المصدر: Getty
مقال

مقال مصوّر: رُفِعت الستارة في بغداد

يؤشّر مهرجان المسرح الجديد في العراق إلى انتهاء عزلة بغداد الثقافية، على الرغم من استمرار العقبات الأمنية والرقابية التي تعانيها البلاد منذ بضعة عقود.

 أنجيلا بوسكوفيتش
نشرت في ٢١ نوفمبر ٢٠١٣

يؤشّر مهرجان بغداد الدولي الأول للمسرح الذي نُظِّمت فعالياته بين 22 و30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في المسرح الوطني الذي جرى ترميمه مؤخراً في العاصمة العراقية، والذي قُدِّمت خلاله عروض عراقية إلى جانب مسرحيات من أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى انتهاء عزلة بغداد الثقافية، على الرغم من استمرار العقبات الأمنية والرقابية التي تعانيها البلاد منذ بضعة عقود.

قد نميل إلى تناسي الخطر عند مشاهدة مسرحيات حائزة على جوائز، إلا أن التهديد بتعرّض مؤسسة ثقافية رمزية إلى الهجوم لايزال حقيقياً. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2008، انفجرت سيارة مفخّخة خارج مبنى المسرح الوطني، ماأسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وقبل شهر من هذا الانفجار، سقطت قنابل على المبنى قبل ساعات من العرض الافتتاحي، إلا أن العرض استمرّ وامتلأت القاعة بالحضور. وخلال مهرجان بغداد الدولي للمسرح الذي امتدّ ثمانية أيام، انتشر وجود أمني مكثّف حول مبنى المسرح الوطني وفي الشوارع المجاورة في حي الكرادة في وسط بغداد، وجرى تفتيش روّاد المهرجان قبل دخول القاعة التي تتّسع لثمانمئة مقعد. على الرغم من خطر الهجمات، كانت الحشود مصمّمة على رؤية الستارة تُرفَع. قال مرتضى، 23 عاماً: "كثرٌ بيننا لم يعودوا يخشون القنابل". وأضاف: "ربما كنّا نخاف قليلاً، لكن ثمة شعور ما في داخلنا يدفعنا إلى الذهاب إلى المهرجان لأن الفن أقوى من أي شيء آخر". (في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، نجا مرتضى بأعجوبة من تفجير أسفر عن سقوط ما لايقل عن سبعة قتلى خارج أحد المطاعم على مقربة من المسرح الوطني.)

قال قاسم زيدان، المدير العام لمسرح "منتدى المسرح" (الذي يعمل مع المسرح الوطني) وأمين عام المهرجان، إن المهرجان هو مناسبة "للترحيب بالعالم في بغداد وفتح مسرحها أمام عروض جميلة" - وذلك في تناقض صارخ مع صورة المجازر المتواصلة ومظاهر الحداد التي انطبعت بها المدينة. واقع الحال هو أنّ مهرجان المسرح من المحطات الدولية القليلة في بغداد التي تهدف إلى كسر عزلة المدينة الثقافية، وقد استقطب ضيوفاً من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبنسبة أقل من أوروبا والجاليات العراقية في الخارج. ولم يردع خطر العنف الناس الذين كانوا يصطفّون يومياً خارج المسرح بانتظار الدخول. وامتلأت العروض بالحشود إلى درجة أنّ البعض وقفوا بمحاذاة الجدران. وقد عمل زيدان على تحضير برنامج المهرجان الدولي مع هيلا مويس، وهي منتِجة ثقافية مستقلّة من ألمانيا طوّرت أيضاً مشروعبرنامجها المسرحي الخاص بالعراق تحت بعنوان "ستامبا" (STAMBA)، والذي قُدّمت خلاله العروض الأولى لأربع مسرحيات من توقيع مخرجين من مصر وألمانيا وفرنسا والعراق مباشرةً بعد انتهاء مهرجان بغداد. وقد أجريت العروض التي تطرّقت إلى موضوع الكليشيهات، في مسرح آخر، ومن المقرّر أن تنطلق في جولة.

تقول مويس التي تمثّل أيضاً معهد غوتيه الألماني في بغداد، إن المسرحيات باتت أكثر استفزازية من السابق، بفضل انفتاح الساحة الثقافية وتعطُّش العراقيين إلى الأحداث الثقافية: "يُقدَّم الآن مزيدٌ من العروض التي تتضمّن نقداً اجتماعياً وتتناول المسائل العائلية. ولم يكن هذا ممكناً حتى قبل ثلاث سنوات. يتطرّق الناس شيئاً فشيئاً إلى هذه المواضيع". في خلال السبعينيات والثمانينيات، عندما كان عدد كبير من الفنّانين العراقيين يُكملون تحصيلهم العلمي في الخارج، بلغ التعاون أوجه بين المسرح العراقي والشركات في روسيا وألمانيا الغربية وبريطانيا. إلا أن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد حرب الخليج والأحداث التي وقعت بعد العام 2003، تسبّبت بوقف هذه التبادلات، فغرق العراق في نوع من العزلة الثقافية. كما أنّ استخدام الفن بهدف البروباغندا، وقمع الأعمال الانتقادية في ظل حزب البعث بزعامة صدام حسين أوصَدا أيضاً الأبواب في وجه الإنتاجات المسرحية المستقلة. يتذكّر الممثّل والمخرج فاضل عباس اليحيى الذي يقدّم عروضاً بانتظام في المسرح الوطني، عرضاً نُظِّم في العام 1992 وتضمّن انتقاداً للغزو العراقي لدولة الكويت والنزعة العسكريتارية؛ وكانت النتيجة "تعرُّض المخرج إلى الترهيب بسبب العرض... كان هناك خليط نقدي في الفن في ذلك الوقت، ولكن لم يكن بالإمكان انتقاد صدام بصوت عالٍ. من ينتقده، كانوا يبحثون عنه ويجدونه"، كما يقول اليحيى.

