المصدر: Getty
مقال

اللاجئون السوريون في لبنان بين بقاء مر وعودة أَمَرّ

مع تعمق الأزمة الإنسانية في لبنان وضيق الخيارات، أصبح خيار العودة أمام اللاجئين السوريين الضمان الوحيد لأمنهم وبقائهم، وبات ضروريا إنشاء آليات حماية مستقلة وشفافة لمواجهة التهديدات التي دفعتهم إلى الفرار. 

 حايد حايد
نشرت في ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤

مع تصاعد الهجوم العسكري الإسرائيلي في لبنان، يفر مئات الآلاف من المدنيين من منازلهم، ما أحال المجتمعات التي كانت نابضة بالحياة إلى مدن أشباح. وتشير التقديرات الرسمية إلى نزوح ما يقرب من 1.5 مليون شخص، منذ 23 سبتمبر، مما يشكل واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية التي شهدها لبنان منذ عقود. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الفارين هم من المواطنين اللبنانيين، فإن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان أصبحوا مجبرين بدورهم على البحث عن الأمان في أماكن أخرى مع استمرار انتشار الصراع.

على مدى أكثر من عقد، لجأ 1.5 مليون سوري إلى لبنان، متحملين الصعوبات الاقتصادية وتصاعد المشاعر المعادية للاجئين لتجنب التهديدات التي قد يواجهونها في حال عودتهم إلى سوريا. أما الآن، ومع التدهور السريع في الأوضاع الإنسانية والأمنية في لبنان، يجد العديد من اللاجئين أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إما البقاء وتحمل أهوال الحرب في لبنان، أو العودة إلى سوريا ومواجهة المخاطر التي دفعتهم إلى الفرار في المقام الأول.

تشير تقديرات السلطات اللبنانية إلى أن ما يزيد عن 500,000 نازح قد عبروا الحدود إلى سوريا منذ 25 أكتوبر، ومن بين هؤلاء يشكل السوريون نحو 70 في المئة. وعلى الرغم من أن النظام السوري قد أعلن مؤخراً عن استعداده لقبول اللاجئين السوريين العائدين، وفي ضوء انعدام بدائل أخرى آمنة، يجب التأكد وبدقة من قدرته على استيعاب هذه الأعداد من النازحين. ولا بد من إنشاء آليات رقابة مستقلة وشفافة لضمان توفر ما يحتاجونه من حماية، فبدون هذه الضمانات، يمكن أن يتعرض هؤلاء لمخاطر كارثية.

المعايير المزدوجة حتى في الوطن

في حين أن العودة إلى سوريا تظل خطيرة بالنسبة للعديد من السوريين في لبنان، فإن البقاء في بيئة مزقتها الحرب يفرض تحدياته الخاصة أيضاً. حتى قبل موجة النزوح الحالية، كان السوريون في لبنان الأكثر عرضة لعمليات ترحيل تعسفية متزايدة، وإخلاءات قسرية، وتصاعد العنف ضدهم. لقد زادت موجات النزوح المستمرة تدهور أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، حيث أفاد العديد منهم بالاستبعاد من الملاجئ والمساعدات.

لقد أوجدت سرعة وحجم النزوح في لبنان، التي لم تُشهد في العقود الأخيرة، ظروفًا إنسانية صعبة للغاية في بلد يعاني بالفعل من انهيار اقتصادي ومشهد سياسي مستقطب. على الرغم من إنشاء ملاجئ مؤقتة بسرعة، إلا أن هذه المرافق وصلت إلى طاقتها القصوى تقريبًا على الفور. وأدى تصاعد المشاعر المعادية للسوريين، إلى جانب الاحتياجات الهائلة والموارد المحدودة، إلى حوادث طرد اللاجئين السوريين من الملاجئ. لقد أصبحت العديد من المرافق فعليًا "مساحات للبنانيين فقط"، حيث تم استبعاد السوريين من تلقي المساعدة الأساسية.

حذرت البلديات، لا سيما في وادي البقاع، السوريين في بعض المخيمات من استضافة الأصدقاء أو الأقارب النازحين حديثًا، مهددة بالإخلاء في حالة عدم الامتثال. وفي بعض الحالات، تم إخلاء اللاجئين السوريين لإفساح المجال للعائلات اللبنانية النازحة، مما زاد من أزمة الإسكان للسوريين الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه.

أثارت منظمات حقوق الإنسان الإنذارات بشأن استبعاد السوريين من المأوى والمساعدات، مشيرة إلى أن عشرات الآلاف قد تُركوا بدون خيارات قابلة للتطبيق. استجابةً لهذا الوضع المأساوي، تم توجيه دعوات عاجلة "لرفع الحواجز التمييزية" ومنح السوريين حق الوصول المتساوي إلى المأوى والمساعدة. ومع ذلك، فإن عدم فعالية هذه النداءات قد ترك العديد من اللاجئين السوريين بدون خيارات جيدة، وهم مجبرون على الاختيار بين خيارين شديدي الصعوبة: تحمل الظروف المعادية المتزايدة في لبنان أو عبور الحدود إلى سوريا، ومواجهة المخاطر التي فروا منها في البداية على أمل يائس للحصول على الأمان لعائلاتهم.

