تتردّد أصداء الأحداث في العراق حيث يُلحق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الهزيمة بالقوات الحكومية منذ 10 حزيران/يونيو الجاري، في مختلف أنحاء المنطقة. وفي لبنان، أثارت انتصارات داعش مخاوف من تعرّض حزب الله لمزيد من الهجمات على خلفية دوره في دعم بشار الأسد. كما أنها أحدثت تحولاً في خريطة المعارك في سورية، مادفع بحزب الله إلى زيادة تدخّله في النزاع وتسبّب بإضعافه على الساحة الداخلية.
بعد التقدّم الذي حقّقه تنظيم داعش في العراق، تردّد أنه يخطّط لشن هجمات على مستشفيات ومؤسسات تابعة لحزب الله. فقد كشفت معلومات استخباراتية جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه)، وأطلعت السلطات اللبنانية عليها، عن مخطّط لاغتيال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي يُعتبَر حليفاً لحزب الله. فردّ الحزب والقوى الأمنية بتعزيز الإجراءات الاستباقية، بما في ذلك عبر تسيير دوريات عند الحدود، وإقامة حواجز تفتيش وسواتر إسمنتية، وتنفيذ مداهمات للقبض على أشخاص يُشتبَه بضلوعهم في أعمال إرهابية.
يبدو أن هذه الإجراءات نجحت في إحباط هجومَين كانا يستهدفان الحزب. ففي 20 حزيران/يونيو الجاري، فجّر انتحاري نفسه عند حاجز تفتيش في ضهر البيدر، على الطريق الذي يربط بين بيروت ودمشق، مما أسفر عن مقتل مؤهّل في قوى الأمن الداخلي، 49 عاماً، وإصابة 32 آخرين بجروح، فتجدّدت الهجمات الانتحارية في لبنان بعدما كانت قد توقفت طيلة 12 أسبوعاً. وبحسب المعلومات، تحوّل الانتحاري نحو البقاع بعدما فشل في عبور حواجز تفتيش أخرى للوصول إلى بيروت. وتبعه تفجير ثانٍ في 23 حزيران/يونيو الجاري أسفر عن مقتل مفتّش في الأمن العام وإصابة 19 شخصاً بجروح. وقع الانفجار في منطقة الطيونة، على مقربة من حاجز تفتيش عسكري عند مدخل الضاحية الجنوبية التي تُعتبَر معقل حزب الله. مجدداً، يبدو أن وجود حواجز التفتيش التابعة لقوى الأمن اللبناني أحبط المخطّط الذي كان الانتحاري ينوي تنفيذه، فلم يتمكّن من بلوغ الهدف.
منذ تموز/يوليو من العام الماضي، تحوّل حزب الله هدفاً للهجمات بالسيارات المفخخة، وقد تعرّضت منطقة الضاحية حيث معقل الحزب، لستة انفجارات. وكانت غالبية هذه الهجمات من تنفيذ مجموعات سنّية متشدّدة، وقد تبنّى تنظيم داعش واحدة منها على الأقل. في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تمكّن النظام السوري، من خلال عملية عسكرية شنّها بدعم من حزب الله، من استعادة بلدة يبرود في منطقة القلمون الجبلية في سورية، والتي كانت تشكّل مركزاً أساسياً لتجهيز السيارات المفخخة من جانب الجهات التي تستهدف حزب الله في البقاع وبيروت. واقترن هذا الأمر مع تطبيق القوى الأمنية اللبنانية خطة أمنية في طرابلس والبقاع لدرء التداعيات التي يمكن أن تترتّب عن هجوم القلمون، ونشر الهدوء في تلك المناطق، ماساهم في حدوث تراجع حاد في الهجمات ضد حزب الله. بيد أن موجة العنف الأخيرة تشير إلى أن الأحداث في العراق بثّت، على الأقل مؤقتاً، زخماً جديداً في المعركة ضد الميليشيا اللبنانية.
شكّلت مشاركة الميليشيات الشيعية القادمة من العراق مكوّناً أساسياً في الحملة للسيطرة على يبرود. وقد سارع الحزب إلى التعاون مع هذه الميليشيات منذ نيسان/أبريل الماضي، تزامناً مع اضطلاعه بدور أكثر علنية في الدفاع عن نظام الأسد. فقد تدرّب عناصر الحزب، بطلب من إيران، إلى جانب المقاتلين العراقيين وحاربوا معهم وتولّوا قيادتهم. وكان للتعاون والاندماج بينهم دور حاسم في الانتصارات التي حقّقها النظام السوري في دمشق وحمص وحلب التي تشكّل ساحات معارك أساسية في استراتيجية الاستنزاف التي ينتهجها الأسد. وقد أتاح وجود الميليشيات العراقية لقوة حزب الله الأصغر حجماً، فضلاً عن فلول الوحدات النخبوية وسواها من الوحدات الموالية للنظام في سورية، قيادة الهجمات ومن ثم تسليم الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها إلى حلفائهم الأقل خبرة الذين يستعدّون الآن للعودة إلى ديارهم.
