المصدر: Getty
مقال

مقابلة حول الصناديق الخاصة في مصر

يناقش نزار مانيك وجيريمي ماتوصّلا إليه حول نطاق الصناديق الخاصة في مصر ومنظومتها.

 نزار مانيك و جيريمي هودج
نشرت في ٩ يوليو ٢٠١٥

أجرى الصحافيان نزار مانيك وجيريمي هودج تحقيقاً واسع النطاق في العام 2014 حول الأجهزة الحكومية والمصرف المركزي في مصر، وقد كشف التحقيق عن وجود "صناديق خاصة" ملتبسة تشغّلها الدولة وتحتوي على مبالغ قدرها 9.4 مليارات دولار أميركي. وقد أصبحت هذه الصناديق موضع نقاش واسع في أعقاب العام 2011، لكن حجمها والآليات المتبعة في الإشراف عليها لاتزال غير واضحة.

تأتي المعلومات عن حجم هذه الصناديق في التوقيت المناسب بعد انعقاد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري الذي لقي ترحيباً واسعاً في آذار/مارس 2015، والدعوات التي وُجِّهت لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية. من شأن ضم هذه الصناديق إلى خزينة الدولة أن يساهم في خفض عجز الموازنة المصرية البالغ 32.38 مليار دولار أميركي، وفي تعزيز الأمن المالي للحكومة. لكن الالتباس المحيط بنطاق هذه الصناديق وهدفها يُظهر تفشّي الفساد على مستوى الأجهزة الرسمية وغياب الشفافية في الحسابات المالية للدولة.

في مايأتي، يطلعنا الصحافيان على ماتوصّلا إليه حول نطاق الصناديق الخاصة في مصر ومنظومتها في مقابلة مع راشيل حنا.

كيف أنشئت الصناديق الخاصة ولماذا هي منفصلة عن إيرادات الدولة؟

هذه المنظومة منصوص عليها في القانون المصري. لقد مهّدت مراسيم رئاسية عدّة أُقِرَّت في السبعينيات والثمانينيات، الطريق لإنشاء صناديق خاصة ومنح أجهزة حكومية في البيروقراطية المصرية، مثل وزارتَي الداخلية والدفاع، حقوقاً حصرية للإشراف على أموالها وإدارتها. لم يتم وضع أي آلية لتنظيم هذه الصناديق. المعلومات عن الأنشطة التي تتم مزاولتها في إطار كل صندوق خاص محصورة بالأشخاص والهيئات الحكومية الذين يملكون الحساب ويديرونه بأنفسهم، وكل صندوق تتم إدارته وكأنه إقطاعية خاصة. لقد أنشئت الصناديق الخاصة لمنح الأجهزة الحكومية مرونة وحرية في التحرك بهدف تخفيف الضغوط عن الحكومة المركزية، وبحكم التعريف، ليست هذه الصناديق مدرجة في خزينة الدولة أو الموازنة العامة. ولذلك من الصعب ضمان شفافيتها.

لدى الوزراء ودوائرهم الداخلية اطلاع كامل على هذه الحسابات وسيطرة تامة عليها، وغالباً مايكون ذلك على حساب موازنة الحكومة المركزية. علاوةً على ذلك، لايغطّي التفويض القانوني الرسمي الممنوح للجهاز المركزي للمحاسبات، التدقيق في حسابات الصناديق الخاصة، بل يقتصر على التدقيق في مالية الدولة المرتبطة بالموازنة الرسمية. والمحاولات التي يبذلها الجهاز المركزي للمحاسبات من أجل تجاوز تفويضه ومعرفة المزيد عن الصناديق الخاصة هي في شكل أساسي نتيجة جدول الأعمال الناشط الذي جرى اعتماده في أعقاب ثورة 2011 في مصر، عندما أصبحت الصناديق الخاصة موضع نقاش واسع في أوساط الناشطين والحكومة ووسائل الإعلام. تستطيع مجموعة مختارة من العاملين في المصرف المركزي رصد المبالغ التي تدخل هذه الصناديق وتخرج منها، نظراً إلى أن هذه الحسابات تُفتَح داخل المصرف المركزي؛ لكنهم غير مخوّلين قانوناً التدخّل في نشاطها.

