في 15 نيسان/أبريل الجاري، أقرّ مجلس الوزراء المصري تعديلات القانون الانتخابي الذي اعتُبِرت بعض مواده غير دستورية الشهر الفائت. بعد عامٍ من الاضطرابات المستمرة، كان يُتوقَّع أن تساهم الانتخابات النيابية، التي كان من المقرّر إجراؤها في 21 آذار/مارس الماضي، في ترميم الكيان السياسي المصري وتسليط الضوء على التزام الحكومة بالديمقراطية. فضلاً عن ذلك، كان من شأن عودة الاستقرار السياسي أن تساعد مصر في سعيها إلى إعادة التموضع بنجاح على خريطة الاستثمار العالمية. بيد أن التعديلات الجديدة لاتراعي "التمثيل العادل للسكان والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين"، بحسب ماتنص عليه المادة 102 من دستور 2014. لكن الحكومة فوّتت، من خلال مراجعتها للقوانين الانتخابية، فرصة تطبيق إصلاحات انتخابية أوسع نطاقاً.
منذ إقرار الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور قانون انتخابات مجلس النواب الصيف الفائت، أصبح التأثير المحتمل للنظام الانتخابي على المسار السياسي المصري موضع سجال واسع. فقد أعربت الأحزاب السياسية والمراقبون على السواء عن هواجسهم متسائلين إذا كان الاقتراع للمجلس النيابي سيساهم في إرساء نظام سياسي يؤمّن تمثيلاً أوسع ويعزّز المساءلة والاستقرار أم أنه سيرسّخ العودة إلى نظام تتحكّم به السلطة التنفيذية.
في الأول من آذار/مارس 2015، أعلنت المحكمة الدستورية العليا في مصر عدم دستورية الأحكام المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية في القانون الانتخابي. وقد تسبّب هذا الحكم فضلاً عن القرار الذي صدر لاحقاً عن محكمة القضاء الإداري، في 3 آذار/مارس 2015، وقضى بوقف كل الاستعدادات للانتخابات بانتظار تعديل المواد المعنية كافة، بمزيد من التأخير في انتخاب البرلمان المصري الأول منذ العام 2012. في الرابع من آذار/مارس الماضي، تجاوب الرئيس السيسي مع قرار المحكمة بإصدار تعليماته إلى اللجنة نفسها التي وضعت في الأصل مشروع القانون من أجل مراجعة الأحكام الصادرة عن المحكمة وتعديل المواد اللازمة. وفي 15 نيسان/أبريل الجاري، بعد العديد من الاجتماعات غير الناجحة مع الأحزاب السياسية، أقرّ مجلس الوزراء المصري التعديلات التي طرحتها اللجنة1.
ينص القانون على زيادة عدد المقاعد الفردية في مجلس النواب من 420 إلى 442، مع الإبقاء على عدد المقاعد المخصصة للقوائم والمحدّد بـ120 مقعداً، وكذلك على نسبة المقاعد التي يُعيّنها الرئيس وتبلغ 5 في المئة. يقول ابراهيم الهنيدي، وزير العدالة الانتقالية وشؤون مجلس النواب، إن هذه التغييرات فرضت على اللجنة تعديل عدد الدوائر الانتخابية أيضاً (المحدّدة في الأصل بـ237 دائرة) إلا أنه لم يتم الإعلان بعد عن العدد النهائي. تنسجم التعديلات الجديدة مع مضمون الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا وربما تؤمّن في الظاهر قانونية التصويت، إلا أن الحكومة فوّتت، من خلال مراجعتها للقوانين الانتخابية، فرصة تطبيق إصلاحات انتخابية أوسع نطاقاً من شأنها أن تساهم في إرساء نظام سياسي تعدّدي وخاضع للمساءلة بدلاً من ترسيخ نظام يساهم في تعزيز نفوذ السلطة التنفيذية.
حتى قبل إصدار المحكمة الدستورية العليا أحكامها الشهر الماضي، كان تقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد من أكثر المسائل الانتخابية إثارةً للخلاف في مصر بعد العام 2011. ففي العامَين 2013 و2015، علّقت محكمة القضاء الإداري الاستعدادات للانتخابات النيابية بعدما حدّدت المحكمة الدستورية العليا وجود تناقضات في القوانين الانتخابية تُخلّ بمفهوم عدالة التمثيل والتوزيع. في الواقع، أدّى التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية، الذي صدر بدايةً في كانون الأول/ديسمبر 2014 واعتبرته المحكمة الدستورية العليا غير دستوري، إلى تمثيل أكثر مساواةً - وأفضل في بعض الأحيان - للناخبين والمحافظات (الصورة 1).
