بدا في العام 2011 أن هناك التقاء بين المسارات السياسية لعدد كبير من الدول العربية مع تمرّد المتظاهرين في مختلف أنحاء المنطقة ضد الفساد والسلطوية، ومطالبتهم باستعادة كرامتهم والإقرار بحقوقهم الأساسية. لكن في غضون السنوات الخمس التي انقضت منذ ذلك الوقت، تبدّد التفاؤل الذي ساد لبرهة من الزمن، لا بل إن الدول العربية سلكت أيضاً مسارات مختلفة بعد الثورات، ما ولّد – بأشكال متنوّعة - فوضى وعدم قابلية للتوقع وركوداً، وربما تقدّماً. تطرح هذه الاختلافات تحدّيات أمام الحكومات والأحزاب السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في الشرق الأوسط، فضلاً عن صنّاع السياسات في الغرب. مع قلّة المواضيع والقضايا المشتركة المعمّمة على المنطقة، وعدم قابلية الأحداث للتوقّع، يمكن أن تصبح التحاليل بين ليلة وضحاها قديمة وغير مواكِبة للمستجدات، وحتى إن التخطيط في المدى القصير قد لا يكون مجدياً.
من هذا المنطلق، وبدلاً من محاولة كتابة تحاليل تُظهر كيف أن الأحداث الإقليمية هي جزء من رواية متماسكة، قد يكون من الأجدى التركيز على الظروف الخاصة بكل دولة عربية بعد العام 2011. لهذه الغاية، يستند كتاب صدى الإلكتروني الأول (متوفر باللغة الإنجليزية)، "الشرق الأوسط واختلال التوازن"، إلى البحوث الواسعة النطاق والعمل الميداني لكتّاب شباب مواكبين للمستجدات في مختلف أنحاء المنطقة من أجل تقديم أفكار فريدة ومتبصّرة عن مجموعة واسعة من التحدّيات والمسائل في عدد من الدول العربية.
إقرأه باللغة الإنكليزية:
MOBI
آيتونز
في الموضوع التونسي، يقول فضل علي رضا إن ظل الدولة البولسية يخيّم على الجهود الهادفة إلى الانتقال إلى نظام أكثر تعدّدية وديمقراطية. ويشرح محمد الشوي أن تحوّل مصر إلى نموذج سياسي يقوده أفرقاء معيّنون يتسبّب بإضعاف الدولة. أما مريم بن رعد فتحلّل صعود الدولة الإسلامية في العراق كنتيجة من نتائج التململ السنّي. ويستكشف هادي فتح الله، عبر النظر إلى بعض التحديات الأعمق التي تطرحها النزاعات في العراق واليمن وسورية، التأثير السلبي الذي يمارسه القتال على الأمن الغذائي، ما يؤدّي بدوره إلى تعاظم التحدّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويشير محمود جرابعة وليهي بن شطريت إلى أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني يفقد أهميته الإقليمية ليكتسب أهمية محلية أضيق – وللمفارقة – أهمية دولية أوسع نطاقاً. في المقال الأخير في الكتاب، يلفت سليمان العتيقي إلى أن التهديدات الجديدة المحدقة بالمنطقة ساهمت في التقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي.
هذه السلسلة من المقالات محاولة لتسليط الضوء على اللحظة الراهنة في الشرق الأوسط، عبر الإشارة إلى بعض الديناميات والتحديات الأساسية. تستحق البلدان الأخرى القدر نفسه من الاهتمام، وتشكّل التطورات السياسية فيها موضع تغطية معمّقة ومنتظمة من الكتّاب المساهمين في صدى. على سبيل المثال، يقف الجزائر، على الرغم من أنه ظل بمنأى عن الاضطرابات التي عصفت بالمنطقة في العام 2011، عند مفترق طرق وسط الالتباس الذي يحيط بعملية انتقال القيادة والتراجع الشديد في العائدات الحكومية بسبب الهبوط في أسعار النفط. وثمة مؤشرات واضحة بأن الإصلاحات المتردّدة في المغرب وصعود السياسة الشعبية تمارس تأثيراً واسعاً انطلاقاً من النزعات نفسها التي أطلقتها انتفاضات 2011. كذلك يحاول الأردن إرساء توازن بين الإصلاحات والاستقرار فيما تسقط الحكومة تلو الأخرى على خلفية التقصير في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة. وفي ليبيا، يستمر تصدّع السلطة المركزية وإمكانات الدولة مع تواصل النزاعات المتعددة الطبقات إبان الحرب التي اندلعت في العام 2011. أما لبنان فيتخبّط من أجل عزل نفسه عن الحرب المستعرة والسياسات المتفجّرة التي عاثت خراباً في سورية المجاورة.
يتحوّل "الربيع العربي" أكثر فأكثر عنواناً للفشل والإحباط وخيبة الأمل والخوف في دوائر السياسة. لكن بدلاً من أن نسمح للأعوام الخمسة الماضية بأن تتحول هامشاً تاريخياً في فهمنا الأوسع للمنطقة وتوجّهاتها، ثمة حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تحاليل بغاية الدقة ترفض التبسيط وتتبنّى التعقيد الشاق الذي يتطلب مجهوداً كبيراً. واقع الحال هو أن مواصلة رصد خيوط الظواهر السياسية المشتركة في مختلف أنحاء المنطقة قد تؤمّن القليل من الوضوح من منظار جيوسياسي كلّي، لكن القيام بذلك ليس مجرد ممارسة أكاديمية. لم يعد بالإمكان التعويل على المبادئ الواسعة التي وجّهت في ما مضى عملية صنع السياسات في المنطقة، فالحلول الخلاقة الضرورية لمعالجة الأولويات الجديدة تتطلب قدراً أكبر من الفضول والصبر والاستعداد للإصغاء إلى الأصوات التي ارتفعت في العام 2011 ولا تزال أصداؤها تتردّد في أرجاء المنطقة.
إقرأه باللغة الإنكليزية: