade Airport], Kapitalis, October 2022, https://kapitalis.com/tunisie/2022/10/31/une-soixantaine-de-tunisiens-detenus-a-laeroport-de-belgrade/.
92 “4,890,639 Refugees from Ukraine registered for Temporary Protection or similar national protection schemes in Europe,” Operational Data Portal, UNHCR, March 7, 2023, https://data.unhcr.org/en/situations/ukraine.
93 Tuesday Reitano and Mark Micallef, “Breathing Space: The Impact of the EU-Turkey Deal on Irregular Migration”.
94 Tommaso Siviero, “Cubans Exploit Russia, Serbia Visa Deals to Hit Balkan Migration Path,” Balkan Insight, September 15, 2022, https://balkaninsight.com/2022/09/15/cubans-exploit-russia-serbia-visa-deals-to-hit-balkan-migration-path/.
95 Eric Maurice, “EU Hails First Result in Africa Migration Deals,” EU Observer, October 18, 2016, https://euobserver.com/migration/135551.
96 Arturo Varvelli and Matteo Villa, “Italy’s Libyan Conundrum: The Risks of Short-Term Thinking,” European Council on Foreign Relations (ECFR), November 26, 2019, https://ecfr.eu/article/commentary_italys_libyan_conundrum_the_risks_of_short_term_thinking/.
97 Alia Fakhry, Rodrick Perkes, Andras Racz, “Migration Instrumentalization: A Taxonomy for An Efficient Response.”
98 “EU Braces for Migrants Spurred by Food Crisis,” EURACTIV, July 12, 2022,
https://www.euractiv.com/section/justice-home-affairs/news/eu-braces-for-migrants-spurred-by-food-crisis/.