خلافاً لما نصّ عليه الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، ليست نقطة الضعف الأساسية في تقسيم الدوائر الانتخابية تمثيل الناخبين في الدوائر حيث يتم الاقتراع على أساس القوائم، بل الفارق الصارخ في عدد الناخبين لكل مقعد بين الدوائر حيث يُعتمَد نظام القوائم والدوائر الفردية، فالتمثيل في الدوائر التي تقترع على أساس القوائم أسوأ بكثير بالمقارنة مع التمثيل في الدوائر الفردية (الصورة 2). علاوةً على ذلك، اضطُرَّت المحكمة إلى إصدار الأحكام بالاستناد إلى القضايا المرفوعة إليها، ولم يكن بإمكانها توسيع نطاق مراجعتها لدستورية القوانين كي يشمل الأقسام الأخرى في إطار العمل الانتخابي، مثل تقسيم الدوائر التي تعتمد نظام القوائم (الصورة 3). هذا ماجرى أيضاً في العام 2012، عندما أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً قضى بحل مجلس الشعب لكنها لم تستطيع توسيع نطاق قرارها ليشمل أيضاً حل مجلس الشورى، على الرغم من أن هذا الأخير انتُخِب بالاستناد إلى القانون غير الدستوري نفسه.
لقد اعتمدت مصر في البداية نظاماً مختلطاً من القوائم الحزبية والمرشحين المستقلين لإدارة نظامها الديمقراطي الناشئ، خلال الانتخابات البرلمانية في العامَين 2011 و2012. هذا الابتعاد عن النظام المتمحور حول المرشحين الأفراد الذي كان مستخدَماً منذ العام 1990، أتاح للأحزاب الناشئة والصغيرة الدخول في المنافسة مع إبقاء الفرص متاحةً أمام الأفراد الذين كانوا تقليدياً جزءاً من المنظومة السياسية. في حين حافظت مصر على هذا النظام، أحدثت القوانين الانتخابية الجديدة تغييراً كبيراً في التوازن بين النواب المستقلين وأولئك التابعين للأحزاب. ففي مجلس النواب الجديد، لن تحصل القوائم الحزبية أو الائتلافية سوى على 21.4 في المئة من المقاعد المنتخبة (120 مقعداً من أصل 590)، أي أقل بكثير من نسبة الثلثَين التي كانت الأحزاب تملكها في مجلس الشعب في 2011-2012. بيد أن تحسين تمثيل الناخبين في الدوائر التي تعتمد نظام القوائم الانتخابية كان يقتضي من الحكومة تخصيص عدد أكبر بكثير من المقاعد للقوائم في مجلس النواب الجديد، كما أنه يهدّد "التوافق" السياسي المستند إلى النظام الانتخابي المتمحور حول المرشحين الأفراد.
غالب الظن أن توسيع نطاق الصيغة الانتخابية الأكثرية عبر تطبيقها لتشمل الدوائر حيث يُعتمَد نظام القوائم الانتخابية سيكون له تأثير كبير جداً. خلال انتخابات 2011 و2012، كانت صيغة "الفائز يحصل على كل شيء" تُطبَّق فقط في الدوائر الفردية، حيث كانت المقاعد تذهب للمرشّحين الذين ينالون العدد الأكبر من الأصوات، في حين أن القوائم الحزبية كانت تفوز بالمقاعد عن طريق الاقتراع النسبي الأكثر تمثيلاً للناخبين. ربما كان قرار توسيع هذه الصيغة لتشمل الدوائر الانتخابية حيث يُعتمَد نظام القوائم، خياراً متعمّداً من أجل تأمين استقرار الحكومة وفعالية صنع القرارات على حساب التمثيل والنسبية المناسبَين. لكن النظام الانتخابي في شكله الحالي لن يولّد حكومة ذات تمثيل نسبي مناسب ولاحكومة مستقرّة.
في الأنظمة الانتخابية المشابهة للنظام المصري، غالباً ماتستند القوائم الناجحة إلى استراتيجيات التجسير، أي البرامج الانتخابية التي "تهدف إلى جمع الأصوات من دون أي تمييز وبطريقة عشوائية". لكن بعد الوصول إلى الحكم، قد يتبيّن أن التحالفات بين الأحزاب التي ترشّحت للانتخابات على القائمة نفسها متزعزعة ومتحوِّلة، ماقد يؤدّي إلى عدم استقرار في صنع القررات يزيد من حدّته الوجود الطاغي للنواب المستقلين. علاوةً على ذلك، وفي حين أنه يُفترَض بالصيغة الانتخابية والحجم الكبير لكل واحدة من الدوائر الانتخابية الأربع حيث يُعتمَد نظام القوائم (والتي تتألف من محافظات عدة)، تحفيز الأحزاب على تشكيل ائتلافات، سوف يحدّ الصراع بين الأحزاب السياسية العديدة في مصر من عدد الائتلافات التي تملك حظوظاً واقعية بالفوز.
