جاء تحرير وسط مدينة الرمادي في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي بعد عامَين بالتمام والكمال على بدء تنفيذ الإغلاق العسكري غير المدروس الذي فرضه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على معسكر الاحتجاج الرمزي شمال المدينة، ما أدّى إلى اندلاع تمرد سنّي سرعان ما انتشر في محافظة الأنبار بكاملها. طوال عام ونصف العام تقريباً، خاضت القوات المنضوية في صفوف الحكومة – بما في ذلك وحدات الجيش، والشرطة الفيدرالية والمحلية، والمقاتلون غير النظاميين من العشائر المحلية – معركة كر وفر في الأحياء مع مقاتلي الدولة الإسلامية. إبان النصر، زرع رئيس الوزراء حيدر العبادي العلَم العراقي في وسط المدينة في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ما أتاح له أن ينهي العام 2015 بمعنويات مرتفعة، لكن التحديات مستمرة.
على الرغم من النصر، يبدو أن القوى الأمنية العراقية لا تزال تحتاج إلى قدر كبير من جهود إعادة البناء. فكما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في حين أدّت وحدات الجيش النظامي، والشرطة الفيدرالية والمحلية، والمقاتلون العشائريون المتحالفون معها، أدواراً داعمة، قام جهاز مكافحة الإرهاب النخبوي، المعروف محلياً بـ"اللواء الذهبي"، بالجزء الأكبر من القتال. وقد حظي بدعم مكثّف من الهجمات الجوية الأميركية التي دمّرت المناطق المحرّرة. علاوةً على ذلك، ظلّت مساحات واسعة حول وسط المدينة غير محرّرة، ويبدو أن مواصلة التقدّم تتوقّف على جهاز مكافحة الإرهاب. على الرغم من الجهود التي تُبذَل لبناء قوات "الحشد العشائري" في الأنبار – التي تتألف من عناصر من العشائر السنّية يقاتلون إلى جانب حكومة بغداد، ويشكّلون مكوّناً أساسياً في برنامج البنتاغون للمساعدات العسكرية إلى العراق المعروف بـ"صندوق تدريب وتجهيز العراق" – إلا أن عديد هذه القوات يقتصر على نحو خمسة آلاف مقاتل فقط، وتبدو في أفضل الأحوال بمثابة قوة داعمة يؤمَل أن تتمكّن من الحفاظ على المناطق المحرَّرة بعد قيام المجموعات الأخرى بخوض القتال العنيف.
ستكون هذه القوات على موعد مع معركتَين أساسيتَين أخريين في محافظة الأنبار: معركة الفلوجة شرق الرمادي على مقربة من بغداد، ومعركة مدينة حديثة شمال الرمادي. في حين سقطت الفلوجة في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية من دون مقاومة في كانون الثاني/يناير 2014، تصدّت حديثة لنحو مئتَي هجوم شنّه المقاتلون ضد أبناء العشائر المحلية الذين دافعوا عن المدينة. بحسب ما ورد في مقابلة أجرتها قناة "الجزيرة" مع المحلل العراقي لقاء مكي، أتاحت الديناميات العشائرية الدفاع عن حديثة، لكنها تحول أيضاً دون القيام بتحرّك حاسم ونهائي – فالعشيرتان الأساسيتان في المنطقة، الجغايفة والبونمر، تُحاربان من أجل الثأر لأبناء العشائر الذين لقوا مصرعهم على أيدي الدولة الإسلامية، من جملة أسباب أخرى، بيد أن سيطرة عشيرة الجغايفة على الإدارة المحلية منذ وقت طويل، تشكّل في ذاتها مصدراً للخلاف يُبقي على الانقسام بين العشائر.
في غضون ذلك، يضع تنظيم الدولة الإسلامية القوى الأمنية في موقف دفاعي عبر عودتها إلى المقاربة التي كانت تعتمدها قبل العام 2014 بضرب أهداف مدنية ناعمة بدلاً من الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بالسيطرة عليها، فالقوى الأمنية لم تعد تتمتع بالعناصر البشرية الكافية للقيام بذلك. لقد وقعت سلسلة من الهجمات الإرهابية في 11 كانون الثاني/يناير الماضي في بغداد والمقدادية وديالى – منطقة مختلطة ديمغرافياً طردت الميليشيات الشيعية تنظيم الدولة الإسلامية منها قبل أكثر من عام. وفي 12 كانون الثاني/يناير الماضي، وقعت هجمات عدة على مساجد سنّية في ديالى، فضلاً عن إعدام صحافيَّين من قناة "الشرقية" التلفزيونية السنّية بدم بارد – في هجوم يبدو أن الهدف منه توجيه رسالة إلى السنّة في ديالى بأن العبادي غير قادر على حمايتهم.