المعايير المزدوجة للسوريين، حتى في الوطن

استمر التمييز ضد السوريين حتى عند عودتهم إلى وطنهم. استجابةً لتدفق اللاجئين اللبنانيين الباحثين عن الأمان في سوريا، اتخذ النظام بسرعة تدابير لتسهيل دخولهم، بما في ذلك السماح للمواطنين اللبنانيين بعبور الحدود بأي شكل من أشكال الهوية الرسمية. ومع ذلك، لم يُمنح السوريون العائدون نفس المرونة. وعلى الرغم من تحملهم لصعوبات مالية شديدة، فإن كل سوري عائد إلى البلاد مطالب بدفع 100 دولار عند الحدود بسعر صرف أقل بكثير من سعر السوق السوداء. هذه السياسة، التي تهدف إلى تعزيز احتياطيات النظام من العملات الأجنبية، تركت العديد من اللاجئين السوريين عالقين عند الحدود، غير قادرين على الدخول بسبب نقص الأموال.

بعد الانتقادات الواسعة، أعلن النظام تعليقًا مؤقتًا لهذا الشرط في 29 سبتمبر، ومنذ ذلك الحين يتم تمديده على أساس أسبوعي. بالتزامن مع هذا التعليق، أطلق النظام حملة إعلامية واسعة النطاق للترويج لاستعداده لدعم المبادرات التي تساعد في عودة اللاجئين السوريين. يفترض محللون أن هذه المرونة المعلنة قد تكون مدفوعة بآمال النظام في أن زيادة عودة السوريين قد تجذب الدعم المالي، خاصة من الدول العربية التي تحث دمشق على تسهيل إعادة اللاجئين.

على الرغم من هذه الضمانات، لا تزال السياسات التمييزية ضد السوريين العائدين سارية. فقد تم تخصيص الملاجئ التي أنشأها النظام في ريف دمشق، وطرطوس، واللاذقية، وحمص، وحماة، وحلب بشكل رئيسي للاجئين اللبنانيين، ما ترك العديد من العائدين السوريين بدون مراكز إيواء كافية. غالبًا ما يُجبر هؤلاء السوريون على الاعتماد على دعم الأسرة أو اللجوء إلى ترتيبات مؤقتة في الشوارع. علاوة على ذلك، كانت المساعدات المقدمة للعائدين السوريين أقل من تلك المخصصة للاجئين اللبنانيين، وغالبًا لم تكن كافية لتلبية حتى الاحتياجات الأساسية.

المخاطر المستمرة للعائدين

بالإضافة إلى التمييز، يواجه السوريون العائدون إلى وطنهم مخاطر أخرى كبيرة. بحسب السلطات اللبنانية فقد استقبلت الأراضي السورية في الفترة ما بين  23 أيلول/سبتمبر و25 تشرين الأول/أكتوبر 2024، نحو 348,237 عائداً سورياً أغلبهم من النساء والأطفال. اما الرجال فيفضل معظمهم البقاء في لبنان خوفًا من المخاطر التي تنتظرهم في وطنهم، والتي يشعرون أنها أكبر من التهديدات الأمنية اليومية التي يتحملونها في لبنان.

علاوة على ذلك، اختار عشرات الآلاف الاستقرار في مناطق خارج سيطرة النظام، إما لأنها مجتمعاتهم الأصلية أو لتجنب المخاطر الشديدة التي قد يتعرضون لها في المناطق التي يسيطر عليها النظام.  والحقيقة أن هذا التردد ، خاصة بين الرجال السوريين، في العودة إلى أو العيش في المناطق التي يسيطر عليها النظام ينبع من مخاوفهم الراسخة مما قد تمارسه ضدهم قوات الأمن السورية من انتهاكات كالاعتقال التعسفي، والاختطاف، والتعذيب، وحتى القتل. وثقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش هذه الانتهاكات على نطاق واسع، الأمر الذي يظهر مدى التهديدات الخطيرة والمستمرة التي تواجه أولئك الذين يفكرون في العودة.

على الرغم من جهود النظام السوري المعلنة لتشجيع عودة اللاجئين، لا تزال المخاوف المتعلقة بسلامتهم مقلقة وواقعية. حيث سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات ضد العائدين، بما في ذلك الابتزاز المالي، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتجنيد القسري.  وفي الفترة ما بين 23 أيلول /سبتمبر و25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، سجلت الشبكة ما يزيد عن 26 حالة احتجاز للعائدين من بينهم محتجز توفي بسبب التعذيب أثناء احتجازه. بما في ذلك امرأة واحدة؛ للأسف، توفي أحد المعتقلين بسبب التعذيب في مركز احتجاز تابع للنظام. تبرز هذه الحوادث استمرار نمط الانتهاكات لحقوق الإنسان الذي يمارسه النظام السوري، ما يلقي بظلال الشك حول ادعاءات النظام بمرور آمن

نظرا لأن عددا كبيرا من اللاجئين السوريين في لبنان يرون في العودة إلى سوريا مغامرة هم على استعداد لخوضها بكثير من التردد والحذر كي يضمنوا سلامة عائلاتهم، ينبغي اختبار التزام النظام المعلن بتسهيل عودتهم بشكل صارم. وحتى لا يواجه اللاجئون أسوأ مخاوفهم بمفردهم، لا بد من إنشاء آليات قوية ومستقلة لمراقبة عودتهم وضمان حمايتهم. وفي غياب مثل هذه الضمانات، تبقى مخاطر عودة اللاجئين كبيرة، ولا يمكن صرف النظر عن احتمال تعرضهم لمزيد من الاضطهاد. ويتحتم على المجتمع الدولي أن يظل يقظا، وأن يحمل الحكومة السورية مسؤولية سلامة المجبرون على الرجوع وصون حقوقهم.


لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.