بعد اجتياح العام 2003، واجه المسرح العراقي عقبة جديدة. ففي خضم الفراغ الأمني، توجّه اليحيى وزملاؤه الفنّانون إلى المسرح لحمايته من اللصوص، ومكثوا فيه فترةً عملوا في خلالها على تهريب أرشيفه إلى مكان آمن في كنيسة مجاورة. يروي اليحيى: "كانت القوات العسكرية الأميركية في كل مكان. نحن الفنّانين رحنا نتوسّل الجنود لمساعدتنا على حماية تاريخ المسرح الوطني لأننا لم نكن نستطيع القيام بذلك بمفردنا. أصبح لوننا أسود بسبب الغبار الذي تطاير علينا من آلاف الملفات التي نقلناها من المسرح". وفي خلال محاولة الفنّانين إنقاذ الأرشيف، اعتقد الجنود الأميركيون أنهم لصوص واعتقلوهم فترةً قصيرة. يروي اليحيى: "كانت أيدينا مكبّلة وكان علينا أن نشرح للكولونيل أننا نحاول إنقاذ مسرحنا". ويضيف: "وقع دمار هائل هنا. علينا أن نتحمّل كفنّانين مسؤوليتنا في مساعدة العراق ومساعدة بعضنا بعضاً". أعيد افتتاح المسرح الوطني في تشرين الأول/أكتوبر 2009 لأول مرة منذ الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، وكانت تُنظَّم فيه عروض مسائية؛ والآن يُقدّم المسرح عروضاً كوميدية ومسرحية بصورة منتظمة، إلى جانب العروض التي تحييها الأوركسترا السمفونية الوطنية العراقية.

اليوم، وعلى الرغم من أنّ منظمة "مراسلون بلا حدود" تصنّف العراق في "وضع صعب" على صعيد حرية الصحافة، يؤمّن المسرح ملتقى لمناقشة المسائل المختلفة خارج الإعلام من خلال الشخصيات والرموز. تقول الإيرانية فارين زاهدي التي كانت عضواً في لجنة التحكيم الدولية في المهرجان: "المدينة في حالة فوضى تامة، لكنّ المسرح رائع جداً. يجيدون التأمل في الوضع الذي يعيشونه والتعبير عن أنفسهم". وتنوّه زاهدي بمسرحيتَين عراقيتين على وجه التحديد، إحداهما هي مسرحية "توبيخ" التي تتطرّق بطريقة غير مباشرة إلى الأحداث التي تشهدها البلاد منذ العام 2003، والتي تتميّز بتركيبتها. تقول زاهدي: "تشعر بالاجتياح من خلال الذباب الذي يحوم في المكان. والاحتجاج الذي لم يحظ العراقيون قط بفرصة تنظيمه تجسَّد على المسرح. ورأينا حتى في المسرحية السلسلة التي يستخدمونها في أبو غريب لربط السجناء. إنها طريقة لاستخدام المسرح بهدف التعبير بقوّة عن الظروف المحيطة بنا، ولابد لنا من احترام هذا الأسلوب المسرحي".

مُنِحت جائزة أفضل مخرج وأفضل ممثّلة للمسرحية العراقية "كامب" (Camp)، وهو عمل ينتمي إلى الفن مابعد الحداثي، ويتوقّف عند التقلبات العاطفية التي يختبرها العراقيون يومياً، من الخوف والحب إلى السرّية والعزلة. تشرح زاهدي: "كان الأمر أشبه بعزف مقطوعة موسيقية لناحيتَي الإيقاع والعمل الجماعي. ليست الشخصيات نهائية، بل تُظهر مشاعرها من خلال وضعيات مختلفة حيث تُفتَح الأبواب وتُغلَق، ويتحسّس الجمهور تلك المشاعر".

في العراق حيث يقول شباب كثر إنهم لايهتمّون بالسياسة لأنهم يعتبرون أنها بعيدة عن حياتهم ومشاغلهم اليومية، ليس المسرح مجرد ترفيه، بل مساحة للتأمّل والتعبير عن النفس أيضاً. جمهور المسرح المتزايد هو مايعكس، أكثر من المسرحيات بحدّ ذاتها، انفتاح المساحة الفنّية في العراق. تقول جيسيكا قاوا من أوغندا، وهي أيضاً عضو في لجنة التحكيم في مهرجان بغداد الدولي للمسرح: "لا مسرح من دون جمهور. في البلدان التي تعاني نقصاً في التعليم أو شهدت صدمة ما، يُتيح المسرح التواصل وبناء أمر ما".

يقول زيدان الذي يعمل على تنظيم مهرجانات جديدة وأنشطة دولية مع فرق شبابية يشرف عليها: "أنا متفائل جداً بشأن مستقبل المسرح في العراق. أريد أن أستخدم منصبي لتطوير شيء جديد بكل ما للكلمة من معنى".

أنجيلا بوسكوفيتش كاتبة وباحثة ومنتجة ثقافية مقيمة في القاهرة.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

* تصليح: ذكرت النسخة السابقة خاطئاً أن قاسم زيدان هو مدير المسرح الوطني. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.