في فبراير خرج التونسيون إلى الشوارع معترضين على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون المقررة لبلادهم في نوفمبر2005 لحضور القمة العالمية للمعلومات. فدعوة شارون، الذي ينظر إليه كثير من التونسيين وغيرهم من العرب على أنه مجرم حرب، كانت قرارا غير ديموقراطي من جانب النظام التونسي اتخذ ضد إرادة الشعب التونسي. باتخاذ ذلك القرار، كان النظام يأمل أن يقلل ضغط الولايات المتحدة وانتقادها للانتخابات الرئاسية التونسية في أكتوبر الماضي. فمن خلال إجراءات أمنية ضخمة وتعديلات دستورية مفضوحة، كسب الرئيس زين العابدين بن علي الانتخابات بما يزيد عن 95 بالمائة من الأصوات، مواصلا بذلك حكمه الذي لم ينقطع منذ 1987. وكثيرا أيضا ما يعترض آخرون - من بينهم المصريون والمغاربة والأردنيون والعمانيون والموريتانيون - على ما تتبناه حكوماتهم من تطبيع العلاقات مع إسرائيل لإرضاء الولايات المتحدة.
لا ترى الولايات المتحدة التطبيع، الذي يشغل قمة قائمة المسائل التي تمارس من أجلها ضغطا على الحكومات العربية، باعتباره إملاءً لا شعبية له مفروضا على الناس. فمن منظور الإدارة الأمريكية الحالية، لا أساس للربط المثير للخلاف بين مسألتي الديموقراطية في العالم العربي وفلسطين / إسرائيل. الحقيقة، أنه ليس كذلك. فهما مرتبطان ارتباطا وثيقا ولهما تأثير قوي متبادل. فبقاء المسألة الفلسطينية من دون حل مصدر رئيسي لصرف الاهتمام عن سبيل إقرار الديموقراطية في المنطقة. فالنظرة العربية التقليدية القائلة بأن حل المسألة الفلسطينية شرط مسبق للديموقراطية في البلدان العربية، حتى في أماكن بعيدة عن فلسطين مثل تونس والرباط ومسقط ونواكشوط، ما زالت واسعة الانتشار كما كانت أبدا. وبينما سيفتح ضغط الولايات المتحدة على الأنظمة العربية للإصلاح مسالك محدودة، فإن التحول الحقيقي نحو الديموقراطية يتوقف على التأييد الكامل والنشيط للشعوب العربية. وطالما لم يتم التوصل إلى حل عادل للمسألة الفلسطينية، فإن سياسات الولايات المتحدة - بما فيها الترويج للديموقراطية - سيستمر النظر إليها على أنها غير مخلصة ومنافقة.
من بين أسباب التشكك العربي في ترويج الولايات المتحدة للديموقراطية حقيقة أن تلك السياسة حافلة بالمتناقضات.أولا، هناك المقايضة المعروفة جيدا للقلق بشأن الإصلاح الداخلي لصالح ضمان مصالح استراتيجية معينة للولايات المتحدة، مثل التعاون فيما يسمى الحرب على الإرهاب. ثم هناك السؤال غير المجاب حول كيف ستنظر الولايات المتحدة إلى الانتصار المحتمل للحركات الإسلامية في انتخابات ديموقراطية إذا جرت في حرية ونزاهة. هناك أيضا موقف الولايات المتحدة المتناقض فيما يتعلق بصعود إعلام عربي حر وديموقراطي نسبيا (مثل "الجزيرة")، حيث تضغط الولايات المتحدة على الحكومات لإسكات ما يراه الكثيرون على أن المنتدى الديموقراطي النشيط الوحيد في المنطقة. تناقض آخر هو الطعن والإيذاء غير المباشرين للناشطين الديموقراطيين العرب المحليين، الذين يتزايد النظر إليهم على أنهم عملاء أمريكيين. أما الأكثر تدميرا من غيره فهو دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل برغم احتلالها للأراضي الفلسطينية.
إن الاحتلال العسكري لأي شعب، مثل الحكم العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين، هو أسوأ أشكال السلطوية وينتهك المفاهيم الأساسية للديموقراطية. إن ترك هذه الحالة الكارثية من دون حل مع التركيز على الإصلاح في البلدان العربية، بزعم إلحاح الحاجة إلى الديموقراطية، نفاق. إضافة إلى ذلك، فإن ممارسة الضغط على البلدان العربية نفسها لتفتح علاقات مع إسرائيل التي لا تلين - بأسلوب غير ديموقراطي وضد إرادة شعوبها - ليس فقط مدمرا لأي عملية للتحول الديموقراطي بل يفضح خواء المسعى برمته.
الأنظمة العربية على درجة من البراعة بحيث ترى أن بوسعها استخدام خطوات التطبيع مع إسرائيل للتخفيف من الضغط الأمريكي من أجل التحول إلى الديموقراطية. هكذا، ما لم تنقل حل المسألة الفلسطينية / الإسرائيلية إلى قمة جدول أعمالها، فإن النتيجة النهائية لسياسة الولايات المتحدة بشأن الديموقراطية ستكون في أفضل الأحوال استنساخ وإعادة تغليف للنموذجين المغربي والأردني للديموقراطية. بعبارة أخرى، إن المزيد من الإجراءات الإصلاحية التجميلية ستواصل تغطية أنماط حكم سلطوية.
** خالد الحروب هو مدير "مشروع كيمبريدج للإعلام العربي ومؤلف " حماس: الفكر السياسي والممارسة" ( واشنطن: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2000).