لاتخضع هذه الصناديق لإدارة شفافة، لأن الفساد والمحسوبيات تتفشى على نطاق واسع في أعلى مستويات السياسة المصرية. فالأشخاص الذين يملكون القدرة على كبح التجاوزات هم أنفسهم الأكثر استفادةً منها. حتى الجهاز المركزي للمحاسبات المسؤول عن مكافحة الفساد لم يكشف للرأي العام عن الاستنتاجات الحقيقية التي توصّل إليها حول حجم الصناديق الخاصة، وبدلاً من ذلك، سمح للسياسيين المصريين في الأعوام التي أعقبت الثورة بأن يقلّلوا مراراً وتكراراً من حجم هذه الصناديق ونطاقها، ومن ثم سمح لوزارة المالية بأن تقدّر العام الماضي قيمة الصناديق الخاصة بـ5.6 مليارات دولار، أي أقل من قيمتها الفعلية، كما كشفنا في تقريرنا.

ماعدد الصناديق الخاصة القانونية وتلك غير القانونية؟

بحول نهاية السنة المالية 2010/2011 - العام الذي خُلِع فيه مبارك من الحكم - تُظهر سجلات البنك المركزي المصري التي اطّلعنا عليها، أن قيمة الأموال المودعة في الصناديق الخاصة لديه بلغت نحو 14.1 مليار دولار. بما أن هذه الأموال مودعة لدى المصرف المركزي، يمكن اعتبارها قانونية بموجب القانون المصري. لم نتمكّن من مراجعة البيانات للسنة المالية 2010/2011 في مايتعلق بحسابات الصناديق الخاصة التي يتم تشغيلها خارج المصرف المركزي، والتي تُعتبَر غير قانونية لمجرد أنها مودعة خارج المصرف المركزي. خلال تلك المرحلة، قيل إن التهريب غير القانوني لأموال الدولة المصرية إلى مراكز مالية في لندن وسويسرا وبلدان أخرى، حدث في الأسابيع والأشهر التي تلت مباشرةً اندلاع انتفاضة كانون الثاني/يناير 2011. كل من حاولوا تعقّب هذه المبالغ وتحديد قيمتها وجدوا صعوبة في ذلك، لكن في شباط/فبراير 2011، تمكّنت الحكومة السويسرية من تجميد مبلغ قدره 760 مليون فرنك سويسري قالت إنه مرتبط بأسرة مبارك وشركائها، وإنه جرى تهريبه بطريقة غير شرعية من مصر إلى سويسرا في أعقاب ثورة كانون الثاني/يناير 2011. نحن نعتقد أنه ربما استُخدِمت الصناديق الخاصة لتسهيل هذا التهريب المزعوم للأموال، نظراً إلى أن هذه الصناديق لاتخضع لإشراف المدققين الماليين، كما أن وزارة المالية المصرية والبنك المركزي والبرلمانات المصرية السابقة عمدت مراراً وتكراراً إلى تقدير النشاط الائتماني لهذه الصناديق ومديونيتها بأقل من قيمتهما الفعلية في الأعوام التي أعقبت الانتفاضة المصرية. المبالغ المالية التي دخلت الحسابات ثم أُنفِقت سنوياً، كما يظهر في وثائق البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية التي حصلنا عليها، أعلى بكثير من المبالغ التي أعلنت عنها هذه المؤسسات للرأي العام، من دون أن تقدّم أي تفسير عن التفاوت في الأرقام.

بحلول نهاية السنة المالية 2012/2013، تُظهر السجلات الرسمية التي اطّلعنا عليها عن وجود صناديق خاصة تضم مبالغ قدرها 3.5 مليارات دولار موزَّعة على 644 حساباً مودَعة بصورة غير قانونية في مصارف تجارية مملوكة من الدولة، في خرقٍ للقانون 139 الذي أُقِر في العام 2006، والذي ينص على وجوب إيداع كل الصناديق الخاصة لدى المصرف المركزي. وتبيّن وجود مبلغ 5.9 مليارات دولار موزّع على 5729 حساباً قانونياً في المصرف المركزي. لكن كل الصناديق الخاصة، بما في ذلك تلك المودعة بصورة قانونية لدى المصرف المركزي، لاتخضع للتدقيق من المدققين الماليين، ولذلك على الأرجح أنها تدار بطريقة سيئة وترتبط بالفساد.