يعود المقاتلون الشيعة، منذ أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى العراق بهدف الدفاع عن حكومة نوري المالكي في مواجهة التمرد الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية غرب البلاد. فعلى ضوء التقدّم الخاطف الذي حقّقه تنظيم داعش خلال الشهر الجاري، والتهديدات بتدمير المقامات الشيعية المقدّسة، والدعوة التي وجّهها آية الله العظمى علي السيستاني لحمل السلاح، يسلك المقاتلون العراقيون الآن طريق العودة إلى ديارهم بهدف كبح تقدّم المتشدّدين. وقد أسفرت موجة العودة هذه عن مغادرة نحو ألف مقاتل عراقي الأراضي السورية، ما أحدث ثغرة في خطة المعارك التي وضعها النظام السوري، ويعوّل الأسد وإيران على حزب الله لسدّ هذه الثغرة.
قام حزب الله بإرسال ألف مقاتل للدفاع عن المقامات الشيعية في سورية، في رواية تهدف إلى التغطية على تدخّل الحزب المتزايد في النزاع. نظراً إلى أن أعداد المقاتلين الشيعة العراقيين في سورية تُقدَّر بنحو ثمانية آلاف عنصر ينتمون إلى مجموعات مختلفة منها لواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق، سوف يتطلّب استبدالهم التزاماً أكبر بكثير من جانب كوادر حزب الله، مايؤدّي إلى إضعاف الحزب في سورية والداخل اللبناني على السواء.
واجه حزب الله مؤخراً تصعيداً في الهجمات في منطقة القلمون، على الأرجح بسبب مغادرة المقاتلين العراقيين والثغرة الأمنية التي تركوها وراءهم. فقد أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان في 11 حزيران/يونيو الجاري أن 14 عنصراً من حزب الله لقوا مصرعهم خلال هجوم للثوّار في المنطقة، في حين أعلن الثوار أن عدد القتلى في صفوف حزب الله وصل إلى 29. رداً على هذه الهجمات حول رنكوس وعسل الورد، شنّ النظام السوري وحزب الله هجوماً في 21 حزيران/يونيو الجاري لتمشيط القلمون حيث يُعتقَد أنه لايزال هناك نحو ثلاثة آلاف متمرّد. يعتبر طوني بدران، الخبير في شؤون حزب الله في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن الحزب سيستغلّ علاقته مع الجيش اللبناني من أجل تأمين منطقة القلمون من الجانب اللبناني1.
يبدو الآن أن الهجوم المشترك الذي يشنّه النظام السوري وحزب الله على القلمون هو في جزء منه خطوة استباقية للتعويض عن التحوّلات الراهنة التي تُخلّ بتوازن العديد البشري، وإحكام السيطرة على المنطقة الحدودية، في هذه المرحلة التي يرتدي فيها تدخّل حزب الله في سورية أهمية متزايدة بالنسبة إلى نظام الأسد. ليس واضحاً كم ستستغرق هذه الحملة كي تظهر نتائجها إلى العلن، إلا أنه من الواضح أن مساهمة حزب الله في الاستيلاء على هذه المناطق المضطربة والحفاظ على السيطرة عليها، سوف تزيد وتصبح بدورها فاضحةً أكثر مع اشتداد التشنّجات المذهبية.
من شأن حزب الله أن يعتمد أكثر على الاحتياطي لسد الثغرة التي خلّفتها المجموعات العراقية، فيزيد من أعداد مقاتليه في سورية، والتي تبلغ حالياً خمسة آلاف عنصر. وسوف يسبّب هذا الالتزام مزيداً من الاستنزاف لإمكانات التنظيم الذي أنهك القتال في سورية عدداً كبيراً من عناصرهكما أنه يؤجّج من جديد مخاوف الشيعة من التعرّض للاستهداف على أيدي الثوّار السوريين وحلفائهم اللبنانيين. وفي حال أدّى الجيش اللبناني دوراً ضمنياً في عملية القلمون، سوف يعتبر عدد كبير من السنّة في لبنان أن التعاون بينه وبين حزب الله يقدّم دليلاً إضافياً على سيطرة الشيعة على النظام السياسي في البلاد ومؤسساته الأمنية.
قال حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، متباهياً خلال اجتماع لقيادات الحزب مؤخراً: "نحن مستعدون لتقديم الشهداء في العراق أكثر خمس مرات مما سقط بسورية…". نظراً إلى تورّط حزب الله الشديد في سورية وتفاقُم الحالة الأمنية في لبنان، تُطرَح علامة استفهام حول قدرة الحزب على إرسال فرقة كبيرة لحماية المقامات الشيعية المقدسة في العراق. يبدو أن المشاكل التي يواجهها الحزب نتيجة الأحداث العراقية ستضعه في مأزق في الداخل اللبناني وفي سورية أكثر منه في العراق نفسه.
ألكسندر كورباي كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجلس كندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يساهم بانتظام في صدى. يمكنكم متابعته على تويتر: alex_corbeil@.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
1. مقابلة مع الكاتب. ↩