أثارت هذه الهجمات سخطاً عارماً في أوساط العدد القليل من حلفاء العبادي السنّة. فقد شجب رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، من مواليد ديالى، الهجمات قائلاً إنها تطرح علامات استفهام حول شرعية الدولة، وملمّحاً إلى ضلوع الحشد فيها. وكذلك تصدّر نائب الرئيس السابق أسامة النجيفي العناوين عبر الدعوة التي أطلقها لـ"تدويل" الأمن في ديالى عن طريق تدخّل الأمم المتحدة، وقاطَع اتحاد القوى الوطنية السنّي جلستَين لمجلس النواب. لكن الهدف من هذه التصريحات كان فقط ممارسة ضغوط على العبادي، لأنه من غير الوارد أن تتمكن الأمم المتحدة حتى من دخول ديالى، فما بالكم بقيادة عمليات لحفظ السلام هناك.
إلى جانب التحديات المستمرة في محافظتَي الأنبار وديالى، يواجه العبادي مجموعة مختلفة من التحدّيات في محافظة البصرة. ففي حين يتخبّط رئيس الوزراء للرد على هجمات ديالى، كان عليه التركيز على البصرة خلال زيارة مقررة مسبقاً قامت بها الحكومة إلى المحافظة في 12 و13 كانون الثاني/يناير الماضي. ففي عاصمة البلاد الاقتصادية، سعى العبادي إلى تثبيت وجوده في قلب المشهد السياسي الشيعي، والتصدّي للعنف المتنامي الذي يثير المخاوف من اندلاع أعمال عنف بين الشيعة في البصرة مع انحسار التهديد الإرهابي السنّي. خلال العام المنصرم، تنافس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، الذي ينتمي إليه محافظ البصرة، ماجد النصراوي، ومنظمة بدر التي تسيطر على الحشد المحلي ويتولّى أحد عناصرها منصب رئيس الشرطة - من خلال إحكام قبضتها على وزارة الداخلية في الحكومة المركزية – من أجل السيطرة على الأمن المحلي. وفي خطاب أمام قادة العشائر في البصرة، ربط العبادي العنف في المحافظة صراحةً بـ"الاختلافات في الآراء"، وليس فقط بالعنف الإجرامي أو احتدام الخلافات العشائرية التقليدية. علاوةً على ذلك، وفي التصريحات التي رافقت اجتماع مجلس الوزراء في 12 كانون الثاني/يناير الماضي، مباشرةً بعد الوصول إلى البصرة، ربط العبادي بعبارات واضحة العنف في المحافظة بـ"الصراعات بين الكتل السياسية".
كذلك اضطُرّ العبادي إلى معالجة الاحتجاجات غير المذهبية ضد الفساد التي شهدتها البصرة وبلغت ذروتها في آب/أغسطس 2015. فقد سعى رئيس الوزراء، في خطاب ألقاه في 13 كانون الثاني/يناير أمام مجموعة من الطلاب والمهنيين من أبناء البصرة، إلى إعادة تأطير المسألة عبر تصويرها بأنها معركة ضد شخصيات استخدمت أموالاً مشبوهة من أجل إنشاء قنوات تلفزيونية مناهضة للحكومة واستغلال التمرد المسلح لتحقيق مآربها السياسية. لقد حاول العبادي بهذه الطريقة تحييد الأحزاب الشيعية وكذلك السنّة الموالين للحكومة في حين ركّز على المعارضين مصوِّراً إياهم بأنهم المستهدَفون الأساسيون في جهود مكافحة الفساد. بيد أن محاولة العبادي إعادة تعريف "الإصلاح" قد تتسبّب بمزيد من خيبات الأمل للحركة الاحتجاجية المناهضة للفساد التي بدأت تنقلب ضده بعدما كانت قد منحته جرعة زخم في البداية.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.