REQUIRED IMAGE

REQUIRED IMAGE

مقال

الولايات المتحدة والإصلاح السياسي في مصر: عهد جديد

عند تغطية زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى مزرعة جورج بوش في تكساس في 12 أبريل، ركزت الصحافة على تأييد بوش لخطة أرييل شارون بالانسحاب من قطاع غزة.

نشرت في ٩ سبتمبر ٢٠٠٨

عند تغطية زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى مزرعة جورج بوش في تكساس في 12 أبريل، ركزت الصحافة على تأييد بوش لخطة أرييل شارون بالانسحاب من قطاع غزة. وأغفل كل المعلقين تقريبا الجانب الأبرز لزيارة مبارك: ألا وهو طرح رئيس أمريكي موضوع الديموقراطية مع نظيره المصري للمرة الأولى.

وفي حين أن مبارك لم يكن راضيا بالتأكيد عن الموقف الذي اتخذه بوش فيما يتعلق بالمسائل الفلسطينية الشهر الماضي، فإن تحول مجرى الأحداث هذا صب في مصلحته أيضا من خلال صرف الانتباه عن تعليقات بوش خلال الاجتماع الثنائي والمؤتمر الصحافي الذي تلاه. وصرح بوش قائلا: "أنا والرئيس مبارك تكلمنا عن مستقبل المنطقة وعن مصر. ومثلما مهدت مصر السبيل إلى السلام في الشرق الأوسط، فإنها ستكون نموذجا ديموقراطيا يقتدى به في المنطقة من خلال دعم المؤسسات الديموقراطية وتعزيز المشاركة السياسية". غير أن هذه التصريحات لم تثر أي تعليقات إعلامية، بالرغم من أنه وقبل الزيارة حث أعضاء بارزون في الكونغرس، إضافة إلى المقالة الافتتاحية في صحيفة واشنطن بوست، بوش على طرح مسألة الديموقراطية مع مبارك. ولعل المراقبين أساؤوا تفسير معنى تصريحات بوش العلنية بسبب الطريقة الإيجابية التي صيغت بها، مع أن أي شخص مطلع على الاجتماعات الرئاسية يعرف أن أي انتقاد لقائد صديق خلال اجتماع يصاغ عادة بعبارات ملطفة.

لقد كانت الإصلاحات الاقتصادية في مصر موضوعا أساسيا على جدول الأعمال الأمريكي المصري خلال السنوات الـ 20 الماضية، كما أن حقوق الإنسان والإصلاحات السياسية انتقلت إلى مرحلة التطبيق خلال السنوات الخمس الماضية. لكن أهم الاتصالات الثنائية – بين الرئيس الأمريكي والرئيس المصري – ركزت على المسائل الإقليمية مثل إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، ومناهضة الإرهاب، والعراق. لذلك، وحتى الآن، يعتقد المصريون أن المسائل الإقليمية هي كل ما يهم الولايات المتحدة. ولهذا السبب شكلت رسالة بوش إلى مبارك في أغسطس 2002 التي عبّر فيها عن قلقه إزاء قضية سعد الدين إبراهيم، الناشط في مجال حقوق الإنسان، صدمة للمصريين، رغم أن السفير الأمريكي في القاهرة وحتى وزير الخارجية الأمريكي، يناقشان المسألة مع الحكومة المصرية منذ اعتقال إبراهيم عام 2000. فمن الواضح أنه إذا ما أحجم الرئيس الأمريكي عن طرح مسألة ما، لن يأخذها الرئيس مبارك أو ربما أي قائد أجنبي على محمل الجد.

بيد أن الرئيس بوش خرق هذا النمط الآن. فتعليقاته والبيان المشترك الذي تمت مناقشته بدقة (والذي يشير إلى أن الجدال المستمر حول الإصلاحات في المجتمع المصري وبيان الإسكندرية حول الإصلاحات العربية في مارس 2004 يؤمن "أساسا بنّاء للمزيد من الجهود الهادفة إلى الديموقراطية والتنمية") تتضمن دعوة واضحة وتوقعات لاتخاذ خطوات هامة نحو إصلاحات سياسية. وفي حين أن دعم مبارك لإعلان الإسكندرية لا يُلزمه بتطبيق أي إجراءات محددة، فهو يقدم لإدارة بوش جدول أعمال محليا لمباشرة الإصلاحات مع مبارك. والسؤال المطروح الآن هو ماذا سيكون تأثير تصريحات بوش في مصر. كدولة فخورة بسجل من القيادات الإقليمية في التاريخ القديم والحديث، فإنه يصعب على مصر تقبل الأوامر الخارجية فيما يتعلق بسياساتها الداخلية. إلا أن النقاشات الدولية الحالية حول الديموقراطية والإصلاحات ذات تأثير كبير، ويبرهن مبارك وحزبه الوطني الديموقراطي الحاكم أنهما يشعران بالحاجة إلى التجاوب معه. وأكثر مؤشر واعد للتغيير هو الجدال العام الجاري بشأن إبطال قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1981. وقد أعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عينته الحكومة تقريرا حول الموضوع لوزيري الداخلية والعدل. غير أن إبطال قانون الطوارئ لن يلغي القوانين التقليدية والبنود الدستورية التي تحرم المصريين القدرة على تغيير حكومتهم، لكنها ستكون خطوة رمزية مهمة وسيكون لها تأثير إيجابي في مجال احترام حقوق الإنسان. وسيضع إبطال ذلك القانون أيضا الحكومة المصرية أمام عدد من المشكلات العملية الصعبة، منها مثلا ما يتوجب فعله بشأن أكثر من 15000 معتقل إداري في السجون حاليا (معظمهم إسلاميون) والحاجة إلى إعادة تدريب جيل كامل من ضباط الشرطة والأمن للقيام بأعمالهم بسلطات محدودة.

أما الولايات المتحدة، فسيتوجب عليها الثبات والمضي حتى النهاية في تعزيز الإصلاحات، لأن صانعي السياسات المصريين معروفون بصمودهم أكثر من نظرائهم الأمريكيين في المسائل طويلة الأمد. ومما لا شك فيه أنه ستضر خطوات أمريكية أخرى مثل دعم مواقف شارون وإساءة معاملة المعتقلين في العراق كلاً من جهود الإدارة المتعلقة بالديموقراطية والإصلاحات. ولكن بالرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة فتحت صفحة جديدة في علاقتها الثنائية مع مصر في لقاء 12 أبريل – ومن الواضح أن مسألة الإصلاحات السياسية مدرجة فيها. وهذه الخطوة جديرة بالتنويه والثناء.

** ميشيل دن أستاذة لغة عربية في جامعة جورج تاون. وكانت مديرة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي عامي 2002 و2003.

 
 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.