في الوقت نفسه، غالب الظن أن المواد الأكثر تشجيعاً في القانون الانتخابي الجديد، مثل الحصص المخصصة لمرشّحي القوائم ولتوزيع المقاعد، ستفشل في زيادة التنوّع البرلماني. فبموجب النظام الانتخابي الجديد، تم إلغاء الحصص التي كانت مخصّصة للعمال والفلاحين في الترشيح، إنما جرى إقرار حصص للنساء والشباب والمعوّقين والأقباط والمسيحيين والجاليات الاغترابية في القوائم الانتخابية. لكن خلافاً للمجموعات الأخرى، حصّة النساء من المقاعد أقل من حصّتهن في الترشيح.
فضلاً عن ذلك، الأحزاب شديدة الهرمية، وتعوِّل تقليدياً على الأشخاص بدلاً من السياسات من أجل الفوز في الانتخابات. من هذا المنطلق، يمكن أن نتوقّع أن تختار كل قائمة العدد الأدنى المطلوب من المرشّحين استيفاءً للحصص المحددة، أما الباقون فيكونون عبارة عن مرشّحين ذكور متوسّطي العمر مقرّبين من قيادة الحزب أو لديهم عدد كبير من الأنصار على المستوى المحلي. وسوف تكون هذه النزعة أقوى في الدوائر الفردية حيث لاتُفرَض أية حصة على الإطلاق.
أخيراً، لايُحدِث النظام الانتخابي الحالي أي تغيير جوهري في العلاقة بين الناخبين والنواب، وبين السلطتَين التشريعية والتنفيذية. ففي حين يحتفظ مجلس النواب بتأثير كبير بموجب الدستور الجديد، لايُتوقَّع أن تكون لديه "ثقافة سياسية مفتوحة وانتقادية" حيث يبدي النواب استعداداً لفرض ضوابط على السلطة التنفيذية. بل إن هذا الواقع، فضلاً عن التوقعات بعدم ظهور حزب أكثري، سوف يتسبّب بتعزيز مكانة الرئيس في العملية التشريعية.
تؤدّي أنظمة التصويت المتمحورة حول الأحزاب والآليات المركزية لاختيار المرشحين إلى وصول نوّاب يدينون في شكل أساسي بالولاء لقادة أحزابهم المحليين. ويزيد الحجم الكبير للدوائر الانتخابية التي تعتمد نظام القوائم، من حدّة المشكلة الناجمة عن ضعف مساءلة ممثّلي الأحزاب أمام المواطنين المحليين، كونه يؤدّي إلى قطع الروابط بين الأحزاب والناخبين ويعطّل نمو القواعد الشعبية للأحزاب السياسية. ففي غياب هذه الروابط، سوف تعتمد العلاقات بين النوّاب والناخبين على شبكات المحسوبيات التي تربط النواب في الدوائر الصغيرة المتعدّدة المقاعد بناخبيهم المحليين عن طريق الخدمات.
على ضوء الاضطرابات المستمرة خلال العام المنصرم وعزل الرئيس مرسي بطريقة مثيرة للجدل، ليس انشغال الحكومة المصرية بالاستقرار السياسي والشرعية الدستورية مفاجئاً، لابل قد يكون أمراً طبيعياً. بيد أن محك الاختبار الحقيقي للنظام السياسي الناشئ في مصر هو انتخاب مجلس نواب تتمثّل فيه مجموعة منوَّعة من المصالح، وقادر على صياغة السياسة الحكومية. يقتضي ذلك قدراً كافياً من التنافس الحزبي، وتطوير أحزاب سياسية ممثِّلة للقواعد الشعبية، وإرساء نظام متين من الضوابط والتوازنات المؤسسية. بناءً على ماتقدّم، يبدو أن النظام الانتخابي الحالي يُبقي الأمور على حالها لتستمر كالمعتاد من دون أي تغيير يُذكَر.
أحمد مرسي باحث مصري وطالب دكتوراه في كلية العلاقات الدولية في جامعة سانت أندروز. كاسبر ويت محلل سياسي عمل مراقباً انتخابياً في مصر بين العامَين 2011 و2014. هو حالياً باحث في كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
1. اعتباراً من 17 نيسان/أبريل الجاري، أرسل مجلس الوزراء تعديلات على القانون إلى مجلس الدولة لمراجعتها قبل توقيعها من جانب الرئيس وتحويلها إلى قانون. في هذه المرحلة، يمكن الطعن بالقوانين المعدّلة مرة جديدة أمام المحكمة الدستورية العليا، فيما تعيد اللجنة العليا للانتخابات إطلاق الإجراءات الانتخابية عبر الإعلان عن جدول زمني جديد وإعادة فتح الباب أمام تسجيل المرشحين.↩