بمعزل عن الصناديق الخاصة الخاضعة لسيطرة الأجهزة الحكومية، هل يستطيع الجيش الوصول إلى الصناديق الأخرى؟

في مايختص بالصناديق الخاصة الإضافية المملوكة من القوات المسلحة، لايسعنا سوى التكهّن بسبب عدم توافر معلومات مالية جوهرية وحسّاسة عن القوات المسلحة في السجلات التي اطّلعنا عليها. نعلم أنه في السنة المالية 2010/2011، كانت نحو 4.9 مليارات دولار من حسابات الصناديق الخاصة القانونية المودعة لدى المصرف المركزي، مملوكة من "السلطات الاقتصادية"، وهو مصطلح يشير إلى سلسلة من الكيانات الحكومية الكبيرة، منها هيئة قناة السويس، والهيئة المصرية العامة للبترول، والهيئة العربية للتصنيع، وسواها، ومعظمها يديرها ويشغّلها جنرالات في القوات المسلحة. يعني ذلك أنه كان للجيش وصول ما إلى هذا المبلغ، لكننا لانعلم إلى أي درجة.

من المحتمل أنه للجيش وصول إلى حسابات أخرى في مصر والخارج تبقى حتى الآن خارج نطاق الإشراف المحدود للمدققين. تعطي تسجيلات "سيسي ليكس" التي بثّتها قناة "مكملين" في اسطنبول في وقت سابق هذا العام، والتي يناقش فيها الرئيس المصري إمكانية اختلاس 30 مليار دولار (على أن يذهب عشرة مليارات دولار منها، على مايبدو، إلى مايُسمّى "حساب الجيش" المودَع في الخليج)، فكرةً عن الحجم والنطاق المحتملَين لهذه الحسابات التي لاتزال مجهولة من المدققين والعالم في شكل عام. نحن نعتقد أن ماكشفناه انطلاقاً من السجلات الرسمية للبنك المركزي ووزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات، ليس سوى رأس جبل الجليد.

يتعلق جزء كبير من التحقيق بصناديق خاصة خاضعة لسيطرة وزارتَي الداخلية والدفاع. حالياً، تتعدّى وزارة الدفاع وأجهزتها الاستخباراتية على ميدان هو تقليدياً من اختصاص وزارة الداخلية، هل تخدم الصناديق هذه الاستراتيجية؟

في عهد عبد الناصر، لم تتبلور الخصومة بين القوات المسلحة ومكتب الرئاسة الذي يسيطر على وزارة الداخلية، سوى في أواخر الخمسينيات، بعدما كان عبد الناصر قد أمضى أعواماً عدة في العمل بصفة مدنية. شكّلت هذه الخصومة سابقة استمرت حتى نهاية عهد مبارك. انتقل السيسي إلى الصفة المدنية منذ عام تقريباً، وهذه المدّة ليست كافية ليفصل فعلياً بين مصالحه ومصالح القوات المسلّحة. وكذلك، بعد الانقلاب العسكري في العام 2013، ظل السيسي طوال عامٍ وزيراً للدفاع، ولم يكن رئيساً، مع أنه كان الوجه العام للنظام. خلال تلك الفترة، كان الجيش مهتماً بتثبيت مكانته واكتساب مزيد من النفوذ، وهذا مايفعله بصورة مطّردة منذ بدء الانتفاضة في العام 2011. لقد كان السيسي الوجه الأبرز في هذا التثبيت لسلطة الجيش. والآن بعدما أصبح رئيساً ذا صفة مدنية، سنرى إذا كان سيطوّر قاعدة نفوذ شخصية منفصلة عن قاعدة القوات المسلحة. قد لايكون من المناسب له سياسياً القيام بذلك في الوقت الراهن، لكن سنرى إن كان الأمر سيتبدّل مع استمرار ولايته.

من الممكن والمرجّح إلى حد كبير أن يؤثّر هذا التحوّل في الولاء من وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع والقوات المسلحة، في توزيع الصناديق الخاصة. يعني توسيع قناة السويس مثلاً أن هيئة قناة السويس التي يديرها ضباط عسكريون، ستحقق إيرادات أعلى بكثير قد يتم إيداعها في صناديق خاصة نعلم أن الهيئة تتولى تشغيلها. هذا مجرد مثال، وقد تتجه هيئات أخرى يسيطر عليها الجيش إلى توسيع صناديقها الخاصة أيضاً. منذ سيطرة العسكر على الحكم في تموز/يوليو 2013، دخل الجيش أيضاً في عدد من مشاريع الإنشاءات والأشغال العامة بالتعاون مع مستثمرين ومتعاقدين من الخليج. ومنها مشروعٌ يُشيّد الجيش بموجبه مليون وحدة سكنية جديدة بالتعاون مع شركة إماراتية، وتُقدَّر كلفته بـ40 مليار دولار. من الممكن جداً أن يتم تحويل جزء من هذا المال، فضلاً عن أموال مشاريع أخرى مشابهة، إلى حسابات صناديق خاصة جديدة أو قائمة تتولّى القوات المسلحة تشغيلها.

هل كان الرئيس مرسي أو البرلمان الإخواني الذي لم يعمّر طويلاً مستعدَّين لممارسة سيطرة ما على هذه الصناديق خلال وجودهما في الحكم أو قادرَين على ذلك؟

لقد خاض برلمان 2012 بقيادة الإخوان المسلمين نقاشات متكررة حول موضوع الصناديق الخاصة، وحاول إقرار قوانين بهدف ضبطها وإدراجها في الموازنة. لكن الأرقام التي وضعها ذلك البرلمان عن حجم الصناديق الخاصة كانت، على الدوام تقريباً، أقلّ من قيمة المبالغ الفعلية، بالمقارنة مع تحليلنا، حيث تراوحت التقديرات عادةً من 4.2 إلى 5.6 مليارات دولار.

لقد أقرّ البرلمان الإخواني قانوناً للموازنة العامة في 2013/2014 نصّ على اقتطاع عشرة في المئة من عائدات الصناديق الخاصة المعروفة، وجمعها ووضعها في صناديق الدولة، لكن لم يتم قط تطبيق هذا القانون تطبيقاً كاملاً إذ جرى حل البرلمان بعد الانقلاب. في المقابل، أشارت البرقيات الدبلوماسية السعودية التي كشف عنها موقع "ويكيليكس" مؤخراً، إلى أنه ربما سنحت الفرصة أمام الإخوان لخدمة شبكاتهم الخاصة عبر استخدام الصناديق الخاصة كوسيلة لإدارة مبالغ طائلة من الأموال من دون الخضوع للمساءلة. تنقل برقية سعودية موثّقة وغير مؤرّخة وضعها وزير الخارجية السعودي للاستعمال الداخلي، وصنّفها في خانة "سري للغاية"، ويبدو أنها كُتِبت في العام 2012 نظراً إلى تطرّقها إلى الوضع السياسي الأوسع نطاقاً - تنقل إذاً عن مسؤول مصري لم يُكشَف عن هويته، قوله بأن الإخوان مستعدون للقبول بالإفراج عن مبارك مقابل عشرة مليارات دولار، "لأن الشعب المصري لن يفيد من سجنه". لاتأتي البرقية السعودية على ذكر أية أدلة حول وجهة استخدام هذا المبلغ لو تم تسليمه إلى الإخوان؛ لكن في مختلف الأحوال، لم يُسلَّم المال ولم تُبرَم الصفقة المقترحة.

نزار مانيك كاتب مساهم في النشرة الإخبارية Africa Confidential، وجيريمي هودج صحافي، ومستشار بحثي، ومترجم من العربية إلى الإنجليزية. أجرت المقابلة راشيل حنا مساعدة مدير تحرير Harvard Political Review. وقد خضع أسلوب الكتابة للتنقيح.

* تُرجمت هذه المقابلة من اللغة الإنكليزية. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.